شرح زاد المستقنع باب العفو عن القصاص


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على خير خلق الله أجمعين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، ومن سار على سبيله ونهجه واهتدى بهديه إلى يوم الدين.

أما بعد:

فيقول المصنف رحمه الله تعالى: [باب العفو عن القصاص].

هذا الباب يتعلق بعفو ولي المقتول عن حقه في القود، وذلك أن الله سبحانه وتعالى جعل لولي المقتول الحق في أن يأخذ بحقه فيقتص، وبين أن يسامح فيعفو، فبعد أن بين المصنف رحمه الله تعالى الشروط المعتبرة للقصاص ولاستيفاء القصاص؛ شرع في الخيار الثاني وهو العفو عن القصاص.

فقوله: (باب العفو عن القصاص)، أي: في هذا الموضع سأذكر لك جملة من الأحكام والمسائل التي تتعلق بعفو ولي المقتول عن القصاص والقود.

مشروعية العفو عن القصاص

والأصل في مشروعية العفو دليل الكتاب والسنة وإجماع الأمة، حيث أجمع العلماء رحمهم الله تعالى على مشروعية العفو.

فأما دليل الكتاب: فإن الله تعالى يقول: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ [البقرة:178]، فجعل الله عز وجل لأولياء المقتول أن يعفوا عن القاتل، ورغب الله سبحانه وتعالى في العفو فقال سبحانه: وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى [البقرة:237]، فمن عفا عن القصاص والقود فإنه بخير المنازل عند الله سبحانه وتعالى، وذلك أن العفو إذا كان عن الجناية العظيمة كان أجره أعظم، وثوابه عند الله تعالى أكبر؛ لأنه لا يمكن للإنسان أن يعفو عن دم قريب من أقربائه إلا بقوة إيمان وحسن ظن بالله عز وجل، ورجاء في عفوه وكرمه وإحسانه، والله عز وجل يعامل عبده بالإحسان إذا عمل الإحسان مع خلقه، وإذا تولى الناس بالرحمة تولاه الله تعالى برحمته.

ولذلك جاءت السنة تؤكد هذا المعنى، فقال صلى الله عليه وسلم: (ما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً)، وهذا الحديث رد النبي صلى الله عليه وسلم فيه ظنون أهل الجاهلية، فإن أهل الجهل في كل زمان إذا أراد الإنسان أن يعفو قالوا له: أنت جبان، وأنت ضعيف، وأنت لا تحترم حقك ولا تأخذ بحقك، وأنت وأنت...، فيجعلون العفو في نظره منقصة، وذلة وهواناً، فكَذَّب النبي صلى الله عليه وسلم هذا وقال: (ما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً)، فمن عفا عن أي ذنب، وعن أي جريرة، وعن أي أذية من إخوانه المسلمين، فإن الله عز وجل يبدله بهذا العفو عزاً، فإذا عظم العفو عظمت رفعة الله عز وجل للعبد وإعزازه له وإكرامه له.

ومن هنا أجمع العلماء رحمهم الله تعالى على مشروعية العفو، وقد جعل الله تعالى لهذه الأمة الخيار بين القصاص وبين العفو إلى الدية، وبين العفو بدون أخذ الدية، فالعفو عفوان: عفو بدون عوض، وهو أعظم العفوين وأجلهما وأكثرهما ثواباً عند الله عز وجل، فلو أن شخصاً قتل له قريب فقيل له: تقتص؟ قال: لا أريد القصاص، فقيل له: تعفو وتأخذ الدية؟ قال: لا أريد الدية، وإنما عفوت لوجه الله عز وجل، فهذا وأمثاله ينطبق عليه قوله تعالى: فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ [الشورى:40]، فإذا كان يوم القيامة تولى الله أجره وثوابه، ولذلك انظر إلى قوله سبحانه: فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ [الشورى:40]، ولم يبين الله عز وجل هذا الأجر والثواب كيف يكون؟ وكم يكون؟ وهذا يدل على أن الله تعالى يتولى جزاءه؛ لأن الأذية والشرور والمظالم والجنايات تتفاوت، والنفوس تتفاوت، وضيق الحال يتفاوت بالإنسان، فالذي يعفو عن القصاص والدية عمن يرجو صلاحه ويرجو هدايته واستقامته، ويكون سبباً في هدايته واستقامته، ولا يُحمِّله الدية، بل يستغني بغنى الله تعالى، فإن الله عز وجل يعوضه عن ذلك كله خيراً، فيعوضه خيراً في الدنيا، وهو الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: (ما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً)، ويعوضه خير الآخرة، فأجره على الله تعالى إذا كان يوم القيامة.

