شرح العقيدة الطحاوية [44]


الحلقة مفرغة

قال رحمه الله تعالى: [ وقوله تعالى: وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ [آل عمران:7]، الآية فيها قراءتان: قراءة من يقف على قوله: إِلَّا اللَّهُ [آل عمران:7]، وقراءة من لا يقف عندها، وكلتا القراءتين حق، ويراد بالأولى المتشابه في نفسه الذي استأثر الله بعلم تأويله، ويراد بالثانية المتشابه الإضافي الذي يعرف الراسخون تفسيره، وهو تأويله، ولا يريد من وقف على قوله: إِلَّا اللَّهُ [آل عمران:7] أن يكون التأويل بمعنى: التفسير للمعنى، فإن لازم هذا أن يكون الله أنزل على رسوله كلاماً لا يعلم معناه جميع الأمة ولا الرسول، ويكون الراسخون في العلم لا حظ لهم في معرفة معناها سوى قولهم: آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا [آل عمران:7]، وهذا القدر يقوله غير الراسخ في العلم من المؤمنين، والراسخون في العلم يجب امتيازهم عن عوام المؤمنين في ذلك.

وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما: أنا من الراسخين في العلم الذين يعلمون تأويله، ولقد صدق رضي الله عنه؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم دعا له وقال: (اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل) رواه البخاري وغيره، ودعاؤه صلى الله عليه وسلم لا يرد، قال مجاهد : عرضت المصحف على ابن عباس من أوله إلى آخره أقفه عند كل آية وأسأله عنها. وقد تواترت النقول عنه أنه تكلم في جميع معاني القرآن، ولم يقل عن آية: إنها من المتشابه الذي لا يعلم أحد تأويله إلا الله ].

المراد بالتأويل عند السلف على قراءة الوقف على لفظ الجلالة

في هذا المقطع يشير إلى أمور:

أولها: الفهم الصحيح لمعنى قوله عز وجل: وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ [آل عمران:7]، على قراءة الوقف، ذلك أن السلف لهم فهم وأهل الكلام والمبتدعة لهم فهم آخر، فالسلف في فهمهم لقوله عز وجل: وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ [آل عمران:7] يفسرون التأويل هنا بمعنى: تأويل الكيفيات في أخبار الغيب في صفات الله عز وجل وفي أفعاله وفي أمور الغيب الأخرى، فهذه فيها ما لا يعلم تأويله إلا الله، وهو الكيفيات التي هي غائبة عن الحواس وعن العقول.

فهنا التأويل يكون بمعنى: معرفة الكيفية لأمور الغيب، وهذه لاشك في أنه لا يعلمها إلا الله عز وجل، هذا فهم السلف، إذاً: التأويل هنا بمعنى: ما تئول إليه حقيقة الكيفيات، لا بمعنى التفسير.

أما أهل الأهواء المتكلمون ومن سار على سبيلهم فإنهم يفسرون معنى قوله تعالى: وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ [آل عمران:7]، بمعنى: معاني كلام الله عز وجل وحقائقه، يقولون في صفات الله عز وجل: ما يعلم تأويلها إلا الله، بمعنى: لا يعلم حقائقها ولا معانيها إلا الله، وهذا خطأ، فالحقائق والمعاني تعلم، إنما الكيفيات هي التي لا تعلم.

فعلى هذا يجعلون حقائق الصفات والأمور الغيبية ومعانيها من المتشابه الذي لا يعلم أبداً، ولذلك صاروا في تفسير نصوص الشرع في الصفات وغيرها على قولين: منهم من يقول: هذه النصوص لا نفهم منها شيئاً أبداً ونفوضها؛ لأن معناها متشابه وحقائقها متشابهة في ذلك، ومنهم من ضل فذهب يؤولها بما يستقيم عقلاً، فقال: لا نثبت معاني ألفاظها ولا حقائق ألفاظها، لكن نبحث لها عن معان أخرى تئول إليها وهي المعاني المرجوحة، فقالوا في قوله عز وجل: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5]: الاستواء هنا من المتشابه حقيقته ومعناه، فمنهم من قال: الاستواء لا نعلم له حقيقة أبداً ونفوض أمره إلى الله، وهؤلاء هم المفوضة، ومنهم من قال: نصرف اللفظ -وهو الاستواء- عن معناه الحقيقي، وعن الفهم الذي تفهمه مداركنا إلى معنى آخر نبحث عنه في دلالات اللغة، فبحثوا في دلالات اللغة فوجدوا أن من معاني الاستواء بزعمهم: الملك والسلطان والاستيلاء، مع أن في هذا نظراً، فصرفوا الألفاظ عن معانيها وحقائقها.

