خطب ومحاضرات
العقيدة والحركات الإسلامية [1]
الحلقة مفرغة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
فالموضوع الذي سأتكلم عنه يتحدد في قضيتين رئيستين.
القضية الأولى: تتعلق بمقدمات عن عقيدة أهل السنة والجماعة، وليست مقصودة لذاتها، إنما قصدت لإيضاح القضية الثانية، وهي: مواقف الدعوات الإسلامية المعاصرة من عقيدة أهل السنة والجماعة اعتقاداً وعلماً وعملاً.
والقضية الأولى سأطرحها اليوم بإيجاز، وهي -كما قلت لكم- عبارة عن مقدمات ربما تكون بدهية عند أغلبكم، وإنما أردت التوصل بها إلى القضية الثانية، والتي ستطرح إن شاء الله في الأسبوع القادم.
النقاط التي سأطرحها الآن أولاً: تعريف العقيدة ومفهومها الصحيح، وأيضاً تعريف أهل السنة والجماعة، ومن هم؟ وما صفاتهم؟ وما أبرز سماتهم؟
ثم التعريج على تعريف عقيدة التوحيد ومنزلتها في دعوات الرسل وفي دعوة النبي صلى الله عليه وسلم، ثم مصادر هذه العقيدة عند أهل السنة والجماعة، ثم موجز لأهم أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة.
هذه أهم الموضوعات التي أرجو أن أتمكن إن شاء الله من طرحها هذه الليلة، فأبدأ بالتعريف.
تعريف العقيدة لغة واصطلاحاً: العقيدة في اللغة أخذت من العقد، والعقد، يعني: الربط والشد بقوة وإحكام، وهي مأخوذة من الإحكام والإبرام والتماسك والمراصة والإثبات والتوثق كلها تسمى عقداً، لذلك يسمى إجراء البيع والشراء عقداً، ويسمى إجراء النكاح عقداً، وتأكيد اليمين أيضاً يسمى عقداً، فالعقد إذاً في معناه اللغوي: هو التأكيد والجزم بالشيء اعتقاداً كان أو قولاً أو عملاً.
أما في الاصطلاح العام، وأقصد بالاصطلاح العام يعني: بغض النظر عن تعريف العقيدة الإسلامية، وإنما أقصد العقيدة بمفهومها العام عند جميع الناس: هي الإيمان الجازم والحكم القاطع الذي لا يتطرق إليه الشك لدى معتقده، وسواء كان هذا الإيمان مبنياً على أدلة يقينية أو لم يكن كذلك.
أما العقيدة الإسلامية فتعريفها الاصطلاحي: الإيمان الجازم بالله سبحانه وتعالى، وما يجب له في ألوهيته وربوبيته وأسمائه وصفاته، والإيمان الجازم بقضايا الغيب، ومنها: الإيمان بالملائكة والكتب والرسل واليوم الآخر والقدر خيره وشره، وبكل ما جاءت به النصوص الصحيحة من أصول الدين وقضايا الاعتقاد، وكذلك ما أجمع عليه السلف الصالح، ويدخل في مفهوم العقيدة اصطلاحاً: التسليم لله سبحانه وتعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم في الحكم والأمر والقدر والشرع.
أما موضوع العقيدة الإسلامية وما يراد منها، فالعقيدة بمفهوم أهل السنة والجماعة تشمل موضوعات التوحيد، وهو أشرفها وأهمها، والإيمان والإسلام بالغيبيات والنبوات والقدر والأخبار القطعية، وأصول الأحكام القطعية، مثل: أصول الحلال والحرام والتشريع، وسائر أصول الدين والاعتقاد، ويتبع مفهوم العقيدة والتوحيد: الرد على أهل الأهواء والبدع، وعلى سائر الملل والنحل والمذاهب الضالة.
ولعلم التوحيد أو علم العقيدة أسماء أخرى ترادف هذا الاسم، وتختلف هذه الأسماء بين أهل السنة في مفهومها، وبين الآخرين ممن خالفوا، سواء من غير المسلمين أو من الفرق التي ضلت أو انحرفت عن أهل السنة والجماعة.
فمن أسماء هذا العلم عند أهل السنة: أولاً: العقيدة والاعتقاد وما يشتق منهما، فيقال مثلاً: عقيدة السلف، وعقيدة أهل الأثر، وعقيدة أهل السنة والجماعة، ومن ذلك مثلاً تسمية بعض المؤلفات بهذا الاسم، مثل: (عقيدة أهل السنة أصحاب الحديث) للإمام إسماعيل الصابوني ، و(شرح أصول اعتقاد أهل السنة) للالكائي .. ونحو ذلك مما أطلق به السلف اسم العقيدة على هذا العلم.
ومن أسماء هذا العلم: التوحيد، والتوحيد وإن كان جزءاً من عقيدة أهل السنة والجماعة، إلا أنه سمي به هذا العلم؛ نظراً لأن التوحيد هو أشرف المعلومات في الاعتقاد، أي: توحيد الباري سبحانه وتعالى بأسمائه وصفاته، وبربوبيته وإلهيته، وموضوع التوحيد هو أشرف ما في هذا العلم من موضوعات، لذلك سمي علم العقيدة بالتوحيد؛ لأن التوحيد أشرف موضوعاته.
ومن ذلك: تسمية الإمام البخاري في موضوع التوحيد (كتاب التوحيد) في الجامع الصحيح، و(كتاب التوحيد وإثبات صفات الرب) للإمام ابن خزيمة ، و(اعتقاد التوحيد) لـأبي عبد الله محمد بن خفيف المتوفى سنة (371هـ)، و(كتاب التوحيد) كذلك لـابن منده المتوفى سنة (359هـ).
