رسالة إلى مضطر


الحلقة مفرغة

في هذا السياق القرآني تتجلى عبادة الدعاء بأجل صورة من أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام، حيث تراه يبدأ بأسمى المطالب وأجل النعم، ألا وهي الأمن وإخلاص العبودية لله، والعصمة من الوقوع في مزالق الشرك، ثم إنه بدأ بنفسه ولم ينس غيره، وجمع بين أعظم المسائل العقدية وهو التوحيد، وأعظم المسائل العملية وهي الصلاة، ثم إنه سأل الله من خيري الدنيا والآخرة، وخص في دعائه لنفسه، وعم في دعائه للمؤمنين، ولم يغفل في دعائه جانب الحمد لله والثناء عليه، ولعل هذا يكون دعاءً جامعاً لشروط الدعاء وآدابه.

الحمد لله مفرج الهموم، الحمد لله مبدد الأحزان والأشجان والغموم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ملاذ الهاربين، وعدة الصابرين، وسلوان المصابين، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمد عبده ورسوله الأمين، قدوة الصابرين، وإمام المحتسبين، صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحابته والتابعين, ومن سار على نهجهم المبارك واستن بسنتهم إلى يوم الدين.

أما بعد:

فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته:

سلامٌ على كل مؤمن مهموم .. سلامٌ على كل مؤمن مبتلى مغموم .. سلامٌ على كل مؤمن مبتلى ضرير .. سلامٌ على كل مؤمن مجروح أو كسير .. سلامٌ على أولئك الذين فُجعوا بأهليهم .. سلامٌ على أولئك الذين فجعوا بأحبتهم وذويهم .. سلامٌ على من فارق الآباء والأمهات .. سلامٌ على من ودع الخلان والأصحاب والأخوات .. سلامٌ على من فجع بالأبناء والبنات.

سلامٌ عليك إذ ودعت أباً كريما طالما مد يد المعروف إليك .. سلامٌ عليك إذ فجعت بتلك اليد التي طالما أحسنت بعد الله إليك .. سلامٌ عليك إذ ودعته دار البلى، وأسلمته إلى يد الردى، فكان آخر عهدك به إذ ولاك قفاه مشتغلاً بما أقدم عليه من الله جل وعلا.

سلامٌ عليك إذ رجعت إلى دارك ففقدت صورته وحنانه .. سلامٌ عليك إذ رجعت إلى دارك فانقطع صوته بينك وبين أبنائك.

سلامٌ عليك إذ ودعت أماً حنونا طالما أسدت يد المعروف إليك .. سلامٌ عليك إذ فجعت بها وقد كان ثديها لك سقاء وبطنها لك وعاء، وحجرها لك حِواء، أسلمتها إلى يد الردى والبلى وما وفيت شيئاً من معروفها عليك، أسلمتها إلى دار البلى وما أديت حقوقها من البر عليك.

سلامٌ عليك إذ ودعت الأصحاب والأحباب، وخلفوك في هذه الدنيا وحيداً فريداً مع الذكريات .. سلامٌ عليك إذ فجعت بهم وعظم مصابك بهم .. سلامٌ على كل مؤمن مهموم مغموم طريح البلاء، طريح الأذى .. سلامٌ على من نزل به البلاء في نفسه .. سلامٌ على من نزل به البلاء فعظم عليه البلاء .. سلامٌ على من بات طريح الأسرة البيضاء .. سلامٌ على كل مؤمن فجع بالأعضاء .. سلامٌ على كل مؤمن ذي عين عميت أو عورت .. سلامٌ على كل مؤمن له عضو قطعت أو شلت .. سلامٌ على كل مؤمن ذي قدم بترت أو حسمت .. سلامٌ على أهل البلايا من عباد الله المؤمنين.

عظم الله أجركم، وجبر الله كسركم وعوضكم خيري الدنيا والآخرة على ما فقدتم، فمن لكم غير الله يجبر كسركم؟!

ومن لكم غير الله يبدد أشجانكم وأحزانكم؟!

ومن لكم غير الله يؤنسكم من الوحشة ويعيد إليكم ما فقدتم من النعمة؟!

من لكم غير الله إذا دفعتم عن الأبواب إلا بابه؟!

ومن لكم غير الله إذا صرفتم وخاب الرجاء فيمن سواه إلا رجاءه؟!

من لكم غير الله أعز مطلوب وأشرف مرغوب؟!

