شرح زاد المستقنع باب صفة الحج والعمرة [1]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

فيقول المصنف رحمه الله: [باب صفة الحج والعمرة] صفة الشيء حليته، وما يتميز به عن غيره، وتكون الأوصاف بالشيء حسية وتكون معنوية، وقد تقدم بيان ذلك في تعريف الطهارة.

قوله: (صفة الحج والعمرة) أي: بيان هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجه وعمرته، ومن عادة الفقهاء والعلماء رحمهم الله أنهم يبتدئون ببيان صفة العبادة على سبيل العموم، فيذكرون ما يلزم وما لا يلزم، ثم بعد ذلك يبينون ما هو لازم وواجب على المكلف، ولذلك تنقسم الصفات في العبادة إلى قسمين:

القسم الأول: يصطلح العلماء على تسميته بصفة الإجزاء.

والقسم الثاني: يسمونه: صفة الكمال.

فإذا بيّن العلماء صفة الحج فإنهم يذكرون صفة الكمال ثم يتبعونها بصفة الإجزاء. أما المراد بصفة الكمال فهي أن يذكر الهدي الكامل لرسول الله صلى الله عليه وسلم في العبادة، وحينئذٍ يكون في هذه الصفة ما هو ركن وما هو واجب وما هو سنة، ثم بعد ذلك يذكرون صفة الإجزاء التي يقتصر فيها على بيان الواجب واللازم.

لماذا يقسمون الصفات إلى هذين القسمين؟

السبب في هذا: أنك إذا قرأت كتاباً في الفقه، أو أردت أن تتعلم الفقه؛ لكي تعمل به وتعلم غيرك، فإنك تحتاج إلى معرفة صفة العبادة من حيث هي، ثم بعد ذلك تعرف ما الذي يعد تركه إثماً وما الذي لا يعد تركه إثماً، فتعرف ما هو لازم وما هو غير لازم، فاللازم يعبرون عنه بالأركان والواجبات، وغير اللازم يعبرون عنه بالصفة العامة، فهو الآن يقول لك: باب صفة الحج، وسيأتيك بعدها: باب أركان الحج وواجباته.

والسؤال: أليس الأولى أن نبدأ بصفة الإجزاء التي فيها الأركان والواجبات، أم أن الأولى أن نبدأ بصفة الكمال؟

الجواب: أن الأفضل أن تبدأ بصفة الكمال فتذكر صفة العبادة كاملة، ثم بعد ذلك تقول: هذا يجب وهذا لا يجب، أما لو ذكرت صفة الإجزاء أولاً، ثم جئت تذكر صفة الكمال فإنك تحتاج إلى تكرار، ولذلك منهج الفقهاء والعلماء أنهم يذكرون صفة الكمال أولاً ثم صفة الإجزاء بعدها، انظر إلى كتاب الوضوء فهم ذكروا: صفة الوضوء كاملة، ثم بعد أن انتهوا قالوا: والواجب كذا وكذا وكذا.

كذلك في باب الغسل ذكروا: صفة غسل النبي صلى الله عليه وسلم كاملة كما في حديث ميمونة وعائشة رضي الله عنهما، ثم قالوا: والواجب من ذلك النية، وتعميم بدنه بالماء، والمضمضة والاستنشاق.

كذلك أيضاً هنا في الحج يذكرون الصفة الكاملة للحج، فيذكرون ما يفعله الحاج وما يفعله المعتمر، وبعد أن ينتهوا من ذلك كله يقولون: والواجب كذا وكذا وكذا، ويبينون ما هو ركن وما هو واجب.. ما هو ركن بحيث لو تُرك بطلت العبادة.. وما هو واجب بحيث لو تُرك لا تبطل العبادة، ولكنه يجبر إذا كان من جنس العبادات التي تجبر فيها الواجبات، أو يحكم ببطلان العبادة في بعض العبادات، كالصلاة إذا تعمد الترك للواجب.

وعلى هذا سيذكر المصنف رحمه الله صفة الحج والعمرة الكاملة، ويبين في هذه الصفة الأفعال والأقوال التي يفعلها الحاج والمعتمر، ونحن بحاجة إلى هذه الصفة الكاملة؛ لأن من أوقع حجه وعمرته على أكمل الصفات وأتمها، مؤتسياً ومقتدياً بالنبي صلى الله عليه وسلم كان أحرى أن يتقبل الله حجه، وأن يتقبل عمرته، وأن يشكر سعيه وما كان من عمله.

[يسن للمحلين بمكة الإحرام بالحج يوم التروية قبل الزوال منها ويجزئ من بقية الحرم].