ومن أسماء هذا العلم المشهورة أيضاً: السنة، وإن كان هذا الاسم كاد يندثر عند الناس اليوم، فأصبح اسم السنة علماً على الحديث وهذا حق، لكن السلف أيضاً كانوا يسمون علم العقيدة بالسنة؛ نظراً لأن السنة تشمل كل ما أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم في أمور الاعتقاد والعلم والعمل، والاعتقاد والعلم يشملان العقيدة، فلذلك سميت العقيدة في عهد السلف في القرون الثلاثة الفاضلة بالسنة، بل أشهر الإطلاقات على علم التوحيد في عهد السلف في القرون الثلاثة هو اسم السنة، لذلك نجد أن المؤلفات في القرون الأولى في العقيدة أغلبها كان يحمل اسم السنة، من ذلك كتاب (السنة) للإمام أحمد بن حنبل ، وكذلك السنة لابنه عبد الله ، و(السنة) للخلال ، و(السنة) للعسال ، (السنة) للأثرم ، و(السنة) لـأبي داود ، كل هذه المؤلفات كانت في موضوع العقيدة.
إذاً: العقيدة في العصور الأولى كانت يطلق عليها السنة.
والسنة: هي الطريقة، فأطلق على عقيدة السلف السنة لاتباعهم طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه في ذلك.
ومن أسماء هذا العلم أيضاً: أصول الدين، أو أصول الديانة، ومن ذلك ما كتبه بعض السلف تحت هذا العنوان، مثل: كتاب (أصول الدين) للبغدادي ، و(الإبانة عن أصول الديانة) لـابن بطة ، وكذلك (الإبانة عن أصول الديانة) للأشعري ، لـابن بطة أيضاً كتاب مطبوع الآن اسمه (الشرح والإبانة).
ومن أسماء هذا العلم: الفقه الأكبر، وقد نسب لـأبي حنيفة رضي الله عنه كتاباً في ذلك، وأشك أنه له، ونسب أيضاً للشافعي رسالة في ذلك ولم أطلع عليها.
على أي حال أطلق السلف على علم العقيدة: الفقه الأكبر، سواء ألفوا في ذلك أو لم يؤلفوا، لكنه أثر عنهم.
ومن أسماء هذا العلم أيضاً: الشريعة، وهذا اسم نادر، لكن له وجه صحيح، ومن ذلك كتاب (الشريعة) للإمام الآجري .
فلعل كلمة الشريعة وإطلاقها على العقيدة أُخذ من قوله تعالى: شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا [الشورى:13]، وهذا دليل على أن ما شرعه وما وصى به نوحاً وهو شرع لجميع الناس هو العقيدة، وإلا فلنوح ولغيره من الأنبياء الذين بعثوا في الأمم شرائع مستقلة.
هذه فيما أعلم أشهر إطلاقات أهل السنة على علم العقيدة، وقد يشركهم غيرهم في إطلاقها بالتبع كبعض الأشاعرة، خاصة أهل الحديث من الأشاعرة، قد يطلقون هذه الأسماء على علم العقيدة والاعتقاد.
هذه اصطلاحات أخرى تطلقها الفرق من غير أهل السنة، وكذلك غير المسلمين على هذا العلم، من أشهر هذه الإطلاقات التي سادت بين الناس، وهي دلالات غير موافقة لاعتقاد أهل السنة مثل كلمة: علم الكلام، فعلم الكلام له مفهوم عند أهل السنة يغاير مفهوم الاعتقاد؛ لأنه معتمد على القول في الاعتقاد بالرأي، وبمجرد الرأي في أمور غيبية لا يعلمها إلا الله، لذلك هو لا يعدو أن يكون كلاماً من كلام البشر وخبطاً في الغيب، فعلم الكلام اسم غريب ومصطلح لا يجوز أن يطلق على عقيدة السلف.
وهذا الإطلاق هو السائد عند سائر الفرق المتكلمة كالمعتزلة والأشاعرة ومن يسلك سبيلهم.
ومن أسماء هذا العلم أيضاً عند غير أهل السنة: الفلسفة، قد يطلق على مجموع علم العقيدة حتى ما أثر عن السلف من قبل بعض الناس: علم الفلسفة، وهذا اصطلاح سائد عند المستشرقين بخاصة ومن تتلمذ على أفكارهم.
ومن الأسماء التي لا يجوز في نظري إطلاقها على علم الاعتقاد: علم التصوف، وهذا عند كثير من المتصوفة والفلاسفة المستشرقين ومن نحا نحوهم.
ومن ذلك أيضاً: علم الإلهيات، وهذا اسم غريب جاءنا من الغربيين والفلاسفة.
وهناك أيضاً كلمة أجنبية سادت أخيراً، وأصبح كثير من الناس يطلقها على علوم العقيدة عندنا، وهي ما يسمى بالميتافيزيقا أو ما وراء الطبيعة، فهذه تسمية غريبة، ولها مفهوم خاصة عند الغربيين لا ينبغي أن يطلق على علم العقيدة.
وهذه التسميات الأخيرة التي ذكرتها وهي تخالف تسميات هذا العلم عند أهل السنة أصبحت تصنف بها علوم العقيدة في كثير من مكتبات العالم، حتى في العالم الإسلامي، وهذا أمر ينبغي أن يتنبه إليه.
وخلاصة الأمر أن الناس يطلقون على ما يؤمنون به ويعتنقونه بمبادئ وأفكار وعقائد، سواء كانت هذه العقائد باطلة أو كانت حقاً، لكن العقيدة إذا أطلقت أو إذا عرِّفت عند أهل السنة فالمقصود بها العقيدة الإسلامية المستمدة من كتاب الله ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكما أن للعقيدة مفهوماً صحيحاً، فكذلك لها مفاهيم باطلة، فهي كل المعتقدات التي تعارض ما جاء في الكتاب والسنة، كما أن الله سبحانه وتعالى سمى الدين الحق ديناً، وسمى الأديان الباطلة ديناً، كما في قوله تعالى لرسول الله صلى الله عليه وسلم: لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ [الكافرون:6].