سلامٌ عليكم من الله ورحمات .. سلامٌ عليكم من الله ورضوان ومغفرات عدد ما سكبتم من العبرات، ولفظتم من الآهات والأنات والصيحات.

أحبتي في الله: إنها الدار وأي الدار، دار الدنيا والدناءة، إن أضحكتك يوماً أبكتك أياما، وإن سرتك يوماً ساءتك سنين وأعواما، هي الدار التي جعل الله عز وجل شرورها أعظم على المؤمن من شرورها على من كفر، هي الدار التي جعل الله بلاءها على من بر أعظم من بلائها على من فجر، فالمؤمن فيها غريب، والمؤمن فيها ليس منها بقريب، فالمؤمن فيها غريب حتى يلقى الله، فهو ابن للآخرة وليس ابن لهذه الدنيا الدنيئة، تعضه بأنيابها وتقلقه بفواجعها، لكنه وإن آلمته بأشجانها وأحزانها وضرته بأسقامها وآفاتها، فله من الله ألا يخيب رجاء في الله ولا يخيب صاحبه، وله في الله ركن لا يضيع صاحبه، إليه المفزع وفيه المطمع، له من الله سلوان من الكروب، وله من الله رحمة من تلك البلايا والخطوب.

إنها الدار المؤلمة .. إنها الدار المحزنة التي صب الله عز وجل البلايا فيها على المؤمن، لذلك فإن خير ما يحتاجه العبد المؤمن في هذه الدار إذا عظمت مصيبته، وجلت كربته أن يجد من يعينه على أشجانها وأحزانها، أحوج ما يحتاجه المؤمن إلى كلمة من أخيه تثبته، أو رسالة من محب تسليه، أو كلمة صدق عن البلاء تعزيه .. يحتاج المؤمن إلى إخوان يواسونه في الأشجان والأحزان، ويبددون عنه ما حصل وما كان.

يحتاج المؤمن إلى الكلمة الصادقة النابعة من الأخ المشفق، ولذلك شرع الله عز وجل عيادة المرضى، ووعد الله تبارك وتعالى من عادهم بجليل الرضا، ففي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من عاد مريضاً فهو في خُرفة الجنة حتى يعود) من خرج لوجه الله عز وجل إلى أخ يواسيه في مرضه، أو يسليه من بلائه، فخطواته في سبيل الله، ولحظاته وأنفاسه في طاعة الله ومرضاة الله.

وكان بعض السلف إذا خرج لعيادة المريض يقارب الخطى حتى يطول زمانه في رحمة الله من عيادته.

وشرع الله عز وجل تشييع الجنائز، لما في تشييعها من تسلية للمصابين، فالمؤمن قوي بإخوانه، شديد بأعوانه، فإذا وجد هذا يسليه وهذا يثبته وهذا يعزيه هان عليه ذلك الخطب الذي يجده، ويسر الله عز وجل عليه ذلك البلاء الذي يعانيه.

لذلك أحبتي في الله! سلوان المصابين وتثبيت قلوب عباد الله المؤمنين المفجوعين المنكوبين، من أجلِّ القربات، وأعظم الحسنات والطاعات التي يحبها الله تعالى.

وانطلاقاً من هذا كله فإليك أخي المهموم والمكروب والمغموم كلمات من الأعماق، أسأل الله تبارك وتعالى أن يبدد بها أشجانك، وأن يزيل بها أحزانك، وأن يجعلها خالصةً لوجهه نافعة يوم لقائه.

أول وصية أوصيك بها إذا فجعت في نفسك أو أهلك وولدك أن ترضى عن الله، فوالله ما رضي عبد عن الله إلا أرضاه الله، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن عظم الجزاء على عظم البلاء، وإذا أحب الله قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط) من رضي عن الله أرضاه الله في دنياه وأخراه.

كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، يوصيه ويذكر له تلك الوصية النافعة؛ فاستفتح كتابه رضي الله عنه بقوله: [أما بعد: فاعلم أن الخير كله في الرضا عن الله]، إن الخير كله أن ترضى عن الله.

اعلم أخي في الله! أنه إذا أصابك البلاء فرضيت عن الله أرضاك الله في الدنيا والآخرة، وأقر الله عينك وأثلج صدرك، فكم من مصيبة عادت نعمة من العبد إذا رضي عن الله تبارك وتعالى، وكم من بلايا رضي أصحابها فزادتهم من الله قربا ومن الله رضاً وحبا. أول وصية أن ترضى عن الله تبارك وتعالى، ولهذا الرضا دلائل:

أولها: طيب الكلام، وحسن الظن بالله تبارك وتعالى، ومن ثم قال العلماء: "إن العبد إذا رضي عن الله وهبه اليقين في مصيبته" قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما في تفسير قوله تعالى: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ [التغابن:11] قال رضي الله عنه: [يهدي قلبه: أن يهبه اليقين فيعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه].