فقوله عز وجل: وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ [آل عمران:7] على الوقف على لفظ الجلالة، يقول السلف في معناه: وما يعلم الكيفيات إلا الله، أما المعاني والحقائق فلا شك في أن الله عز وجل قصد بكلامه معاني وحقائق تدركها عقولنا ومداركنا، لكنها تثبت لله عز وجل من غير تشبيه؛ لأن الله ليس كمثله شيء، وتثبت على ما يليق بالله عز وجل وبجلاله سبحانه.

المراد بالتأويل على قراءة الوصل

أما على الوصل، وهو قراءة الآية على هذا النحو: وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ [آل عمران:7]، فإن السلف يقولون: إن الراسخين في العلم يفهمون معاني وحقائق كلام الله عز وجل، أي: يفسرونها التفسير اللفظي المعلوم مع نفي التشبيه.

وأهل الأهواء يقولون في قوله عز وجل: وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ [آل عمران:7]، يقولون: إن الراسخين في العلم يعلمون صرفه عن معانيه إلى معان أخرى، أي: التأويل المرجوح، يزعمون أن الراسخين في العلم يلزمهم أن يصرفوا كلام الله عز وجل في أسمائه وصفاته عن معانيها المفهومة على ما يليق بجلال الله عز وجل إلى معان أخرى مرجوحة لقرينة دفع التشبيه.

قال رحمه الله تعالى: [ وقول الأصحاب رحمهم الله في الأصول: إن المتشابه الحروف المقطعة في أوائل السور. ويروى هذا عن ابن عباس ، مع أن هذه الحروف قد تكلم في معناها أكثر الناس، فإن كان معناها معروفاً فقد عرف معنى المتشابه، وإن لم يكن معروفاً -وهي المتشابه- كان ما سواها معلوم المعنى، وهذا المطلوب.

وأيضاً فإن الله قال: مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ [آل عمران:7]، وهذه الحروف ليست آيات عند جمهور العادين ].

في هذا المقطع يشير إلى أمور:

أولها: الفهم الصحيح لمعنى قوله عز وجل: وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ [آل عمران:7]، على قراءة الوقف، ذلك أن السلف لهم فهم وأهل الكلام والمبتدعة لهم فهم آخر، فالسلف في فهمهم لقوله عز وجل: وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ [آل عمران:7] يفسرون التأويل هنا بمعنى: تأويل الكيفيات في أخبار الغيب في صفات الله عز وجل وفي أفعاله وفي أمور الغيب الأخرى، فهذه فيها ما لا يعلم تأويله إلا الله، وهو الكيفيات التي هي غائبة عن الحواس وعن العقول.

فهنا التأويل يكون بمعنى: معرفة الكيفية لأمور الغيب، وهذه لاشك في أنه لا يعلمها إلا الله عز وجل، هذا فهم السلف، إذاً: التأويل هنا بمعنى: ما تئول إليه حقيقة الكيفيات، لا بمعنى التفسير.

أما أهل الأهواء المتكلمون ومن سار على سبيلهم فإنهم يفسرون معنى قوله تعالى: وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ [آل عمران:7]، بمعنى: معاني كلام الله عز وجل وحقائقه، يقولون في صفات الله عز وجل: ما يعلم تأويلها إلا الله، بمعنى: لا يعلم حقائقها ولا معانيها إلا الله، وهذا خطأ، فالحقائق والمعاني تعلم، إنما الكيفيات هي التي لا تعلم.

فعلى هذا يجعلون حقائق الصفات والأمور الغيبية ومعانيها من المتشابه الذي لا يعلم أبداً، ولذلك صاروا في تفسير نصوص الشرع في الصفات وغيرها على قولين: منهم من يقول: هذه النصوص لا نفهم منها شيئاً أبداً ونفوضها؛ لأن معناها متشابه وحقائقها متشابهة في ذلك، ومنهم من ضل فذهب يؤولها بما يستقيم عقلاً، فقال: لا نثبت معاني ألفاظها ولا حقائق ألفاظها، لكن نبحث لها عن معان أخرى تئول إليها وهي المعاني المرجوحة، فقالوا في قوله عز وجل: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5]: الاستواء هنا من المتشابه حقيقته ومعناه، فمنهم من قال: الاستواء لا نعلم له حقيقة أبداً ونفوض أمره إلى الله، وهؤلاء هم المفوضة، ومنهم من قال: نصرف اللفظ -وهو الاستواء- عن معناه الحقيقي، وعن الفهم الذي تفهمه مداركنا إلى معنى آخر نبحث عنه في دلالات اللغة، فبحثوا في دلالات اللغة فوجدوا أن من معاني الاستواء بزعمهم: الملك والسلطان والاستيلاء، مع أن في هذا نظراً، فصرفوا الألفاظ عن معانيها وحقائقها.

