خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/68"> الشيخ محمد بن محمد مختار الشنقيطي . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/68?sub=33614"> شرح كتاب زاد المستقنع
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
شرح زاد المستقنع كتاب الظهار [6]
الحلقة مفرغة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على خير خلق الله أجمعين، وعلى آله وصحبه ومن سار على سبيله ونهجه إلى يوم الدين.
أما بعد:
يقول المصنف رحمه الله تعالى: [ فصل: يجب التتابع في الصوم ]
يبدأ المصنف رحمه الله في هذه الجملة في بيان الخصلة الثانية من خصال كفارة الظهار، وهي التي أوجبها الله عز وجل على من عجز عن إعتاق الرقبة، وهذه الخصلة هي صيام شهرين متتابعين، ولهذا الصوم أحكام، لذا قال رحمه الله: [فصلٌ: يجب التتابع].
فمن أحكام هذا الصوم: أنه يجب على المكفِّر أن يصوم شهرين متتابعين، والتتابع المراد به الموالاة، فلا يفصل بين صوم يوم وآخر بالفطر، فلو أفطر يوماً ولو قبل تمام الشهرين بيسير؛ فإنه ينقض التتابع إلا إذا كان معذوراً شرعاً بذلك القطع، والدليل على ذلك قوله تعالى: فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ [المجادلة:4]، فنص الله تبارك وتعالى على التتابع، والتتابع هو الولاء دون وجود فاصل، فلما قال: شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ أي: أنه تتتابع أيام الشهرين دون وجود فطر بينها، فإذا وجد الفطر فله حالات: الحالة الأولى: أن يكون معذوراً فلا يقطع.
الحالة الثانية: ألَّا يكون معذوراً فيوجب القطع واستئناف صيام الشهرين متتابعين.
وقد بين الله تعالى أنه يجب على المكفر أن يصوم شهرين دون أن يسمي شهوراً معينة، ولذلك يجوز له أن يصوم الشهرين ولو كان في زمان اليسر، وزمان اليسر مثل أيام البرد، فإنه يطول ليلها ويقصر نهارها، فيسهل صيامها، ومن هنا نص طائفة من العلماء على أنه لو تحرى أيام البرد وصامها؛ فإن صيامه صحيح؛ لأن الله أطلق الشهرين، فكل من صام شهرين متتابعين؛ فقد أدى ما أوجب الله عليه.
كذلك لو قطع هذين الشهرين المتتابعين صومُ رمضان، فلو ابتدأ الصوم بشهر شعبان ثم صام رمضان ثم أفطر يوم العيد بأمر الله عز وجل، ثم صام بعده فإنه لا يقطع التتابع، ويصدق عليه أنه قد صام شهرين متتابعين، وسيبين رحمه الله الأمور التي يعذر فيها الصائم، فلو تخلل صيامه فطر لأسباب شرعية؛ فإن صومه صحيح ويجزئه، ولا يُلزم باستئنافه من جديد.
قال رحمه الله: [ فإن تخلله رمضان أو فطر يجب كعيد وأيام تشريق وحيض وجنون ومرض مخوف ونحوه، أو أفطر ناسياً أو مكرهاً أو لعذر يبيح الفطر؛ لم ينقطع ].
يلاحظ أن الله تعالى أطلق الشهرين، ومن هنا لا يخلو الصائم للشهرين من حالتين:
الحالة الأولى: أن يصوم من ابتداء الشهر، فإذا صام من ابتداء الشهر؛ فإنه إذا تبين أن الشهر ناقص فصومه تام، فلو مثلاً صام المحرم وصفراً، وكان المحرم تسعة وعشرين يوماً، فإنه يحكم بصحة صومه وإجزائه؛ لأنه صام شهرين متتابعين.
الحالة الثانية: أن يصوم ستين يوماً إذا كان صومه أثناء الشهر، فإذا ابتدأ في العاشر من محرم فإنه يتم ستين يوماً تامةً كاملة، وقال بعض العلماء: إنه لو ابتدأ في العاشر من محرم اعتد بالعاشر في الشهر الذي يتم فيه الشهرين، فحينئذٍ من العاشر محرم إلى العاشر من صفر شهر، ومن العاشر من صفر إلى العاشر من ربيع الأول شهر، فلو كان شهر محرم ناقصاً وصفر ناقصاً؛ فإنه سيصوم ثمانية وخمسين يوماً، فيعتد الابتداء.