وقد جاء في الأثر: (أنه إذا كان يوم القيامة نادى مناد: من كان أجره على الله فليقم، فتقول الملائكة: ومن هذا الذي أجره على الله؟ قال صلى الله عليه وسلم: فلا يقوم إلا من عفا عن مظلمة)؛ لأنه جعل الأمر إلى الله عز وجل أن يتولى جزاءه وثوابه، وقل أن تجد إنساناً يعامل الناس بالعفو إلا وجدت أمره على اليسر وعلى السماحة وعلى العزة والكرامة، فعدوه يريد أن يهينه والله تعالى يكرمه، وعدوه يريد أن يذله بتلك الأذية فإذا به بعفوه يرفعه الله تعالى ويعزه، والله جل وعلا عليم بخلقه، حكيم في تدبيره سبحانه وتعالى لا تخفى عليه خافية، فهو العدل سبحانه وتعالى الذي لا يضيع أجر من أحسن عملاً، ومن أعظم الإحسان العفو، ومن هنا أجمع العلماء رحمهم الله تعالى على مشروعية العفو عن القصاص.

حكم العفو عمن عرِف بالشر والفساد وسفك الدماء

لكن هنا مسألة وهي: إذا كان القاتل الذي قتل المظلوم معروفاً بالشر والأذية والبغي والإضرار، فهل يشرع العفو عنه؟ وهل تشرع الشفاعة من أجل العفو؟ لأنه إذا كان العفو محموداً شرعاً فإن الشفاعة من أجله شأنها كذلك، فلو أن إنساناً شفع ودخل بين قوم بينهم دم وأصلح ودعاهم إلى العفو، فإنه يكون له مثل أجر من عفا، فمن دعا إلى خير وهدى كان له أجره وأجر من عمل به، فإذا رغبهم في ذلك، وأسكن النفوس، وأطفأ ثائرات النفوس، وحاول أن يدعوهم إلى العفو وإلى المجاوزة والصفح فعفو، فله مثل أجرهم، وله أجر الشفاعة وما يتحمل فيها من المشاق والمتاعب، فالله تعالى لا يضيع أجر من أحسن عملاً، قال تعالى: لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا [النساء:114]، و(عظيماً) من الله تعالى ليست بالهينة، ولذلك قال: أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ [النساء:114].

فإن أعظم شيء يفسد الناس هو الدماء، فإذا وقعت بينهم الدماء ووقعت بينهم الخصومات والنزاعات، فخرج الشخص للصلح بينهم، بشرط أن لا يخرج إلا لوجه الله تعالى، لا حمية ولا عصبية ولا رياءً ولا سمعة، وإنما يخرج لله تعالى وفي الله تعالى، كما قال تعالى: وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا [النساء:114]، و(ابتغاء) أي: طلباً، أي: أنه يخرج وهو يريد أن يرضى الله تعالى عنه بذلك الذي يفعله، وهو يعلم أن الله تعالى يرضى عنه حين يصلح بين هذين المتخاصمين، أو يطفئ ثارات النفوس بالعفو عن القصاص والمسامحة والمجاوزة عن الجاني؛ فإن الله تبارك وتعالى يأجره على عمله وسعيه.

فالشفاعة في العفو عن القصاص مشروعة، والنبي صلى الله عليه وسلم ثبت عنه في الحديث الصحيح أنه تأخر عن الصلاة مع الجماعة من أجل أن يصلح بين حيين من بني عوف، والحديث في الصحيحين، وهذا يدل على فضل الشفاعة، وأنها سنة النبي صلى الله عليه وسلم.

