الأخوة الإيمانية


الحلقة مفرغة

التذكير بالنعم وسيلة للإقناع، ومحفز لشكر المنعم سبحانه، الذي يزيد الشاكرين ويعذب الكافرين، مع غناه التام عن عباده، وعدم تضرره بكفرهم بهذا الأسلوب الرصين والقول المبين واجه نبي الله موسى عليه السلام قومه، مع تذكيره لهم بشأن الأمم السابقة التي كذبت أنبياءها، وما استحقته من مصير جزاء ذلك.

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً, صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102]

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء:1].

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:70-71].

أما بعد:

فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

وفي بداية هذا اللقاء أزجي عاطر الشكر والثناء لهذه الجامعة المباركة جامعة أم القرى بفرعها بـالطائف أن كانت سبباً في هذا الجمع المبارك الكريم, وأسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يجزي القائمين عليها خير الجزاء, وأن يعظم لنا ولكم المثوبة منه إنه فاطر الأرض والسماء.

أيها الأحبة في الله! خلة من الخلال وخصلة من أطيب الخصال, خلة من خلال المتقين وعباد الله الأخيار الصالحين, وخصلة من خصال المهتدين, إنها الحب والأخوة في الله والدين، إنها الأخوة الإيمانية التي قامت على الآيات والعظات القرآنية, أرسى دعائمها رسول الهدى صلى الله عليه وسلم, وسار على نهجها أولو النهى, حتى خبطت أقدامه في الجنة مع الرضا, إنها الحب في الله, هذا الحب الذي أقسم النبي صلى الله عليه وسلم لصحابي من أصحابه أنه يجده في قلبه, ففي الحديث الصحيح عن معاذ رضي الله عنه وأرضاه قال: (أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بيدي وقال: يا معاذ ! والله إني لأحبك), فنعم المحب ونعم الحبيب.

إنها الأخوة الإيمانية والمحبة المبنية على الشريعة المرضية.

إنها الأخوة التي إذا سكنت في القلوب هدى الله عز وجل أهلها, وأصابهم بالزكاة في قلوبهم وطهرها.

إنها الأخوة التي غرسها النبي صلى الله عليه وسلم في قلوب أصحابه الأخيار, من المهاجرين والأنصار، فسطروا بها في دواوين المجد والعز صفحات البذل والإيثار, كانوا قبلها متباعدين, فأصبحوا بها -بفضل الله- متقاربين, كانوا متعادين فأصبحوا بها متآخين, كانوا متباعدين متباغضين متدابرين لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ [الأنفال:63] ولكن من غيره سبحانه يجبل تلك القلوب على المحبة، ويقلبها على الصفاء والمودة، فانقلبت تلك القلوب من الشحناء والبغضاء إلى المودة والحب والصفاء، فلا إله إلا الله من يوم اجتمعت فيه قلوب أولئك الأخيار, ولا إله إلا الله من يوم آخى المصطفى فيه بين المهاجرين والأنصار.

إنها الأخوة التي حملت رسالتها هذه الأمة جيلاً بعد جيل, ورعيلاً بعد رعيل, حب وصفاء وود وإخاء, يتألم المؤمن لآلام إخوانه, ويحس بإحساسهم ويشعر بأشجانهم.

إنها الإخوة التي صورها النبي صلى الله عليه وسلم كالجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى, فكم عين للمسلم سهرت لآلام المسلمين, وكم من قلوب فارقتها الراحة في المضاجع لآلام المؤمنين.

إنها الأخوة التي يحس فيها المؤمن أنه من أخيه ولأخيه على الطاعة والدين, فوالله ما فتحت قلبك لحب في الله، إلا تأذن الله لك بحبك من فوق سبع سماوات، ففي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يقول الله تعالى: وجبت -ثبتت واستقرت- محبتي للمتحابين فيّ, وللمتجالسين فيّ, وللمتزاورين فيّ).