ولكن هذا المذهب محل نظر، والصحيح: أنه إذا ابتدأ من بداية الشهر أجزأه الشهر ناقصاً وكاملاً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (شهرا عيد لا ينقصان: رمضان وذو الحجة)، والمراد بهذا أن الشهر إذا كان تسعاً وعشرين، فإن الله يكتب للصائم أجر الثلاثين، وقال: (إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب، الشهر هكذا وهكذا)، فعقد ثلاثين في المرة الأولى، وخنس الإبهام في المرة الثانية، أي: يكون تسعة وعشرين وثلاثين، لكن نعتبر الشهر تسعة وعشرين إذا ثبت في الهلال أنه ناقص؛ لكن إذا ابتدأ أثناء الشهر؛ فإننا نلزمه بستين يوماً، فالأصل في الشهر أنه ثلاثون يوماً.
وبناءً على ذلك تقول: من صام شهرين متتابعين في كفارة الظهار أو القتل أو غيرها من الكفارات كالجماع في نهار رمضان، فإن ابتدأ من ابتداء الشهر، اعتد به ناقصاً أو كاملاً، وإن ابتدأ أثناء الشهر أتم ستين يوماً ولو كان الشهران أو الثلاثة فيها نقص.
صوم رمضان لا يقطع تتابع الكفارة
الوجه الأول: من أهل العلم من قال: يصوم يوم العيد ولا يفطر.
الوجه الثاني: ومنهم من قال: يفطر يوم العيد ولا يقطع تتابعه.
الوجه الثالث: ومنهم من قال: يفطر يوم العيد ويقطع التتابع.
والصحيح: أنه إذا ابتدأ بما قبل رمضان ثم صام؛ فإنه يفطر يوم العيد، ولا يقطع فطر يوم العيد التتابع؛ لأنه مأمور بفطره، وهذا الوجه هو المعتبر: أعني أن فطر يوم العيد مأمور به شرعاً، فقد ثبت في الصحيح من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه: (أنه خطب الناس على المنبر، وبين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صوم يومين: يوم عيد الفطر ويوم عيد الأضحى)؛ لأنهما يوم ضيافة من الله عز وجل.
فالرخصة لمن ابتدأ الصوم وجاءه هذان اليومان أن يفطر، ولا يقطع ذلك التتابع حتى في صيام الكفارات الأخر، ككفارة اليمين على الصحيح أنه يصوم الثلاثة الأيام متتابعة، فلو أنه صام قبل يوم العيد في التاسع الذي هو يوم عرفة ناوياً به الكفارة؛ فإنه يفطر يوم العيد -يوم النحر- ثم يصوم الحادي عشر والثاني عشر؛ لأنه يجوز صيام أيام التشريق لغير الحاج.
الفطر الواجب لا يقطع تتابع الكفارة
أي: أو تخلله فطر يجب، صورة المسألة: أن يصوم شهرين متتابعين، ثم يجب عليه أن يفطر مثل ما ذكرنا لدخول يوم عيد؛ لأن يوم العيد يجب الفطر فيه، إذاً تلاحظ أن صوم رمضان صوم يجب لشهر، ويوم العيد فطر يجب ليوم عيد الأضحى ويوم عيد الفطر.
قوله: [ وأيام تشريق ].
أيام التشريق اختلف في صومها، وقد تقدمت معنا هذه المسألة في كتاب الصيام، وأن من العلماء من منع من صوم أيام التشريق، والحقيقة أنه لا إشكال أن الحجاج لا يصومون أيام التشريق؛ وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الحديث الصحيح عنه: (أيام منى أيام أكلٍ وشرب وبعال)، فبين عليه الصلاة والسلام أنها أيام فطر، وهذا الأصل فيه أن يكون للحاج، لكن بعض العلماء ألحق غير الحاج بالحاج، فجعلها أيام ضيافة لعموم الأمة توسعة من الله عز وجل على العباد.
