خطب ومحاضرات
لقاء مفتوح بجامعة الإمام بالقصيم
الحلقة مفرغة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعـد...
فنشكر لكلية العلوم الاجتماعية واللغة العربية هذه الجهود الطيبة في مجال النشاط الطلابي، ونسأل الله تعالى أن تحذو الكليات الأخرى حذوها في هذا المضمار الطيب الذي يحتاج إليه الطلاب.
أيها الأحبة... دارت في رأسي وأنا أسير إلى الكلية عدة أمور أعتقد أن الحديث فيها مهم، وشعرت بأن الوقت قصير، فهو لا يكاد يتجاوز نصف ساعة فماذا على الإنسان أن يقول في نصف ساعة من خلال عامٍ دراسيٍ كامل؟ إن الهموم والقضايا التي تحتاج إلى محادثة بيننا، ومشاجاة ومناجاة كثيرةٌ جداً.
أحبتي الكرام: أليس مما يؤسف له أننا نجد الجامعات في العالم منطلقات للوعي الاجتماعي، والتربية والإصلاح وقيادة الأمة، من الناحية الفكرية، وغيرها، ومن الناحية العملية، وأن طلاب الجامعات في بلاد الدنيا يعتبرون من أهم الطبقات، التي يتنافس أصحاب الفكر إلى الوصول إلى عقولهم، في الوقت الذي نجد فيه طلاب الجامعات في عددٍ من البلاد الإسلامية، لا يعدون أن يكونوا مجرد قراء ثم يتخرجون من الجامعة مجرد كتبة، هذه النظرة تعتبر مصيبة كبرى في الواقع على الجميع، لأن المجتمع يبدو أنه يكوِّن لدى الطالب، بل لدى الإنسان سواء كان طالباً، أو متخرجاً، أو أستاذاً أو أي شيءٍ آخر، يكوِّن لديه شعوراً بعدم الثقة بالذات، وعدم القدرة على الإبداع، وعلى ممارسة الجهود والواجبات الملقاة عليه، ولذلك فنحن بشكلٍ مستمر لا أقول فقط كطلاب جامعة، بل نحن بوضعنا مسلمين، ونحن بوصفنا من البشر نمارس هروباً دائماً من مشكلاتنا، ونمارس تخلياً مستمراً عن مسئولياتنا، ولو أننا ونحن نتكلم في أوساطٍ علمية متخصصة لو أننا عملنا استبيانات لقراءة عقول الشباب، وماذا يحملون في رءوسهم، وكيف ينظرون إلى الأمور، وكيف يفكرون، وكيف يحللون الأحداث، لوجدنا أن كثيراً جداً من يعتبر نفسه خارج الدائرة، وأنه ليس له أي تأثيرٍ في وجود، الأحداث وليس له أي تأثيرٍ في دفعها، سواءً في ذلك الأحداث الكبرى العالمية، أو الإقليمية، أو الأحداث المحلية، أو حتى الأحداث البيتية، فلو تأتي إلى إنسانٍ تحدثه عن مشكلةٍ في داخل البيت، سيفاجئك ويقول لك: يا أخي أنا ليس لي دور في الموضوع مطلقاً، هذا القرار بيد والدي أو بيد والدتي، أو بيد أختي أو بيد أخي، وأنا في الواقع لا أملك أي شيء حتى وهو قرارٌ يخص بيته، أما إذا كان أمراً يتعلق بمجتمعه أو ببلده، أو بإقليمه أو بأمته فهو أبعد من أن يشعر بأنه مشاركٌ فيه.
تطور النظرة السلبية
عجز المسلمين مع كثرة الإمكانيات المادية
إن نظرتنا للأمور نظرة مقتبسة من أجهزة الإعلام التي تعتمد على وكالات الأنباء العالمية، وقلما تجد إنساناً يعرض الأمور التي يسمعها على ما يفهمه من كتاب الله عز وجل ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وربما تكون ثقة كثير منا بما يسمعونه من وسائل الإعلام الغربية والشرقية، أعظم مما يسمعونه ويقرءونه ويعلمونه من السنن الإلهية الاجتماعية والكونية الموجودة في القرآن الكريم، وفي سنة النبي صلى الله عليه وسلم.
هذه النظرة السلبية تطورت، وصرنا نقول أحياناً: لماذا نعالج قضايانا العامة؟ ما دمنا أصفاراً على الشمال كما يقال، ليس لنا تأثيرٌ في وجود الأحداث، كما أنه ليس لنا تأثيرٌ في إزالتها ودفعها، أو تقليلها على الأقل، فلماذا نعالج قضايانا؟! يسمعك إنسان مثلاً وأنت تتحدث عن قضية مزمنة، وهي قضية التخلف العلمي في العالم الإسلامي، بحيث أن العالم الإسلامي حتى الآن لم يستطع ولو أن يستورد -كما يقال- (التكنولوجيا) من الغرب، في الوقت الذي استطاع فيه اليهود وهم حفنةٌ لا يقاس عددهم بأصغر دولةٍ إسلامية أو عربية، استطاعوا أن يقطعوا في هذا المضمار شوطاً بعيداً.