فإذا كان الإنسان راضياً عن الله تبارك وتعالى، وعنده الإيمان واليقين الذي ربى النبي صلى الله عليه وسلم عليه أصحابه، ثبت الله جنانه، ولذلك كان بعض السلف إذا أصيب بالمصيبة أظهر الرضا لله. قام أحدهم بين أناس فجالت يده فقطعت فضحك، قالوا: سبحان الله!! تصاب في يدك فتضحك، قال: "إني ذكرت ثوابي عند الله عز وجل فضحكت".

وسار الفضيل رضي الله عنه في جنازة ابنه، فلما سار معهم تبسم رحمه الله، قالوا: لم تبسمت رحمك الله؟! قال: احتسبت مصيبتي عند الله فذكرت ما لي عند الله فسلوت وضحكت. فكلما كان اليقين في قلب العبد وجدته أثبت جنانا، وأشرح لله عز وجل صدرا، والله ما رضي عبد عن الله إلا جعل له من كل همٍ فرجا، ومن كل ضيق مخرجاً.

فإذا حصل الرضا فإن بعد الرضا أمر مهم لا بد من وجوده وهو علمك بأنه لا يدفع البلاء إلا الله، وأنه لا يدفع هذا العناء الذي تجده إلا الله. كان النبي صلى الله عليه وسلم يوصي أصحابه؛ فأوصى البراء بن عازب رضي الله عنه إذا أوى إلى فراشه أن يقول: (اللهم إني أسلمت نفسي إليك، وألجأت ظهري إليك وفوضت أمري إليك رغبةً ورهبةً إليك لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك) أول ما يحس الإنسان بالبلاء إذا أراد أن يفرج الله كربه وهمه، أن يحس من أعماق قلبه أنه لا ينجيه أحد من هذا البلاء إلا الله عز وجل.

إبراهيم عليه السلام ويقينه بالله

هذا نبي الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام، أوذي في الله فصبر، فجمع له قومه ذلك الوادي العظيم من النار حتى إذا تأجج ذلك الوادي بناره، واصطلى بجحيمه وسعيره، أُلقي عليه الصلاة والسلام، حتى إذا صار مقبلاً على ذلك البلاء العظيم مسلماً لله عز وجل فيما ابتلاه، فلما قدم قال له جبريل: هل لك من حاجة؟! ذلك الملك الذي لو أذن الله له لخسف الأرض ومن عليها بجناحه، قال: يا إبراهيم! هل لك من حاجة؟! قال: أما إليك فلا، وأما إلى الله فحسبي الله ونعم الوكيل، فقال الله تعالى: يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ [الأنبياء:69] قال بعض العلماء: "لو قال الله يا نار كوني برداً لأهلكته من بردها"، ولكن قال: كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ [الأنبياء:69] ثم خرج عليه الصلاة والسلام طريداً عن قومه، مهاناً من عشيرته، وحيداً لا مال .. لا بنون .. لا إخوة .. لا أصحاب .. لا أحباب، فخرج من داره مؤذىً في الله مضطهداً، فلما ولّى وجهه قال عليه الصلاة والسلام: إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ * رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ [الصافات:99-100] فخرج من دار فعوضه الله أطهر من الدار التي خرج منها، عوضه الله الأرض المقدسة، وجعل ذريته ذرية النبوة والصلاح، وجعل فيها ميراث الأنبياء صلى الله عليه وسلم، وكل ذلك باليقين بالله.

فكل إنسان أصابته مصيبة فعلم أنه لا ينجيه منها إلا الله عز وجل فرَّج الله همه وغمه.