فمن قال بالخصوص منع من صومها للحاج، ومن قال بالعموم منع من صومها مطلقاً، سواء كان حاجاً أو غير حاج، والأشبه والأصل الذي يقتضي أنها خاصة بالحاج.
ومما يدل على أنها خاصة بالحاج، قوله عليه الصلاة والسلام: (أيام أكل وشرب وبعال)، لأن الحاج كان ممنوعاً من جماع أهله، أما الحلال فلا يقال له: (أيام أكل وشرب وبعال)، لأنه لما نص على البعال دلّ على التحلل الأكبر الذي يحصل بطواف الإفاضة، فنبه أنهم لما طافوا طواف الإفاضة يوم النحر حل لهم النساء، وحل لهم كل شيء، فهم فيها في ضيافة الله عز وجل.
قوله: [ وحيض ].
فلو أن امرأةً وجب عليها أن تصوم شهرين متتابعين، كفارة قتل أو جماع في نهار رمضان حيث كانت مطاوعة -كما تقدم معنا- فصامت ثم جاءها الحيض، فإن جاءها الحيض لم يقطع تتابعها، بحيث لو كانت عادتها ثمانية أيام فصامت شهر محرم، وجاءت الثمانية الأيام أثناء محرم؛ فإنها تفطر أيام الحيض فقط، ثم بعد ذلك تصوم من بعدها؛ لأنه لا يتيسر من المرأة أن تصوم الشهرين المتتابعين، إلا بتخلل للعادة؛ لأن الله جعل للمرأة أن تحيض في كل شهر مرة كما تقدم معنا في كتاب الحيض.
قوله: [ وجنون ].
لو أنه وجبت عليه كفارة فعجز عن الرقبة، فصام شهرين متتابعين، فابتدأ في محرم فصامه، ثم جُنّ ثم أفاق في ربيع، فحينئذٍ يبني على صومه السابق، وهو حال جنونه ساقط عنه التكليف، ثم إذا رجع له التكليف؛ يرجع مخاطباً بالأصل من إتمام العدة التي أوجب الله عليه، فيصوم ما بقي.
قوله: (فإن تخلله رمضان) يعني ابتدأ الصوم في شعبان وأتم شهراً أو أتم بعض الشهر فدخل عليه رمضان، فرمضان لا يقطع التتابع، فيصوم رمضان، ولكن إذا جاء يوم العيد ففيه ثلاثة أوجه للعلماء:
الوجه الأول: من أهل العلم من قال: يصوم يوم العيد ولا يفطر.
الوجه الثاني: ومنهم من قال: يفطر يوم العيد ولا يقطع تتابعه.
الوجه الثالث: ومنهم من قال: يفطر يوم العيد ويقطع التتابع.
والصحيح: أنه إذا ابتدأ بما قبل رمضان ثم صام؛ فإنه يفطر يوم العيد، ولا يقطع فطر يوم العيد التتابع؛ لأنه مأمور بفطره، وهذا الوجه هو المعتبر: أعني أن فطر يوم العيد مأمور به شرعاً، فقد ثبت في الصحيح من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه: (أنه خطب الناس على المنبر، وبين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صوم يومين: يوم عيد الفطر ويوم عيد الأضحى)؛ لأنهما يوم ضيافة من الله عز وجل.
فالرخصة لمن ابتدأ الصوم وجاءه هذان اليومان أن يفطر، ولا يقطع ذلك التتابع حتى في صيام الكفارات الأخر، ككفارة اليمين على الصحيح أنه يصوم الثلاثة الأيام متتابعة، فلو أنه صام قبل يوم العيد في التاسع الذي هو يوم عرفة ناوياً به الكفارة؛ فإنه يفطر يوم العيد -يوم النحر- ثم يصوم الحادي عشر والثاني عشر؛ لأنه يجوز صيام أيام التشريق لغير الحاج.
قوله: [أو فطر يجب كعيد].
