شرح الأربعين النووية - الحديث السادس عشر


الحلقة مفرغة

التعليم بالسؤال والجواب

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيد الأولين والآخرين، سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

[عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: أوصني، قال: لا تغضب، فردد مراراً، قال: لا تغضب رواه البخاري ].

إن هذا الحديث النبوي الشريف من أبين وأظهر الأدلة على أنه صلى الله عليه وسلم أوتي جوامع الكلم، وذلك أنه حديث في كلمة دخل عليها حرف النفي، ومدلولها ومعطياتها يعجز الإنسان أن يوفيه حقه.

عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: (أن رجلاً)، من هو هذا الرجل؟ لا يعنينا، لأنه صحابي، والراوي صحابي، والحادثة وقعت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، والجواب سمعه أصحابه رضي الله تعالى عنهم.

رجل صحابي سأل النبي، وهذه نعمة كبرى على أصحاب رسول الله، فما إن تعرض لهم حاجة، أو يقعون في مشكلة، أو تتجدد لهم الأحداث إلا ويهرعون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه فيجابون.

والسؤال والجواب من أعلى أساليب التعليم والتربية، وقد جاء هذا الأسلوب في كتاب الله، واعلم أن السؤال إما أن يكون عن حاجة واستفهام وطلب المعرفة، وإما عن تعنت وتعجيز، وكل ذلك جاء في القرآن الكريم، والله سبحانه أجاب على تلك الأسئلة كلها، وجاء عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: (إن هذه الأمة أقل الأمم سؤالاً لنبيها، سألوه اثني عشر سؤالاً)، والمتتبع لهذه الأسئلة في كتاب الله يجدها عملية واقعية إلا ما تدخّل فيها عنصر اليهود.

أسئلة الصحابة المذكورة في القرآن

فمن الأسئلة العملية التي جاءت في القرآن:

قال الله: يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ [البقرة:215] سألوه مرتين: مرة بنوعية الإنفاق، ومرة بمصرف هذا الإنفاق، فقال الله: وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ [البقرة:219] أي: ليس كل المال، كما جاء في قوله تعالى: وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلا تُسْرِفُوا [الأنعام:141]، قالوا: (وَلا تُسْرِفُوا) في الحق الذي تخرجونه، فلا تتصدقوا بكل الثمرة، فتتركون الأهل والولد جياعاً، وقيل: (وَلا تُسْرِفُوا) راجعة على الأكل المتقدم ذكره، أي: كلوا بدون إسراف، بل بتوسط، وكما قال الله: وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا [الإسراء:29] والسؤال الآخر: قُلْ مَا أَنفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ [البقرة:215]، فبين الله الأصناف الذين هم أحق بالبداءة والأولوية، وهو أمر عملي.

وقال الله: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ [البقرة:222] -وهو أمر يخالط البيوت- قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ [البقرة:222].

وقال: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ [البقرة:217] وهذه أمور واقعية.

وقال: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْر [البقرة:220] واليتيم فرد من المجتمع.

وقال: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا [البقرة:219]، فقارن بينهما ورجح الإثم.

وقال: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا [طه:105]، وهنا قال: (فَقُلْ) ولم يقل: قل.

من أسئلة المشركين المذكورة في القرآن

وقد دل اليهود المشركين على أسئلة التعنت والتعجيز لما جاء المشركون إلى اليهود فقالوا: أنتم أهل كتاب؟ فأعطونا شيئاً نسأل به هذا الرجل لنسكته، فقالوا: سلوه عن ثلاث:

عن رجل في سالف الزمن خرج من المشرق إلى المغرب، ما شأنه؟

وعن فتية آمنوا بربهم وخرجوا، ما شأنهم؟

وعن الروح؟

فإن سكت عن الجميع فهو كاذب فشأنكم به، وإن أجابكم عن بعضها وسكت عن بعضها فهو صادق، فجاءوا وسألوه، وجاءت الإجابة بقدر السؤال: أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا [الكهف:9]، وبيّن سبحانه قصتهم وقال: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبي [الإسراء:85]، وقال: وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ [الكهف:83]، وكان رجلاً في سالف الزمن، والرسول صلى الله عليه وسلم لم يقرأ التاريخ، ولم يعاصره، ولم يبلغه عنه شيء، فقص الله قصته للتحدي وللإعجاز، وسؤالهم ليس عن رغبة في فائدة يتحصلون عليها من وراء هذا السؤال، فجاء الجواب دون كل الأسئلة: قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا [الكهف:83]، أي: سأقرأ وحياً ينزل عليّ، ويكون هذا الذكر باقياً إلى الأبد: إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ [الكهف:84] إلى آخر السياق، وفيها طوافه من المشرق إلى المغرب، وما كان منه في الطرفين، وما فعل مع يأجوج ومأجوج، إلى آخر قصته وفيها ما لم يكن عند اليهود من خبره في ذلك.