ثم أمره الله تبارك وتعالى أن يخرج بـهاجر مع صبيها ورضيعها، أن يخرج من دارٍ كلها جنات وأنهار إلى دارٍ لا ماء فيها ولا أشجار، فجاء فوضعها في ذلك الوادي الذي لا أنيس فيه ولا جليس، فتعلقت به تلك المرأة المفجوعة، وقالت: يا إبراهيم! إلى من تدعنا؟! فولى وجهه عليه الصلاة والسلام قبل الدابة، فتعلقت به ثانية وقالت: إلى من تدعنا يا إبراهيم؟! امرأة ضعيفة وصبي ضعيف ليس معهم أحد، تقول له وتتعلق به: إلى من تدعنا يا إبراهيم؟! فلما كانت المرة الثالثة، تعلقت به وألحت فقالت: إلى من تدعنا يا إبراهيم؟! فقال: لله، فقالت: إذاً لا يضيعنا الله، ورجعت إلى صبيها وقلبها كله يقين بالله تبارك وتعالى، فتولى عليه الصلاة والسلام، حتى إذا نزل في الوادي وتغيب عن نظرها رفع كفه إلى الله فقال: رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ [إبراهيم:37] الله أكبر!!

إلى يومنا هذا والقلوب تحن وتئن إلى رؤية البيت العتيق، إلى يومنا هذا والنفوس تشتاق إلى رؤية البيت العتيق، فلما جلست تلك المرأة المفجوعة مع صبيها، وعاينت ما هي فيه من البلاء، جاءت تلك الساعة التي صاح فيها الصبي يطلب الماء، وعندها خرجت لكي تلتمس الأسباب، فرقت على الصفا فصاح صبيها فلم تر أحدا، ثم مضت إلى المروة وتعلقت بالله عز وجل تدعوه وترجوه، حتى إذا كانت المرة السابعة أبى الله إلا أن يفرج همها بالصبي نفسه، فجعل تفريج الكرب من تحت قدم الصبي الذي دحس برجله الماء!

من أيقن بالله تعالى جعل الله فرجه في نفسه قبل أن يكون بعيداً عنه!

أيوب عليه السلام ويقينه بالله

نبي الله أيوب مكث طريح الفراش أكثر من سبع سنين، كان ذا مال وثروة ونعمة وجاه، قال إبليس: اللهم سلطني على عبدك أيوب، فسلطه الله على ماله فأحرق جميع ماله، فلما رأى ذلك البلاء في ماله قال: الحمد لله، حمد الله تبارك وتعالى وقال في كلام معناه: اللهم وهبتني المال، وأنعمت علي بالمال حتى شغلني عن ذكرك فها أنت قد فرغتني لذكرك وشكرك فلك الحمد رب العالمين! رضي عن الله تبارك وتعالى، وشاء الله تبارك وتعالى أن لا يبقى البلاء عند هذا، وإذا بذلك العدو يسأل الله أن يسلطه على أهله وولده، وشاء الله تبارك وتعالى أن يمكنه من ذلك، ففقد فلذات كبده وفقد أهله واحداً تلو الآخر حتى فجع بهم جميعاً إلا زوجةً واحدة، بقيت هذه الزوجة مع ذلك النبي المصاب، ومع ذلك العبد المبتلى تواسيه وتسليه، فقال عليه الصلاة والسلام: الحمد لله رب العالمين، وشكر الله على البلاء الذي أصابه، فقال إبليس عليه لعنة الله: اللهم سلطني على نفسه، فقال: لك كل شيء إلا لسانه وقلبه، فبقي عليه الصلاة والسلام لا يمكن أن يفتر له لسان عن ذكر الله تبارك وتعالى، ولا يمكن أن يفتر له جنان عن حسن الظن بالله تبارك وتعالى، تولى عنه الناس حتى أصبح أنتن ما يكون رائحة، وتركوه إلى جوار المزابل -كما ورد في الأخبار- ولم يبق معه إلا زوجته التي بقيت معه تهتم به، فلما بلغ به الأذى مبلغه، وأصابه ما أصابه من الضر والبلاء؛ عندها تذكر الله تبارك وتعالى، وأحس بعظيم البلاء الذي يجده، فقال الله تعالى يصور ساعة اليقين من ذلك القلب الموقن وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ [الأنبياء:83-84] لما أراد الله أن يفرج كربه أمره بكلمةٍ واحدة ارْكُضْ بِرِجْلِكَ [ص:42] ما أمره أن يقوم وما أمره أن يذهب إلى أحد، وما أمره أن يسأل أحداً أن يفرج كربه، ولكن أمره بأمر واحد: ارْكُضْ بِرِجْلِكَ [ص:42] فجعل تفريج كربه من تحت قدمه، فلا إله إلا الله رب العالمين!! في طرفة عين تفجرت العين ثم اغتسل منها فما بقي به مرض في جسده وما بقيت به عاهةٌ في بدنه فقام عليه الصلاة والسلام قوياً سوياً من لحظته وساعته، الله أكبر!!

