شرح العقيدة الطحاوية [37]


الحلقة مفرغة

قال رحمه الله تعالى: [ ومن كلام أبي حامد الغزالي رحمه الله في كتابه الذي سماه إحياء علوم الدين، وهو من أجل كتبه -أو أجلها-: فإن قلت: فعلم الجدل والكلام مذموم كعلم النجوم أو هو مباح أو مندوب إليه؟ فاعلم أن للناس في هذا غلواً وإسرافاً في أطراف ].

قبل أن يفصل الغزالي أحب أن أنبه إلى أنه رحمه الله اضطرب اضطراباً شديداً كعادة المتكلمين الذين لا يستقرون في عقائدهم على شيء، وإن كان أنصف في كلامه هنا، لكنه اضطرب، فكلامه يشعر بوصف مذهب السلف بأنهم غلوا في رد علم الكلام أو أنهم أسرفوا في رده، ثم بعد ذلك رجح قول السلف في رد علم الكلام، ثم يرجع عن ذلك مرة أخرى في بعض عباراته، وكأنه لا يريد أن يستقر على رأي، وإن كان في الجملة -خاصة في آخر حياته، وكما هو ظاهر من غالب كلامه الذي سنقرؤه الآن- قد رجع عن علم الكلام، ورأى أن مذهب السلف هو الصحيح وهو الأسلم والأعلم والأحكم، لكن مع ذلك بقيت عنده لوثات كلامية جعلت نفسه تتعلق بعلم الكلام بعض التعلق.

قال رحمه الله تعالى: [ فمن قائل: إنه بدعة وحرام، وإن العبد أن يلقى الله بكل ذنب سوى الشرك خير له من أن يلقاه بالكلام. ومن قائل: إنه فرض إما على الكفاية، وإما على الأعيان، وإنه أفضل الأعمال وأعلى القربات؛ فإنه تحقيق لعلم التوحيد ونضال عن دين الله.

قال: وإلى التحريم ذهب الشافعي ومالك وأحمد بن حنبل وسفيان وجميع أئمة الحديث من السلف. وساق ألفاظاً عن هؤلاء.

قال: وقد اتفق أهل الحديث من السلف على هذا، ولا ينحصر ما نقل عنهم من التشديدات فيه، قالوا: ما سكت عنه الصحابة -مع أنهم أعرف بالحقائق وأفصح بترتيب الألفاظ من غيرهم- إلا لما يتولد منه من الشر، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (هلك المتنطعون)، أي: المتعمقون في البحث والاستقصاء.

واحتجوا أيضاً بأن ذلك لو كان من الدين لكان أهم ما يأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويعلم طريقه ويثني على أربابه. ثم ذكر بقية استدلالهم، ثم ذكر استدلال الفريق الآخر، إلى أن قال: فإن قلت: فما المختار عندك؟ فأجاب بالتفصيل، فقال: فيه منفعة، وفيه مضرة: فهو باعتبار منفعته في وقت الانتفاع حلال، أو مندوب أو واجب، كما يقتضيه الحال، وهو باعتبار مضرته في وقت الاستضرار ومحله حرام.

قال: فأما مضرته فإثارة الشبهات، وتحريك العقائد وإزالتها عن الجزم والتصميم، وذلك مما يحصل بالابتداء، ورجوعها بالدليل مشكوك فيه، ويختلف فيه الأشخاص، فهذا ضرره في اعتقاد الحق، وله ضرر في تأكيد اعتقاد المبتدعة، وتثبيتها في صدورهم، بحيث تنبعث دواعيهم ويشتد حرصهم على الإصرار عليه، ولكن هذا الضرر بواسطة التعصب الذي يثور من الجدل ].

قبل أن نعرض كلامه في منفعة علم الكلام نحب هنا أن نستجلي أدلة السلف على تحريم علم الكلام من خلال ما ذكره الغزالي وغيره بإيجاز.