سؤال النبي عليه الصلاة والسلام لأصحابه

وقد يكون السؤال من رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه، ليفتح الذهن، ويختبر الذكاء، ويجعلهم يتطلعون إلى الجواب، ويفتشون عن الإجابة، وقد جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أخبروني بشجرة تشبه المسلم لا يتحات ورقها) قال ابن عمر : وأخذ الناس يخوضون في شجر البوادي، وخطر ببالي أنها النخلة، واستحييت أن أتكلم مع كبار الناس، فقال له أبوه: والله! لو كنت تكلمت بها، لهو خير لي من الدنيا وما فيها، والرسول كشفها عندما عجزوا عنها فقال: (هي النخلة).

وقال صلى الله عليه وسلم لـمعاذ : (يا معاذ! أتدري -وهذا سؤال استفهام- ما حق الله على العباد؟ وما حق العباد على الله؟)، والرسول صلى الله عليه وسلم يسأل معاذاً : (أتدري؟)، وهو يعلم أن معاذاً لا يدري، ومن له علم بذلك، فلماذا السؤال وهو يعلم أنه لا يعلم الجواب؟

يقولون: حينما يأتيك جواب عن قضية عابرة يمر الجواب بسمعك عابراً، ولكن حينما تُسأل وأنت لا تعلم، تتفاعل في نفسك وتطلب الجواب والمعرفة فلا تجد، فتقف وكلك استعداد لتلقي وقبول الجواب الذي يأتيك، فيرسخ في قلبك.

ومن هنا نعلم جميعاً أن معاذاً تشوق إلى الجواب، فأخبره صلى الله عليه وسلم بعدما استجمع حسه وقواه لتلقي الإجابة، فقال: (حق الله على العباد كذا، وحق العباد على الله كذا).

سؤال الصحابة لزوجات النبي عليه الصلاة والسلام

وقد كان الصحابة يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويرسلون مع زوجات رسول الله أسئلة مما يتعلق بشأن البيوت، فكان السؤال والجواب أقوى وسيلة لتلقي أصحاب رسول الله العلم عن الله وعن رسول الله وعن زوجات رسول الله.

وكان عمر رضي الله تعالى عنه في مسجد رسول الله فاختلف عنده رجلان من الصحابة، فيمن يأتي أهله فيكسل ولم ينزل، أيغتسل، أم لا؟

فقائل يقول: لا غسل عليه، لحديث: (إنما الماء من الماء)، وقائل يقول: عليه الغسل لحديث: (إذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل).

فسأل علياً رضي الله تعالى عنه: ما تقول أنت -يا علي!- في هذه المسألة؟ فقال علي : لا تسألني ولا تسأل غيري، دونك زوجات رسول الله فأرسل إليهن وسلهن، فيرسل إلى عائشة رضي الله تعالى عنها، فأخبرتهم بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك ويغتسل، قالت: وسمعته يقول: (إذا جاوز الختان الختان وجب الغسل أنزل أو لم ينزل) ، فرجع الرسول وأخبر عمر ، فقال: لئن سمعت أحداً يقول: لا غسل عليه، لأجعلنه مثلة لغيره، وانتهى الخلاف، وقال أُبي : يا أمير المؤمنين! لا تعجل، أنا أخبرك عن هذا: في بادئ الأمر لم يُعزم علينا بالغسل، ثم في آخر الأمر عزم علينا به.

البحث في سبب الخلاف من وسائل ترجيح الروايات

وهذا منهج من مناهج البحث في سبب الخلاف، وترك التعصب للرأي، وجمع الأحاديث بعضها مع بعض، فالذين قالوا: لا غسل، دليلهم ما كان في أول الأمر، والذين قالوا بالغسل، دليلهم ما استقر عليه الأمر بعد ذلك، ولا مانع في ذلك.

وفي زمن مروان بن الحكم ، وهو أمير على المدينة، اختلفوا عنده فيما يتعلق بالصائم في رمضان إذا أصبح جنباً -أي: أجنب بالليل، ولم يغتسل حتى طلع الفجر وهو جنب- والجنابة أثر من الوطء، فهل الأثر له فعل المؤثر، وصيامه باطل لأنه أثر الجنابة، والجنابة تبطل، أم لا؟

فتساءلوا، وقال قائل: إن أبا هريرة أخبرني أنه لا صيام له، فأرسل رجلاً إلى أم المؤمنين عائشة وسألها: فقالت: (كان صلى الله عليه وسلم يصبح جنباً من جماع لا احتلام ويصبح صائماً)، فأرسل الرجل إلى أبي هريرة ، وهو بوادي العقيق، ليسأله عن رأيه، ويخبره بما قالت أم المؤمنين، وهذا منهج عملي في تتبع الخلاف في الروايات، فلما جاءوا إلى أبي هريرة وأخبروه، قال: أوقالت ذلك؟ قالوا: نعم، قال: أنا أخبرني مخبر، يعني: ما سمعت ذلك مباشرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فهل ترجح رواية من قال: أخبرني مخبر، أو رواية عائشة عن رسول الله؟

هكذا يكون ترجيح الروايات، وهذا منهج عملي لمعرفة الراجح من الخلاف فيما يصلنا من الروايات المتعارضة في الظاهر.