ننتقل إلى التعريف الموجز بأهل السنة.
أولاً: من هم؟ ثم ما خصائصهم؟ وما صفاتهم؟
السنة لغة: مأخوذة من الطريقة والسيرة.
أما السنة اصطلاحاً: فهي الطريقة التي كان عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه علماً واعتقاداً وقولاً وعملاً، وهي السنة التي أمر الرسول صلى الله عليه وسلم باتباعها، وهي التي حمد أهلها وذم أيضاً من خالفها، وتطلق السنة كذلك أيضاً بالاصطلاح الخاص عند الفقهاء على سنن العبادات، لكن السنة في العموم أكثر ما تطلق على العقيدة.
أما الجماعة -وهي الكلمة الثانية في أهل السنة والجماعة- فأخذت من الاجتماع وهو ضد التفرق، فالجماعة: هم القوم الذين اجتمعوا على أمر ما.
أما الجماعة في الاصطلاح -يعني: في الشرع-: فهي المقصودة في أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، والتي أمرنا بالتمسك بها وباتباعها وعدم مخالفتها. فالمقصود بها هم سلف الأمة من الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، الذين اجتمعوا على كتاب الله وعلى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن ساروا على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في أي مكان وأي زمان إلى قيام الساعة.
أو بعبارة أخرى نقول: أهل السنة والجماعة هم المستمسكون بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم واجتمعوا على ذلك، وهم الصحابة والتابعون وأئمة الهدى المتبعون لهم، ومن سلك سبيلهم في الاعتقاد والقول والعمل إلى يوم الدين.
فأهل السنة والجماعة هم المتصفون باتباع السنة، ومجانبة محدثات الأمور والبدع في الدين.
إذاً: في مصطلح أهل السنة والجماعة لا يقصد بالجماعة هنا مجموع الناس أو العامة، ولا الأغلب ولا سواد الناس ما لم يجتمعوا على الحق؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أن الطائفة المنصورة الظاهرة على الحق إلى قيام الساعة هي أهل السنة والجماعة، ولا يلزم أن تكون هي الغالبة في المسلمين والأغلبية، والأحاديث التي وردت، وإن كانت لم تصح، لكن بمجموعها قد ترتقي إلى درجة الحسن، الأحاديث التي وردت في اتباع السواد الأعظم تنطبق بالضرورة على الصحابة؛ لأنها خصصت بالأحاديث الأخرى التي جاءت بالإخبار على أن أهل السنة والجماعة يكونون قلة، ويكونون طائفة، ويكونون عصابة، ويكونون فرقة واحدة من ثلاث وسبعين فرقة.
فإذاً: من خلال النصوص ليست الجماعة بالأكثر ولا بالأغلب ولا بالسواد الأعظم كما يدعي كثير من الناس، فقد ثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (تفترق اليهود على إحدى وسبعين أو ثنتين وسبعين فرقة والنصارى مثل ذلك، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة)، وذكر في حديث آخر أن هذه الفرق أيضاً كلها في النار إلا واحدة، كما في الحديث الصحيح عن معاوية رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن هذه الأمة ستفترق على إحدى وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة، وهي الجماعة).
إذاً: الجماعة في آخر الزمان أو بعد عهد النبي صلى الله عليه وسلم هي الطائفة وهي الفرقة وهي العصابة، وهذا دليل على أن الأكثر والأغلب لا يقصد به مفهوم الجماعة الوارد في الأحاديث والنصوص، والنصوص تخصص بالنصوص التي جاءت في تحديد ووصف معنى الفرقة.
أهل السنة لهم صفات وأسماء تميزهم عن غيرهم، وأهم هذه الأسماء:
أولاً: أهل السنة والجماعة، وقد يفرد بعض أجزاء هذا الاسم، فيقال: أهل السنة فقط، ويقال: الجماعة فقط، وكل ذلك مأخوذ من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، وأحياناً يطلق على أهل السنة والجماعة عبارة: السلف، وهذه العبارة أصبحت عبارة اصطلاحية عند أهل السنة والجماعة، يعنى بها الذين هم على الحق، ابتداء من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم والتابعين وأهل القرون الثلاثة الفاضلة، وكل من تبعهم حتى اليوم، وإن كانت كلمة سلف تعني الماضين، إلا أن في مفهومها الحقيقي العلمي تعني من كان على ما كان عليه السلف، وإن كان معاصراً.
وكذلك يطلق على أهل السنة: أهل الأثر، أي: الذين هم على أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم أو الآخذين بما أثر عن الرسول صلى الله عليه وسلم، أو على أثر الصحابة.
وكذلك يسمون: أهل الحديث، فهذا المصطلح وإن كان ضاق أو في مفاهيم الناس، إلا أنه كان موجوداً عند السلف في القديم، يعني: أهل السنة والجماعة، وأهل الحديث كلمتان مترادفتان لا فرق بينهما، ينبغي أن يكون أهل السنة أهل حديث، وينبغي أن يكون أهل الحديث أهل سنة، ولا يقصد قديماً بأهل الحديث الذين هم علماء الحديث، وإن كانوا بالدرجة الأولى هم الذين يقتدي بهم الناس، لكن مع هذا كان في عصر السلف يقصد بأهل الحديث الذين أخذوا بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم دراية ورواية، علماً وعملاً.