الله أكبر! محبة انتصبت من أجلها أقدام الراكعين والساجدين, وجرت بها دماء الشهداء المجاهدين, محبة ظمئت من أجلها أحشاء الصائمين, وتألمت لها قلوب العابدين الخائفين, كل ذلك طلباً لهذه المحبة من الله, وجبت حينما تفتح قلبك لأخيك لله وفي الله, ما أعظمها من محبة توجب عند الله الزلفى والقربة، ما أعظمها من محبة, إذا فتحت قلبك لها تأذن الله بحبك، فأي يوم أعز وأشرف من يوم تغيب فيه الشمس عليك والله قد أحبك؟ وأي يوم أجل وأشرف حينما يكون الله محباً لك؟ كل ذلك لهذه المحبة حينما تفتح سويداء قلبك لإخوانك لله وفي الله, ألم تعلم أنك لو خرجت من بيتك يوماً من الأيام, فاطلع الله على فؤادك وقلبك أنك خارج لأخيك لله وفي الله ناداك منادٍ من الله: طبت وطاب ممشاك وتبوأت من الجنة نزلاً, وبهذا الخروج وبهذه الزيارة ترفع الأقدام إلى الله، وتكتب الخطا عند الله, فقد أوجب الله الحب منه للمتزاورين فيه, ولكن فيه سبحانه, (والمتجالسين فيه) فلئن فتحت باب بيتك يوماً من الأيام لإخوانك وخلانك وقلبك ولسانك على الحب سواء, فلئن فتحت باب دارك، فلقد فتحت باب رحمة الله عليك، ولئن جلست معهم تثبتهم وتسليهم وتذكرهم بطاعة باريهم فنعم والله المجلس، حينما تقوم والله راضٍ عن جلوسك وعن إخوانك.

إن الحب الخالص والصادق يكون لوجه الله, وهذا الحب وهذه الثمرات الكريمة لا تكون إلا بقواعد ودعائم أرساها رسول الهدى صلى الله عليه وسلم.

الإخلاص في المحبة

أول دعائم الحب في الله: إخلاص العمل لله, أن تفتح القلب وأن تشعر أن الله يسمعك ويراك, فيرى هذا العمل من القلب وليس لأحد له فيه حظ ولا نصيب, تفتح قلبك لا لجمال, ولا لمال, ولا لحسب, ولا لنسب, ولكن لله جل جلاله, حينما تحب المسلمين ولو كانوا عنك بعيدين, وحينما تحبهم ولو خالفتهم لوناً أو مرتبة أو عزاً أو شرفاً فلا فضل إلا بالتقوى.

إنه الحب الخالص لله، وما الذي ضر كثيراً من الشباب اليوم غير دخول الدواخل في المحبة لله, فكم من شباب في بداية الهداية والاستقامة فتحوا القلوب لله جل وعلا حتى وجبت لهم المحبة من الله والرضا، فما مضت الأيام إلا والمجالس عامرة بذكر الله الملك العلاَّم, وكم من شباب -في بداية الهداية- وجدوا طعم الأخوة ولذة الحب في الله, لما كانت القلوب خالصة لله علام الغيوب، يوم خرج الشاب من بيته يتعطش لأخٍ يواسيه أو يسليه أو يثبته على طاعة باريه, فخرج من البيت صادقاً محتسباً مخلصاً لله جل جلاله, ولكن تغيرت القلوب فغير الله عز وجل ما بها من الخير إلا أن ينيب العبد أو يتوب.

لذلك أيها الأحبة في الله! الوقفة الأولى مع الحب في الله: أن يكون خالصاً لله جل وعلا, الحب في الله عبادة تعلقت بالقلوب، فكما أن اليد والقدم والجوارح تتقرب إلى الله، كذلك للقلب أعمال تكون عبادة بينه وبين الكريم المتعال, ومن أعمال القلوب التي يجب إخلاصها لله علام الغيوب: الحب في الله جل وعلا أشرف وأعز مطلوب.

أما الوقفة الثانية: فإنك إن أخلصت لله جل وعلا فاعلم أن إخلاصك في الحب لله له أمارات وعلامات ومن أجلها وأشرفها: أن تحس أن قلبك اتجه لأخيك طاعةً لباريك، لا لأي شيء سوى ذلك, أن تتجه شُعب هذا القلب إلى الإخوان والخلان, إما لطاعة من ذكر أو شكر أو عناء أو عبادة أو خوف أو إنابة أو خشوع, ترى أخاك يوم تراه راكعاً فتحبه لركوعه, أو ساجداً فتحبه لذلته وخضوعه, أو يده سخاء على الأيتام والأرامل فتحبه من خلال ما يحبه الله من القول والعمل, تحبه من جهة الأعمال الصالحة والقربات والطاعات, ولذلك أحق من يحب في الله, وأحق من يتأذن الإنسان بأخوته في الله هم العلماء والدعاة إلى الله, لأنهم أعظم الناس خيراً وأعظمهم طاعة وبراً, إذا نظرت إلى العالم استهوى قلبك ما فيه من الخير الكثير والفضل المستطير, ذلك الخير الذي نفع الله به القلوب فأنار به السبل والدروب, فتحب العالم يوم تحبه, وكأن لسانك يقول: أحبك يا عالم الأمة من سنة أحييتها, أو بدعة أمتها, أو شعيرة أقمتها؛ تحبه حينما تتذكر، فكم من تائه أرشده, وكم من طالب علم علمه, وكم من ليل اكتحل السهر فيه لكي يحل للأمة معضلة, أو يكشف لهم مدلهمة أو مشكلة, تحبه من قلبك لأنه على ثغر من ثغور الإسلام, حتى إذا نظرت إلى ذلك الداعية إلى الله, نظرت إليه يوم نظرت وقد تفجرت ينابيع الحكمة من لسانه وبيانه, تجذب القلوب إلى الله, وتنير الدروب في محبة الله لا يرجو الثواب إلا من الله, فيتجه قلبك إليه لله وفي الله, حتى إذا فعلت ذلك أحبك الله بحب أوليائه، وتأذن لك بذلك الحب الذي لم يستوجبه عبد إلا وفق للخير كله.