ولكن إذا كان القاتل معروفاً بالشر والفساد والبغي ففيه تفصيل: إذ يقول بعض العلماء: إذا شفع أحد في إسقاط القصاص عنه وهو يرجو صلاحه، ويغلب على ظنه أن هذا يتسبب في إصلاحه وحسن حاله، فإنه يدخل في فضل الشفاعة، ولا يمنع من ذلك بل يندب إليه ويرغب فيه، ولا يعاتب بل إنه مثاب على هذا العمل.

أما إذا كان رجلاً شريراً لا يزداد بالعفو إلا شراً، ولا يزداد إلا تسلطاً على دماء المسلمين وأذيتهم، كأن قتل فعفي عنه، ثم قتل مرة ثانية، وعرف منه بعد القتلة الثانية أنه على حاله، وأنه مصر على بغيه، ومصر على كبره، ومصر على أذيته للناس، فهذا لا يجوز أن يسلط على دماء المسلمين، فالعفو عنه إبقاء لشره، ومن هنا نص جماعة من أهل العلم على أنه لا تشرع الشفاعة في مثل هذا.

وقد وقع ذلك لبعض مشايخنا رحمة الله عليهم، وأذكر أن رجلاً كان معروفاً بذلك وطلب من الوالد أن يشفع، فامتنع الوالد رحمه الله تعالى؛ لأنه سأل عنه وتبين من حاله أنه لا يزيده العفو إلا بغياً وفساداً، فمثل هؤلاء لا يعانون على الإضرار بالناس والإضرار بمجتمعاتهم والإضرار بالأبرياء، فهؤلاء إذا عفي عنهم تسلطوا على دماء المسلمين، وتسلطوا على الناس بأذيتهم والإضرار بهم، وليس الأمر خاصاً بالقتل بل إنه شامل لكل عقوبة، بحيث إذا كان الجاني يتسلط ويزداد أذية وبغياً وفساداً فمثله لا يعان على بغيه وفساده.

العفو عن القصاص إلى الدية

قال رحمه الله تعالى: [يجب بالعمد القود أو الدية].

قوله: (يجب بالعمد القود) أي: القصاص، وقد تقدم؛ لأن الله تعالى يقول: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى [البقرة:178]، وقال صلى الله عليه وسلم: (كتاب الله القصاص)، وقال صلى الله عليه وسلم: (فمن قُتل له قتيلٌ فهو بخير النظرين إما أن يقاد وإما أن يودى)، فقوله: (إما أن يقاد) يدل على مشروعية القود، والإجماع على هذا، وقد تقدم.

وقوله: (أو الدية) أي: يخير فيقال له: إما أن تقتص وتأخذ بحقك بقتل من قتل وليك، كما قال تعالى: فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنصُورًا [الإسراء:33]، فيقال له: اقتل من قتل أباك، أو اقتل من قتل أخاك، فإن الله تعالى أعطاك هذا الحق، فإن قال: لا أريد أن أقتله، وقد عفوت عن القاتل، فنقول: لك الدية؛ لأن الله عز وجل أمر إذا عفا ولي الدم عن الدم والقصاص بإعطاء الدية له، وقد صحت السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، فإذا قتل وعفا ولي المقتول فإنه ينتقل إلى الدية، وهذا بإجماع العلماء رحمهم الله تعالى.

قال رحمه الله تعالى: [فيخير الولي بينهما].

أي: يخير الولي بين أن يقتل قصاصاً وبين أن يأخذ الدية -وسيأتينا في باب الديات توضيح الدية وضوابطها وأحوالها- فهذا بإجماع أهل العلم رحمة الله تعالى عليهم؛ لانعقاد نصوص الكتاب والسنة على أنه بالخيار بين الأمرين؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نص على هذا، وهو ظاهر الكتاب، فإن الله عز وجل أمر بالقصاص فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ [البقرة:178]، فهذا يدل على أنه يخير بين القصاص وبين أخذ حقه وهو الدية، فإذا كان لا يريد القصاص يأخذ حقه من المال وهو الدية.