إذاً: أهل الحديث هم الآخذون بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، لذلك نجد أن كثيراً من السلف، خاصة الأوائل في القرون الأولى كانوا يفسرون الفرقة الناجية بأنها أهل الحديث، ويفسرون الطائفة المنصورة الظاهرة بأنها أهل الحديث، ولا يقصد بهذا فقط المتخصصين في الحديث، إنما يقصدون أهل الحديث الآخذين به وهم السلف، وتفسير الجماعة وتفسير الطائفة المنصورة الظاهرة والفرقة الناجية بأهل الحديث أُثر عن الإمام أحمد ، وعن ابن المبارك ، وابن المديني ، وكذلك الإمام البخاري ، وأحمد بن سنان ، والإمام إسماعيل الصابوني ، وابن تيمية ، وسائر السلف كلهم أو غالبهم أُثر عنهم إطلاق أهل الحديث على أهل السنة والجماعة.
ومن أسمائهم أيضاً: الفرقة الناجية، وقد مر هذا.
ومن أسمائهم أيضاً: الطائفة المنصورة الظاهرة على الحق.
كذلك الإمام ابن تيمية وغيره في أكثر من مرة كانوا يطلقون أحياناً على أهل السنة: أهل الجماعة، ويبدو لي هذا من باب الاختصار.
هذه أهم أسماء أهل السنة عند السلف، وهي أسماء توقيفية، أرى أن الخروج عنها ربما يعطي مفاهيم قد تؤدي إلى الانحراف في الاعتقاد؛ لأن هذه الصفات كلها استنبطت من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، إما بالمنطوق وإما بالمفهوم.
أنتقل إلى موضوع مهم جداً، وهو موضوع مصادر العقيدة عند أهل السنة والجماعة.
للعقيدة عند أهل السنة والجماعة مصدران أساسيان: هما: كتاب الله تعالى وهو القرآن الكريم، وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم الصحيحة في أمور الاعتقاد، ويجوز أن نجعل إجماع السلف مصدراً ثالثاً؛ لكني لا أرى ذلك؛ لأن الإجماع خاصة في الاعتقاد لا يمكن يبنى إلا على نصوص؛ لأن أمور العقيدة بالجملة توقيفية وغيبية، والأمر التوقيفي أو الغيبي لا يمكن أن يكون فيه إجماع إلا على نص، مع أن هذا وارد حتى في الأحكام، لكني أرى أن العقيدة لا ينبغي أن نجعل لها أكثر من هذين المصدرين مادام الإجماع مبنياً عليهما.
أما الفطرة والعقل السليم فهما مصدران -في نظري- رافدان ومؤيدان للكتاب والسنة؛ لأن الفطرة السليمة والعقل السليم يدركان أصول الاعتقاد على الجملة، بمعنى أن الفطرة تدرك وجود الله سبحانه وتعالى، وتدرك ضرورة النبوات إذا أوتيت عقلاً سليماً، وتدرك ضرورة البعث، وتدرك ضرورة اتصاف الله سبحانه وتعالى بالكمال، كل هذه الأمور تدركها الفطرة والعقل السليم، لكن على الإجمال لا على التفصيل.
إذاً: فالعقل السليم والفطرة أرى أنهما رافدان لا يستقلان بتقرير العقيدة؛ لذلك لم يستغن البشر في تقرير العقائد عن الأنبياء أبداً، ولا يجوز أن يتعارض نص صحيح ثابت مع عقل سليم أو فطرة سليمة، بعكس ما يدعي كثير من المتكلمين.
إن خصائص عقيدة أهل السنة والجماعة كثيرة، لعلي أشير إلى بعضها بإيجاز.
فأول خصائص عقيدة أهل السنة والجماعة التي تمتاز بها عن عقائد الفرق وعقائد غير المسلمين:
اعتمادها على الكتاب والسنة وإجماع السلف فحسب، ولا يتضح هذا إلا لو استعرضنا مصادر العقيدة عند الفرق الأخرى.
فمثلاً: من أقرب الناس إلى أهل السنة من الفرق: الأشاعرة والمتكلمين، فهؤلاء يجعلون المصدر الأساسي للعقيدة القواطع العقلية، فيكونون قد أتوا بمصدر ثالث، أرى أنه مصدر هادم، فيقولون: بأن القواطع العقلية مصدر أساسي، يأتي بعده قطعيات الكتاب والسنة، أما أهل السنة والجماعة فمن أهم خصائص عقيدتهم الإسلامية: اعتمادها على الكتاب والسنة وإجماع السلف فحسب، وكذلك من خصائصها أنها توقيفية وغيب، ليس في العقيدة فيما أعلم شيء إلا وهو توقيفي، لابد أن يكون مستمداً إما عن الله سبحانه وتعالى أو عن المعصوم صلى الله عليه وسلم، لا يمكن أن يرد شيء من أمور العقيدة لا في كلياتها ولا في جزئياتها إلا وهو توقيفي، وإذا خرجنا عن هذه القاعدة، وقعنا فيما وقعت فيه الفرق من التلفيق والانحراف والضلال والتحريف.
ومن خصائصها: أنها أكثر موافقة للفطرة القويمة والعقل السليم.
ومن أبرز خصائصها أيضاً: اتصال سندها برسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه الخصيصة لا توجد عند أي فرقة من الفرق، كل الفرق نجد أن عقائدها مستمدة من زعمائها وروادها الكبار، أما عقيدة أهل السنة والجماعة فكلها مسندة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، إما عن طريق القرآن، أو عن طريق السنة الصحيحة.
ومن ميزات عقيدة أهل السنة والجماعة وخصائصها: أنها تمتاز بالوضوح والبيان، والخلو من التعارض والتعقيد والتناقض والفلسفة.. وكثير من الأمور التي تحول بينها وبين فهم الناس لها، بخلاف عقائد الفرق الأخرى، فكلها لا تخلو من شيء من التعقيد أو التناقض أو الفلسفة أو التعارض، سواء في ألفاظها أو معانيها.
