شرح زاد المستقنع الشروط في النكاح


الحلقة مفرغة

قال رحمه الله تعالى: [ باب الشروط والعيوب في النكاح ]

الشروط تنقسم إلى قسمين -كما تقدم معنا في البيوع-: شروط شرعية وشروط جعلية، وتقدم تعريف الشروط، والمراد من هذا أن هناك شروطاً نص عليها الشرع: كالولي، والشاهدين، ورضا الزوجين، وغير ذلك مما ذكرناه في شروط صحة النكاح، لكن الكلام هنا في الشروط التي يجعلها أحد الطرفين المتعاقدين، إما الزوج أو الزوجة أو الولي.

وفي الحقيقة عندنا سؤال مهم، يعتبر كمدخل فقط ندخل به في مسألة الشروط وهو: لو سألك سائل وقال لك: كيف يقول المصنف: باب الشروط والعيوب، ونحن إلى الآن ما دخلنا في تفصيلات كتاب النكاح؟ يعني: كان المفروض أن تكون مسائل الشروط في آخر كتاب النكاح.

والجواب عن ذلك: أن ترتيب المصنف ترتيب صحيح، وفي علم المناسبات فإنه على حسب الأصول التي ذكرها العلماء يقوى ترتيب المصنف، توضيح ذلك: أن المصنف ذكر مقدمات النكاح، فذكر الخطبة، وذكر من تخطب، وصفات المرأة المخطوبة، وأحكام الخطبة، وما يتعلق بها، ثم ذكر أركان عقد النكاح، والصيغة، والعاقدين، إلى آخره، ثم ذكر شروط صحة عقد النكاح، فبعدما توفرت هذه المقدمات تسأل: من المرأة التي تحل لي فأتزوجها، والمرأة التي لا تحل لي فلا أتزوجها؟

فإذا عرفت المرأة التي تحل والمرأة التي لا تحل، ماذا تفعل؟

مباشرة ستعقد، وقد تقدمت مقدمات العقد، وفي أثناء العقد ستذكر الشروط، فتذكر ما لك من شروط على المرأة، والمرأة تذكر ما لها من شروط على الزوج، فإذاً ناسب أن يذكر باب الشروط بعد المحرمات من النساء من أجل أن يبين ما الذي يمكن أن يوضع في عقد النكاح.

وأيضاً يرد إشكال آخر وهو: إذا كانت الشروط لها هذه المناسبة فأنا مسلّم وهذا صحيح، لكن العيوب، إما أن تكون في مقدمات النكاح: لا تتزوج كذا، ولا تتزوج كذا، وإما أن توضع في آثار النكاح.

والواقع أن ترتيب المصنف صحيح، فإن الشروط في الحقيقة من ناحية فقهية وتنظير فقهي تعتبر من الخيارات، يعني: إذا تم العقد بين الطرفين هناك شيء يسمى: الخيار وهو: أن يدخل أمراً أو يشترطا شرطاً يوجب الخيار لأحدهما أو كليهما -كما تقدم معنا في البيوع- وفي الواقع أن الشروط في الأصل توضع في العقود ويقصد منها الخيار، بحيث لو اشترط أن المرأة على صفات معينة وتبين أنها ليست على تلك الصفات كان له الخيار، فمعنى ذلك: أن الشروط متصلة بالعقد من حيث الأساس والتركيب، ومتصلة بالخيار من حيث الثمرة، فإذاً هي في التنظير في باب الخيارات، فالتصقت العيوب بها؛ لأن الشرط والعيب والغرر والعتق كلها من خيارات النكاح، إذ هناك أربعة أشياء مما يوجب الخيار في النكاح: الشرط، العيب، العتق، الغرر، أو وجود الغبن ونحو ذلك، هذه أربع من موجبات الخيار، فناسب أن يلحق العيوب بالشروط، وعلى هذا فتنظير المصنف رحمه الله تنظير صحيح.

سنذكر باختصار مسألة أنواع الشروط.