ما أيقن أحد بالله فخاب في يقينه، ولا رجاه أحد فخاب في رجائه، ثم أعاد الله تبارك وتعالى عليه أهله وذريته، قال عبد الله بن عباس : [أعاد إليه الأهل والذرية بأعيانهم، فرد عليه الزوجات ورد عليه الأبناء والبنات، ثم رد عليه أضعاف ما كان فيه من النعمة].

جزاء الضارعين إلى الله عند البلاء

قال بعض العلماء: ما أصاب الكرب والخطب عبداً فضرع إلى الله تبارك وتعالى إلا أعطاه تفريج الكرب ومع تفريج الكرب زيادة فضلٍ من الله؛ ولذلك تجد بعض الناس يفجع بأهله ويفجع بولده فيعوضه الله حلاوة إيمانٍ تبقى معه إلى لقاء الله عز وجل.

أصيب رجل بولده وكان ذلك الرجل من أفجر خلق الله والعياذ بالله .. تاركاً للصلاة .. منتهكاً للحدود والمحارم .. أقسى ما يكون قلباً والعياذ بالله، فشاء الله يوماً من الأيام بعد صلاة العشاء، جاءه ابنه يضحك ويسلو، وشاء الله تبارك وتعالى أن يودعه ذلك الابن فتكون آخر عهده بذلك الابن، فخرج الابن وما هي إلا لحظات حتى جاءه الخبر بأن ذلك الابن انتقل إلى جوار الله.

وهذه حال الدنيا، تتمتع بالنظر إلى الابن في الصباح فإذا بك تفجع به في المساء، وتتمتع بالنظر إلى الأب في المساء فإذا بك تفجع به مع بزوغ الصباح، وسبحان من هذا ملكه! وسبحان من هذا أمره!

فلما فجع بذلك الابن طاش عنه عقله وعزب عنه رشده، فشاء الله تبارك وتعالى أن يقيض له طالب علم موفق، فذكره بالله بالكلمة تلو الكلمة حتى شرح الله صدره، وآنس الله قلبه، فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، ثم شاء الله تبارك وتعالى أن يخشع يوماً فيوما، حتى سمعته ذات يوم يقول: والله إني أصبت بابني وإنها نعمة من الله عليَّ إذ ابتلاني بذلك الابن، عرفت الله وكنت له منكرا، واقتربت من الله وكنت منه بعيداً، وآويت إلى الله وكنت منه طريداً، في كلام هذا معناه، مصيبةٌ قربتني من الله تبارك وتعالى.

فالله منه العوض، ما رجاه أحد فخاب، ولا أيقن عبد بربه فخسف الله به الأرض من تحت قدمه أبدا.

ولذلك قال بعض العلماء: "إذا أراد الله أن يجمع للعبد بين المصيبتين. ابتلاه وسلبه اليقين فيه" والعياذ بالله، إذا ابتلى الله العبد ولم يلتجئ إلى الله بعد البلاء فاعلم أنه والعياذ بالله مستدرج، ولذلك البلاء كل البلاء على الكافر الذي إذا أصابته المصيبة لا يدري أين يذهب، ولا يدري أين يتجه، ولكن المؤمن له باب يقرعه ورب لا يخيب يرجوه.

فلذلك أحبتي! كان من لوازم البلاء اليقين في الله عز وجل! أصيب بعض السلف بمصيبة وعظمت عليه هذه المصيبة وكانت آفةً في جسده، وما زال يعرض نفسه على الناس رجلاً بعد رجل حتى يأس من علاج هذا الداء، وقنط أن يشفى من ذلك البلاء، فدخل يوماً من الأيام فإذا رجل يتلو كتاب الله فسمعه يتلو قول الله عز وجل: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ [النمل:62] فقال: اللهم إني مضطر وأنت مجيب، فما قام من ساعته إلا وهو معافى، إذا دخل اليقين إلى قلب العبد لا يمكن أن يبرح وحاجته في قلبه، بل إن بعض الناس يمسي المساء وحاجته تضايقه، وكربته تؤلمه فيتضرع إلى الله بالدعوة الصادقة حتى يعز على الله أن يصبح وحاجته في قلبه فيفرج عليه قبل أن يصبح؛ وهذا من عظيم لطف الله بالعباد.