أي: أو تخلله فطر يجب، صورة المسألة: أن يصوم شهرين متتابعين، ثم يجب عليه أن يفطر مثل ما ذكرنا لدخول يوم عيد؛ لأن يوم العيد يجب الفطر فيه، إذاً تلاحظ أن صوم رمضان صوم يجب لشهر، ويوم العيد فطر يجب ليوم عيد الأضحى ويوم عيد الفطر.
قوله: [ وأيام تشريق ].
أيام التشريق اختلف في صومها، وقد تقدمت معنا هذه المسألة في كتاب الصيام، وأن من العلماء من منع من صوم أيام التشريق، والحقيقة أنه لا إشكال أن الحجاج لا يصومون أيام التشريق؛ وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الحديث الصحيح عنه: (أيام منى أيام أكلٍ وشرب وبعال)، فبين عليه الصلاة والسلام أنها أيام فطر، وهذا الأصل فيه أن يكون للحاج، لكن بعض العلماء ألحق غير الحاج بالحاج، فجعلها أيام ضيافة لعموم الأمة توسعة من الله عز وجل على العباد.
فمن قال بالخصوص منع من صومها للحاج، ومن قال بالعموم منع من صومها مطلقاً، سواء كان حاجاً أو غير حاج، والأشبه والأصل الذي يقتضي أنها خاصة بالحاج.
ومما يدل على أنها خاصة بالحاج، قوله عليه الصلاة والسلام: (أيام أكل وشرب وبعال)، لأن الحاج كان ممنوعاً من جماع أهله، أما الحلال فلا يقال له: (أيام أكل وشرب وبعال)، لأنه لما نص على البعال دلّ على التحلل الأكبر الذي يحصل بطواف الإفاضة، فنبه أنهم لما طافوا طواف الإفاضة يوم النحر حل لهم النساء، وحل لهم كل شيء، فهم فيها في ضيافة الله عز وجل.
قوله: [ وحيض ].
فلو أن امرأةً وجب عليها أن تصوم شهرين متتابعين، كفارة قتل أو جماع في نهار رمضان حيث كانت مطاوعة -كما تقدم معنا- فصامت ثم جاءها الحيض، فإن جاءها الحيض لم يقطع تتابعها، بحيث لو كانت عادتها ثمانية أيام فصامت شهر محرم، وجاءت الثمانية الأيام أثناء محرم؛ فإنها تفطر أيام الحيض فقط، ثم بعد ذلك تصوم من بعدها؛ لأنه لا يتيسر من المرأة أن تصوم الشهرين المتتابعين، إلا بتخلل للعادة؛ لأن الله جعل للمرأة أن تحيض في كل شهر مرة كما تقدم معنا في كتاب الحيض.
قوله: [ وجنون ].
لو أنه وجبت عليه كفارة فعجز عن الرقبة، فصام شهرين متتابعين، فابتدأ في محرم فصامه، ثم جُنّ ثم أفاق في ربيع، فحينئذٍ يبني على صومه السابق، وهو حال جنونه ساقط عنه التكليف، ثم إذا رجع له التكليف؛ يرجع مخاطباً بالأصل من إتمام العدة التي أوجب الله عليه، فيصوم ما بقي.
قوله: [ ومرض مخوف ].
إذا كان الصائم للشهرين المتتابعين مريضاً مرضاً مخوفاً، يخشى لو أنه لو صام لهلك، وقال الأطباء: لا بد أن يفطر؛ فأفطر أياماً، وبعدها رجعت له صحته، فهذه الأيام التي أفطرها لعذر المرض المخوف لا تقطع التتابع، وهذا هو الذي اختاره المصنف رحمه الله، وتقدم معنا ما هو المرض المخوف، وبينا هذا في أحكام عطية المريض مرض الموت، فإذا قرر الأطباء ذلك وهم الأطباء الذين عندهم خبرة ومعرفة وهم الذين يرجع إليهم في هذا الأمر، وقد بينا أن علماء وفقهاء الإسلام رحمهم الله، يقولون: يسأل كل أهل علمٍ عن علمهم، فإذا كان الأمر يتعلق بالمرض؛ رجعنا إلى الأطباء؛ لأنهم أعلم بأمور الصحة لتعليم الله لهم، فنسألهم: هل هذا المرض مخوف أم لا؟ كأن يكون صام شهراً ثم أصابه مرض، فإذا قال الطبيب: لا بد وأن يفطر، لأنه حدث عنده عجزٌ في كليتيه مثلاً، أو على الأقل يفطر عشرة أيام حتى تعود له صحته، فعادت له صحته بعد العشرة فاستأنف، فهذه العشرة الأيام التي قال الأطباء إنه ينبغي عليه فطرها، لا يضر قطعه الإتيان بها؛ لأنه معذور، وبناءً على ذلك: أصبح العذر الشرعي: هو وجود أمرٍ من الشرع بالفطر مثل أيام العيد، أو أمر من الشرع بالصوم مثل رمضان، أو يكون معذوراً شرعاً بجنون أو مأموراً شرعاً بالفطر لسبب يتعلق به كالمريض.