ويظهر أن الغزالي رجح أن قول السلف هو الصحيح، لكنه استثنى استثناءً كما سيأتي، بمعنى أنه يرى أن علم الكلام مضرته أكثر من منفعته، والاستثناء الذي سيورده منقوض بكلامه هو.

نرجع إلى قول السلف وأصل هذا القول وأدلته؛ فالسلف رحمهم الله كلهم يحرمون علم الكلام، فلا يظن أحد من الناس أن هناك من أهل السنة من سلف الأمة أئمة الدين وأهل الحديث من يبيح علم الكلام أبداً بإطلاق.

وقد نجد من أقوال أئمة أهل السنة ما يشعر أحياناً باستخدام علم الكلام عند الضرورة، وهذا لا يعد دليلاً على إباحة علم الكلام، بل يعد من اللجوء للضرورة، كاستباحة الميتة عند الضرورة.

وهذا أمر لا يتعلق به واجب أو مندوب، بمعنى أننا لا نستصدر له حكم، بل ولا ينبغي أن نستثنيه بقاعدة فنقول مثلاً: علم الكلام محرم إلا عند الضرورة؛ لأن الضرورة يتفاوت الناس في تقديرها، وقد يتذرع طالب علم أو متعلم بأنه وجد ضرورة لعلم الكلام، كأن يدافع عن العقيدة، ويرد شبهات المبطلين، ثم يدخل في علم الكلام فلا يخرج إلا كما خرج أساطينه بشبهات وشكوك ومرض قلوب وفساد اعتقاد.

إذاً: فلا نُعرِّض المسلمين لما يسمى بالضرورة، وإنما ترد الضرورة في أمر يلجأ إليه العالم دون تبييت مسبق؛ كما حدث لكثير من الأئمة، فـالشافعي ناظر بعض المتكلمين واضطر إلى أن يستعمل عبارات كلامية في موقف لم يبيته من قبل.

والإمام أحمد رحمه الله استعمل بعض الحجج الكلامية وإن كانت قليلة جداً ونادرة، فقد كان وقافاً على النص، لكن استعملها من باب ضرورة الدفع لشبهة يخشى أن تنطلي على العامة، أو على الناس، أو على الحاضرين أثناء المناظرة.

فكان يدفع شبهتهم بأسلوب كلامي لضرورة طارئة ما بيتها الإمام أحمد من قبل، فقاعدته سالمة وباقية لم ينقضها إلا لضرورة طرأت.

كذلك من جاء بعدهم كشيخ الإسلام ابن تيمية ، وقد أكثر من استعمال الأساليب الكلامية ورد علم الكلام بأصول أهله، ورد قواعد المتكلمين بعضها ببعض، وهذا أيضاً ضرورة لم تلجئ الإمام ابن تيمية ولا غيره إلى أن يجعلها فتوى، إنما اضطر إليها حينما احتسب وقته وجهده وعلمه في هذا السبيل، ولم يبح ذلك للناس أو يفتحه كقاعدة أو فتوى.

إذاً: فيبقى الأصل عند السلف وأئمة أهل السنة قديماً وحديثاً إلى يومنا هذا أن علم الكلام حرام، والاطلاع على كتبه حرام، ولا يلجأ إليه بدعوى الضرورة إلا من متخصص في موقف يعرض له، فيستعمل أساليب كلامية، أو يطلع على كتب أهل الكلام للرد عليها، فهذا أمر يقدره العالم المتمكن، ولا يكون بمثابة الفتوى أو المنهج الذي يقرر كما يميل إلى ذلك بعض طلاب العلم عن جهل في عصرنا الحاضر.