العفو عن القصاص والدية جميعاً

قال رحمه الله تعالى: [وعفوه مجاناً أفضل].

أي: وعفوه بدون أن يأخذ شيئاً أفضل؛ لأنه إذا فعل ذلك تولى الله تعالى أجره وثوابه، ولأن غاية الإحسان أن يعفو عمَّن ظلمه وعمَّن آذاه، ولا يأخذ منه شيئاً، وإنما ينتظر من ربه العوض والخلف، ولو أنه عفا ثم أخذ الدية فلا يلام. ومن أدران الجاهلية والعصبيات الممقوتة عند بعض الناس: أن أولياء المقتول إذا قالوا: لا نريد القصاص ونريد الدية، فإنه يعتب عليهم، ويأتي أولاد العم والقرابة ويقولون: أنتم لا تقدرون أباكم، وأبوكم لا يقدر بثمن، وما هذه الدية؟ أترضون بالمال دون دم أبيكم؟ أنتم كذا أنتم كذا.. ولربما هددوهم بالقطيعة -والعياذ بالله تعالى- وهذا من مضادة شرع الله عز وجل، ومن المحادَّة، ومن الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف.

فإن الله تعالى يحب العفو ويقول: وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى [البقرة:237]، وهؤلاء -نسأل الله تعالى السلامة والعافية- بخلاء على أنفسهم، ويأمرون غيرهم بالبخل، فهؤلاء لا يجوز طاعتهم؛ لأنهم لا يريدون الخير لمن عفا أو أراد أن يعفو، فالذي يريد أن يعفو ويقول: أسامح لوجه الله تعالى، فأجره على الله عز وجل، والأفضل أن لا يأخذ شيئاً.

أخذ الدية والصلح على أكثر منها

قال رحمه الله تعالى: [فإن اختار القود أو عفا عن الدية فقط فله أخذها والصلح على أكثر منها].

إذا اختار القود مكن منه، وإذا قال: أريد أن أقتص، فحاول معه أولياء القاتل، وقالوا له: اعفُ عنه، ورضي بالدية، فلا إشكال، لكن في بعض الأحيان لا يرضى بالدية، فيبذلون أكثر من الدية، وهذا البذل لأكثر من الدية على سبيل الصلح، فيقولون له: إن تنازلت نعطك ديتين، أو إن عفوت نعطك ثلاث ديات، أو إن عفوت نعطك أربع ديات، أو خمس ديات، فهذا من باب الصلح.

وفي الحقيقة من حيث الأصول أن الدم له دية مقدرة شرعاً لا يزاد عليها، لكنه يزاد عليها صلحاً، وقد كنا نميل إلى الوجه الأول، ثم تبين في الأخير بعد تصحيح حديث الترمذي صحة الوجه الثاني، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وإن صالحوا فلهم ما أخذوا) أي: ما اصطلحوا عليه، وهذه الزيادة حسنها غير واحد، وملنا إلى تحسينها في الأخير في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وعلى هذا يجوز الصلح بأكثر من الدية، ولكن من حيث الأصل ينبغي أن ننبه على مسألة ستأتينا في الديات وهي: أن القرابة والعصبة هم الذين يتحملون دية الخطأ في الأصل، فإذا صالحوا بأكثر من الدية ألزموا القرابة أن يدفعوا ثلاث ديات أو أربع ديات، ويقع فيها من الإحراج والأخذ بسيف الحياء ما لا يعلمه إلا الله عز وجل، فلا يجوز إحراج القرابة بمثل هذا، وإذا أراد أحدٌ أن يتبرع بدية ثانية أو ثالثة فلا يضر بقرابة القاتل؛ لأنهم لا ذنب لهم، والأصل أنهم يحملون ما في طاقتهم، فتحميلهم فوق طاقتهم وتحميلهم الديون من أجل جانٍ قد لا يستحق أن يبذل له ذلك، وقد يكون شريراً كما ذكرنا؛ كل هذا لا يجوز.