أقسام الشروط في النكاح

الشروط في النكاح تنقسم إلى قسمين: شروط معتبرة شرعاً يجب الوفاء بها، وشروط غير معتبرة شرعاً وفيها تفصيل، فأما الشروط المعتبرة شرعاً فإنه يجب على الزوج أن يفي بها، ويجب على الزوجة أن تفي بها، وهي الشروط التي أحلها الله ورسوله على الصفة التي سنذكرها -إن شاء الله- وهي تتضمن مصلحة، ولا تضاد شرع الله، ولا تخالف شرع الله عز وجل، وليست مما حرم الله، فهذه الشروط جعلية معتبرة، اشترطت المرأة مثلاً: أن يكون مهرها من الذهب، أو اشترطت: أن يكون مهرها من الفضة، أو اشترطت: أن يكون متاعها من نوع معين، هذه كلها شروط معينة لا تعارض الشرع ولا تضاده.

لكن الشروط التي تخالف الشرع تنقسم إلى قسمين:

شروط توجب فساد العقد فيفسد الشرط والعقد، وشروط يحكم ببطلانها ويبقى العقد صحيحاً فلا يجب الوفاء بها.

فأما الشروط التي يحكم ببطلانها وبطلان العقد كقوله: زوجتك ابنتي على أن تزوجني ابنتك، وهذا نكاح الشغار، أو: زوجتك ابنتي سنة، أو زوجتك ابنتي شهرين، أو ثلاثة شهور، أو زوجتك ابنتي مدة إقامتك عندنا، وهذا نكاح المتعة، أو زوجتك ابنتي على أنك إذا وطئتها وحلت لزوجها الأول طلقتها، فهذا الشرط لاغٍ والنكاح فاسد، وهو شرط يوجب فساد العقد، وهناك شروط تصحح فيها العقود وتلغى هذه الشروط، فلو تزوجها على أن لا مهر لها فحينئذٍ نلغي هذا الشرط؛ لأنه خلاف كتاب الله حيث قال الله تعالى: فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً [النساء:24] ، فالله عز وجل فرض على المسلم أن يعطي المرأة حقها، فإذاً لو أنه اشترط أن لا مهر لها نسقط هذا الشرط، ونقول: لها مهر مثلها، وأما بالنسبة لتفصيلات هذه الشروط وبيانها فسيفصلها المصنف رحمه الله فيما يأتي.

الشروط في النكاح تنقسم إلى قسمين: شروط معتبرة شرعاً يجب الوفاء بها، وشروط غير معتبرة شرعاً وفيها تفصيل، فأما الشروط المعتبرة شرعاً فإنه يجب على الزوج أن يفي بها، ويجب على الزوجة أن تفي بها، وهي الشروط التي أحلها الله ورسوله على الصفة التي سنذكرها -إن شاء الله- وهي تتضمن مصلحة، ولا تضاد شرع الله، ولا تخالف شرع الله عز وجل، وليست مما حرم الله، فهذه الشروط جعلية معتبرة، اشترطت المرأة مثلاً: أن يكون مهرها من الذهب، أو اشترطت: أن يكون مهرها من الفضة، أو اشترطت: أن يكون متاعها من نوع معين، هذه كلها شروط معينة لا تعارض الشرع ولا تضاده.

لكن الشروط التي تخالف الشرع تنقسم إلى قسمين:

شروط توجب فساد العقد فيفسد الشرط والعقد، وشروط يحكم ببطلانها ويبقى العقد صحيحاً فلا يجب الوفاء بها.