أي: (يسن للمحلين الإحرام بالحج من مكة) من عادة العلماء رحمة الله عليهم أنهم إذا ابتدءوا صفة الحج أنهم يذكرون ابتداء النسك، أعني: نسك الحج بالنسبة للمتمتع؛ لأن القارن والمفرد كل منهما باق على إحرامه، ولكن الذي فصل عمرته عن حجه بالتمتع يحتاج إلى بيان ما الذي يلزمه، أما الذي هو حاج وباقٍ على إحرامه مفرداً أو قارناً فلا يزال في نسكه، ولا يزال في إحرامه، ولذلك يبتدئ صفة الحج بذكر متى ومن أين يحرم من كان متمتعاً؟ لأن الحاج على ثلاثة أنواع: إما أن يكون مفرداً، وإما أن يكون قارناً، وإما أن يكون متمتعاً، فأما المفرد والقارن فإنه إذا قدم إلى مكة وطاف وبقي بها إلى يوم عرفة فلا إشكال، أو إلى يوم التروية فلا إشكال، فإنه يمضي إلى منى مباشرة، وهكذا بالنسبة للقارن؛ لأنه لازال كل منهما متلبساً بالنسك، ولكن الإشكال في هذا المتمتع الذي أدى عمرته وبقي بمكة، فإنه محل فكيف يدخل في نسكه؟ فقال: إن السنة أن يحرم من مكة، جاء عن أصاحب النبي صلى الله عليه وسلم أنهم أحرموا من مكة حينما تحللوا وأرادوا أن يدخلوا في نسك حجهم، فلما كان اليوم الثامن أحرموا بالحج، وللعلماء في هذه المسألة وجهان:

قال بعض أهل العلم رحمة الله عليهم: إنه يحرم من أي مكان من مكة.

وقال بعضهم: إنه يحرم من الحرم، أي: من داخل المسجد الحرام.

والصحيح: مذهب جمهور العلماء: أنه يحرم من منزله، أو من أي موضع من داخل مكة قبل أن يصل إلى منى. ورخص بعض العلماء أن يؤخر إحرامه إلى منى، وفي النفس منه شيء، والذين رخصوا في تأخير الإحرام إلى منى، قالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر أصحابه أن يحرموا قبل الخروج إلى منى.

وهذا لا يخلو من نظر، فإن الأصل يقتضي أن من أراد المضي والذهاب إلى نسك حجه يقتضي أن يكون من موضعه، وبناء على ذلك فإنه إذا ذهب إلى منى فإنه ذاهب وقاصد لحجه، وبين مكة ومنى مسافة، خاصة في القديم فإنه كان هناك مسافة تفصل مكة عن منى، ولذلك أشبه بالرجل الذي يريد الإحرام من موضع من البلد، فإن الأولى والأحرى له أن يحرم من مسكنه الذي نوى منه.

وقال بعض العلماء: البلد كله بمثابة الموضع الواحد.

فعلى هذا القول الثاني في أن البلد كله بمثابة الموضع الواحد، فإنهم يرون أن له أن يؤخر إلى منى.

ولكن الذي تطمئن إليه النفس أن يحرم من نفس مكة لإحرام الصحابة من الأبطح، وهذا هو الأولى والأحرى؛ لما فيه من زيادة العبادة، ولما فيه من الاحتياط لها، وكل منهما مندوب إليه ومطلوب شرعاً.

وقوله: (المحلين) يشمل من كان متمتعاً ويشمل أهل مكة، فأهل مكة إذا أرادوا الحج فإنهم يكونون محلين في داخل مكة، ولذلك يمضون من مكة، فالأفضل لهم أن يحرموا من بيوتهم إعمالاً للأصل كما ذكرنا.

قوله: (يوم التروية قبل الزوال منها) أي: أن السنة والأفضل والأكمل أن يقع إحرامهم قبل الزوال؛ وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى فرض الظهر والعصر من اليوم الثامن الذي هو يوم التروية بمنى، وصلى المغرب والعشاء والفجر وهما محسوبان من التاسع، أعني: يوم عرفة، وإن كان بعض العلماء يرى أن عشية عرفة لما بعد.

على العموم فالسنة أن يصلي الخمسة الفروض بمنى، وإذا كانت السنة أن يصلي الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر بمنى فالعبرة بوقت هذه العبادة، فلابد وأن يكون فعله للظهر بمنى.