فلو استعرضنا عقيدة أهل السنة والجماعة لوجدنا أنها واضحة العبارة، بينة المعالم، قريبة للفطرة، قريبة للنفس وللفهم، بخلاف عقائد المتكلمين ومن نحا نحوهم فإنها كثيراً ما تحتاج إلى إيضاح وبيان، وحتى الذين قالوها أو قرروها وقعدوها نجد أنهم يختلفون كثيراً عند بيانها وشرحها وتقعيدها، بخلاف عقيدة أهل السنة والجماعة، فهي منقولة عن السلف بألفاظها.
ومن خصائص عقيدة أهل السنة والجماعة: سلامة أتباعها في العموم من التلبس بالبدع والشركيات والآثام والكبائر، وهذه تعرف بالاستقراء، فغير أهل السنة والجماعة لا يمكن أن يسلم من علة من هذه العلل، لابد أن يكون لديه شيء من البدع، أو شيء من الشركيات، أو شيء من ارتكاب الآثام والكبائر واستحلالها، وهذا لا يعني أن أهل السنة معصومون من الكبائر أو من ارتكاب الآثام، لكنهم لا يستحلونها، أما بقية الفرق فلا يسلم -حسب علمي- أحد من أن توجد فيه علة من هذه العلل، وأكثرها البدع في الاعتقادات والعبادات، ويكفي من الفرق التي خالفت أهل السنة والجماعة أنها قالت في الله بغير علم، لا توجد فرقة من الفرق التي خرجت عن منهج أهل السنة والجماعة، وأقربها وأسهلها انحرافاً الأشاعرة والماتريدية، ومع ذلك قالت في الله بغير علم، كتأويل الصفات مثلاً.
نأتي إلى قواعد عامة عند أهل السنة والجماعة، من هذه القواعد.
أولاً: أن مصادر عقيدة أهل السنة والجماعة تقوم على التسليم بما جاء عن الله تعالى وعن رسوله صلى الله عليه وسلم، وهما المصدران الأساسيان: الكتاب، والسنة الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثانياً: من هذه الأصول أن ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا من الأخذ به في الاعتقاد وإن كان آحاداً، وهذه مسألة كبيرة خالفت فيها الفرقُ أهلَ السنة.
ثالثاً: ما اختلف فيه من أمور الدين فمرده إلى الله ورسوله، أي: إلى الكتاب والسنة، كما فهمهما الصحابة والتابعون والتابعون لهم من أئمة الهدى المتبعين لأولئك، فلا عبرة بفهم من خالف بعد العصور الأولى؛ لأن الصحابة هم الذين أنزل عليهم القرآن، فالصحابة تلقوا القرآن وتلقوا العقيدة عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وكانوا يسألون فيما يشكل عليهم من أمور الاعتقاد، والرسول صلى الله عليه وسلم لم يمت إلا وقد بين البيان الكافي الذي لا مزيد بعده في أمور الاعتقاد.
فأي جديد في الاعتقاد يعتبر ابتداعاً، وما اختلف فيه من أمور الدين فمرده إلى الأولين من الصحابة والتابعين.
رابعاً: كل مسائل العقيدة وأصول الإيمان والدين قد بينها الرسول صلى الله عليه وسلم وفصلها؛ لئلا يدعي أحد من الناس أن في أمور العقيدة ما هو مجهول يحتاج إلى تفصيل، أو ما هو عام يحتاج إلى تخصيص.. إلى آخره، كما قال بعض المبتدعين: أن عقيدة السلف أسلم وعقيدة الخلف أعلم وأحكم. وهذه كلمة هادمة للعقيدة وتعني: أن السلف الأوائل أخذوا العقيدة أخذاً مجملاً دون فهم لتفصيلاتها أو استيعاب لأمورها، وهذا خطأ.
خامساً: أصول الدين والعقيدة توقيفية، قد بينها الرسول صلى الله عليه وسلم بالقرآن والسنة، فليس لأحد بعد ذلك أن يحدث أمراً من أمور الدين زاعماً أنه يجب اتباعه أو اعتقاده أو التزامه، فإن الله تعالى أكمل الدين، وانقطع الوحي، وختمت النبوة، لقوله تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ [المائدة:3]، وكذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)، وهذا الحديث قاعدة من قواعد الدين، وأصل من أصول الاعتقاد، فمن اعتقد أنه يسعه الخروج عما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من الشرع والدين فقد خلع ربقة الإسلام، كما قرره السلف.
سادساً: يجب الالتزام بالألفاظ الواردة في الكتاب والسنة في الاعتقاد؛ لأن الألفاظ توقيفية وكذلك المعاني؛ ولأن العقيدة غيب والغيب لا يعلمه إلا الله.
فإذاً: يجب الحفاظ على ألفاظ العقيدة، وهذا أصل من أصول الدين إذا خولف انهدمت أصول الاعتقاد، لذلك اجتنب السلف الألفاظ المبتدعة، ونهوا عنها أشد النهي، وبدعوا كل من تكلم بلفظ ليس له مدلول، أو ليس له أصل في الكتاب والسنة.
سابعاً: لا يجوز الخوض ولا الجدل في أمور الاعتقاد؛ نظراً لأنها توقيفية وغيبية، إلا بقدر البيان وإقامة الحجة، قد يضطر أهل السنة أحياناً كما اضطر السلف الأوائل إلى الكلام في العقيدة أحياناً بغير ما ورد في القرآن، وهذا على سبيل إقامة الحجة، كما ورد في الرد على الجهمية وعلى المعتزلة في مسألة خلق القرآن.. وغيرها، قد يتكلم بعض السلف بكلام زائد في تقرير الاعتقاد عما ورد في الكتاب والسنة، لكن هذا إنما هو أسلوب من أساليب الإقناع والبيان لا أسلوب من أساليب تقرير العقيدة وتقعيدها، لذلك في تقرير العقيدة وتأصيلها لا يتكلم السلف إلا بالألفاظ الشرعية الواردة، ويتوقفون عندها.