حب العلماء وحب الدعاة والهداة إلى الله سمة من سمات الصالحين, فكلما كان الإنسان صالحاً مستقيماً براً سائراً على نهج ربه فإنه يحب العلماء من كل قلبه, كلما تمكن الإيمان من القلوب كلما اتجهت إلى أولئك الصلحاء وأولئك الأخيار, الذين تأذن الله لهم بالحب في الأرض والسماء, فوضع لهم القبول بين العباد ونشر خيرهم بين الحاضر والباد, فهذه من أعظم الدلائل على الحب في الله.

ولقد ضرب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم المثل الصادق حينما أحبوا النبي صلى الله عليه وسلم صدق المحبة, أحبوه للنبوة, أحبوه لعظيم بلائه للأمة, أحبوه حينما رأوا ذلك الخير العظيم والنفع العميم الذي أجراه الله على لسانه صلوات الله وسلامه عليه.

بعثت قريش رجلاً يوم الحديبية لكي يكشف خبر النبي صلى الله عليه وسلم ويتفاوض معه في صلح الحديبية ، فخرج سهل حتى قدم على النبي صلى الله عليه وسلم, فهاله ذلك المنظر المهيب من حال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مع رسول الهدى صلى الله عليه وسلم, فلما رجع قالوا له: ما وراءك يا سهل ؟ ما الذي رأيته؟ ما الذي سمعته؟

فقال سهل : والذي يحلف به سهل من اللات والعزى لقد دخلت على كسرى وقيصر فما رأيت أشد حباً من أصحاب محمد لمحمد, والذي يحلف به سهل ما رفعوا أبصارهم إليه إذا حدثهم, ولا تنخم نخامة إلا وقعت في كف أحدهم فدلك بها وجهه، رضي الله عنهم وأرضاهم, وتأذن بأعالي الفردوس مسكناً لهم ومثواهم، إنهم الصحابة الذين أحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانوا أصحابه.

ولقد ورث التابعون هذا الحب الصادق فأحبوا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم, فما كان الرجل من التابعين يرى عالماً من علماء الصحابة إلا كاد أن يرفعه على رأسه لعظيم حبه له في الله جل جلاله.

دخل أبو إدريس الخولاني رحمه الله على الجامع بـدمشق , فرأى رجلاً براق الثنايا يجتمع الناس حوله, إذا اختلفوا رجعوا إليه, فيفصل بينهم فيما اختلفوا فيه, فسألهم وقال: [من هذا الرجل؟ قالوا: معاذ بن جبل صاحب النبي صلى الله عليه وسلم, يقول رحمه الله: فلما كان اليوم الثاني بكرت وهجرت -أي: جئت مبكراً إلى المسجد في الهجير, وذلك بعد صلاة الظهر لكي يدرك صلاة العصر- قال: فلما دخلت المسجد وجدت معاذاً قد سبقني إليه] رضي الله عنه وأرضاه, كانوا أئمة ومشاعل نور في القدوة الصالحة- قال: فلما قضى صلاته أتيته من قبل وجهه وقلت له: إني أحبك في الله. قال: آلله, قلت: آلله -أي: أحبك في الله- قال: آلله, قال: والله-أي إني أحبك في الله- فقال رضي الله عنه وأرضاه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (يقول الله تعالى: وجبت محبتي للمتحابين فيّ, وللمتزاورين فيّ, وللمتجالسين فيّ) فكان التابعون رضوان الله عليهم يحبون علماء الصحابة ويجلونهم، وما زالت هذه الأمة تعظم علماءها ودعاتها وأهل الخير بينها, ولن تجد الأمة ترفع من شأن العلماء وتحب الدعاة والصلحاء إلا جمع الله بهم الشمل, فاتحدت بهم الكلمة وحصل الخير العظيم والنفع العميم, فكم من أزمنة خلت وأيام مضت كانت الأمة في أوج عزها، حينما أكرمت العلماء وأعزت الدعاة والهداة إلى الله لعلمهم أنهم دعاة الخير, وهداة الخير وأهل السداد والرشاد, فطوبى لمن أحبهم في الله, وتأذن بالحب من الله.