طلب الصحابة للوصية من رسول الله من وسائل التعلم

فأصحاب رسول الله يسألونه عن الحلال والحرام، ويطلبون منه التوجيه في كل ما يعرض لهم، وهذا الرجل طلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم النصيحة، وجاء في بعض الروايات أنه أبو الدرداء ، وقال: (يا رسول الله! أوصني وأوجز)، أي: أوصني بوصية ولا تكثر لعلي أعقل، أو لعلي أحفظ، والوصية من وصى، والمادة اللغوية وَصِيَ، وصية، على وزن فعيلة، والوصية من وَصِيَ، فحروف مادتها: الواو والصاد والياء.

وتجد كلمة أخرى شبيهة بها في مادتها، وهي: وَصَلَ، فالواو والصاد موجودتان في الكلمتين، وتختلف الوصية من أنها تنفرد بالياء، والوصل ينفرد باللام.

يقول علماء فقه اللغة: إذا وجدت كلمتان تتفقان في أكثر الحروف، وتختلفان في حرف واحد، فبينهما صلة قرابة، والفرق بينهما هو الفرق بين الحرفين المختلفين، ويمثلون لذلك بقولهم في اللغة: خَبَنَ وغَبَنَ، فالخبن هو: التقصير من طول الثوب، والغبن: النقص في القيمة، فيقال: فلان مغبون في السلعة، أي: اشتراها بعشرة وهي تساوي خمسة، فنقص عليه من الثمن وصار بدون مقابل، أو باع السلعة بخمسة وهي تساوي عشرة، فهذا غُبن في خمسة ذهبت عليه، فالغبن والخبن كلاهما يشترك في معنى النقص. لكن الخبن: في نقص الثوب وتقصيره، والغبن: في نقص القيمة وتقديرها.

ومن دقة اللغة العربية وبلاغتها أنهم غايروا بين الغين والخاء، فنظروا إلى أن الغين أدخل في الحلق، والخاء أظهر، وكلها من حروف الحلق، وهي: الهمزة والهاء والعين والحاء والغين والخاء، فلما كان الغبن أمراً معنوياً، والغين أدخل في الحلق، جعلوا الغين مع الغبن من النقص المعنوي، ولما كان الخبن في المحسوسات، جعلوا الخاء التي هي أظهر من الغين في المعنى الملموس.

إذاً: وصى ووصل متقاربتان، والوصية صلة للموصى إليه، ولذا قال الله: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ [النساء:11]، وقال: إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ [البقرة:180]، والوصية للوالدين والأقربين هي صلة لهم بما يوصي به، ومن هنا فمعنى: أوصني، أي صلني بمعروفك يا رسول الله! تقول: أوصيك يا فلان! أي: أصلك بخير وأمنحك إياه.

من وصايا الرسول عليه الصلاة والسلام

الوصية صلة لمن توجهت إليه، سواء وصايا الله لخلقه أو وصايا النبي صلى الله عليه وسلم لأمته، ولا تصدر الوصية بين الناس إلا في معرض الشفقة والرحمة، فلا تجد عدواً يوصي عدوه، إنما تجد الموصي هو الصديق المشفق القريب، كما قال صلى الله عليه وسلم لـمعاذ : (يا معاذ إني أحبك)، فقدم قوله: (إني أحبك) ومن محبته قال له موصياً: (لا تدعن دبر كل صلاة أن تقول: اللهم! أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك)، وكانت فاطمة رضي الله تعالى عنها تعمل على الرحا حتى اشتكت من أثرها في يديها، فسمع علي أن النبي جاءه سبي فقال لها: اذهبي لأبيك ليمنحك خادماً، فجاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال (ما الذي يمنعك أن تعملي بما أوصيك به؟ لا تدعي دبر كل صلاة أن تقولي: يا حي يا قيوم! برحمتك أستغيث، أصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين) ووصية الرسول لـفاطمة أخص من وصية أي والد لولده؛ لأن الوالد هنا ليس ككل الوالدين، والولد ليس ككل الأولاد، وقد قال: (فاطمة بضعة مني).