وأخيراً: لا يجوز تأويل نصوص العقيدة، ولا يجوز كذلك صرفها عن ظاهرها بغير دليل شرعي ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم، فالتأويل باب عظيم من أبواب الانحراف والضلالة كما سيأتي.
أما موجز اعتقاد أهل السنة فيتلخص فيما يلي: مسألة الأسماء والصفات، والقاعدة في الأسماء والصفات: إثبات ما أثبته الله تعالى لنفسه، وما أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم، ونفي ما نفاه تعالى عن نفسه، وما نفاه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم، استناداً إلى القاعدة في قوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11].
عقيدة أهل السنة في مسائل الإيمان ومسائل الغيبيات تتلخص فيما يلي.
الإيمان بأركان الإيمان الستة ومستلزماتها
أولاً: من أصول أهل السنة والجماعة: الإيمان بكل ما أخبر الله به من أمور الغيب.
ومن ذلك: الإيمان بالله تعالى وتوحيده بأسمائه وصفاته وربوبيته وألوهيته.
والإيمان بالملائكة وأنهم عباد مكرمون لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، وأنهم أيضاً موكلون بعبادة الله سبحانه وتعالى بالتسخير، ومنهم من له وظائف في هذا الكون وأعمال أخرى كإنزال الوحي، وكتابة الأعمال، وإنزال المطر، والسحاب، ونصر المؤمنين، وقبض الأرواح، وحملة العرش.. وغير ذلك من الأعمال التي ورد النص بأنها من أعمال بعض الملائكة، فهذه الأمور يجب اعتقادها على الإجمال وعلى التفصيل، كما أنه يجب أن يعتقد المسلم بأن الملائكة مخلوقات متميزة عاقلة مدركة مكلفة، بخلاف ما يقول به بعض المعاصرين: من أن الملائكة تعني نوازع الخير، وهذه مقولة فلسفية قديمة سادت بين الناس.
ومن ذلك: الإيمان بالكتب المنزلة من الله تعالى إجمالاً وتفصيلاً، وعلى سبيل الإجمال أن نؤمن بأن الله أنزل كتباً على جميع الأمم، وعلى التفصيل أن نؤمن بالكتب التي وردت في القرآن والسنة كالتوراة والإنجيل والزبور والقرآن.
ومن قضايا الإيمان: الإيمان بالأنبياء والرسل، وهذا أيضاً فيه تفصيل وإجمال كما تعرفون، والإجمال: هو الإيمان بأن الله بعث رسلاً وأنبياء لجميع الأمم.
والتفصيل: هو الإيمان بكل من جاء ذكرهم في القرآن والسنة، وقد ذكر الله في القرآن خمسة وعشرين نبيناً ورسولاً.
ومن ذلك: الإيمان باليوم الآخر، وأن الموت حق، وبنعيم القبر وعذابه، والبعث والنفخ في الصور، وكذلك النشر والعرض والحساب والجزاء، والصحف، والميزان والصراط، والحوض، والجنة والنار، وكذلك خروج المهدي وهي أيضاً من القضايا القطعية في الدين، والتي بدأ بعض الناس يشك فيها؛ هروباً مما يحذر الناس من مستلزمات الإيمان بالمهدي .
وكذلك يأجوج ومأجوج، وطلوع الشمس من مغربها، وخروج الدابة.. وغير ذلك مما ثبت به الأخبار، هذه من الأمور القطعية التي تدخل في العقيدة دخولاً أولياً.
ومن ذلك: الإيمان بالقدر خيره وشره من الله تعالى، وأن الله خالق كل شيء، وأن الله قدر الأرزاق والآجال، والسعادة والشقاوة، والإضلال والهداية، وأنه تعالى فعال لما يريد.
والإيمان بأنه تعالى أخذ الميثاق على جميع العباد، وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم؟ قالوا: بلى، وهذا الميثاق يوجد الآن عند الناس في الفطرة، وسيتذكرونه يوم القيامة.
القرآن كلام الله منزل غير مخلوق
ثانياً: من أصول أهل السنة والجماعة: أن القرآن الكريم كلام الله عز وجل منزل غير مخلوق، وأجمع أهل السنة على أن من زعم أن القرآن مخلوق أنه كافر.
رؤية المؤمنين لربهم في الجنة
ثالثاً: الرؤية، أي: رؤية المؤمنين لربهم في الجنة بأبصارهم، وهذه القضية من القضايا التي بدأت تثار على أساس أنها لا تثبت في النصوص، أو على سبيل إثارة بعض آراء الفرق القديمة التي لا تؤمن بالرؤية، فالرؤية حق، وقد تواترت في القرآن والسنة، وأجمع عليها السلف.
الشفاعة وأنواعها
وكذلك من أمور الشفاعة القطعية: شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم لأهل الكبائر من أمته، وهذه الشفاعة هي التي خالفت فيها الفرق قديماً وحديثاً، كالخوارج والمعتزلة والرافضة والزيدية وبعض الإباضية.. وغيرهم فهؤلاء الآن فيما أعلم لا يؤمنون بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لأهل الكبائر لأمته.
الإسراء والمعراج
خامساً: الإسراء والمعراج، ومن قضايا العقيدة، وهو الإيمان بأن الله سبحانه وتعالى أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، وأنه عرج به إلى السماء حتى وصل إلى سدرة المنتهى عبر السماوات السبع.
ويترتب على الإيمان بالإسراء والمعراج بعض القضايا التفصيلية في الاعتقاد، لا يتسع المقام للكلام فيها.
محبة أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم وآله والترضي عنهم
سادساً: من أصول أهل السنة والجماعة : حب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والترضي عنهم، والكف عما شجر بينهم، وعدم تنقص أحد منهم، واعتقاد أنهم كلهم ثقات؛ لأنهم نقلوا الدين، والله ائتمنهم على ذلك، والرسول صلى الله عليه وسلم بلغهم وبلغوا غيرهم، فهم الوسيلة في بلاغ الدين، فالطعن في أحد منهم إنما هو زيغ وضلال.