يحرم للنسك قبل الزوال، حتى إذا زالت الشمس ودخل وقت الظهر وهو بمنى، أمكنه أن يصيب السنة فيصلي مع الإمام، وهذا هو الأفضل والأكمل؛ لأنه هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم. وسمي يوم التروية بهذا الاسم ؛ لأنهم كانوا يحملون فيه الماء إلى عرفة من أجل ريِّ الحجاج؛ لأن الناس كانوا في القديم كثيرين، وكان الماء قليلاً، فيحتاجون إلى أن يحتاطوا للحجاج بتهيئة الماء قبل يوم عرفة، فاليوم الثامن يهيئون فيه الماء، ويسمى: يوم التروية من أجل هذا، فإذا أحرم يكون إحرامه منها، والضمير في (منها) عائد إلى مكة، فدل على أن السنن منها: زمانية، ومنها: مكانية.

أولاً: يكون الإحرام قبل الزوال على وجه يدرك به صلاة الظهر بمنى.

ثانياً: يكون الإحرام من مكة كما ذكرنا، فيخرج إلى منى وهو حاج؛ حتى يكون أدعى لإصابة السنة، ولما فيه من الاحتياط كما ذكرنا.

قوله: (ويجزئ من بقية الحرم) أي: يجزئ إحرامه من أي موضع من الحرم، وهذا فيه رد على من قال: إنه لا يحرم إلا من المسجد، أي: من مسجد مكة، والصحيح أنه يحرم من أي موضع من الحرم، ولكن يتحرى من بيته؛ لأن نيته أن لا يخرج من بيته إلا وهو محرم؛ لما فيه من الاحتياط.

قال المصنف رحمه الله: [ويبيت بمنى]

قوله: (ويبيت بمنى) ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم وأرضاهم باتوا بمنى، فصلوا الفروض الخمسة التي ذكرنا، وهذه سنة يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها. قال بعض العلماء: صلاة الظهر يوم التروية للحاج بمنى أفضل من صلاته في المسجد الحرام. وهذا على القول بأن مضاعفة الصلاة تختص بالمسجد نفسه، فالجمهور خلافاً للشافعية يقولون: إن صلاة الظهر يوم التروية للحاج بمنى أفضل من صلاتها في المسجد الحرام، لماذا؟ قالوا: لأنه اتباع لسنة النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه إذا صلى الظهر بمنى تأسى بالنبي صلى الله عليه وسلم، وفي الاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم والتأسي به عليه الصلاة والسلام أعظم الأجر والثواب.

[فإذا طلعت الشمس سار إلى عرفة]

قوله: (فإذا طلعت الشمس) أي: في صبيحة يوم عرفة يذهب إلى عرفة، ولذلك قال أنس رضي الله عنه: (غدونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمنا المهل ومنا المكبر ومنا الملبي، فلم يعب أحد منا على الآخر)، فالسنة: أن يغدو بعد صلاة الفجر من منى إلى عرفات، والسنة: أن يسلك طريق ضب الذي يكون من أسفل الجمرات من عند جمرة العقبة، ثم إذا مضى منه إلى عرفات يأتي طريق المأزمين الذي هو طريق الجبال عن يساره؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من منى بعد أن صلى الفجر بمسجد الخيف، ثم لما صلى الفجر مضى عليه الصلاة والسلام وغدا إلى عرفات، وكان من هديه عليه الصلاة والسلام أن يمضي إلى عرفات راكباً، فلما سلك هذا الطريق وهو طريق ضب نزل بنمرة، ونمرة: هو الموضع الذي بين حدود الحرم وبين وادي عُرَنَةَ، فأنت إذا قدمت من جهة منى تريد دخول عرفات، فإنه تقابلك أعلام الحرم التي هي نهاية حدود الحرم، بعد أعلام الحرم يقابلك منبسط من الأرض فسيح يقرب من نصف كيلو، ويتقاصر ويضيق على حسب الوادي، ثم بعد ذلك يقابلك وادي عُرَنَةَ، ثم أرض عرفة.