فأما الشروط التي يحكم ببطلانها وبطلان العقد كقوله: زوجتك ابنتي على أن تزوجني ابنتك، وهذا نكاح الشغار، أو: زوجتك ابنتي سنة، أو زوجتك ابنتي شهرين، أو ثلاثة شهور، أو زوجتك ابنتي مدة إقامتك عندنا، وهذا نكاح المتعة، أو زوجتك ابنتي على أنك إذا وطئتها وحلت لزوجها الأول طلقتها، فهذا الشرط لاغٍ والنكاح فاسد، وهو شرط يوجب فساد العقد، وهناك شروط تصحح فيها العقود وتلغى هذه الشروط، فلو تزوجها على أن لا مهر لها فحينئذٍ نلغي هذا الشرط؛ لأنه خلاف كتاب الله حيث قال الله تعالى: فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً [النساء:24] ، فالله عز وجل فرض على المسلم أن يعطي المرأة حقها، فإذاً لو أنه اشترط أن لا مهر لها نسقط هذا الشرط، ونقول: لها مهر مثلها، وأما بالنسبة لتفصيلات هذه الشروط وبيانها فسيفصلها المصنف رحمه الله فيما يأتي.

شرع المصنف رحمه الله في الشروط التي يرى صحتها؛ لأن الشروط اختلف العلماء رحمهم الله فيها، فتارة يحكم بصحة الشرط واعتباره ولزوم الوفاء به، وتارة يحكم بعدم اعتباره وعدم وجوب الوفاء به، فتختلف أقوال العلماء رحمهم الله في هذا النوع من الشروط ويتكلمون على مسائله في هذا الموضع.

اشتراط طلاق الزوجة الأولى

فقال المصنف رحمه الله: [ إذا شرطت طلاق ضرتها ] صورة المسألة: أن تقول المرأة: رضيت به زوجاً بشرط أن يطلق زوجته، فتارة يكون الزوج الذي يريد أن يتزوج عنده زوجة واحدة وتارة تكون عنده أكثر من زوجة، فإذا كان عنده زوجة واحدة تقول: أشترط أن يطلق زوجته فلانة، أو تقول: أشترط أن يطلق زوجته السابقة ولا تسمي فهذه صورة، ومن صورها أن تقول إذا كان عنده أكثر من زوجة: أشترط أن يطلق جميع نسائه، وتارة تقول: أشترط أن يطلق بعض نسائه أي: الأول، فسواءً اشترطت طلاق زوجة أو طلاق زوجتين أو أكثر فإن هذا الشرط للعلماء فيه قولان:

فقال بعض العلماء بصحته كما درج عليه المصنف رحمه الله، واختاره أبو الخطاب من الأصحاب، وغيرهم رحمة الله عليهم، وعللوا ذلك بأن فيه مصلحة للزوجة، وأن الزوجة تخاف من الضرر بوجود الضرة، كأن تكون شديدة الغيرة، إلى آخر ما ذكروه، وقالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الحديث الصحيح: (إن أحق ما وفيتم به من الشروط ما استحللتم به الفروج) قالوا: فهذا الحديث يدل على أنه يجب الوفاء بالشرط؛ لأن شرط النكاح أحق ما يوفى به.

وذهب طائفة من العلماء إلى أنها لو شرطت عليه طلاق ضرتها فالشرط باطل ولا يلزمه الوفاء به، ولو حدث نكاح ورفع إلى القاضي فإنه يحكم ببطلان الشرط وبقاء النكاح على صحته، وهذا هو الصحيح وعليه المذهب كما أشار إلى ذلك صاحب الإنصاف، وصححه في المذهب، أنه ليس من حقها أن تشترط هذا الشرط؛ لما ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ولا تسأل المرأة طلاق ضرتها) وكذلك في اللفظ الآخر: (لا تسأل المرأة طلاق ضرتها لتنكح) وفي اللفظ الآخر: (نهى أن تسأل المرأة طلاق ضرتها لتكفأ ما في صحفتها) فدل هذا على أنه لا يجوز للمرأة أن تشترط طلاق المرأة قبلها.

وهذا هو الذي نميل إليه: أنه ليس بشرط شرعي، وأنه لا يلزم الوفاء به، فإن اعترض معترض وقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن أحق ما وفيتم به من الشروط ما استحللتم به الفروج) نقول: جوابه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط) فكيف وقد نص على بطلان مثل هذا الشرط في قوله: (لا تسأل المرأة) ونهى عنه، والنهي يقتضي فساد المنهي عنه، فهذا أمر حرمه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وإذا كان محرماً فكيف نقول بمشروعيته؟ وكيف نقول بلزوم الوفاء به؟ فالصحيح أنه شرط غير معتبر.