سكوت الصحابة وإعراضهم عن علم الكلام مع قيام داعي الحاجة إليه

نرجع إلى أدلة تحريم السلف لعلم الكلام، ونبدأ بما ذكره الغزالي :

أولاً: قالوا: لأن هذا الأمر سكت عنه الصحابة، مع أنهم كانوا بحاجة إليه، ولا يظن ظان أن الصحابة لم يحتاجوا إلى علم الكلام، بل احتاجوا إليه إبان الفتوح، واحتاجوا إليه قبل ذلك في جدال اليهود والنصارى والمنافقين، يعني: حدثت أمور تقتضي استعمال علم الكلام فلم يستعملوه، فأقوال النصارى في القدر كانت حتى في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وتكلموا بها، وكان القرآن يتنزل في الرد عليها دون استخدام أساليب كلامية، وكذلك ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم مع المنافقين ومع اليهود ومع النصارى من المحاجة كان يلتزم فيه أصول الشرع والوحي، ثم ما فعله الصحابة في عهد الخلفاء الراشدين، وكذلك في آخر عهد الخلفاء الراشدين واجه المسلمون أمماً كلها عندها فلسفات، وعندها قواعد كلامية، وكان من مقتضى الواقع أن يفتحوا لأنفسهم باب علم الكلام فيجادلوا اليهود بأصولهم الكلامية والنصارى بأصولهم الكلامية، والمجوس بأصولهم الكلامية، والصابئة بأصولهم الكلامية، لكن لم يفعلوا ذلك، إنما كانوا يقيمون الحجة الشرعية، ولا يجادلون إلا بحدود تلتزم بالضوابط الشرعية، ولا يتعمقون في رد أقوال الخصم، بل يردون أقوال الخصم بالأدلة الشرعية والأدلة العقلية المبنية على الأدلة الشرعية؛ لأن الأدلة الشرعية جاءت بالأدلة العقلية كما ذكر أهل العلم، وليست الأدلة الشرعية خالية من الأدلة العقلية، فما من شبهة رئيسة في الأمم قديماً وحديثاً إلا ونجد في القرآن رداً عقلياً عليها، وفي سنة النبي صلى الله عليه وسلم وأقوال الصحابة.

إذاً: فلا يقال: إن الصحابة لم يواجهوا الفلسفات فيستعملوا علم الكلام، بل واجهوا الفلسفات، لكنهم سدوا باب الكلام والمراء والجدل إلا بالتي هي أحسن وبالأصول الشرعية.

إذاً: فما سكت عنه الصحابة يلزم المسلمين السكوت عنه إلى قيام الساعة، خاصة في الأمور الغيبية العقدية، وقبل ذلك ما سكت عنه الشارع، ما سكت عنه القرآن والسنة، مع أن الصحابة أعرف بالحقائق، يعني: حقائق الوحي، سواء ألفاظه ومعانيه، فالصحابة ليسوا كما يظن كثير من الناس أنهم إنما انشغلوا بالفتوح وليس عندهم تعمق في العلميات، ولا عندهم تعمق في المعارف، هذا ليس بصحيح، بل عندهم من القدرة العقلية والقدرة على التعمق ما ليس عند غيرهم، لكنهم وقفوا حيث أمروا أن يقفوا، والله عز وجل أمرهم ألا يسألوا عن أشياء، وأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم ألا يسألوا عن أشياء من ضمنها هذه الفلسفات وهذه الكلاميات، فهم أعرف بالحقائق -أي حقائق كلام الله وحقائق الوحي- وأفصح في ترتيب الألفاظ من غيرهم.

جناية الشرور والمفاسد من علم الكلام

الدليل الثاني: ما يتولد عن علم الكلام من الشر، كالشكوك والشبهات والاستهانة بكلام الله عز وجل، وتعريض الوحي لكثرة الخوض فيه ممن ليسوا من أهل العلم من المجادلين المماحلين والمرائين، ثم ما ينتج عن ذلك من تلويث قلوب الناس بالشكوك والشبهات والريب في دين الله عز وجل، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (هلك المتنطعون).

وهذا أمر ثابت، وهو أن التنطع في الدين لا يجوز، ومن التنطع البحث والاستقصاء في أمور الغيب، وأمور الدين وعلل الشرع، ونحو ذلك مما لا يدركه أحد أو لا يدركه إلا الراسخون في العلم.