النصيحة أو التناصح

أما العلامة الثانية التي تدل على حبك لله وفي الله, فثمرة من ثمار الخير تدل على حسن الطاعة لله والبر, ثمرة ما كانت في المؤمن إلا دلت على دينه واستقامته وحبه لله جل وعلا, وحبه لعباده الصالحين, أتدرون ما هذه الثمرة العظيمة التي جعلها النبي صلى الله عليه وسلم عماداً في الدين؟ إنها النصيحة, فإذا أردت أن ترى أخاك الصادق فانظر إلى ذلك الناصح المشفق, الذي ينظر إليك نظرة الغريق, ويعطف عليك بكل حنان وبر وإحسان، وحسن كلام وبيان, ينتشلك من النيران والعصيان, لكي يواسيك أو يسليك أو يثبتك بتلك النصيحة الصادقة على طاعة باريك.

إنها النصيحة التي يقول فيها النبي صلى الله عليه وسلم: (الدين النصيحة, الدين النصيحة, الدين النصيحة, قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم) فإذا وجدت أخاك يأخذ بحجزك من النار فإنه الأخ الصادق, والأخ المشفق، والمحب الذي برأ من الخسارة وتأذن بالربح مع الله في التجارة وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر:1-3] آمنوا ثم عملوا الصالحات ثم تواصوا, والغالب في أخيك الذي ينصحك أنه لا ينصحك إلا بعد دين, يتغلغل في قلبه حتى يغار عليك إذا رآك على خطيئة أو معصية, إذا سمعت أخاك ينصحك أو يوجهك أو يرشدك، فاعلم -والله- أنه يريد لك الخير من الله, أخوك الصادق الذي يبذل لك الكلمات المشرقة المضيئة من قلب صادق, فهذه من دلائل الحب في الله.

ثم إذا أردت أن تنصح أخاك وأن توفي هذه العلامة حقها وقدرها فهنا أمور:

أولاً: أن تنصح أخاك وأنت مخلص لله جل جلاله, تكلمه وأنت تستشعر أن الله يسمعك ويراك, تكلمه وليس في قلبك إلا الله جل جلاله, تشتري رحمة الله بهذه الكلمات, والله ما من نصيحة خرجت من قلب إلا وقعت في القلب شاء صاحبها أم أبى, أن تخرج النصيحة من قلبك الصادق المخلص لوجه الله جل جلاله تعامل الله، فكم من كلمات صادقة خالصة قد لا ينفع الله بها في حينها ولكنها تبقى في القلوب, تقرع أصحابها ولو بعد حين, قد تنصح أخاك اليوم ولكن لا يستجيب، وقد يستهزئ ويسخر وقد يسفه رأيك أو يستهجن قولك، ولكن تمضي الأيام تلو الأيام, وتأتي تلك الساعة التي يتأذن الله فيها بدخول تلك النصيحة التي لا زالت عند سمعه حتى تدخل إلى سويداء قلبه يوم تدخل, فينجيه الله بها من النار, فيكون في ميزان حسناتك.

كم من إخوان أحبوا في الله أمضوا أوقاتهم في النصيحة والدلالة على سبيل الله, خطوا في دواوين الحسنات أجوراً, وخطوا في دواوين الحسنات مثاقيلاً منها، فطوبى لهم وحسن مآب. أخلص لله عز وجل في نصحك وتوجيهك, والتمس أفضل الأوقات، وليكن نصحك بتعاهد كما كان النبي صلى الله عليه وسلم, وإياك والإكثار من النصيحة، قال الصحابي رضي الله عنه وأرضاه: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخولنا بالموعظة مخافة السآمة) التمس أفضل الأوقات, والتمس أفضل العبارات، وأخرجها من قلبك ولو استطعت أن تلفظ الدمع من عينيك إشفاقاً على أخيك, كل ذلك لكي تفوز بطاعة باريك.