هذا نبي الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام، أوذي في الله فصبر، فجمع له قومه ذلك الوادي العظيم من النار حتى إذا تأجج ذلك الوادي بناره، واصطلى بجحيمه وسعيره، أُلقي عليه الصلاة والسلام، حتى إذا صار مقبلاً على ذلك البلاء العظيم مسلماً لله عز وجل فيما ابتلاه، فلما قدم قال له جبريل: هل لك من حاجة؟! ذلك الملك الذي لو أذن الله له لخسف الأرض ومن عليها بجناحه، قال: يا إبراهيم! هل لك من حاجة؟! قال: أما إليك فلا، وأما إلى الله فحسبي الله ونعم الوكيل، فقال الله تعالى: يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ [الأنبياء:69] قال بعض العلماء: "لو قال الله يا نار كوني برداً لأهلكته من بردها"، ولكن قال: كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ [الأنبياء:69] ثم خرج عليه الصلاة والسلام طريداً عن قومه، مهاناً من عشيرته، وحيداً لا مال .. لا بنون .. لا إخوة .. لا أصحاب .. لا أحباب، فخرج من داره مؤذىً في الله مضطهداً، فلما ولّى وجهه قال عليه الصلاة والسلام: إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ * رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ [الصافات:99-100] فخرج من دار فعوضه الله أطهر من الدار التي خرج منها، عوضه الله الأرض المقدسة، وجعل ذريته ذرية النبوة والصلاح، وجعل فيها ميراث الأنبياء صلى الله عليه وسلم، وكل ذلك باليقين بالله.

فكل إنسان أصابته مصيبة فعلم أنه لا ينجيه منها إلا الله عز وجل فرَّج الله همه وغمه.

ثم أمره الله تبارك وتعالى أن يخرج بـهاجر مع صبيها ورضيعها، أن يخرج من دارٍ كلها جنات وأنهار إلى دارٍ لا ماء فيها ولا أشجار، فجاء فوضعها في ذلك الوادي الذي لا أنيس فيه ولا جليس، فتعلقت به تلك المرأة المفجوعة، وقالت: يا إبراهيم! إلى من تدعنا؟! فولى وجهه عليه الصلاة والسلام قبل الدابة، فتعلقت به ثانية وقالت: إلى من تدعنا يا إبراهيم؟! امرأة ضعيفة وصبي ضعيف ليس معهم أحد، تقول له وتتعلق به: إلى من تدعنا يا إبراهيم؟! فلما كانت المرة الثالثة، تعلقت به وألحت فقالت: إلى من تدعنا يا إبراهيم؟! فقال: لله، فقالت: إذاً لا يضيعنا الله، ورجعت إلى صبيها وقلبها كله يقين بالله تبارك وتعالى، فتولى عليه الصلاة والسلام، حتى إذا نزل في الوادي وتغيب عن نظرها رفع كفه إلى الله فقال: رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ [إبراهيم:37] الله أكبر!!

إلى يومنا هذا والقلوب تحن وتئن إلى رؤية البيت العتيق، إلى يومنا هذا والنفوس تشتاق إلى رؤية البيت العتيق، فلما جلست تلك المرأة المفجوعة مع صبيها، وعاينت ما هي فيه من البلاء، جاءت تلك الساعة التي صاح فيها الصبي يطلب الماء، وعندها خرجت لكي تلتمس الأسباب، فرقت على الصفا فصاح صبيها فلم تر أحدا، ثم مضت إلى المروة وتعلقت بالله عز وجل تدعوه وترجوه، حتى إذا كانت المرة السابعة أبى الله إلا أن يفرج همها بالصبي نفسه، فجعل تفريج الكرب من تحت قدم الصبي الذي دحس برجله الماء!

من أيقن بالله تعالى جعل الله فرجه في نفسه قبل أن يكون بعيداً عنه!