إذاً: الوصية مصدرها الشفقة والرحمة وحب الخير.

استيعاب قليل العلم خير من تضييع كثيره

هنا أبو الدرداء أتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يطلب منه أن يوصيه، فبماذا أوصاه؟

هناك قال لـمعاذ : (لا تدعن دبر كل صلاة أن تقول: اللهم! أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك)، وهناك وصايا عديدة لرسول الله صلى الله عليه وسلم بأمور متعددة، ويهمنا في هذا الموقف وصيته لهذا الرجل الذي طلب وصية رسول الله، وتحفظ في طلب الوصية فقال: لا تكثر عليّ لعلي أعقل، والمراد بالعقل هنا: الإدراك، والحفظ، قال صلى الله عليه وسلم: (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين)، ولم يقل: يحفظه؛ لأن الفقه هو: الفهم، والفهم ثمرة الحفظ، كما جاء في الحديث: (رب حامل فقه إلى من هو أفقه منه).

فالنبي صلى الله عليه وسلم تحقيقاً لرغبة السائل لم يكثر، فقال: (لا تغضب)، فكأن لسان حال السائل يقول: أهذه الوصية التي جئت من أجلها، وتعبت لأسألك، وأهتم لذلك، ثم تقول لي: (لا تغضب)، فكرر: (يا رسول الله! أوصني، قال: لا تغضب).

وفي بعض الروايات أنه جاءه عن يمينه ثم جاءه عن يساره ثم جاءه من أمامه، قال: (ألا تعقل! لا تغضب)، وفي بعض الروايات أنه قال: أوصني، علمني حسن الخلق، فقال: (لا تغضب)، وكل الروايات جاءت بالتأكيد على عدم الإكثار، فقال: (لا تغضب) فهذه كلمة كل من يسمعها يتقالها، وفي بعض الروايات أن السائل قال: (فتأملت في الغضب فوجدت تركه ترك الشر كله).

وفي بعض الروايات: (فتأملتها فإذا هي جامعة الخير كله)، هذه الكلمة يقف عندها علماء الأخلاق، كما فعل ابن مسكويه ، ويقف عندها علماء التشريع في الفقه، في آثار فعل الغضبان، ويقف عندها علماء التربية والتوجيه.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيد الأولين والآخرين، سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

[عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: أوصني، قال: لا تغضب، فردد مراراً، قال: لا تغضب رواه البخاري ].

إن هذا الحديث النبوي الشريف من أبين وأظهر الأدلة على أنه صلى الله عليه وسلم أوتي جوامع الكلم، وذلك أنه حديث في كلمة دخل عليها حرف النفي، ومدلولها ومعطياتها يعجز الإنسان أن يوفيه حقه.

عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: (أن رجلاً)، من هو هذا الرجل؟ لا يعنينا، لأنه صحابي، والراوي صحابي، والحادثة وقعت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، والجواب سمعه أصحابه رضي الله تعالى عنهم.

رجل صحابي سأل النبي، وهذه نعمة كبرى على أصحاب رسول الله، فما إن تعرض لهم حاجة، أو يقعون في مشكلة، أو تتجدد لهم الأحداث إلا ويهرعون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه فيجابون.

والسؤال والجواب من أعلى أساليب التعليم والتربية، وقد جاء هذا الأسلوب في كتاب الله، واعلم أن السؤال إما أن يكون عن حاجة واستفهام وطلب المعرفة، وإما عن تعنت وتعجيز، وكل ذلك جاء في القرآن الكريم، والله سبحانه أجاب على تلك الأسئلة كلها، وجاء عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: (إن هذه الأمة أقل الأمم سؤالاً لنبيها، سألوه اثني عشر سؤالاً)، والمتتبع لهذه الأسئلة في كتاب الله يجدها عملية واقعية إلا ما تدخّل فيها عنصر اليهود.


استمع المزيد من الشيخ عطية محمد سالم - عنوان الحلقة اسٌتمع
الأربعين النووية - الحديث الثاني عشر 3524 استماع
الأربعين النووية - الحديث الحادي عشر [2] 3212 استماع
شرح الأربعين النووية - الحديث الرابع والعشرون [3] 3186 استماع
شرح الأربعين النووية - الحديث الأربعون 3135 استماع
شرح الأربعين النووية - الحديث الرابع [1] 3117 استماع
شرح الأربعين النووية - الحديث الثامن عشر 3068 استماع
شرح الأربعين النووية - الحديث العاشر [1] 3045 استماع
شرح الأربعين النووية - الحديث الثامن [1] 2995 استماع
شرح الأربعين النووية - الحديث التاسع عشر [2] 2891 استماع
شرح الأربعين النووية - الحديث الثالث والعشرون [1] 2877 استماع