فكان من هديه عليه الصلاة والسلام أن جاء فضربت له قبة بنمرة، وكانوا لا يشكُّون أنه سيبقى في حدود الحرم؛ لأن قريشاً في الجاهلية كانوا يقولون: نحن أهل الحرم ولا نخرج من الحرم، فكانوا يبقون في داخل حدود مكة، ويتميزون عن الناس، وهذا هو الذي وردت فيه الآية: ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ [البقرة:199] فكانوا يقولون: إنهم الحمس وأهل الحرم، وهذا من مختلقات الجاهلية، وهي من مسائل الجاهلية التي خالفوا فيها دين الحنيفية، التي كانت عليها ملة إبراهيم عليه السلام، فنزل عليه الصلاة والسلام بنمرة، ولذلك قال العلماء: السنة أن لا يدخل إلى عرفات إلا بعد الزوال، لماذا؟ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يمض إلى عرفات مباشرة، وإنما نزل في هذا المنبسط من الأرض وبقي فيه إلى قرب زوال الشمس، فلما زالت الشمس ركب ناقته القصواء صلوات ربي وسلامه عليه، وهذا يستفاد منه: أن الأفضل والأكمل أن ينزل الحاج قبل عرفة إن أمكنه ذلك وتيسر له، خاصة إذا كان من طلاب العلم وأهل العلم، فالأفضل له أن يتحرى هذه السنة، في أن يكون دخوله لعرفات بعد الزوال، فيبقى في هذا الموضع، ولا زال بعض طلاب العلم وبعض المشايخ يتحرون هذه السنة إلى يومنا هذا والحمد لله، فتراهم ينزلون في نمرة حتى إذا زالت الشمس مضوا إلى عرفات، وكان عبد الله بن عمر رضي الله عنه يفعله، وإذا زالت الشمس مضى إلى المسجد وصلى على الصفة التي سيذكرها المصنف رحمه الله، الشاهد: أنه يمضي بعد صلاة الفجر، ويكون نزوله دون عرفة، ويكون دخوله إلى عرفة بعد الزوال.

[وكلها موقف إلا بطن عرنة].

قوله: (وكلها موقف) أي: كل عرفة موقف (إلا بطن عرنة) وهو الوادي؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ارتفعوا عن بطن عرنة) فكان من هديه عليه الصلاة والسلام أنه لما زالت الشمس مضى على ناقته القصواء، وخطب الناس من بطن الوادي، فخطب الناس بشعائر الإسلام خطبته المشهورة التي أحل فيها الحلال وحرم فيها الحرام، وبيّن فيها شرائع الإسلام، وأوضح الحقوق صلوات الله وسلامه عليه، ودعا إلى أدائها، وحرم المحارم وحذر منها صلوات الله وسلامه عليه، فكان من هديه أنه وقف ببطن عرنة للخطبة، ولذلك قال بعض العلماء: إن بطن عرنة من عرفة، ولكنه ليس بموضع للموقف، ومن هنا قال بعض العلماء: إن الموقف يبتدئ من بعد الصلاة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم خطب من بطن الوادي ثم نزل فصلى عليه الصلاة والسلام، ثم مضى إلى الموقف، ولذلك استفادوا من هذا أن السنة على النحو الآتي:

أن ينزل دون عرفة -في نمرة- قبل الزوال، فإذا زالت الشمس مضى إلى المسجد وصلى مع الإمام، ثم بعد ذلك يبتدئ موقفه بعد انتهاء الصلاة، وعرفة كلها موقف إلا بطن عرنة، فمن كان في بطن الوادي أو كان بنمرة ما بين الوادي وما بين حدود الحرم، فإنه لا يصح حجه إذا لم يدخل إلى حدود عرفة.

[ويسن أن يجمع بين الظهر والعصر]

قوله: (ويسن أن يجمع بين الظهر والعصر)، وهذا الجمع جمع تقديم؛ والجمع ينقسم إلى قسمين:

القسم الأول: جمع التقديم وضابطه: أن يصلي الثانية في وقت الأولى، سواء كان الظهر مع العصر، أو المغرب مع العشاء، فيصلي العصر في وقت الظهر، فيبدأ بالظهر أولاً ثم العصر ثانياً. وكذلك المغرب والعشاء، فيصلي العشاء في وقت المغرب، فيبدأ بصلاة المغرب ثم يقيم ويصلي العشاء، فهذا يسمى: جمع تقديم.

القسم الثاني: جمع التأخير وضابطه: أن يصلي الأولى في وقت الثانية، فيؤخر الظهر إلى وقت العصر، ويؤخر المغرب إلى وقت العشاء، ولا يتأتى ذلك منه إلا بالنية، فيكون في خلال وقت الأولى وهي الظهر ووقت الأولى وهي المغرب بالنسبة للعشاءين ناوياً الجمع، فلو كان على سفر ونسي وسها عن صلاة المغرب، ولم ينو الجمع حتى مضى وقت صلاة المغرب، ثم دخل وقت العشاء فتذكر، فحينئذٍ يصلي المغرب أولاً لكن بنية القضاء لا بنية الجمع؛ لأنه قد فاته وقت المغرب وهو لم ينو الجمع.