وأفضلهم كما هو معروف عند أهل السنة الخلفاء الراشدون: أبو بكر ، ثم عمر ، ثم عثمان ، ثم علي رضي الله عنهم أجمعين.
وكذلك الترضي عن زوجات النبي صلى الله عليه وسلم، وعدم الطعن في واحدة منهن.
كذلك حب آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وإعطاؤهم حقهم، كما أمر الرسول صلى الله عليه وسلم.
مجانبة البدع وأهلها
سابعاً: من أصول أهل السنة: مجانبة البدع وأهلها، وكذلك أهل النفاق والأهواء وأهل الكلام، وبغض هؤلاء بقدر ما لديهم من انحراف، كالرافضة والجهمية والمعتزلة والخوارج والقدرية وغلاة والمرجئة وغلاة الصوفية والفلاسفة، وسائر الفرق والطوائف التي جانبت السنة والجماعة، يجب أن يكون المسلم مجانباً لأهل البدع والأهواء مبغضاً ما لديهم من بدعة مع الدعوة لهم بالحكمة.
لزوم الجماعة
ثامناً: من أصول أهل السنة والجماعة واعتقادهم القطعي: لزوم الجماعة، والجماعة هي ما كان عليه أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم والتابعون وسلف الأمة لا غيرهم، فلا عبرة بمن ادعى أنه من الجماعة ولم يكن على ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه في الاعتقاد.
ويتبع ذلك الاجتماع والاعتصام بحبل الله جميعاً؛ لأن الاعتصام بحبل الله والقرآن والسنة قوة وعزة، والفرقة عن أهل الحق شذوذ وهلكة.
السمع والطاعة لولاة الأمور بالمعروف وعدم الخروج عليهم
تاسعاً: من أصول أهل السنة والجماعة القطعية: السمع والطاعة لولاة الأمور بالمعروف، ما لم يأمروا بمعصية، وعدم جواز الخروج على أئمة المسلمين وإن جاروا، إلا أن نرى منهم كفراً بواحاً عليه من الله برهان، والمقصود بولاة الأمور: هم ولاة المسلمين الذين لهم بيعة.
الجهاد في سبيل الله ومع إمام المسلمين
من أصول أهل السنة والجماعة: الجهاد، وأنه قائم إلى قيام الساعة، هذا أصل من الأصول التي ثبتت فيها النصوص، والجهاد كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم هو ذروة سنام الإسلام، وكذلك الجهاد مع إمام المسلمين الأكبر إذا أعلن الجهاد؛ فإن من أصول أهل السنة وجوب الجهاد مع إمام المسلمين براً كان أو فاجراً، ونعني بالفجور هنا ما دون الكفر، فمادام مقيماً للصلاة، ومقيماً لأحكام الدين فإنه يجب الجهاد معه، وإن وجدت عنده بعض المعاصي.
وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
حادي عشر: من أصول أهل السنة والجماعة: وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا أصل من أصول الدين ومن أعظم شعائر الإسلام، وهو واجب على الاستطاعة.
إعطاء المسلمين كامل حقوقهم الشرعية
ثاني عشر: من أصول أهل السنة: إعطاء حقوقهم، كالشهادة فمن شهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وصلى صلاة المسلمين، واستقبل قبلتهم، وأظهر شعائر الإسلام فهو مسلم، له ما للمسلمين، وعليه ما عليهم، وهو حرام الدم والمال والعرض، وحسابه على الله، وينبغي أن نشهد لمن أظهر شعائر الدين بأنه مسلم، وتطبق عليه أحكام المسلمين، ولا يقدم سوء الظن كما يفعل كثير من الجهلة الآن.
ومن أحكام المسلمين أيضاً: أنه لا يجوز تكفير أحد من أهل القبلة بذنب يرتكبه، إلا من جاء تكفيره بالكتاب والسنة، وقامت عليه الحجة، أو فعل كبيرة أو ذنباً وهو مستحل له، بمعنى: أنه خالف الشرع في تقرير هذا التحريم، كما أنه في المقابل لا يجوز الشك في كفر من كفره الله، أو كفره الرسول صلى الله عليه وسلم، أو قامت الحجة بكفره.
ثم إنه لا يجوز أن نجزم لأحد من الناس كائناً من كان بأنه من أهل الجنة أو أنه من أهل النار، إلا من شهد له الرسول صلى الله عليه وسلم، أما الشهادة فإنا نشهد للمسلمين ومن ماتوا على الإسلام بأنهم من أهل الجنة مجرد شهادة، أما الجزم فلا يجوز؛ لأن أمر المصائر عند الله سبحانه وتعالى.
من أصول أهل السنة: أن مرتكب الكبيرة تحت مشيئة الله إن شاء غفر له، وإن شاء عذبه، وأنه لا يخلد في النار، خلافاً لما يقوله الخوارج والمعتزلة وبعض الفرق، وكذلك يرجى للمحسن الثواب والمغفرة، ويخاف على المسيء العذاب.
الصلاة خلف أئمة المسلمين
ثالث عشر: من أصول أهل السنة: الصلاة خلف أئمة المسلمين برهم وفاجرهم، والمقصود بالأئمة هنا الإمام الأكبر، فالإمام الأكبر الصلاة خلفه من السنة، حتى وإن ارتكب بعض الآثام، وكذلك الجهاد كما مر.
الحب في الله والبغض في الله والولاء والبراء
رابع عشر: من أصول أهل السنة الحب في الله والبغض في الله، ومن ذلك الولاء للمؤمنين الصالحين، والبراء من المشركين والكافرين والمنافقين والفساق، وكل مسلم له من الولاء بقدر ما لديه من الطاعة، وعليه من البراء بقدر ما فيه من المعصية أو الفسق.