قوله: [ ونحوه ].
يعني لمن يعذر؛ فلو كان المرض غير مخوف، بمعنى أن المريض يشق عليه الصوم ولكنه ليس بمرض مخوف، فهل يفطر؟ الجواب: لا؛ لأن المرض ينقسم إلى ثلاثة أقسام في الصيام: القسم الأول: إذا كان المرض يغلب على الظن أن صاحبه لو صام لمات؛ فهذا يجب عليه أن يفطر، فحينئذٍ تنتقل الرخصة إلى عزيمة؛ لأن الله يقول: وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا [النساء:29]، والله تعالى يقول: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحج:78]، فهذه النصوص تدل على حرمة تعاطي الأسباب الموجبة لهلاك الأنفس، والله تعالى جعل الشريعة شريعة رحمة، فلو قلنا له: صم، صارت شريعة عذاب، والله يقول: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ، ومعنى (من حرج) إزهاق الأنفس، فإذاً يجب عليه الفطر.
القسم الثاني: أن يكون المرض لا يسري بالإنسان إلى الهلاك إذا صام ذلك اليوم، ولكن يحدث عنده نوع من الحرج، ويمكنه أن يصبر، فحينئذٍ له أن يفطر فيأخذ برخصة الله، وله أن يصوم فيأخذ بالعزيمة، فإن صام فلا بأس، وإن أفطر فلا حرج، فهنا وجهان مشهوران مفرعان على مسألة الفطر في السفر، أقواهما أنه إذا أصابه حرج، فالأفضل أن يفطر، هذا في السفر وإذا كان صومه في رمضان.
أما في الكفارة كما هنا: فإذا كان يستطيع أن يصوم ولو بنوع من العناء؛ فيجب عليه أن يتم ما أوجب الله عز وجل؛ لأن مقصود الشرع أن يؤدبه؛ ولذلك جعل الشهرين متتابعين حتى أن الصحيح القوي في صيامه للشهرين المتتابعين يجد المشقة والعناء، زجراً من الله له عن ارتكاب ما يوجب الكفارة مرةً ثانية، وزجراً من الله عز وجل لعبده عن الوقوع فيما نهاه عنه، وزجره عنه لما حرمه، وإلا كانت الكفارات لا تؤدي ولا تحقق مقصود الشرع.
القسم الثالث: أن يكون مرضاً يسيراً خفيفاً، فهذا مثله لا يعتد به ولا يوجب الرخصة، خلافاً لمن قال من بعض فقهاء الظاهر: إن مطلق المرض يوجب الرخصة.
والحاصل أنه إذا كان يصوم الكفارات التي يجب فيها التتابع وهو مريض؛ فإننا نسأل الأطباء، فإن قالوا: هذا المرض مرضٌ مخوف ولا يمكن معه الصوم، نقول له: أفطر ولا يقطع فطرك التتابع، وإن كان مرضاً يمكن الصبر معه؛ فإنه يبقى على الأصل من إلزامه بإتمام الصيام.
قوله: [ أو أفطر ناسياً].
كان عليه صيام شهرين متتابعين، وفي يومٍ من الأيام أكل أو شرب يظن أنه غير صائم، فإذا أفطر ناسياً ففيه وجهان:
الوجه الأول: من العلماء من قال: إن الفطر نسياناً يقطع التتابع.