وعلى هذا فإننا نقول: لا يصح للمرأة أن تسأل طلاق ضرتها؛ لكن يعتذر للعلماء الذي قالوا بأنه صحيح بأنه يحتمل أنهم لا يقصدون مطلق الشرط وإنما قصدوا شيئاً معيناً -والله أعلم- كما لو اشترطت المرأة طلاق امرأة شريرة قبلها أو طلاق امرأة فاجرة تخاف من فجورها وضررها، فصار هناك مسوغ وهو دفع الضرر، فتقول: أنا لا أتزوج منك وفلانة في عصمتك، طلقها ثم انكحني، ففي هذه الحالة ممكن أن يشترط هذا الشرط، أما أن يكون شرطاً معتبراً بإطلاقٍ فلا.

والضرة سميت ضرة لأنها تضار، وغالباً مع وجود الغيرة يحصل الضرر.

اشتراط عدم التسري على الزوجة

قال رحمه الله:[ أو لا يتسرى عليها ] السرية: هي الأمة التي تنكح بملك اليمين، فتقول له: أرضاك زوجاً بشرط ألا تطأ أو لا تتسرى عليَّ، أي: ما يطأ النساء اللاتي في ملك يمينه، وهذا الشرط للعلماء فيه وجهان:

صححه طائفة كما ذكرنا، وأبطله طائفة، والصحيح أنه باطل، وذلك لقوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ [التحريم:1] فالله أحل له أن يطأ سريته، والمرأة تحيض ويأتيها العذر ويأتيها المرض الذي يعيقه من إعفاف نفسه فيبقى معلقاً عن حلال أحله الله له، فهذا من تحريم ما أحل الله وليس من جنس الشروط التي يجب الوفاء بها.

اشتراط عدم الزواج على الزوجة

قال رحمه الله: [ ولا يتزوج عليها ]

وهذا أشد وأعظم؛ لأن الرجل بهذا يمتنع مما أحل الله له، ومع ما فيه من مصلحة الأمة، ومصلحة الجماعة والأفراد، وصورة المسألة أن تقول له: أرضاك زوجاً بشرط ألا تتزوج عليَّ، فمثل هذا الشرط اختلف فيه العلماء رحمهم الله سلفاً وخلفاً:

فأثر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وعمرو بن العاص وسعد بن أبي وقاص ، وكذلك قال به طاوس بن كيسان تلميذ ابن عباس ، وقال به الأوزاعي فقيه الشام وطائفة كـإسحاق بن راهوية من أهل الحديث أن هذا الشرط صحيح ويجب عليه أن يفي للمرأة بما التزم به، فإن قالت: أشترط أن لا تكون لك سابقة ولا لاحقة ولا تتزوج عليَّ، فإنه يجب عليه الوفاء، واحتجوا بقوله عليه الصلاة والسلام: (إن أحق ما وفيتم به من الشروط ما استحللتم به الفروج)

وذهب طائفة من العلماء كما هو مذهب جمهور العلماء سلفاً وخلفاً إلى أن هذا الشرط باطل، وأنه ليس من حقها أن تحرم عليه ما أحل الله له، واحتجوا بقوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ [التحريم:1] وكذلك قوله عليه الصلاة والسلام: (كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل)، والذي في كتاب الله الندب والاستحباب لزواج الثانية والثالثة والرابعة: فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ [النساء:3] فندب الله الأمة إلى تكثير سوادها وحصول الإعفاف لنساء المؤمنين، وهذه المرأة تحرم ما أحل الله لمصلحتها الذاتية، وكونها ذات غيرة فإن هذه الغيرة ضرر خاص بها لا تستضر به جماعة المسلمين، وكم من مطلقة وأرملة تحتاج إلى من يعفها ويسترها وقد تكون ابنة عم وقد تكون ابنة خال وقريبة فلا يستطيع أن ينكحها لوجود هذا الشرط.