كرامات الأولياء حق
خامس عشر: من الأصول: أن كرامات الأولياء حق، ولكن ليس كل كرامة دليلاً على التوفيق أو الصلاح، إلا لمن كان على هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه قد تحدث الكرامة للمبتدع ابتلاء، وهذا يحدث كثيراً، لذلك نجد أن كثيراً من أهل البدع يعولون في دينهم على الكرامات أكثر مما يعولون على اتباع النبي صلى الله عليه وسلم.
إذاً: الكرامة حق، لكن ليست دليلاً دائماً على الصلاح، وإذا كثرت الكرامة يخشى أن تكون استدرجاً للبدعة أو الفتنة، لذلك نجد أن الكرامة تقل في العهود التي يكثر فيها الصلاح، لكنها لا تنعدم، ولا يعول عليها في أمور الجهاد وأمور الدين، وأصدق مثالاً لذلك عهد الصحابة، فالصحابة رضوان الله عليهم ما كانوا يعولون على الكرامة، ولا كانت أيضاً كثيرة بينهم، إنما كانت تحدث نادراً، وإذا حدثت فهي حق، وبالعكس نجد في المقابل أن الأمم أو الشعوب التي تكثر فيها البدع يكثر فيها التعويل على الكرامات، وقد تختلط الكرامة بالمخرقة، وتختلط بالشعوذة والسحر، وتختلط بأعمال الشيطان، الشيطان قد يوسوس للإنسان أو يظهر له من الأعمال الخيرية ما يكون استدراجاً له إلى المعصية والكفر.
يبدو لي أن الوقت أزف على النهاية، وربما أكون أخذت من وقت النقاش، فأكتفي بهذا القدر، وفي الأسبوع القادم إن شاء الله سأتناول مواقف الدعوات الإسلامية المعاصرة من هذه العقيدة؛ عقيدة أهل السنة والجماعة.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
أولاً: من أصول أهل السنة والجماعة: الإيمان بكل ما أخبر الله به من أمور الغيب.
ومن ذلك: الإيمان بالله تعالى وتوحيده بأسمائه وصفاته وربوبيته وألوهيته.
والإيمان بالملائكة وأنهم عباد مكرمون لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، وأنهم أيضاً موكلون بعبادة الله سبحانه وتعالى بالتسخير، ومنهم من له وظائف في هذا الكون وأعمال أخرى كإنزال الوحي، وكتابة الأعمال، وإنزال المطر، والسحاب، ونصر المؤمنين، وقبض الأرواح، وحملة العرش.. وغير ذلك من الأعمال التي ورد النص بأنها من أعمال بعض الملائكة، فهذه الأمور يجب اعتقادها على الإجمال وعلى التفصيل، كما أنه يجب أن يعتقد المسلم بأن الملائكة مخلوقات متميزة عاقلة مدركة مكلفة، بخلاف ما يقول به بعض المعاصرين: من أن الملائكة تعني نوازع الخير، وهذه مقولة فلسفية قديمة سادت بين الناس.
ومن ذلك: الإيمان بالكتب المنزلة من الله تعالى إجمالاً وتفصيلاً، وعلى سبيل الإجمال أن نؤمن بأن الله أنزل كتباً على جميع الأمم، وعلى التفصيل أن نؤمن بالكتب التي وردت في القرآن والسنة كالتوراة والإنجيل والزبور والقرآن.
ومن قضايا الإيمان: الإيمان بالأنبياء والرسل، وهذا أيضاً فيه تفصيل وإجمال كما تعرفون، والإجمال: هو الإيمان بأن الله بعث رسلاً وأنبياء لجميع الأمم.
والتفصيل: هو الإيمان بكل من جاء ذكرهم في القرآن والسنة، وقد ذكر الله في القرآن خمسة وعشرين نبيناً ورسولاً.
ومن ذلك: الإيمان باليوم الآخر، وأن الموت حق، وبنعيم القبر وعذابه، والبعث والنفخ في الصور، وكذلك النشر والعرض والحساب والجزاء، والصحف، والميزان والصراط، والحوض، والجنة والنار، وكذلك خروج المهدي وهي أيضاً من القضايا القطعية في الدين، والتي بدأ بعض الناس يشك فيها؛ هروباً مما يحذر الناس من مستلزمات الإيمان بالمهدي .
وكذلك يأجوج ومأجوج، وطلوع الشمس من مغربها، وخروج الدابة.. وغير ذلك مما ثبت به الأخبار، هذه من الأمور القطعية التي تدخل في العقيدة دخولاً أولياً.
ومن ذلك: الإيمان بالقدر خيره وشره من الله تعالى، وأن الله خالق كل شيء، وأن الله قدر الأرزاق والآجال، والسعادة والشقاوة، والإضلال والهداية، وأنه تعالى فعال لما يريد.
والإيمان بأنه تعالى أخذ الميثاق على جميع العباد، وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم؟ قالوا: بلى، وهذا الميثاق يوجد الآن عند الناس في الفطرة، وسيتذكرونه يوم القيامة.
استمع المزيد من الشيخ ناصر العقل - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
المعيار في معرفة المتشبهين بالكفار | 3329 استماع |
أحكام الأعياد | 3185 استماع |
توجيهات في طريق الصحوة | 3031 استماع |
مسلمات في العقيدة | 3020 استماع |
حقيقة التدين | 2994 استماع |
علامات الساعة وقيامها | 2908 استماع |
الوسواس أسبابه وعلاجه | 2787 استماع |
منهج السلف في تقرير العقيدة ونشرها والرد على المخالفين | 2720 استماع |
مصير الانسان | 2495 استماع |
مفتريات حول دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب | 2473 استماع |