الوجه الثاني: ومنهم من قال: لا يقطع التتابع لما ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من نسي فأكل أو شرب وهو صائم؛ فليتم صومه؛ فإنما أطعمه الله وسقاه) فهذا نص واضح الدلالة على أن الناسي إذا أكل أو شرب ناسياً لصومه أن ذلك لا يؤثر في الصوم وهذا هو الصحيح، لدلالة السنة عليه.
قوله: [ أو مكرهاً].
الإكراه تقدم بيان حقيقته لغة وشرعاً، وبيان شروط الإكراه ومتى يحكم بكون الإنسان مكرهاً، وصورة المسألة: لو كان يصوم شهرين متتابعين ثم في أثنائها هدده شخص، فوضع عليه -مثلاً- السلاح وقال له: إذا لم تفطر فسأقتلك، فمذهب طائفة من العلماء: أنه إذا كان مكرهاً إكراهاً ملجئاً؛ فإنه لا يؤثر في صومه، ومن الإكراه الملجئ أن تربط يداه ثم يوضع الطعام في فمه، أو تربط يداه ويسقى الماء بدون اختيار منه، فإذا فسد اختياره وانعدم رضاه؛ فإنه لا يقطع ذلك تتابع صيام الكفارة.
قوله: [ أو لعذر يبيح الفطر ].
هذا فيه نظر، والصحيح الاقتصار على الأعذار التي تقدمت، وهي التي فيها الإلزام أو فيها ما يدل على الرخصة، سواء كان بعذر من الشرع، كأن يرخص الشرع للإنسان فيفطر، أو يوجب عليه الصيام كرمضان، أو يكون عذراً متلبساً به يمنع من صحة صومه كالحائض، فهذه هي الأعذار المؤثرة.
أما أن يكون العذر سفراً، والسفر عذر من أعذار الفطر، فلو سافر وهو صائم شهرين متتابعين وأراد أن يترخص؛ نقول له: لا رخصة، لأن هناك فرقاً بين عذر الحيض الذي يغلب ولا يقطع التتابع ويهجم على الإنسان بالطبيعة، وبين عذر رمضان الذي هجم على الإنسان بحكم الشرع، وعينه الشرع وألزم به ولا محيد للصائم عنه، فصائم رمضان في السفر يمكنه أن يفطر ويمكنه أن يصوم فهو مخير، فجاء واختار أن يفطر.
أما في الكفارة هنا فإذا اختار أن يفطر فقد اختار أن يقطع تتابع صومه، فهناك فرق بين رخصة السفر التخييرية وبين الرخصة التي معنا، فإن سافر ومرض في سفره مرضاً؛ أوجب أن يُرخص له؛ لأنه وصل إلى حد الخوف، فهذا ينتقل من رخصة السفر إلى رخصة الفطر بالمرض، وقد بينا أنها لا تقطع التتابع.
قوله: [لم ينقطع] أي: لم ينقطع التتابع وصومه معتبر ومجزئٌ في الكفارة.
قال رحمه الله: [ ويجزئ التكفير بما يجزئ في فطرة فقط ].
الخصلة الثالثة من خصال الكفارة هي الإطعام، ومسائلها مفرعة على ما تقدم معنا في أحكام الزكاة؛ لأنها صدقة واجبة، فألحقت بالأصل الواجب من الزكوات كالزكاة الواجبة في الأصل وزكاة الفطر.
قوله: (ويجزئ التكفير) بمعنى أنه يوجب براءة ذمة المكفر، فحد الإجزاء هو الذي يلزم به الشرع، فإذا قام به المكلف فقد برئت ذمته، وخلي من التبعية، وبناءً على ذلك بين رحمه الله أنه يجزئ في كفارة الظهار ما يجزئ في صدقة الفطر، من برٍ وتمر وشعير وزبيب وأقط، ونحو ذلك من الطعام.
قوله: [لا يجزئ من البر أقل من مد].
تقدمت معنا هذه المسألة: هل يعتد بنصف الصاع الذي هو مدان أو يعتد بربع الصاع الذي هو مُدّ؟ وتقدم معنا أن هناك ما يسمى بالمد الصغير، الذي هو مد النبي صلى الله عليه وسلم، وهناك ما يسمى بالصاع النبوي، وهناك ما يسمى بالمد الكبير.