ومن تأمل الواقع وجد أن الشرع يؤكد أن هذا الشرط باطل، فإن النبي صلى الله عليه وسلم ألغى الشرط الذي يعارض كتاب الله عز وجل، فهو يقول: (كل شرط ليس في كتاب الله) والذي في كتاب الله: فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ [النساء:3] ولا يستطيع الشخص أن يدرك خطر هذا الشرط إلا إذا نظر إلى رجل عنده امرأة تزوجها ونكحها وأنجب منها أولاداً، فإذا قلنا بصحة الشرط وثبت أن للمرأة هذا الشرط فمعناه أنه متى نقض الشرط كان لها الخيار، فإذا نقض الشرط وقالت: لا أريده، تنفسخ مباشرة، ولا يستطيع إرجاعها إلا بعقد جديد، وهذا معروف عند من يعمل بهذا الشرط، فوجدنا هذا الضرر وهذه المفاسد العظيمة، فمن كان عنده أولاد لا يستطيع أن يتزوج الثانية لعلمه أن أولاده سيستضرون بطلاق هذه وانفساخ عقدها فهذا كله مما يعارض هذا الشرط.

والأصل حل نكاح الثانية والثالثة والرابعة، فالمرأة إن أرادت أن تتزوج اشترطت شروطاً لا ضرر فيها قبلنا، وإلا رددنا كل ما صادم كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وأوجب الحرج على المسلمين، فضيق ما وسع الله على عباده، قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله قد أحل أشياء فلا تحرموها، وحرم أشياء فلا تحلوها، وسكت عن أشياء رحمة بكم من غير نسيان) فلا يليق بالمسلم أن يحرم ما أحل الله له ابتغاء مرضات النساء والأزواج كما نص الله عز وجل على تحريم ذلك.

اشتراط عدم خروج الزوجة من دارها أو بلدها

قال رحمه الله: [ أو لا يخرجها من دارها ]

إذا اشترطت عليه أن لا يخرجها من دارها أو من بلدها، فهذا الشرط اختلف فيه العلماء رحمهم الله أيضاً سلفاً وخلفاً:

فعن عمر بن الخطاب رواية بكلا القولين: روي عنه أنه أقر هذا الشرط، وروي عنه أنه أبطل هذا الشرط، وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه أبطل هذا الشرط، ولما رفعت إليه قضية المرأة التي اشترطت على زوجها ألا يخرجها من بلدها قال رضي الله عنه: كتاب الله أسبق، أي: أن الله عز وجل أحل للرجل أن ينقل امرأته حيثما انتقل؛ لكي تعفه عن الحرام وتصونه عن الآثام بإذن الله عز وجل.

وقال طائفة من السلف: إنه يشرع هذا الشرط، وإذا اشترطت عليه المرأة ذلك فإنه لا يخرجها من دارها ويجب عليه الوفاء؛ لعموم قوله عليه الصلاة والسلام: (إن أحق ما وفيتم به من الشروط ما استحللتم به الفروج) وفي الحقيقة القول بجوازه أقوى؛ لأن هذه المسألة ليست كالمسألة السابقة، والضرر في هذه ليس كالضرر في سابقتها، وكثير من النساء يشترطن ألا يخرجن من دورهن خوفاً على الوالدين ولمصالح ذاتية، والغالب أن المرأة لا تشترط مثل هذا الشرط إلا وهناك ما يؤثر عليها ويضر بها إضراراً معتبراً خاصة في حق والديها وقرابتها، فنقول: هو أقوى، وفرق بين قولنا: أرجح وأقوى، وقد نبهنا على ذلك غير مرة.

قال: [ أو بلدها ]

كذلك الحكم في البلد، وقد تكون هناك مبررات، فقد تكون المرأة صغيرة السن فيقول والدها: أشترط عليك ألا تخرجها من المدينة؛ لأنه يعلم أن ابنته في هذا السن يخشى عليها وأن بيئته أو جماعته أو مدينته فيها مفاسد، فمثل هذا أنا لا أشك في اعتباره، وأنها شروط شرعية؛ لأنه يقصد منها مقصود شرعي، أما إذا قصد التضييق على الرجل فهذا شيء آخر، لكن من حيث النظر في غالب الأحوال فهذا الشرط يقصد به تحقيق مصالح ودرء مفاسد، ومثل هذا لا يشك في اعتباره والعمل به.