فقوله عز وجل: وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ [آل عمران:7] على الوقف على لفظ الجلالة، يقول السلف في معناه: وما يعلم الكيفيات إلا الله، أما المعاني والحقائق فلا شك في أن الله عز وجل قصد بكلامه معاني وحقائق تدركها عقولنا ومداركنا، لكنها تثبت لله عز وجل من غير تشبيه؛ لأن الله ليس كمثله شيء، وتثبت على ما يليق بالله عز وجل وبجلاله سبحانه.

أما على الوصل، وهو قراءة الآية على هذا النحو: وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ [آل عمران:7]، فإن السلف يقولون: إن الراسخين في العلم يفهمون معاني وحقائق كلام الله عز وجل، أي: يفسرونها التفسير اللفظي المعلوم مع نفي التشبيه.

وأهل الأهواء يقولون في قوله عز وجل: وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ [آل عمران:7]، يقولون: إن الراسخين في العلم يعلمون صرفه عن معانيه إلى معان أخرى، أي: التأويل المرجوح، يزعمون أن الراسخين في العلم يلزمهم أن يصرفوا كلام الله عز وجل في أسمائه وصفاته عن معانيها المفهومة على ما يليق بجلال الله عز وجل إلى معان أخرى مرجوحة لقرينة دفع التشبيه.

قال رحمه الله تعالى: [ وقول الأصحاب رحمهم الله في الأصول: إن المتشابه الحروف المقطعة في أوائل السور. ويروى هذا عن ابن عباس ، مع أن هذه الحروف قد تكلم في معناها أكثر الناس، فإن كان معناها معروفاً فقد عرف معنى المتشابه، وإن لم يكن معروفاً -وهي المتشابه- كان ما سواها معلوم المعنى، وهذا المطلوب.

وأيضاً فإن الله قال: مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ [آل عمران:7]، وهذه الحروف ليست آيات عند جمهور العادين ].

قال رحمه الله تعالى: [ والتأويل في كلام المتأخرين من الفقهاء والمتكلمين هو صرف اللفظ عن الاحتمال الراجح إلى الاحتمال المرجوح لدلالة توجب ذلك، وهذا هو التأويل الذي يتنازع الناس فيه في كثير من الأمور الخبرية والطلبية.

فالتأويل الصحيح منه الذي يوافق ما دلت عليه نصوص الكتاب والسنة، وما خالف ذلك فهو التأويل الفاسد، وهذا مبسوط في موضعه.

وذكر في التبصرة أن نصير بن يحيى البلخي روى عن عمرو بن إسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة عن محمد بن الحسن رحمهم الله: أنه سئل عن الآيات والأخبار التي فيها من صفات الله تعالى ما يؤدي ظاهره إلى التشبيه؟ فقال: نمرها كما جاءت ونؤمن بها ولا نقول: كيف وكيف.

ويجب أن يعلم أن المعنى الفاسد الكفري ليس هو ظاهر النص ولا مقتضاه، وأن من فهم ذلك منه فهو لقصور فهمه ونقص علمه، وإذا كان قد قيل في قول بعض الناس:

وكم من عائب قولاً صحيحاً وآفته من الفهم السقيم

وقيل:

علي نحت القوافي من أماكنها وما علي إذا لم تفهم البقر

فكيف يقال في قول الله الذي هو أصدق الكلام وأحسن الحديث وهو الكتاب الذي: أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ [هود:1]؟! إن حقيقة قولهم أن ظاهر القرآن والحديث هو الكفر والضلال، وأنه ليس فيه بيان لما يصلح من الاعتقاد ولا فيه بيان التوحيد والتنزيه! هذا حقيقة قول المتأولين ].




استمع المزيد من الشيخ ناصر العقل - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح العقيدة الطحاوية [68] 3352 استماع
شرح العقيدة الطحاوية [43] 3119 استماع
شرح العقيدة الطحاوية [64] 3024 استماع
شرح العقيدة الطحاوية [19] 2986 استماع
شرح العقيدة الطحاوية [31] 2849 استماع
شرح العقيدة الطحاوية [23] 2840 استماع
شرح العقيدة الطحاوية [45] 2824 استماع
شرح العقيدة الطحاوية [80] 2786 استماع
شرح العقيدة الطحاوية [92] 2780 استماع
شرح العقيدة الطحاوية [95] 2750 استماع