فأما بالنسبة للمد الصغير: وهو ملء الكفين المتوسطتين لا مقبوضتين ولا مبسوطتين، فلو أن شخصاً وسط في الخِلقة أخذ بكفيه تمراً أو بُراً، فإن هذا القدر غالباً يملأ المد، وهذا المد هو الذي كان يتوضأ به النبي صلى الله عليه وسلم، ولا زال موجوداً توارثه الناس جيلاً عن جيل ورعيلاً عن رعيل إلى زماننا هذا؛ ولذلك نص العلماء: أن العبرة في المد والصاع والكيل بمد المدينة وصاعها وكيلها؛ لأنها توارثها الناس أمة بعد أمة، وتوافرت الدواعي على حفظه، والمحافظة عليه، وكان الوالد رحمه الله يحرر الصاع بكبار السن الذين هم من الثقات، وكان هناك رجل من حفظة القرآن كنت أحرر الصاع والمد على يديه -رحمه الله ورحمنا الله جميعاً- فهذا الشيء توارث مثلما توارث الناس أن هذا المكان هو مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، وأن هذا المكان هو الروضة، وأن هذا المكان هو مسجد قباء، وهذا ما يسمى بنقل الكافة عن الكافة، فما خالف هذا فإنه لا يعتد به؛ لأنه مما توافرت الدواعي لحفظه والمحافظة عليه.
وقد بارك النبي صلى الله عليه وسلم -كما في الصحيحين- للمدينة بمدها وصاعها، وقال: (اللهم بارك لنا في مدنا وصاعنا)، وهذا أمر ثبت به النص ولا مجال لرده أو لإنكاره، بل إنه مجرب أنه إذا كيل الشيء بصاع المدينة ومده وضع الله فيه البركة، وقد لمست ذلك ووجدته، والحديث في الصحيحين ولا إشكال فيه.
فهذا المد يخالف غيره مثل المد الشرقي الذي كان الحنفية رحمهم الله يخالفون فيه الجمهور، فالإمام مالك رحمه الله أخذ بمد المدينة، ولما نازعه محمد بن الحسن صاحب الإمام أبي حنيفة قال الإمام مالك : يا فلان، قم فائتني بصاع، ويا فلان! قم فائتني بصاعك، فأمر رجالاً من أهل المدينة أن يأتوا بآصبعهم فأحضروها، فقال كل واحدٍ منهم: حدثني أبي عن جدي أنهم كانوا يخرجون الفطر على زمان النبي صلى الله عليه وسلم بهذا، فحزروه وقدروه، فوجدوه موافقاً لتقدير الإمام مالك ، أن الصاع يسع أربعة أمداد بمد النبي صلى الله عليه وسلم، فيقال لهذا: مد، ويقال له: ربع صاع، وبعضهم يعتبره أصغر وأقل المكيلات الموجودة، فهناك من يقول: إن الصاع خمسة أمداد أو يقرب منها، وهذا القول غير محرر؛ لأن المعروف والثابت والذي نص عليه الأئمة والعلماء: أن مد النبي صلى الله عليه وسلم ربع الصاع، وهذا هو الذي عليه العمل عند العلماء والأئمة.
واختلف العلماء رحمهم الله في مسألة: هل البر كغيره في الكفارة أم لا، على وجهين:
الوجه الأول: يقول: إنه يختلف البر عن غيره.
الوجه الثاني: التسوية بين البر وغيره.