اشتراط نقد معين في المهر أو اشتراط زيادته

قال رحمه الله: [ أو شرطت نقداً معيناً ]

قالت: أشترط أن يكون صداقي مائة ألف ريال من الفضة القديمة، أو أشترط أن يكون صداقي -مثلاً- ثلاثين ألف ريال من الورق، أو أشترط أن يكون صداقي مائة جنيه من الذهب السعودي مثلاً أو غيره، فهذا كله اشتراط نقد معين، فهذا يجب الوفاء به، فإنه استحل فرجها بهذا الشرط، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إن أحق ما وفيتم به من الشروط ما استحللتم به الفروج) .

قال: [ أو زيادة في مهرها صح]

لأنه يجوز لها أن تشترط في المهر القليل والكثير، فليس هناك محظور شرعي.

قال: [ فإن خالفه فلها الفسخ ]

(خالفه) الضمير عائد إلى الشرط (فلها الفسخ) لها أي: تملك الفسخ، وهذا كما ذكرنا أن الشروط في العقود من موجبات الخيار، وإذا قلنا: لها الفسخ، ففرق بين الفسخ والطلاق، فالمرأة إذا كان لها الفسخ فمعنى ذلك أنها إذا اختارت الفسخ فإنه لا يستطيع أن يعود لها إلا بعقد جديد، ولكن إذا قلنا: تطلق، فقد تطلق وتكون رجعية كما لو كانت الطلقة الأولى ويمتلك ارتجاعها بدون رضاها، وإنما قلنا: لها الفسخ؛ لأننا لو قلنا بدون الفسخ بأن قلنا مثلاً: إنها تكون في حكم المطلقة لأمكنه أن يطلقها ثم يعيدها بعد ذلك فيفوت المقصود من الشرط، ولذلك يقول: (لها الفسخ) أي أنها إذا قالت: لا أريد ولست براضية، يقال لها: أنتِ بالخيار إما أن ترضي بهذا الواقع الذي هو فيه وإما أن تفسخي نكاحكِ، فتفسخ نكاحها ولا يرجع عليها بمهر؛ لأن المهر يكون بما استحل من فرجها.

فقال المصنف رحمه الله: [ إذا شرطت طلاق ضرتها ] صورة المسألة: أن تقول المرأة: رضيت به زوجاً بشرط أن يطلق زوجته، فتارة يكون الزوج الذي يريد أن يتزوج عنده زوجة واحدة وتارة تكون عنده أكثر من زوجة، فإذا كان عنده زوجة واحدة تقول: أشترط أن يطلق زوجته فلانة، أو تقول: أشترط أن يطلق زوجته السابقة ولا تسمي فهذه صورة، ومن صورها أن تقول إذا كان عنده أكثر من زوجة: أشترط أن يطلق جميع نسائه، وتارة تقول: أشترط أن يطلق بعض نسائه أي: الأول، فسواءً اشترطت طلاق زوجة أو طلاق زوجتين أو أكثر فإن هذا الشرط للعلماء فيه قولان:

فقال بعض العلماء بصحته كما درج عليه المصنف رحمه الله، واختاره أبو الخطاب من الأصحاب، وغيرهم رحمة الله عليهم، وعللوا ذلك بأن فيه مصلحة للزوجة، وأن الزوجة تخاف من الضرر بوجود الضرة، كأن تكون شديدة الغيرة، إلى آخر ما ذكروه، وقالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الحديث الصحيح: (إن أحق ما وفيتم به من الشروط ما استحللتم به الفروج) قالوا: فهذا الحديث يدل على أنه يجب الوفاء بالشرط؛ لأن شرط النكاح أحق ما يوفى به.