انقطاع صلة علم الكلام بالدين لترك الأمر به

الدليل الثالث: أن بحث المسائل الشرعية بقواعد عقلية وفلسفية لو كان من الدين لأمر الله به وأمر به رسوله صلى الله عليه وسلم؛ لأنَّه لا يمكن أن يكون من لوازم الدين، ثم لا يبين لنا ولا نؤمر بالأخذ به، فكيف وقد نهينا عن الأخذ به أشد النهي؟!

إضاعة أوقات المسلمين وفتح أبواب الشبهات

وأخيراً: ثبت بالاستقراء التاريخي -وهذا أمر قاطع-: أن علم الكلام لم يأت بخير، فمنذ أن بدأ أهل الأهواء يشتغلون بعلم الكلام فتحوا على المسلمين أبواباً من الشر:

أولاً: من حيث إدخال الشبهات والشكوك على طوائف المسلمين، فضلوا وخرجوا عن السنة، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً.

ثانياً: أشغلوا أهل العلم بما هو أولى، فكم من الطاقات والجهود -جهود أهل العلم- قد بذل! بل إن مما بذلوه أموالهم وأرواحهم في سبيل حماية العقيدة، والتصدي لأهل الكلام وأهل الباطل وأهل الهوى؛ الأمر الذي صرف المسلمين عما هو أهم من تأصيل العقيدة ونشرها، والاهتمام بتربية المسلمين وإعدادهم، والاهتمام بالجهاد، وغير ذلك.

فالطاقات التي أهدرت في سبيل دفع هذه الشرور من علم الكلام وغيره من السلف وأئمة المسلمين لا تكاد تتصور، فبعض العلماء قد يكون أفنى عمره إلا القليل في سبيل التصدي لهذه الآفات، وهذه المصائب التي جرها علم الكلام على المسلمين.

ولنستعرض على سبيل المثال أنموذج الإمام أحمد في أعظم محنة امتحن بها في حياته، وهي أعظم محنة في تاريخ الإسلام بعد محنة الصحابة، وهي المحنة في قضية خلق القرآن، فهي قضية باطلة من منشئها، وابتليت الأمة بها بلوى عظيمة، فأشغلتهم عن الجهاد، وأشغلتهم عن العلم الشرعي، وأشغلتهم عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأشغلتهم عن تحقيق أمر الله ووعده، ووقع بذلك من الشر العظيم ما بقي جراحاً في الأمة إلى يومنا هذا.

ومثال آخر لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله على ما أعطاه الله من طاقات ومواهب، فقد قضى تسعين في المائة من عمره وحياته في الرد على أهل الأهواء، وقد جاهد الجهاد العملي بعض الوقت، لكن شغله جدال أهل الكلام والتأليف فيهم، والتصدي لأهوائهم، وشغل أكثر وقته، حتى نسي نفسه ونسي شيئاً من الأمور الضرورية، ولو انشغل بتأصيل العلم الشرعي -مع أن الله نفع به في التأصيل نفعاً عظيماً- لأثمر ثمرة عظيمة، مع أنه بذل خيراً، لكن أقصد أن هذا الخير الذي بذله كان في سبيل صد تيارات الشر التي ملأت الدنيا في ذلك الوقت.

نرجع إلى أدلة تحريم السلف لعلم الكلام، ونبدأ بما ذكره الغزالي :