ثم الذين سوَّوا أو خالفوا منهم من يبتدئ بالربع على الأصل ويقول: ستون مسكيناً الذين يجب إطعامهم في كفارة الظهار، يكون لكل مسكين ربع صاع الذي هو مد النبي صلى الله عليه وسلم الصغير، فإذا كان لكل مسكين ربع صاع والكفارة لستين مسكيناً، فمعنى ذلك: أن خمسة عشر صاعاً هي كفارة الظهار، وكفارة القتل، وكفارة الجماع في نهار رمضان؛ لأن ربع الصاع لمسكين فـ(4 × 15 = 60)، هذا وجه لبعض العلماء رحمهم الله، ويؤيد هذا الوجه ما جاء في قصة خولة بنت ثعلبة وزوجها أوس بن الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم أُتي بعرق من تمر، فأمر أوساً أن يطعمه أهله، والعرق فسره بعض أئمة السلف كـسعيد بن المسيب رحمه الله وهو إمام المدينة وفقيهها قال: فيه خمسة عشر صاعاً، العرق مثل الزنبيل أو القفة الموجودة في زماننا، والزنابيل الكبيرة هذه لها أسماء: مِكتل، عَرق، فهذا العرق فيه خمسة عشر صاعاً، فإذا كان فيه خمسة عشر صاعاً، فمعنى ذلك: أن لكل مسكين ربع صاع.
وفي رواية أخرى لقصة خولة رضي الله عنها تقتضي أن يكون نصف صاع أي: مدين؛ لأنه عليه الصلاة والسلام قال: (أعينه بعرق، فقالت هي: وأنا أعينه بعرق ثانٍ) فأصبح المجموع ثلاثين صاعاً؛ لأن عرقاً مع عرق يكون خمسة عشر صاعاً مع خمسة عشر صاعاً فيكون المجموع ثلاثين صاعاً، فهذان وجهان، أقواهما في الحقيقة الربع، وأحوطهما النصف.
قوله: [ولا من غيره أقل من مُدَّين]
كما ذكرنا أن العلماء يفرقون بين البر وغيره كالتمر والزبيب والأقط، وبينا هذا في صدقة الفطر، وبينا وجهه.
قوله: [لكل واحد ممن يجوز دفع الزكاة إليهم]
كأن يكون مسكيناً، أو فقيراً، فيعطى ربع صاع أو نصف صاع على التقدير الذي بيناه.
قوله: [وإن غدَّى المساكين أو عشَّاهم لم يجزئه]
أي: المعتبر ستون مسكيناً، وإن غدَّى هؤلاء المساكين أو عشَّاهم اختلف العلماء رحمهم الله في الكفارة: هل يجب عليك أن تملِّك المسكين أو يجب عليك الإطعام؟
والفرق بين القولين: أننا لو قلنا: يجب عليك تمليك المسكين، فمعنى ذلك: أنك تدفع الزكاة إليه، وهو إن شاء طبخها اليوم أو طبخها بعد غد، أو باعها، فهو حرٌ في نفسه؛ لأن الله أمرك أن تدفع هذا القدر له، وهو قدر ما يطعمه، فإن شاء طعمه اليوم، وإن شاء طعمه غداً، وإن شاء أطعمه غيره، فلا تلزمه بشيء، فهذا حق من حقوقه جعله الله عز وجل له.
ومن أهل العلم من قال: إنه إذا صنع الطعام وأطعمه المسكين فقد أطعمه الطعامٍ معتبر، فيصدق عليه إذا أكل المسكين طعامه أنه قد طعم، والله عز وجل أمره أن يطعم المسكين وقد أطعمه، ولا شك أن الأحوط أنه يعطى المسكين؛ لأن الله يقول: وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ [الذاريات:19] فبين أن ما لزم واجباً للمسكين أنه يمكن منه، وقد جاء عن بعض السلف رحمهم الله كـأنس بن مالك رضي الله عنه أنه كان يجمع ثلاثين مسكيناً في آخر يوم من رمضان ويطعمهم صدقة عن فطره في شهر رمضان، هذا فعل لبعض السلف، والأحوط أنه يعطى المسكين الطعام كما ذكرنا.
قوله: [ وتجب النية في التكفير من صوم وغيره ].
وتجب النية في التكفير من صومٍ وغيره، وقد بينا في كتاب الصيام: أن الصيام الواجب يجب تبييت النية فيه، وذكرنا ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث عن أم المؤمنين بقوله: (من لم يبيت النية بالليل فلا صوم له)، فدل على أن الصيام الواجب يجب تبييت النية فيه، ولأن هذا الصوم وجب كفارة، ولا يمكن أن يكون مبرئاً للذمة إلا بنية وقصد، فوجبت النية.