قضاء حاجة المحتاج

أما العلامة الثالثة التي تدل على الحب في الله فهي أعلى مراتب الحب في الله, وهي: مرتبة الكمال, حينما تكمل الدين بالدنيا, حينما تستر عورة أخيك أو تفرج كربته أو تؤنس وحشته, فتكون خير أخ وعضد له بعد الله جل جلاله, الأخ يحتاج إلى أخيه, تمر به الظروف والفتن والمحن, يحتاج إلى من يقف معه ويمده بمال أو يواسيه في شدة الحال, فقف مع إخوانك, فكم من إخوان بذلوا أوقاتهم لإخوانهم في الله ففازوا بمرضاة الله جل وعلا, ما الذي تأخذه من الدنيا غير تفريج الكربات، ورفعة الدرجات لما تسديه إلى الأرامل والبائسين والمحتاجين من إخوانك المؤمنين.

إن من أعظم القربات وأعلاها عند الله قدراً تفريج كربات المسلمين, فاحتسب إذا سمعت أن أخاك بحاجة إلى مال؛ أن تعينه بالمال إذا استطعت, لا يكون المال أعز عليك من أخيك في الله, ابذل المال لوجه الله, فوالله ما أنفقت لأخيك مالاً ترجو به رحمة الله إلا أصابتك دعوة الملكان: (اللهم أعط منفقاً خلفاً) فلك الخلف من الله, كم من يد مدت إلى أخيها تعينه في شدة الظروف, والله يعلم أنها آثرت بهذا المال نفسها وأبناءها فعوضها الله إيماناً, وعوضها خشوعاً فأصابت خيري الدنيا والآخرة, الخلف من الله مضمون, والربح منه مضمون, فليكن مصداق الحب في الله تفريج الكربات عن الإخوان في الله, كم من رجل يقول لك: أحبك في الله وهو يعلم أنك محتاج إلى ماله, ولا يمد لك شيئاً منه، كيف يطيب العيش للغني المسلم وقد كشفت عورة أخيه المسلم؟! وكيف يلذ العيش للغني المسلم وقد تقرحت أحشاء وأمعاء الأيتام والأرامل من المسلمين؟! كيف يلذ العيش للمؤمن الصادق وهو يعلم أن أخاه يتضور جوعاً؟!

ذكروا عن بعض الصالحين أنه كان غنياً ثرياً كثير المال, جاءه رجلٌ يوم من الأيام في شدة البرد, وكان هذا الرجل قد بسط الله له من الخير شيئاً كثيراً, فجاءه هذا الرجل -والناس بعضهم دليل خير ومفتاح خير- جاءه ولم يأته لغرض من الدنيا, ولكن جاءه لحاجة إخوانه المسلمين, فقال له: إن بموضع كذا وكذا أسرة فيها أيتام وأرامل ليس عندهم طعام ولا لباس يقيهم البرد, فنادى ذلك الرجل حاجبه -والرجل الذي يقوم على أمواله- فلما دخل عليه قال: انتظر, قال: فدخل إلى غرفته ولبس ثياباً خفيفة في شدة البرد, ثم دخل على حاجبه وقال: إنه قد بلغني أن بموضع كذا وكذا أيتام وأرامل، وأنهم قد آلمهم البرد فلا طعام معهم ولا كساء, اذهب إليهم فأطعمهم واكسهم واملأ أيديهم من المال, وإني في ملاءتي هذه أجد من البرد ما يجدون حتى تعود إليّ. إنها قلوب تحس بما يحس به إخوانه المسلمين.

توفي علي زين العابدين ففقد أكثر من ثلاثين بيتاً كان بالليل يقرع الباب عليهم بالصدقات والطعام, لا خير في المال إذا لم تستر به عورات المسلمين, وتفرج به كربات إخوانك المؤمنين, أيُّ خير للملايين إذا اكتنـزتها، وخرجت منها صفر اليدين من رحمة الله والعياذ بالله, ما الذي تستفيده من المال إذا أسرك فأصبحت أشجانك وأحزانك معه فخرجت صفر اليدين من المعاملة مع الله, فلقد بلغنا عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أن الله يقيم العبد يوم القيامة بين يديه، فيقول له: عبدي! ألم أسودك؟ ألم أعطك؟ ويذكره بالنعم, ثم يقول: فماذا عملت لي؟) فلو وقفت بين يدي الله وسألك الله عن إخوانك في الله, عن مكروب في دينه علمت أنه مديون فلم تفرج كربه, وعن مكروب علمت أنه بحاجة إلى من يثبته فلم تثبته, فليس تفريج الكربات يختص بالأموال, ولكن يكون بحسن المقال, إذا لم يكن عندك المال وعلمت أن أخاك مهموم أو مغموم، فابذل إليه كلمة، فكم من كلمة من أخ فرج الله بها الهموم, الأخ يحتاج إليه أخوه بكلمة تثبته خاصة في الأحزان والأشجان.