إن المسلمين والعرب، لم يستطيعوا أن يستوردوا من هذه الأسرار المهمة في مجال التسليح والتصنيع، ولا يزالون قاعدين في مكانهم، على رغم كثرة إمكانياتهم المادية، فبلادهم تزخر بموارد لا توجد على الإطلاق في أي بلدٍ في الدنيا، وعلى رغم كثرتهم العددية التي لا تقارن بها أي دولةٍ في الدنيا أيضاً، ومع ذلك رضوا أن يكونوا مجرد أسواق لاستقبال بضائع الآخرين، حتى عقولهم أصبحت مستعمرات فكرية، فالطريقة التي نفكر فيها نحن مستوردة من الغرب، والتحليل الذي نحمله للأشياء هو تحليل غربي غير إسلامي في الغالب.
إن نظرتنا للأمور نظرة مقتبسة من أجهزة الإعلام التي تعتمد على وكالات الأنباء العالمية، وقلما تجد إنساناً يعرض الأمور التي يسمعها على ما يفهمه من كتاب الله عز وجل ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وربما تكون ثقة كثير منا بما يسمعونه من وسائل الإعلام الغربية والشرقية، أعظم مما يسمعونه ويقرءونه ويعلمونه من السنن الإلهية الاجتماعية والكونية الموجودة في القرآن الكريم، وفي سنة النبي صلى الله عليه وسلم.
هناك نظرةٌ هيمنت على كثيرٍ من الناس، وهي نظرة الشعور بأن الغرب باقٍ لا يزول، وأن حضارته حضارة خالدة، وأذكر أن مفكرين كباراً كانوا يفكرون بهذه الطريقة، ويعتقدون أن حركة التاريخ قد توقفت عند العالم الغربي الرأسمالي، وأنه لن تدور دورتها، وأن التاريخ لن يعيد نفسه، لكنه سوف يقر ويثبت عند هذا المستوى، والغريب أن هذه النظرة هي نفسها النظرة التي كانت موجودة عند الشيوعيين في روسيا، فكانوا يعتقدون أنهم هم المطاف والفردوس المنتظر وأن التاريخ ما زال يعمل فيه مبدأ النقيض، حتى وصل إلى الشيوعية، فاستقر قراره عند ذلك.
هذه النظرة الآن انتقلت إلى الغرب، فصار عندهم شعورٌ بالخلود والبقاء والأبدية، وكأن السنن الإلهية في نظرهم تعطلت، ليس غريباً أن يشغل الغرب هذا الشعور، أو ينظر هذه النظرة؛ لأنه مستكبرٌ قد عظم في عين نفسه، وتغطرس ورأى أنه قد ملك أزِمَّة الأمور، وانتهت إليه النوبة وأن الحال الذي يعيشه سرمدٌ لا يزول؛ لكن الغريب أن هذه النظرة انتقلت إلى عقول كثيرٍ من المسلمين، فصاروا ينظرون إلى هذا الواقع الذي يعيشونه الآن على أنه خالدٌ لا يزول.
وعلى أن هذا النظام الذي استقر الآن سيستمر ولا داعي لمقاومته، أو حتى للحديث عنه بأي شكلٍ أو بأي صورة، ونسوا في غمرة هذه النظرة التي أوحاها إليهم العالم الغربي ومن ورائه الإعلام في البلاد الإسلامية، الذي ظل يمجد ويتحدث حديث المبهور عن المنجزات الغربية، وعن العالم الرأسمالي، وعن ديمقراطيته وعن، وعن...، من إنجازاته وحضارته، وظلوا يحشون عقولهم، ويتقبلون مثل هذه الأفكار، ونسوا في غمرة ذلك القوانين والسنن والنواميس الإلهية الصريحة في أن هذا الوضع لا يمكن أن يستمر، فالله عز وجل يقول: إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ [آل عمران:140].
الأيام دُول
فيومٌ علينا ويومٌ لنا ويوم نُساءُ ويومٌ نسر |
فلم تدم الدنيا للأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، فمن الأنبياء من كانت لهم حكومات، ودانت لهم البلاد وطبقوا شريعة الله عز وجل في الأرض وفي الناس، ولا شك أنه لا أحد يتصور أبداً أن هناك ما هو أحسن للبشر من شريعة ربهم، ومع ذلك دارت الدورة، وصار للجاهلية مكانٌ في بعض الوقت، ثم جاء الإسلام وهكذا: وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ [آل عمران:140] هذه السنة إلهية واضحة، بل إن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول لما سُبِقَتْ العضباء وهي ناقته، سبقها أعرابي، فتأثر لذلك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فقال عليه الصلاة والسلام: {حقٌ على الله ألا يرتفع شيٌ إلا وضعه} فالدنيا ليس فيها خلود، وحقٌ على الله ألا يرتفع شيٌ إلا وضعه.