ولذلك الجمع يكون جمع تقديم وجمع تأخير، وهنا الجمع في يوم عرفة جمع تقديم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قدم العصر إلى وقت الظهر، وهذا الجمع حكمته كما ذكر العلماء رحمة الله عليهم: التفرغ لما هو أهم وأعظم وهو ذكر الله عز وجل والثناء عليه بتوحيده ومسألته من واسع فضله؛ وذلك لأن هذا الموقف وهو موقف عرفة موقف عظيم، ولذلك جعل النبي صلى الله عليه وسلم الحج عرفة وقال: (الحج عرفة) ؛ تعظيماً لهذا الموقف، فنظراً لهذا هيئت الأسباب ليفرغ وقته للذكر ويفرغه للعبادة، إلى درجة أن الصلاة التي هي من أعظم الأمور بعد الشهادتين وأجلها قدمت عن وقتها؛ حتى يتفرغ في وقت الثانية لذكر الله عز وجل وسؤاله من فضله.

[ويقف راكباً عند الصخرات وجبل الرحمة].

الشيخ: (ويقف راكباً)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وقف على ناقته القصواء، يقف راكباً وإن وقف بدون دابة فهذا يسمى: وقوفاً اعتبارياً: قال بعض العلماء: إن من السنة أن يكون على دابته، وفي حكم الدابة السيارة الآن، ولا يشكل على هذا أنه في السيارة كالراكب والجالس؛ لأنه على الدابة كالراكب والجالس، ولذلك السنة أن يكون على دابته إذا تيسر له ذلك، وإذا لم يتيسر وأراد أن يقف في خيمته أو في منزله أو داخل المسجد في حدود عرفة، ويحتاط أن لا يقف بمقدمة المسجد فإنه يجزيه، وهذا من باب الكمال لا من باب اللزوم والوجوب، أي: أنه ليس بلازم وليس بواجب، المهم أنه يمضي عليه الوقت ولو لحظة وهو داخل حدود عرفة في وقت الموقف.

فإذا وقف قام عند جبل الرحمة مستقبل الصخرات؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما مضى إلى الموقف استقبل الصخرات، وجعل حبل المشاة بين يديه، وتضرع صلوات الله وسلامه عليه من بعد صلاته إلى غروب الشمس، وهذا الموقف ليس بلازم وإنما هو من باب الكمال إن تيسر للإنسان، وأما إذا لم يتيسر ففي أي موضع من عرفة يجزيه أن يقف فيه، وأن يسأل الله عز وجل من فضله؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وعرفة كلها موقف) ، فأجاز للأمة الوقوف في أي موضع من عرفة، ولكن هنا أمر يفعله بعض الناس وهو صعود الجبل، وصعود الجبل ليس له دليل يدل عليه، حتى قال بعض العلماء: إن تكلف الصعود ... يعتبر بدعة وحدثاً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتكلف ذلك، ولم يتكلفه الصحابة، والغالب أن العامي يفعل ذلك لاعتقاد الفضل ومزية الأجر، ولذلك كان أشبه بالمحدث، والخير كل الخير في اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم والإقتداء به والتأسي به صلوات الله وسلامه عليه، فلا يشرع الصعود إلى الجبل، خاصة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعل ذلك ولم يفعله أصحابه رضي الله عنهم وأرضاهم.

ويجتهد في الدعاء وسؤال الله عز وجل من فضله، ويقول بعض العلماء: إن المسلم إذا نظر إلى حكم الشرع بتقديم العبادة عن وقتها من أجل التفرغ للدعاء والمسألة؛ دعاه ذلك إلى أن يحفظ هذا الوقت، وأن يحفظ هذه الساعات فيجتهد في سؤال الله عز وجل من فضله العظيم، ولذلك كره بعض العلماء أن ينام؛ لأن النوم يدل على الاستخفاف بعظمة هذا الموقف، خاصة إذا كانت نفسه قوية وعنده القدرة على أن يصبر إلى الغروب، ولا شك أنه قد فاته خير كثير، فالذي ينام مع قدرته على المواصلة إلى المغرب لا شك أن فيه غفلة، وهذا من ضعف الإيمان -نسأل الله السلامة والعافية- أن يأتي إلى هذا الموضع الذي تقطعت قلوب المسلمين حرقة أن يبلغوه، وهلكت الأنفس من أجل بلوغه والتمتع به، وإذا به يضع رأسه لكي يستريح وينام، ولا شك أن كل ذلك يدل على غفلته وموت قلبه نسأل الله السلامة والعافية! بل قال بعض العلماء: الأدهى من ذلك والأمر أن يضيع وقته في فضول الأحاديث، أو فيما حرم الله من الغيبة والنميمة.

