أرشيف المقالات

شرح حديث: سبعة يظلهم الله يوم القيامة في ظله

مدة قراءة المادة : 5 دقائق .
شرح حديث: سبعة يظلهم الله يوم القيامة في ظله

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "سبعة يظلهم الله يوم القيامة في ظله، إمامٌ عادلٌ، وشابٌّ نشأَ في عبادة الله، ورجل ذكر الله في خلوة ففاضتْ عيناه، ورجل قلبه معلق في المساجد، ورجلان تحابا في الله، اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذاتُ منصب وجمال إلى نفسها فقال: إني أخافُ الله، ورجلٌ تصدَّق بصدَقةٍ فأَخفاها حتى لا تعلم شماله ما صنعت يمينهُ" (رواه البخاري ومسلم بترتيب وألفاظ مختلفة).
 
الشرح:
يذكر الرسول عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث ما أعده الله سبحانه وتعالى لسبعة من عباده المؤمنين الذين صفت عقيدتهم، وزكت نفوسهم، وراقبوا الله في سرهم وعلانيتهم، وصدروا في جميع أعمالهم عن رهبة منه وخوف وطمع، فهم يوم القيامة في كنفه وحياطته حيث لا ناصر لهم ولا معين.
أولهم: إمامُ نصب ليرعى مصالح المسلمين وينظر فيما يرقيهم، ويرفع شأنهم، فسار بينهم بالقسطاس المستقيم، وانتصف للمظلوم من الظالم، ولم يخش ضعيف من جوره، ولم يطمع قوي في جاهه وسلطانه، قد أخذ الناس بالحزم على الجادة، ومهد لهم سبل إقامة الدين ومعرفة حدوده في غير إفراط ولا تفريط، فأمن الناس في غدوهم ورواحهم على أنفسهم وأموالهم.
وفي الحق أن العدل دعامة الملك، ووسيلة التقدم والعمران، وسير الأمم في سبل الرقي بخطوات واسعة في جميع مرافق حياتها ووسائل نهضتها وسعادتها، ويدخل في ذلك أيضاً كل من ولي شيئاً من أمور المسلمين فعدل فيه.
 
وثانيهم: شاب امتلأ فتوة ونشاطاً واكتمل قوة ونمواً، لازم عبادة الله، وراقب في سره وجهره مولاه، لم تغلبه الشهوة، ولم تخضعه لطاعتها دوافع الهوى والطيش.
 
وثالثهم؛ رجل خلا إلى نفسه فذكر عظمة ربه وقوة سلطانه ورحمته على عباده وجزيل إحسانه، فاغرورقت عيناه بالدموع، وفاضتا طمعاً في ثوابه وغفرانه، ورهبته من عذابه وأليم عقابه، ولم يفعل ذلك رياء وخديعة على ملأ من الناس ومشهد منهم، مما يدل على صدق تأثره، وعمق رهبته.
 
ورابعهم: من حببت إليه المساجد، فيظل متعلقاً بها يشرع إليها إذا حان وقت الصلاة ويحافظ على أوقاتها، وليس المراد حب الجدران، ولكن العبادة والتضرع إلى الله فيها، وهذا يستلزم تجافيه عن حب الدنيا واشتغاله بها، وهي رأس كل خطيئة، والمساجد بيوت الله، ومجتمع المسلمين، ومناط وحدتهم، والتئام كلمتهم، شرعت فيها الجماعات في الجمع والأعياد لما في ذلك من حكم جمة وفوائد لا تحصى.
 
وخامسهم: رجلان تمكنت بينهما أواصر المحبة الصادقة والصداقة المتينة الخالصة لله من شوائب النفاق وابتغاء النفع، لا يؤثر فيها غنى ولا فقر، ولا تزيدها الأيام إلا وثوقاً وإحكاماً، سرهما في طاعة الله، وجهرهما في مرضاته، لا يتناجيان في معصية، ولا يسران منكراً، ولا تسعى أقدامهما إلى فسق أو فجور، تجمعهما رابطة الدين وحبه، وتفرقهما الغيرة على الدين والذياد عن حرمته، لا لعرض زائل أو متاع من الدنيا قليل.
 
وسادسهم: رجل دعته إلى منكر امرأة اجتمعت لديها كل دواعي الفجور والعصيان، من جمال رائع ومال وفير، إلى غير ذلك مما يغري ذوي النفوس المريضة، ولكن هذا الرجل صدها عن غيها وزجرها عما تبغيه منه، وذكرها بقوة الله وشدة بطشه، وأنه جد خائف من الله تعالى لا يقوى على عصيانه ولا يطيق عذاب نيرانه، وهذا إنما يصدر عن قوة إيمان بالله تعالى ومتين تقوى وحياء، [فاللهم ارزقنا خشيتك واسكن قلوبنا محبتك].
 
وسابعهم: رجل ينفق في سبيل الله، لا يبتغي من الناس جزاءً ولا شكوراً، فهو من المرآة بعيد، وعن الزلفى والمخادعة للناس ناء، يكاد لإخفائه الصدقة ألا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ولكن أين نحن من مثل هذا؟ نرى الواحد إذا حدثته نفس بعمل برّ زفت أمامه البشائر ودقت حوله الطبول، ويأبى إلا أن يقرن اسمه بألقاب التعظيم والتبجيل وينعت بنعوت الإحسان والبر، حتى إذا أتى وقت العمل، وإبراز ما نواه إلى عالم الظهور، خارت تلك العزيمة وتضاءلت هذه الهمة ونسي ما كان منه في سالف الزمان حتى يصير في خبر كان، ولذا محقت البركة من الأموال، وسلطت عليها الأرزاء والأدواء، وصارت منبع آلام وشقاء، بدل أن تكون سبيل سعادة وهناء.
 
فكل واحد من هؤلاء السبعة في الذروة من التقوى والصلاح والمنزلة العليا من منازل الأبرار والمتقين، فلا غرو إن كلأهم الله بحفظه؛ وحاطه بحياطته، ومن كان في كنف الله لم ترهقه النوائب، ولم ترق إليه الخطوب والأهوال، فاللهم عفوك ورحمتك وظلك يوم لا ظل إلا ظلك.
 
المصدر: مجلة التمدن الإسلامي، السنة الثالثة، العدد الثامن، 1356هـ - 1937م

شارك الخبر

ساهم - قرآن ١