فالمقصود: أن الأصل يقتضي أن يقتصر على الدية، وإن حصل صلح فيجوز أن يصالح على أكثر من الدية، وفي هذا قصة هدبة بن خشرم المعروفة أنه قتل رجلاً، وكان أولياء المقتول يتامى قاصرون، منهم ابن المقتول، فحبس هدبة ، ووقعت الحادثة في زمان معاوية رضي الله تعالى عنهما، فشفع سعيد بن العاص وكذلك الحسن والحسين رضي الله عنهم من أجل أن يعفو وليُّ المقتول، وبذلوا لابن القتيل سبع ديات حتى يعفو، فأبى إلا القتل، فقتل به، والشاهد في كون هؤلاء الصحابة بذلوا أكثر من الدية، فاجتمع دليل السنة ودليل الأثر عن الصحابة رضوان الله تعالى عليهم، وعلى هذا فجمهور العلماء رحمهم الله تعالى على أنه يجوز في الصلح في الديات بأكثر من الدية.

إذا اختار الدية أو عفا مطلقاً أو هلك القاتل فليس له إلا الدية

قال رحمه الله تعالى: [وإن اختارها أو عفا مطلقاً أو هلك الجاني فليس له غيرها].

أي: إن اختار الدية فليس له إلا الدية، بمعنى أنه لو قال: عفوت، ثم رجع وقال: أريد القصاص، فإنه لا يمُكن من القصاص؛ لأنه إذا قال: عفوت؛ سقط حقه في القصاص إلى الأبد، ولا رجوع عن هذا الحكم، وليس له إلا الدية إن اختارها.

قوله: (أو عفا مطلقاً)

إذا قال: عفوت عنه، ثم رجع إلى القاضي وقال: أريد القصاص، فقال بعض العلماء: لا قصاص ولا دية، وقيل: لا قصاص ولكن له الدية؛ لأنه إذا عفا عن الدية ثم رجع فيكون مثل الهبة إذا وهب شيئاً ثم رجع فيه، فكأنه وهب الدية للقاتل، ثم رجع عن هبته، وهذا مذموم شرعاً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس لنا مثل السوء، العائد في هبته كالكلب يقيء، ثم يأكل قيأه).

وقوله: (أو هلك الجاني)

أي: لو أن شخصاً قتل عمداً عدواناً، ثم جاءته نقمة من الله تعالى فأخذه الله تعالى وأهلكه، فحينئذٍ لا يمكننا القصاص، لكن يبقى حق أولياء المقتول في الدية، وحينئذٍ تثبت لهم في تركته الدية، فتؤخذ من تركته.

وقوله: (فليس له غيرها)

أي: ليس لولي المقتول غير الدية، وليس له القصاص، ولو قال: رجعت، وأريد أن أقتص، فإنه لا يعطى القاتل ولا يمكن من قتله.

والأصل في مشروعية العفو دليل الكتاب والسنة وإجماع الأمة، حيث أجمع العلماء رحمهم الله تعالى على مشروعية العفو.

فأما دليل الكتاب: فإن الله تعالى يقول: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ [البقرة:178]، فجعل الله عز وجل لأولياء المقتول أن يعفوا عن القاتل، ورغب الله سبحانه وتعالى في العفو فقال سبحانه: وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى [البقرة:237]، فمن عفا عن القصاص والقود فإنه بخير المنازل عند الله سبحانه وتعالى، وذلك أن العفو إذا كان عن الجناية العظيمة كان أجره أعظم، وثوابه عند الله تعالى أكبر؛ لأنه لا يمكن للإنسان أن يعفو عن دم قريب من أقربائه إلا بقوة إيمان وحسن ظن بالله عز وجل، ورجاء في عفوه وكرمه وإحسانه، والله عز وجل يعامل عبده بالإحسان إذا عمل الإحسان مع خلقه، وإذا تولى الناس بالرحمة تولاه الله تعالى برحمته.