فينبغي على طالب العلم وعلى من كان قدوة كالعلماء ونحوهم، أنهم إذا فرغوا من الصلاة أن يروا الناس الاجتهاد في الدعاء، والإلحاح في المسألة والضراعة مع البكاء والخشوع، وسؤال الله عز وجل والثناء عليه سبحانه بما هو أهله، فهذا من شكر نعمة الله عز وجل على العبد، فالذي بلغ الإنسان لهذا المبلغ لا شك أنه يريد به الخير، ولو لم يرد الله بك خيراً لم يبلغك إلى هذا المكان، ولم يبلغك إلى هذا الموضع، فلذلك كان من الحري بالمسلم أن يشكر نعمة الله عليه؛ فيجتهد في سؤال الله والتضرع لله سبحانه وتعالى، وأفضل ما دعي به سبحانه وأثني عليه هو توحيده والإكثار من قول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (خير الدعاء دعاء عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله) .

فالمقصود: أن النبي صلى الله عليه وسلم نبه بهذا الحديث على أن الأفضل أن يثني على الله بتوحيده، الذي من أجله شرع الله عز وجل هذا الركن العظيم، فأفضل ما يثنى به على الله أن يوحد ويهلل ويكبر سبحانه، فيشتغل المسلم بالدعاء إلى غروب الشمس، ويجتهد في المسألة وسؤال الله عز وجل من خيري الدنيا والآخرة.

[ويكثر من الدعاء بما ورد]

قوله: (ويكثر من الدعاء بما ورد) المراد هنا (بما ورد) يحتمل أمرين:

إما بما ورد من دعائه يوم عرفة في حديث الطبراني وغيره، ولا تخلو هذه الأحاديث من كلام ومن ضعف.

وإما أن يدعو بما ورد، يعني: يتخير في دعائه جوامع أدعية النبي صلى الله عليه وسلم، والتي منها: (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار)، ومنها قوله عليه الصلاة والسلام: (اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمت أمري وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي إليها معادي، واجعل الحياة زيادة لي في كل خير، واجعل الموت راحة لي من كل شر) ونحو ذلك من الأدعية، وكذلك يدعو بما ورد من توحيد الله عز وجل، أعني: التهليل كما ذكرنا، فالأفضل أن الداعي إذا دعا يدعو بما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه إذا دعا بالدعاء الوارد كان له أجر الاتباع لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقد ذكر بعض العلماء: أن من آداب الدعاء تخيّر جوامعه، وإذا تخيّر جوامع الدعاء متأسياً بالنبي صلى الله عليه وسلم كان ذلك أقرب لأن تجاب دعوته، وتجاب مسألته، فهو أحرى بالقبول من الله عز وجل؛ لأن التأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم والاتباع لسنته فيه خير وبركة، وجعل الله اتباع رسوله صلوات الله وسلامه عليه سبيل هدى وطريق رحمة، فقال سبحانه: وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [الأعراف:158] ، قال بعض العلماء: ما تحرى أحد سنة النبي صلى الله عليه وسلم إلا كان هادياً مهدياً، أي: جعله الله مهتدياً في نفسه هادياً لغيره، ولذلك تجد طلاب العلم وأهل العلم الذين يتمسكون بالسنة ويحرصون عليها، تجدهم هداة مهتدين، وتجد ما يضع الله لهم من البركة والنفع عند المسلمين خيراً كثيراً، فلذلك يحرص الإنسان على أن يدعو بما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ لما فيه من رجاء القبول، ولما فيه من الاهتداء والرحمة والخير الذي جعله الله عز وجل لمن تأسى واقتدى به صلوات الله وسلامه عليه.

[ومن وقف ولو لحظة من فجر يوم عرفة إلى فجر يوم النحر].

قوله: (ومن وقف ولو لحظة من فجر يوم عرفة)، هنا مسألتان:

المسألة الأولى: ما هو أقل الواجب في الوقوف؟

والمسألة الثانية: ابتداء الوقوف، متى يبتدئ الوقوف ومتى ينتهي؟

هاتان المسألتان متعلقتان بركن الوقوف بعرفة.