ولذلك شرع الله عيادة المرضى وشرع تشييع الجنائز والتعزية، كل ذلك لكي يتثبت الله بها قلوب المؤمنين بكلمات إخوانهم المؤمنين, فلذلك ينبغي للمؤمن أن يسعى إلى أعلى مراتب الأخوة, وأن يفضل إخوانه على نفسه.

نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يرزقنا الحب فيه, والولاء فيه, اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى أن تجعلنا ممن وجبت محبتهم لك يا ذا الجلال والإكرام, اللهم إنا نسألك أن نحب بحبك من أحبك, وأن نعادي بعداوتك من عاداك, وأن تجعلنا سلماً لمن سالمت، وحرباً لمن حاربت, عوناً لأوليائك, حرباً على أعدائك, يا ذا الجلال والإكرام, سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين, والحمد لله رب العالمين.

أول دعائم الحب في الله: إخلاص العمل لله, أن تفتح القلب وأن تشعر أن الله يسمعك ويراك, فيرى هذا العمل من القلب وليس لأحد له فيه حظ ولا نصيب, تفتح قلبك لا لجمال, ولا لمال, ولا لحسب, ولا لنسب, ولكن لله جل جلاله, حينما تحب المسلمين ولو كانوا عنك بعيدين, وحينما تحبهم ولو خالفتهم لوناً أو مرتبة أو عزاً أو شرفاً فلا فضل إلا بالتقوى.

إنه الحب الخالص لله، وما الذي ضر كثيراً من الشباب اليوم غير دخول الدواخل في المحبة لله, فكم من شباب في بداية الهداية والاستقامة فتحوا القلوب لله جل وعلا حتى وجبت لهم المحبة من الله والرضا، فما مضت الأيام إلا والمجالس عامرة بذكر الله الملك العلاَّم, وكم من شباب -في بداية الهداية- وجدوا طعم الأخوة ولذة الحب في الله, لما كانت القلوب خالصة لله علام الغيوب، يوم خرج الشاب من بيته يتعطش لأخٍ يواسيه أو يسليه أو يثبته على طاعة باريه, فخرج من البيت صادقاً محتسباً مخلصاً لله جل جلاله, ولكن تغيرت القلوب فغير الله عز وجل ما بها من الخير إلا أن ينيب العبد أو يتوب.

لذلك أيها الأحبة في الله! الوقفة الأولى مع الحب في الله: أن يكون خالصاً لله جل وعلا, الحب في الله عبادة تعلقت بالقلوب، فكما أن اليد والقدم والجوارح تتقرب إلى الله، كذلك للقلب أعمال تكون عبادة بينه وبين الكريم المتعال, ومن أعمال القلوب التي يجب إخلاصها لله علام الغيوب: الحب في الله جل وعلا أشرف وأعز مطلوب.

أما الوقفة الثانية: فإنك إن أخلصت لله جل وعلا فاعلم أن إخلاصك في الحب لله له أمارات وعلامات ومن أجلها وأشرفها: أن تحس أن قلبك اتجه لأخيك طاعةً لباريك، لا لأي شيء سوى ذلك, أن تتجه شُعب هذا القلب إلى الإخوان والخلان, إما لطاعة من ذكر أو شكر أو عناء أو عبادة أو خوف أو إنابة أو خشوع, ترى أخاك يوم تراه راكعاً فتحبه لركوعه, أو ساجداً فتحبه لذلته وخضوعه, أو يده سخاء على الأيتام والأرامل فتحبه من خلال ما يحبه الله من القول والعمل, تحبه من جهة الأعمال الصالحة والقربات والطاعات, ولذلك أحق من يحب في الله, وأحق من يتأذن الإنسان بأخوته في الله هم العلماء والدعاة إلى الله, لأنهم أعظم الناس خيراً وأعظمهم طاعة وبراً, إذا نظرت إلى العالم استهوى قلبك ما فيه من الخير الكثير والفضل المستطير, ذلك الخير الذي نفع الله به القلوب فأنار به السبل والدروب, فتحب العالم يوم تحبه, وكأن لسانك يقول: أحبك يا عالم الأمة من سنة أحييتها, أو بدعة أمتها, أو شعيرة أقمتها؛ تحبه حينما تتذكر، فكم من تائه أرشده, وكم من طالب علم علمه, وكم من ليل اكتحل السهر فيه لكي يحل للأمة معضلة, أو يكشف لهم مدلهمة أو مشكلة, تحبه من قلبك لأنه على ثغر من ثغور الإسلام, حتى إذا نظرت إلى ذلك الداعية إلى الله, نظرت إليه يوم نظرت وقد تفجرت ينابيع الحكمة من لسانه وبيانه, تجذب القلوب إلى الله, وتنير الدروب في محبة الله لا يرجو الثواب إلا من الله, فيتجه قلبك إليه لله وفي الله, حتى إذا فعلت ذلك أحبك الله بحب أوليائه، وتأذن لك بذلك الحب الذي لم يستوجبه عبد إلا وفق للخير كله.