وذهب طائفة من العلماء إلى أنها لو شرطت عليه طلاق ضرتها فالشرط باطل ولا يلزمه الوفاء به، ولو حدث نكاح ورفع إلى القاضي فإنه يحكم ببطلان الشرط وبقاء النكاح على صحته، وهذا هو الصحيح وعليه المذهب كما أشار إلى ذلك صاحب الإنصاف، وصححه في المذهب، أنه ليس من حقها أن تشترط هذا الشرط؛ لما ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ولا تسأل المرأة طلاق ضرتها) وكذلك في اللفظ الآخر: (لا تسأل المرأة طلاق ضرتها لتنكح) وفي اللفظ الآخر: (نهى أن تسأل المرأة طلاق ضرتها لتكفأ ما في صحفتها) فدل هذا على أنه لا يجوز للمرأة أن تشترط طلاق المرأة قبلها.

وهذا هو الذي نميل إليه: أنه ليس بشرط شرعي، وأنه لا يلزم الوفاء به، فإن اعترض معترض وقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن أحق ما وفيتم به من الشروط ما استحللتم به الفروج) نقول: جوابه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط) فكيف وقد نص على بطلان مثل هذا الشرط في قوله: (لا تسأل المرأة) ونهى عنه، والنهي يقتضي فساد المنهي عنه، فهذا أمر حرمه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وإذا كان محرماً فكيف نقول بمشروعيته؟ وكيف نقول بلزوم الوفاء به؟ فالصحيح أنه شرط غير معتبر.

وعلى هذا فإننا نقول: لا يصح للمرأة أن تسأل طلاق ضرتها؛ لكن يعتذر للعلماء الذي قالوا بأنه صحيح بأنه يحتمل أنهم لا يقصدون مطلق الشرط وإنما قصدوا شيئاً معيناً -والله أعلم- كما لو اشترطت المرأة طلاق امرأة شريرة قبلها أو طلاق امرأة فاجرة تخاف من فجورها وضررها، فصار هناك مسوغ وهو دفع الضرر، فتقول: أنا لا أتزوج منك وفلانة في عصمتك، طلقها ثم انكحني، ففي هذه الحالة ممكن أن يشترط هذا الشرط، أما أن يكون شرطاً معتبراً بإطلاقٍ فلا.

والضرة سميت ضرة لأنها تضار، وغالباً مع وجود الغيرة يحصل الضرر.

قال رحمه الله:[ أو لا يتسرى عليها ] السرية: هي الأمة التي تنكح بملك اليمين، فتقول له: أرضاك زوجاً بشرط ألا تطأ أو لا تتسرى عليَّ، أي: ما يطأ النساء اللاتي في ملك يمينه، وهذا الشرط للعلماء فيه وجهان:

صححه طائفة كما ذكرنا، وأبطله طائفة، والصحيح أنه باطل، وذلك لقوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ [التحريم:1] فالله أحل له أن يطأ سريته، والمرأة تحيض ويأتيها العذر ويأتيها المرض الذي يعيقه من إعفاف نفسه فيبقى معلقاً عن حلال أحله الله له، فهذا من تحريم ما أحل الله وليس من جنس الشروط التي يجب الوفاء بها.




استمع المزيد من الشيخ محمد بن محمد مختار الشنقيطي - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح زاد المستقنع كتاب البيع [4] 3706 استماع
شرح زاد المستقنع باب الرجعة [1] 3622 استماع
شرح زاد المستقنع باب ما يختلف به عدد الطلاق 3444 استماع
شرح زاد المستقنع باب صلاة التطوع [3] 3376 استماع
شرح زاد المستقنع واجبات الصلاة 3343 استماع
شرح زاد المستقنع باب الإجارة [10] 3321 استماع
شرح زاد المستقنع باب التيمم [1] 3275 استماع
شرح زاد المستقنع باب صوم التطوع [2] 3230 استماع
شرح زاد المستقنع باب شروط القصاص 3186 استماع
شرح زاد المستقنع باب نفقة الأقارب والمماليك [6] 3171 استماع