أولاً: قالوا: لأن هذا الأمر سكت عنه الصحابة، مع أنهم كانوا بحاجة إليه، ولا يظن ظان أن الصحابة لم يحتاجوا إلى علم الكلام، بل احتاجوا إليه إبان الفتوح، واحتاجوا إليه قبل ذلك في جدال اليهود والنصارى والمنافقين، يعني: حدثت أمور تقتضي استعمال علم الكلام فلم يستعملوه، فأقوال النصارى في القدر كانت حتى في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وتكلموا بها، وكان القرآن يتنزل في الرد عليها دون استخدام أساليب كلامية، وكذلك ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم مع المنافقين ومع اليهود ومع النصارى من المحاجة كان يلتزم فيه أصول الشرع والوحي، ثم ما فعله الصحابة في عهد الخلفاء الراشدين، وكذلك في آخر عهد الخلفاء الراشدين واجه المسلمون أمماً كلها عندها فلسفات، وعندها قواعد كلامية، وكان من مقتضى الواقع أن يفتحوا لأنفسهم باب علم الكلام فيجادلوا اليهود بأصولهم الكلامية والنصارى بأصولهم الكلامية، والمجوس بأصولهم الكلامية، والصابئة بأصولهم الكلامية، لكن لم يفعلوا ذلك، إنما كانوا يقيمون الحجة الشرعية، ولا يجادلون إلا بحدود تلتزم بالضوابط الشرعية، ولا يتعمقون في رد أقوال الخصم، بل يردون أقوال الخصم بالأدلة الشرعية والأدلة العقلية المبنية على الأدلة الشرعية؛ لأن الأدلة الشرعية جاءت بالأدلة العقلية كما ذكر أهل العلم، وليست الأدلة الشرعية خالية من الأدلة العقلية، فما من شبهة رئيسة في الأمم قديماً وحديثاً إلا ونجد في القرآن رداً عقلياً عليها، وفي سنة النبي صلى الله عليه وسلم وأقوال الصحابة.

إذاً: فلا يقال: إن الصحابة لم يواجهوا الفلسفات فيستعملوا علم الكلام، بل واجهوا الفلسفات، لكنهم سدوا باب الكلام والمراء والجدل إلا بالتي هي أحسن وبالأصول الشرعية.

إذاً: فما سكت عنه الصحابة يلزم المسلمين السكوت عنه إلى قيام الساعة، خاصة في الأمور الغيبية العقدية، وقبل ذلك ما سكت عنه الشارع، ما سكت عنه القرآن والسنة، مع أن الصحابة أعرف بالحقائق، يعني: حقائق الوحي، سواء ألفاظه ومعانيه، فالصحابة ليسوا كما يظن كثير من الناس أنهم إنما انشغلوا بالفتوح وليس عندهم تعمق في العلميات، ولا عندهم تعمق في المعارف، هذا ليس بصحيح، بل عندهم من القدرة العقلية والقدرة على التعمق ما ليس عند غيرهم، لكنهم وقفوا حيث أمروا أن يقفوا، والله عز وجل أمرهم ألا يسألوا عن أشياء، وأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم ألا يسألوا عن أشياء من ضمنها هذه الفلسفات وهذه الكلاميات، فهم أعرف بالحقائق -أي حقائق كلام الله وحقائق الوحي- وأفصح في ترتيب الألفاظ من غيرهم.

الدليل الثاني: ما يتولد عن علم الكلام من الشر، كالشكوك والشبهات والاستهانة بكلام الله عز وجل، وتعريض الوحي لكثرة الخوض فيه ممن ليسوا من أهل العلم من المجادلين المماحلين والمرائين، ثم ما ينتج عن ذلك من تلويث قلوب الناس بالشكوك والشبهات والريب في دين الله عز وجل، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (هلك المتنطعون).

وهذا أمر ثابت، وهو أن التنطع في الدين لا يجوز، ومن التنطع البحث والاستقصاء في أمور الغيب، وأمور الدين وعلل الشرع، ونحو ذلك مما لا يدركه أحد أو لا يدركه إلا الراسخون في العلم.

الدليل الثالث: أن بحث المسائل الشرعية بقواعد عقلية وفلسفية لو كان من الدين لأمر الله به وأمر به رسوله صلى الله عليه وسلم؛ لأنَّه لا يمكن أن يكون من لوازم الدين، ثم لا يبين لنا ولا نؤمر بالأخذ به، فكيف وقد نهينا عن الأخذ به أشد النهي؟!