حب العلماء وحب الدعاة والهداة إلى الله سمة من سمات الصالحين, فكلما كان الإنسان صالحاً مستقيماً براً سائراً على نهج ربه فإنه يحب العلماء من كل قلبه, كلما تمكن الإيمان من القلوب كلما اتجهت إلى أولئك الصلحاء وأولئك الأخيار, الذين تأذن الله لهم بالحب في الأرض والسماء, فوضع لهم القبول بين العباد ونشر خيرهم بين الحاضر والباد, فهذه من أعظم الدلائل على الحب في الله.

ولقد ضرب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم المثل الصادق حينما أحبوا النبي صلى الله عليه وسلم صدق المحبة, أحبوه للنبوة, أحبوه لعظيم بلائه للأمة, أحبوه حينما رأوا ذلك الخير العظيم والنفع العميم الذي أجراه الله على لسانه صلوات الله وسلامه عليه.

بعثت قريش رجلاً يوم الحديبية لكي يكشف خبر النبي صلى الله عليه وسلم ويتفاوض معه في صلح الحديبية ، فخرج سهل حتى قدم على النبي صلى الله عليه وسلم, فهاله ذلك المنظر المهيب من حال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مع رسول الهدى صلى الله عليه وسلم, فلما رجع قالوا له: ما وراءك يا سهل ؟ ما الذي رأيته؟ ما الذي سمعته؟

فقال سهل : والذي يحلف به سهل من اللات والعزى لقد دخلت على كسرى وقيصر فما رأيت أشد حباً من أصحاب محمد لمحمد, والذي يحلف به سهل ما رفعوا أبصارهم إليه إذا حدثهم, ولا تنخم نخامة إلا وقعت في كف أحدهم فدلك بها وجهه، رضي الله عنهم وأرضاهم, وتأذن بأعالي الفردوس مسكناً لهم ومثواهم، إنهم الصحابة الذين أحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانوا أصحابه.

ولقد ورث التابعون هذا الحب الصادق فأحبوا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم, فما كان الرجل من التابعين يرى عالماً من علماء الصحابة إلا كاد أن يرفعه على رأسه لعظيم حبه له في الله جل جلاله.

دخل أبو إدريس الخولاني رحمه الله على الجامع بـدمشق , فرأى رجلاً براق الثنايا يجتمع الناس حوله, إذا اختلفوا رجعوا إليه, فيفصل بينهم فيما اختلفوا فيه, فسألهم وقال: [من هذا الرجل؟ قالوا: معاذ بن جبل صاحب النبي صلى الله عليه وسلم, يقول رحمه الله: فلما كان اليوم الثاني بكرت وهجرت -أي: جئت مبكراً إلى المسجد في الهجير, وذلك بعد صلاة الظهر لكي يدرك صلاة العصر- قال: فلما دخلت المسجد وجدت معاذاً قد سبقني إليه] رضي الله عنه وأرضاه, كانوا أئمة ومشاعل نور في القدوة الصالحة- قال: فلما قضى صلاته أتيته من قبل وجهه وقلت له: إني أحبك في الله. قال: آلله, قلت: آلله -أي: أحبك في الله- قال: آلله, قال: والله-أي إني أحبك في الله- فقال رضي الله عنه وأرضاه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (يقول الله تعالى: وجبت محبتي للمتحابين فيّ, وللمتزاورين فيّ, وللمتجالسين فيّ) فكان التابعون رضوان الله عليهم يحبون علماء الصحابة ويجلونهم، وما زالت هذه الأمة تعظم علماءها ودعاتها وأهل الخير بينها, ولن تجد الأمة ترفع من شأن العلماء وتحب الدعاة والصلحاء إلا جمع الله بهم الشمل, فاتحدت بهم الكلمة وحصل الخير العظيم والنفع العميم, فكم من أزمنة خلت وأيام مضت كانت الأمة في أوج عزها، حينما أكرمت العلماء وأعزت الدعاة والهداة إلى الله لعلمهم أنهم دعاة الخير, وهداة الخير وأهل السداد والرشاد, فطوبى لمن أحبهم في الله, وتأذن بالحب من الله.