نبي الله أيوب مكث طريح الفراش أكثر من سبع سنين، كان ذا مال وثروة ونعمة وجاه، قال إبليس: اللهم سلطني على عبدك أيوب، فسلطه الله على ماله فأحرق جميع ماله، فلما رأى ذلك البلاء في ماله قال: الحمد لله، حمد الله تبارك وتعالى وقال في كلام معناه: اللهم وهبتني المال، وأنعمت علي بالمال حتى شغلني عن ذكرك فها أنت قد فرغتني لذكرك وشكرك فلك الحمد رب العالمين! رضي عن الله تبارك وتعالى، وشاء الله تبارك وتعالى أن لا يبقى البلاء عند هذا، وإذا بذلك العدو يسأل الله أن يسلطه على أهله وولده، وشاء الله تبارك وتعالى أن يمكنه من ذلك، ففقد فلذات كبده وفقد أهله واحداً تلو الآخر حتى فجع بهم جميعاً إلا زوجةً واحدة، بقيت هذه الزوجة مع ذلك النبي المصاب، ومع ذلك العبد المبتلى تواسيه وتسليه، فقال عليه الصلاة والسلام: الحمد لله رب العالمين، وشكر الله على البلاء الذي أصابه، فقال إبليس عليه لعنة الله: اللهم سلطني على نفسه، فقال: لك كل شيء إلا لسانه وقلبه، فبقي عليه الصلاة والسلام لا يمكن أن يفتر له لسان عن ذكر الله تبارك وتعالى، ولا يمكن أن يفتر له جنان عن حسن الظن بالله تبارك وتعالى، تولى عنه الناس حتى أصبح أنتن ما يكون رائحة، وتركوه إلى جوار المزابل -كما ورد في الأخبار- ولم يبق معه إلا زوجته التي بقيت معه تهتم به، فلما بلغ به الأذى مبلغه، وأصابه ما أصابه من الضر والبلاء؛ عندها تذكر الله تبارك وتعالى، وأحس بعظيم البلاء الذي يجده، فقال الله تعالى يصور ساعة اليقين من ذلك القلب الموقن وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ [الأنبياء:83-84] لما أراد الله أن يفرج كربه أمره بكلمةٍ واحدة ارْكُضْ بِرِجْلِكَ [ص:42] ما أمره أن يقوم وما أمره أن يذهب إلى أحد، وما أمره أن يسأل أحداً أن يفرج كربه، ولكن أمره بأمر واحد: ارْكُضْ بِرِجْلِكَ [ص:42] فجعل تفريج كربه من تحت قدمه، فلا إله إلا الله رب العالمين!! في طرفة عين تفجرت العين ثم اغتسل منها فما بقي به مرض في جسده وما بقيت به عاهةٌ في بدنه فقام عليه الصلاة والسلام قوياً سوياً من لحظته وساعته، الله أكبر!!

ما أيقن أحد بالله فخاب في يقينه، ولا رجاه أحد فخاب في رجائه، ثم أعاد الله تبارك وتعالى عليه أهله وذريته، قال عبد الله بن عباس : [أعاد إليه الأهل والذرية بأعيانهم، فرد عليه الزوجات ورد عليه الأبناء والبنات، ثم رد عليه أضعاف ما كان فيه من النعمة].

قال بعض العلماء: ما أصاب الكرب والخطب عبداً فضرع إلى الله تبارك وتعالى إلا أعطاه تفريج الكرب ومع تفريج الكرب زيادة فضلٍ من الله؛ ولذلك تجد بعض الناس يفجع بأهله ويفجع بولده فيعوضه الله حلاوة إيمانٍ تبقى معه إلى لقاء الله عز وجل.

أصيب رجل بولده وكان ذلك الرجل من أفجر خلق الله والعياذ بالله .. تاركاً للصلاة .. منتهكاً للحدود والمحارم .. أقسى ما يكون قلباً والعياذ بالله، فشاء الله يوماً من الأيام بعد صلاة العشاء، جاءه ابنه يضحك ويسلو، وشاء الله تبارك وتعالى أن يودعه ذلك الابن فتكون آخر عهده بذلك الابن، فخرج الابن وما هي إلا لحظات حتى جاءه الخبر بأن ذلك الابن انتقل إلى جوار الله.

وهذه حال الدنيا، تتمتع بالنظر إلى الابن في الصباح فإذا بك تفجع به في المساء، وتتمتع بالنظر إلى الأب في المساء فإذا بك تفجع به مع بزوغ الصباح، وسبحان من هذا ملكه! وسبحان من هذا أمره!

فلما فجع بذلك الابن طاش عنه عقله وعزب عنه رشده، فشاء الله تبارك وتعالى أن يقيض له طالب علم موفق، فذكره بالله بالكلمة تلو الكلمة حتى شرح الله صدره، وآنس الله قلبه، فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، ثم شاء الله تبارك وتعالى أن يخشع يوماً فيوما، حتى سمعته ذات يوم يقول: والله إني أصبت بابني وإنها نعمة من الله عليَّ إذ ابتلاني بذلك الابن، عرفت الله وكنت له منكرا، واقتربت من الله وكنت منه بعيداً، وآويت إلى الله وكنت منه طريداً، في كلام هذا معناه، مصيبةٌ قربتني من الله تبارك وتعالى.

فالله منه العوض، ما رجاه أحد فخاب، ولا أيقن عبد بربه فخسف الله به الأرض من تحت قدمه أبدا.