المسألة الأولى:

ذكر المصنف رحمه الله المضي من منى إلى عرفات، وبعد أن بيّن لك هدي النبي صلى الله عليه وسلم والصفة الكاملة في الوقوف، فالسؤال: ما هو المعتبر للوقوف بعرفة؟

فقال رحمه الله: (ومن وقف ولو لحظة)، أي: فمن دخل إلى حدود عرفة ولو ماراً بها ولو مر بجزءٍ منها مروراً، وهذا هو المعبر عنه بلحظة، فإنه يعتبر واقفاً إذا كان في الوقت المعتبر والمحدد شرعاً، والدليل على ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: (من صلى صلاتنا هذه، ووقف موقفنا هذا، وكان قد أتى عرفات أي ساعة من ليل أو نهار) فقوله: (أي ساعة) أي: لحظة؛ لأن العرب تطلق الساعة على اللحظة كقوله تعالى: كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ [يونس:45] فالمراد به اللحظة اليسيرة، ومن هذا الحديث أخذ العلماء دليلاً على أن الوقوف بعرفة يجزئ ولو لحظة، إذا وقع في الوقت المعتبر، لكن لهذا الحكم ضوابط سيأتي إن شاء الله بيانها.

المسألة الثانية: متى يبتدئ الوقوف بعرفة؟ وهذه مسألة فيها إشكال، فأنت إذا جئت تنظر إلى يوم عرفة ممكن أن تقول: من طلوع فجر يوم عرفة على أن النهار يبدأ من طلوع الفجر إلى طلوع فجر يوم النحر هذا ابتداء وانتهاء. من ناحية الانتهاء لا إشكال في أنه ينتهي بطلوع فجر يوم النحر، لكن الابتداء قال بعضهم: من طلوع الفجر، وقال بعضهم: من طلوع الشمس، وقال بعضهم: من زوال الشمس، وهذا القول الأخير من القوة بمكان، وفائدة الخلاف: أنه إذا وقف قبل الزوال ومضى إلى مزدلفة، أو وقف قبل الزوال ثم أغمي عليه، أو أصابه عذر وخرج من عرفة حتى فات زمان التدارك، فإنه على القول بأنه يبتدئ الوقوف من الزوال لم يصح حجه ويتحلل بعمرة؛ لأن الوقت المعتبر والحد المعتبر شرعاً يبتدئ من زوال الشمس، فإذا وقف قبل الزوال أشبه كما لو وقف قبل يوم عرفة، فلا يجزيه أن يقف قبل زوال الشمس، وهذا القول إذا نظرنا إلى ظاهر السنة في فعله عليه الصلاة والسلام، أنه لم يدخل عرفة إلا بعد الزوال فإنه يقوى، لكن من قال: بأنه يبتدئ من طلوع الشمس يقويه قوله عليه الصلاة والسلام من حديث عروة بن مضرس : (وكان قد أتى عرفات أي ساعة من ليل أو نهار) فإن ساعات النهار تبتدئ من طلوع الشمس، فحينئذٍ تستطيع القول: بأن السنة من الزوال، وما قبل الزوال دخل بظاهر قوله عليه الصلاة والسلام: (من نهار) فإن نهاراً نكرة، والنهار يبتدئ من طلوع الشمس، فإن قيل: بأن النهار يبتدئ من طلوع الفجر، وهذا قول اختاره بعض العلماء. تقول: لو وقف من بعد طلوع الفجر من يوم عرفة ولو لحظة أجزأه وصح حجه.

قوله: (من وقف) المراد أن يكون في الموضع المعتبر للوقوف، حتى ولو كان محمولاً، فلو حمل أو كان في سيارة فإنه يصدق عليه أنه واقف بعرفة، فليس المراد من الوقوف وقوف الصفة، يعني: أن يستتم قائماً، فإنه بالإجماع لو كان محمولاً كالمشلول ونحو ذلك فإنه يجزيه.

قوله: (من فجر يوم عرفة) هذا مبني على ما قلناه: إن الليل ينتهي بطلوع الفجر، قالوا: فالنهار يبتدئ من طلوع الفجر.

هناك قول ثانٍ: إنه يبتدئ من طلوع الشمس كما ذكرنا على أن النهار أصلاً تكون بدايته من طلوع الشمس، وهذا في الحقيقة أقوى.

وهناك فوائد تترتب على هذا، منها: مسألة تقسيم الليل، متى تحدد نصف الليل وثلث الليل في قيام الليل، ففي قيام الليل تحسب إلى طلوع الفجر حتى تحسب الثلث الأخير، أما نصف الليل ووقت انتهاء نصف الليل يكون الحساب من غروب الشمس إلى طلوع الفجر الصادق. وهناك قول آخر: وهو أن يحسب من غروب الشمس إلى طلوع الشمس، وهذا قول مرجوح، ونبه شيخ الإسلام رحمه الله في المجموع إلى رجحان الأول.