أما العلامة الثانية التي تدل على حبك لله وفي الله, فثمرة من ثمار الخير تدل على حسن الطاعة لله والبر, ثمرة ما كانت في المؤمن إلا دلت على دينه واستقامته وحبه لله جل وعلا, وحبه لعباده الصالحين, أتدرون ما هذه الثمرة العظيمة التي جعلها النبي صلى الله عليه وسلم عماداً في الدين؟ إنها النصيحة, فإذا أردت أن ترى أخاك الصادق فانظر إلى ذلك الناصح المشفق, الذي ينظر إليك نظرة الغريق, ويعطف عليك بكل حنان وبر وإحسان، وحسن كلام وبيان, ينتشلك من النيران والعصيان, لكي يواسيك أو يسليك أو يثبتك بتلك النصيحة الصادقة على طاعة باريك.

إنها النصيحة التي يقول فيها النبي صلى الله عليه وسلم: (الدين النصيحة, الدين النصيحة, الدين النصيحة, قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم) فإذا وجدت أخاك يأخذ بحجزك من النار فإنه الأخ الصادق, والأخ المشفق، والمحب الذي برأ من الخسارة وتأذن بالربح مع الله في التجارة وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر:1-3] آمنوا ثم عملوا الصالحات ثم تواصوا, والغالب في أخيك الذي ينصحك أنه لا ينصحك إلا بعد دين, يتغلغل في قلبه حتى يغار عليك إذا رآك على خطيئة أو معصية, إذا سمعت أخاك ينصحك أو يوجهك أو يرشدك، فاعلم -والله- أنه يريد لك الخير من الله, أخوك الصادق الذي يبذل لك الكلمات المشرقة المضيئة من قلب صادق, فهذه من دلائل الحب في الله.

ثم إذا أردت أن تنصح أخاك وأن توفي هذه العلامة حقها وقدرها فهنا أمور:

أولاً: أن تنصح أخاك وأنت مخلص لله جل جلاله, تكلمه وأنت تستشعر أن الله يسمعك ويراك, تكلمه وليس في قلبك إلا الله جل جلاله, تشتري رحمة الله بهذه الكلمات, والله ما من نصيحة خرجت من قلب إلا وقعت في القلب شاء صاحبها أم أبى, أن تخرج النصيحة من قلبك الصادق المخلص لوجه الله جل جلاله تعامل الله، فكم من كلمات صادقة خالصة قد لا ينفع الله بها في حينها ولكنها تبقى في القلوب, تقرع أصحابها ولو بعد حين, قد تنصح أخاك اليوم ولكن لا يستجيب، وقد يستهزئ ويسخر وقد يسفه رأيك أو يستهجن قولك، ولكن تمضي الأيام تلو الأيام, وتأتي تلك الساعة التي يتأذن الله فيها بدخول تلك النصيحة التي لا زالت عند سمعه حتى تدخل إلى سويداء قلبه يوم تدخل, فينجيه الله بها من النار, فيكون في ميزان حسناتك.

كم من إخوان أحبوا في الله أمضوا أوقاتهم في النصيحة والدلالة على سبيل الله, خطوا في دواوين الحسنات أجوراً, وخطوا في دواوين الحسنات مثاقيلاً منها، فطوبى لهم وحسن مآب. أخلص لله عز وجل في نصحك وتوجيهك, والتمس أفضل الأوقات، وليكن نصحك بتعاهد كما كان النبي صلى الله عليه وسلم, وإياك والإكثار من النصيحة، قال الصحابي رضي الله عنه وأرضاه: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخولنا بالموعظة مخافة السآمة) التمس أفضل الأوقات, والتمس أفضل العبارات، وأخرجها من قلبك ولو استطعت أن تلفظ الدمع من عينيك إشفاقاً على أخيك, كل ذلك لكي تفوز بطاعة باريك.