ولذلك جاءت السنة تؤكد هذا المعنى، فقال صلى الله عليه وسلم: (ما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً)، وهذا الحديث رد النبي صلى الله عليه وسلم فيه ظنون أهل الجاهلية، فإن أهل الجهل في كل زمان إذا أراد الإنسان أن يعفو قالوا له: أنت جبان، وأنت ضعيف، وأنت لا تحترم حقك ولا تأخذ بحقك، وأنت وأنت...، فيجعلون العفو في نظره منقصة، وذلة وهواناً، فكَذَّب النبي صلى الله عليه وسلم هذا وقال: (ما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً)، فمن عفا عن أي ذنب، وعن أي جريرة، وعن أي أذية من إخوانه المسلمين، فإن الله عز وجل يبدله بهذا العفو عزاً، فإذا عظم العفو عظمت رفعة الله عز وجل للعبد وإعزازه له وإكرامه له.

ومن هنا أجمع العلماء رحمهم الله تعالى على مشروعية العفو، وقد جعل الله تعالى لهذه الأمة الخيار بين القصاص وبين العفو إلى الدية، وبين العفو بدون أخذ الدية، فالعفو عفوان: عفو بدون عوض، وهو أعظم العفوين وأجلهما وأكثرهما ثواباً عند الله عز وجل، فلو أن شخصاً قتل له قريب فقيل له: تقتص؟ قال: لا أريد القصاص، فقيل له: تعفو وتأخذ الدية؟ قال: لا أريد الدية، وإنما عفوت لوجه الله عز وجل، فهذا وأمثاله ينطبق عليه قوله تعالى: فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ [الشورى:40]، فإذا كان يوم القيامة تولى الله أجره وثوابه، ولذلك انظر إلى قوله سبحانه: فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ [الشورى:40]، ولم يبين الله عز وجل هذا الأجر والثواب كيف يكون؟ وكم يكون؟ وهذا يدل على أن الله تعالى يتولى جزاءه؛ لأن الأذية والشرور والمظالم والجنايات تتفاوت، والنفوس تتفاوت، وضيق الحال يتفاوت بالإنسان، فالذي يعفو عن القصاص والدية عمن يرجو صلاحه ويرجو هدايته واستقامته، ويكون سبباً في هدايته واستقامته، ولا يُحمِّله الدية، بل يستغني بغنى الله تعالى، فإن الله عز وجل يعوضه عن ذلك كله خيراً، فيعوضه خيراً في الدنيا، وهو الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: (ما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً)، ويعوضه خير الآخرة، فأجره على الله تعالى إذا كان يوم القيامة.

وقد جاء في الأثر: (أنه إذا كان يوم القيامة نادى مناد: من كان أجره على الله فليقم، فتقول الملائكة: ومن هذا الذي أجره على الله؟ قال صلى الله عليه وسلم: فلا يقوم إلا من عفا عن مظلمة)؛ لأنه جعل الأمر إلى الله عز وجل أن يتولى جزاءه وثوابه، وقل أن تجد إنساناً يعامل الناس بالعفو إلا وجدت أمره على اليسر وعلى السماحة وعلى العزة والكرامة، فعدوه يريد أن يهينه والله تعالى يكرمه، وعدوه يريد أن يذله بتلك الأذية فإذا به بعفوه يرفعه الله تعالى ويعزه، والله جل وعلا عليم بخلقه، حكيم في تدبيره سبحانه وتعالى لا تخفى عليه خافية، فهو العدل سبحانه وتعالى الذي لا يضيع أجر من أحسن عملاً، ومن أعظم الإحسان العفو، ومن هنا أجمع العلماء رحمهم الله تعالى على مشروعية العفو عن القصاص.

لكن هنا مسألة وهي: إذا كان القاتل الذي قتل المظلوم معروفاً بالشر والأذية والبغي والإضرار، فهل يشرع العفو عنه؟ وهل تشرع الشفاعة من أجل العفو؟ لأنه إذا كان العفو محموداً شرعاً فإن الشفاعة من أجله شأنها كذلك، فلو أن إنساناً شفع ودخل بين قوم بينهم دم وأصلح ودعاهم إلى العفو، فإنه يكون له مثل أجر من عفا، فمن دعا إلى خير وهدى كان له أجره وأجر من عمل به، فإذا رغبهم في ذلك، وأسكن النفوس، وأطفأ ثائرات النفوس، وحاول أن يدعوهم إلى العفو وإلى المجاوزة والصفح فعفو، فله مثل أجرهم، وله أجر الشفاعة وما يتحمل فيها من المشاق والمتاعب، فالله تعالى لا يضيع أجر من أحسن عملاً، قال تعالى: لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا [النساء:114]، و(عظيماً) من الله تعالى ليست بالهينة، ولذلك قال: أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ [النساء:114].