قوله: (إلى فجر يوم النحر)، أي: إذا طلع فجر يوم النحر فإنه بالإجماع لا يصح وقوفه، إذا طلع الفجر الصادق، وعرفنا الآن أنه يبتدئ الوقوف إما بطلوع الفجر الصادق، وإما بطلوع الشمس، وإما بالزوال، فمن ناحية الجواز مثل ما ذكرنا في هذه الحدود الثلاثة والأقوال الثلاثة، من حيث السنة: يبتدئ الوقوف من الزوال، أي: من بعد صلاة الظهر والعصر، وأن يحضر وينصت للخطبة فإنه يبتدئ وقوفه بعد ذلك، وهو السنة والأفضل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم انصرف إلى عرفات بعد صلاته وخطبته، فمن ناحية السنة الموقف يكون من بعد الزوال ومن بعد الصلاة، لكن عندما يقف بعد الزوال فمتى يدفع؟ هل يدفع بغروب الشمس، أو يدفع قبل الغروب؟

الجواب: أنه لا يدفع إلا بعد غروب الشمس، وهذا بإجماع العلماء، على أن الواجب عليه أن يبقى إلى غروب الشمس، وعليه فإن وقوف النهار يتقيد بغروب الشمس بخلاف وقوف الليل، فمن وقف نهاراً فإنه لا يستتم موقفه على الوجه المعتبر إلا إذا غربت عليه الشمس وهو بعرفة، فإذا كان الوقوف نهاراً فلابد وأن يمسك جزءاً من الليل، وسنبين السبب في ذلك ودليله من حديث جابر رضي الله عنه.

أما لو وقف ليلاً فيجزيه أي لحظة، فقوله هنا: ولو لحظة ليس على إطلاقه، إنما المراد به هنا بيان الركن، فالوقوف الذي يتحقق به ركن الحج يبتدئ من هذا الزمان وينتهي بهذا الزمان، هذا قصد الركنية، أما من جهة الوقوف الواجب واللازم الذي ينبغي عليه أن يتقيد به، وإذا ضيعه لزمه الدم وجبره فسيبينه رحمه الله.

[وهو أهل له صح حجه وإلا فلا].

قوله:(وهو أهل له) يشترط في وقوف الركن هذا أن يكون أهلاً، وللأهلية شروط:

الأول: أن يكون مسلماً فلا يكون كافراً، ولو أن كافراً مثلاً كان بأرض عرفة قبل الزوال وأسلم بعد الزوال أو أسلم بعد غروب الشمس وقبل طلوع الفجر ولو بلحظة واحدة، وكان قد نوى حجاً فإنه يجزيه ويصح منه، إذاً لابد أن تكون الأهلية متوفرة وموجودة، فلو كان كافراً لم يصح وقوفه، فلو أسلم قبل طلوع الفجر كان واقفاً، كأن يكون رقيقاً يخدم سيده وهو كافر فحج مع سيده.

أما لو مضى إلى عرفات -هو لا يدخل مكة على القول بأن الكافر لا يدخل مكة- مع سيده فبقي بعرفة يخدمه ويقوم على حاله، ثم طلع الفجر فأسلم، فبطلوع الفجر لا يجزيه وقوفه ولا يعتد بوقوفه؛ لأنه وقف وهو ليس بأهل.

الشرط الثاني: أن يكون عاقلاً، فلو كان مجنوناً فإنه لا يصح وقوفه، أو كان سكراناً وهو خلاف شرط العقل؛ لأن العقل يزول إما بالجنون أو بالسكر أو بالإغماء؛ لأنه في حكم زائل العقل، ففي هذه الأحوال الثلاثة لو كان مجنوناً ودخل إلى حدود عرفة فإنه لا يجزيه، وهكذا لو كان مغمىً عليه فحمل إلى حدود عرفة في وقت الإجزاء ثم إنه لم يفق إلا بعد انتهاء الوقت لم يجزه ذلك الوقوف، وهكذا لو كان سكراناً -والعياذ بالله- فإنه لا يجزيه الوقوف إلا إذا كان مسلماً عاقلاً، وهو أهل للوقوف.

الشرط الثالث: أن يكون داخلاً في النسك وهو الإحرام، فلو وقف وهو حلال، ثم نوى الإحرام بالحج بعد انتهاء وقت الوقوف لم يجزه، كما لو حج بعد الوقت.