ولذلك قال بعض العلماء: "إذا أراد الله أن يجمع للعبد بين المصيبتين. ابتلاه وسلبه اليقين فيه" والعياذ بالله، إذا ابتلى الله العبد ولم يلتجئ إلى الله بعد البلاء فاعلم أنه والعياذ بالله مستدرج، ولذلك البلاء كل البلاء على الكافر الذي إذا أصابته المصيبة لا يدري أين يذهب، ولا يدري أين يتجه، ولكن المؤمن له باب يقرعه ورب لا يخيب يرجوه.

فلذلك أحبتي! كان من لوازم البلاء اليقين في الله عز وجل! أصيب بعض السلف بمصيبة وعظمت عليه هذه المصيبة وكانت آفةً في جسده، وما زال يعرض نفسه على الناس رجلاً بعد رجل حتى يأس من علاج هذا الداء، وقنط أن يشفى من ذلك البلاء، فدخل يوماً من الأيام فإذا رجل يتلو كتاب الله فسمعه يتلو قول الله عز وجل: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ [النمل:62] فقال: اللهم إني مضطر وأنت مجيب، فما قام من ساعته إلا وهو معافى، إذا دخل اليقين إلى قلب العبد لا يمكن أن يبرح وحاجته في قلبه، بل إن بعض الناس يمسي المساء وحاجته تضايقه، وكربته تؤلمه فيتضرع إلى الله بالدعوة الصادقة حتى يعز على الله أن يصبح وحاجته في قلبه فيفرج عليه قبل أن يصبح؛ وهذا من عظيم لطف الله بالعباد.

ومن الأمور التي تبعث باليقين حسن الظن بالله تبارك وتعالى، والله ما أحسن عبد ظنه بربه إلا كان الله عند حسن ظنه، إذا أصابتك المصيبة فأحسن الظن بالله، وقل: إنا لله وإنا إليه راجعون، الحمد لله على كل حال، وأعوذ بالله من حال أهل النار، من قالها فقد أوجب الرضا من الله تبارك وتعالى، ولذلك أحرص ما يكون الشيطان في بداية المصيبة أن يسيء ظنك بالله عز وجل، ولذلك إذا جاءت المصيبة في النفس، أو جاءت في المال، أو جاءت في الولد، جاءك الشيطان فقال لك: لو كان الله يحبك ما ابتلاك! ولو كان الله يحبك ما أصابك بابنك فلذة كبدك! ولو كان الله يحبك ما أفقدك مالك على كبر سنك! ولو كان الله .. ولو كان الله ...، فهو أحرص ما يكون على أن تكون على سوء ظن بالله عز وجل.

فالله الله! أن يسوء ظنك بالله عز وجل، بل قل: الحمد الله، وليكن قلبك مطمئناً بالفرج من الله تبارك وتعالى، فمن اتقى الله جعل له من كل همٍ فرجا ومن كل ضيقٍ مخرجا.

أخي! الملك لمن؟ والكون لمن؟ والتدبير لمن؟ من الذي يجير ولا يجار عليه؟ ومن الذي يغيث ولا مغيث سواه؟ والله لو علم المكروب سعة رحمة الله عز وجل ما تألم من كربه، ولو أيقن المكروب بحلم الله به لا يمكن أن يصيبه بلاء في نفسه، وأضرب لك مثلاً يسيراً: لو أنك يوماً من الأيام سئلت عن أرحم الناس بك وأحلمهم عليك؟! لقلت: أبي وأمي، ولكان في قلبك يقين أن لا أرحم في الناس من أبيك وأمك، والله ثم والله لرحمة والديك بك لا تأتي مثقال ذرة في رحمة الله عز وجل بك، وللطف الله عز وجل وحنانه وحلمه ورحمته وأنت تقاسي الآلام وتكابد الأسقام، أشد من رحمة والديك بك، ولكن يريد أن يرفع درجتك، ويحط عنك خطيئتك، ويريد أن تخرج من هذه الدنيا وأنت صفر اليدين من السيئات والخطايا، حتى إذا وافيته وافيته بوجه أبيض مشرقٍ من تلك البلايا، وإنَّ من عباد الله من هو والله حبيب لله، لا يبتليه الله عز وجل إلا لكي يدنو منه، يبتليه لكي يسمع صوته: يا رب! يا رب! إلهي .. سيدي .. مولاي .. يسمع إخباته وإنابته فتكون أصدق شاهدٍ على توحيده لله تبارك وتعالى.