فإن أعظم شيء يفسد الناس هو الدماء، فإذا وقعت بينهم الدماء ووقعت بينهم الخصومات والنزاعات، فخرج الشخص للصلح بينهم، بشرط أن لا يخرج إلا لوجه الله تعالى، لا حمية ولا عصبية ولا رياءً ولا سمعة، وإنما يخرج لله تعالى وفي الله تعالى، كما قال تعالى: وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا [النساء:114]، و(ابتغاء) أي: طلباً، أي: أنه يخرج وهو يريد أن يرضى الله تعالى عنه بذلك الذي يفعله، وهو يعلم أن الله تعالى يرضى عنه حين يصلح بين هذين المتخاصمين، أو يطفئ ثارات النفوس بالعفو عن القصاص والمسامحة والمجاوزة عن الجاني؛ فإن الله تبارك وتعالى يأجره على عمله وسعيه.

فالشفاعة في العفو عن القصاص مشروعة، والنبي صلى الله عليه وسلم ثبت عنه في الحديث الصحيح أنه تأخر عن الصلاة مع الجماعة من أجل أن يصلح بين حيين من بني عوف، والحديث في الصحيحين، وهذا يدل على فضل الشفاعة، وأنها سنة النبي صلى الله عليه وسلم.

ولكن إذا كان القاتل معروفاً بالشر والفساد والبغي ففيه تفصيل: إذ يقول بعض العلماء: إذا شفع أحد في إسقاط القصاص عنه وهو يرجو صلاحه، ويغلب على ظنه أن هذا يتسبب في إصلاحه وحسن حاله، فإنه يدخل في فضل الشفاعة، ولا يمنع من ذلك بل يندب إليه ويرغب فيه، ولا يعاتب بل إنه مثاب على هذا العمل.

أما إذا كان رجلاً شريراً لا يزداد بالعفو إلا شراً، ولا يزداد إلا تسلطاً على دماء المسلمين وأذيتهم، كأن قتل فعفي عنه، ثم قتل مرة ثانية، وعرف منه بعد القتلة الثانية أنه على حاله، وأنه مصر على بغيه، ومصر على كبره، ومصر على أذيته للناس، فهذا لا يجوز أن يسلط على دماء المسلمين، فالعفو عنه إبقاء لشره، ومن هنا نص جماعة من أهل العلم على أنه لا تشرع الشفاعة في مثل هذا.

وقد وقع ذلك لبعض مشايخنا رحمة الله عليهم، وأذكر أن رجلاً كان معروفاً بذلك وطلب من الوالد أن يشفع، فامتنع الوالد رحمه الله تعالى؛ لأنه سأل عنه وتبين من حاله أنه لا يزيده العفو إلا بغياً وفساداً، فمثل هؤلاء لا يعانون على الإضرار بالناس والإضرار بمجتمعاتهم والإضرار بالأبرياء، فهؤلاء إذا عفي عنهم تسلطوا على دماء المسلمين، وتسلطوا على الناس بأذيتهم والإضرار بهم، وليس الأمر خاصاً بالقتل بل إنه شامل لكل عقوبة، بحيث إذا كان الجاني يتسلط ويزداد أذية وبغياً وفساداً فمثله لا يعان على بغيه وفساده.

قال رحمه الله تعالى: [يجب بالعمد القود أو الدية].

قوله: (يجب بالعمد القود) أي: القصاص، وقد تقدم؛ لأن الله تعالى يقول: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى [البقرة:178]، وقال صلى الله عليه وسلم: (كتاب الله القصاص)، وقال صلى الله عليه وسلم: (فمن قُتل له قتيلٌ فهو بخير النظرين إما أن يقاد وإما أن يودى)، فقوله: (إما أن يقاد) يدل على مشروعية القود، والإجماع على هذا، وقد تقدم.

وقوله: (أو الدية) أي: يخير فيقال له: إما أن تقتص وتأخذ بحقك بقتل من قتل وليك، كما قال تعالى: فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنصُورًا [الإسراء:33]، فيقال له: اقتل من قتل أباك، أو اقتل من قتل أخاك، فإن الله تعالى أعطاك هذا الحق، فإن قال: لا أريد أن أقتله، وقد عفوت عن القاتل، فنقول: لك الدية؛ لأن الله عز وجل أمر إذا عفا ولي الدم عن الدم والقصاص بإعطاء الدية له، وقد صحت السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، فإذا قتل وعفا ولي المقتول فإنه ينتقل إلى الدية، وهذا بإجماع العلماء رحمهم الله تعالى.

قال رحمه الله تعالى: [فيخير الولي بينهما].

أي: يخير الولي بين أن يقتل قصاصاً وبين أن يأخذ الدية -وسيأتينا في باب الديات توضيح الدية وضوابطها وأحوالها- فهذا بإجماع أهل العلم رحمة الله تعالى عليهم؛ لانعقاد نصوص الكتاب والسنة على أنه بالخيار بين الأمرين؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نص على هذا، وهو ظاهر الكتاب، فإن الله عز وجل أمر بالقصاص فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ [البقرة:178]، فهذا يدل على أنه يخير بين القصاص وبين أخذ حقه وهو الدية، فإذا كان لا يريد القصاص يأخذ حقه من المال وهو الدية.

قال رحمه الله تعالى: [وعفوه مجاناً أفضل].

أي: وعفوه بدون أن يأخذ شيئاً أفضل؛ لأنه إذا فعل ذلك تولى الله تعالى أجره وثوابه، ولأن غاية الإحسان أن يعفو عمَّن ظلمه وعمَّن آذاه، ولا يأخذ منه شيئاً، وإنما ينتظر من ربه العوض والخلف، ولو أنه عفا ثم أخذ الدية فلا يلام. ومن أدران الجاهلية والعصبيات الممقوتة عند بعض الناس: أن أولياء المقتول إذا قالوا: لا نريد القصاص ونريد الدية، فإنه يعتب عليهم، ويأتي أولاد العم والقرابة ويقولون: أنتم لا تقدرون أباكم، وأبوكم لا يقدر بثمن، وما هذه الدية؟ أترضون بالمال دون دم أبيكم؟ أنتم كذا أنتم كذا.. ولربما هددوهم بالقطيعة -والعياذ بالله تعالى- وهذا من مضادة شرع الله عز وجل، ومن المحادَّة، ومن الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف.

فإن الله تعالى يحب العفو ويقول: وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى [البقرة:237]، وهؤلاء -نسأل الله تعالى السلامة والعافية- بخلاء على أنفسهم، ويأمرون غيرهم بالبخل، فهؤلاء لا يجوز طاعتهم؛ لأنهم لا يريدون الخير لمن عفا أو أراد أن يعفو، فالذي يريد أن يعفو ويقول: أسامح لوجه الله تعالى، فأجره على الله عز وجل، والأفضل أن لا يأخذ شيئاً.




استمع المزيد من الشيخ محمد بن محمد مختار الشنقيطي - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح زاد المستقنع كتاب البيع [4] 3698 استماع
شرح زاد المستقنع باب الرجعة [1] 3616 استماع
شرح زاد المستقنع باب ما يختلف به عدد الطلاق 3438 استماع
شرح زاد المستقنع باب صلاة التطوع [3] 3370 استماع
شرح زاد المستقنع واجبات الصلاة 3336 استماع
شرح زاد المستقنع باب الإجارة [10] 3317 استماع
شرح زاد المستقنع باب التيمم [1] 3267 استماع
شرح زاد المستقنع باب صوم التطوع [2] 3223 استماع
شرح زاد المستقنع باب شروط القصاص 3183 استماع
شرح زاد المستقنع باب نفقة الأقارب والمماليك [6] 3163 استماع