واقع اليوم ليس إلى الأبد
زوال الغرب ليس كزوال الشيوعية
لكن الغرب يقوم على أساس الديمقراطية، وإشعار الأفراد بأن لهم حقوقهم المحفوظة، وإنسانيتهم المحترمة، لكن هذا لا يعني أن الغرب يزول بسببٍ آخر، ليس من الضروري أن تكون نهاية الغرب هي كنهاية الشرق، قد تكون نهاية الغرب بصورة أخرى، لا تخطر لي ولك على بال، ولا داعي أن نفترض حروباً مدمرة، أو صراعات داخلية، أو أي شيءٍ آخر، لا داعي أن نترك المجال لعقولنا للتفكير في هذه الأمور، وإن كان المختصون فيها قد يرسمون عدة صور، وعدة احتمالات؛ لكن ينبغي أن نشعر في نفوسنا ببرد السكينة والإيمان، في أن السنة الإلهية التي عملت عملها في الشرق فجعلت هذه القوة الهائلة الشيوعية التي كانت تهدد الإسلام، جعلتها حطاماً خلال سنواتٍ يسيرة، فنؤمن أيضاً أن هذه السنة الإلهية تعمل عملها في الغرب الآن، وقد يظهر أثرها واضحاً اليوم، أو غداً أو بعد غد.
إذا سقط الغرب فأين البديل
والمسلمون هل سيظلون ينتقلون من سيدٍ إلى سيد، ومن مولى إلى مولى، يستدينون من فلانٍ، فإذا افتقر ذهبوا يستدينون من غيره، ولسان حالهم يقول كما كان يقول ذلك الرجل المغفل: اللهم اغنِ بني فلان حتى أستدين منهم، إذاً لماذا لم تطلب الغناء لك أنت؟.
هذه القضية الكبيرة -أيها الإخوة- ربما أقول المؤسف أن كثيراً من المسلمين، ودعك من عامة المسلمين المشغولين بلقمة العيش، لكن حتى من المثقفين، حتى من طلاب الجامعات، بل ربما حتى من الأساتذة والمختصين، في أعلى المستويات في المجامع العلمية، والمنتديات وغيرها، قد يحسون أن مثل هذه الأمور لا تعنيهم في كثيرٍ أو قليل، وغاية ما يكون أن الإنسان ربما يشعر بالحرقة حين يسمع مثل هذا الكلام أحياناً؛ لكن أن يكون هذا الكلام شيئاً مستقراً في قلبه، وشعوراً دائماً يحدوه ويحركه ويدعوه فهذا لا يزال أقل من المستوى المطلوب.
سنة الله في التدرج
هذا خيالٌ ولا يجب أن يشطح بنا الخيال، فالتدرج سنةٌ إلهية يجب أن توضع بعين الاعتبار، لكن التدرج يبدأ بخطوة، فأنا أريد أن أسأل نفسي، وأسأل إخواني، ونحن الآن طلاب جامعة، أو أساتذة جامعة، والمجتمع بل الأمة كلها تنظر إلينا، هل بدأنا الخطوة الأولى المفروضة؟! أم أننا لا نـزال نفكر حتى الآن في الخطوة الأولى نبدأ أو لا نبدأ؟! وهل هي مجدية أم غير مجدية؟ أعتقد أن الخطوة الأولى يجب أن تبدأ في قلوبنا نحن، في شعورنا بأننا نحن المسئولون عن واقع الأمة، ونحن المسئولون أيضاً عن إنقاذ الأمة من واقعها، أما فكرة أن هذه المصائب التي تعيشها الأمة هي من آثار الجيل السابق، وسوف يقوم بحلها الجيل اللاحق، فهذه الفكرة لا يمكن أن تصنع شيئاً، لأن معنى ذلك أن كل ما نحاوله الآن هو أن نتخلص من هذا العبء الثقيل، لنلقيه على ظهور غيرنا، هذا كل ما نحاوله، وهذه طريقةٌ في التفكير خاطئة، لن ننجح إلا إذا شعرنا نحن بأننا جزءٌ من المشكلة، ويجب أن نصحح أوضاعنا، حتى الأوضاع الفردية.
أرسل لي أحد الشباب مجموعة من الأوراق من إحدى المجلات، وإذا بها تتحدث عن لعبة البلوت، ومشاكل لعبة البلوت، والأوقات التي تقضى مع هذه اللعبة، والسهرات الطويلة حتى الفجر، بل ربما حتى ساعة متأخرة لا أقول من الليل بل من النهار…إلخ!! وربما يكون الذين يقضون أوقاتهم مع لعبة البلوت، ليسوا هم شر طبقات المجتمع، بل هناك دركات ودركات دون هذا المستوى.
الكرامات لا تأتي هدية بدون جهد
استمع المزيد من الشيخ سلمان العودة - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
أحاديث موضوعة متداولة | 5155 استماع |
حديث الهجرة | 5026 استماع |
تلك الرسل | 4157 استماع |
الصومال الجريح | 4148 استماع |
مصير المترفين | 4126 استماع |
تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة | 4054 استماع |
وقفات مع سورة ق | 3979 استماع |
مقياس الربح والخسارة | 3932 استماع |
نظرة في مستقبل الدعوة الإسلامية | 3874 استماع |
العالم الشرعي بين الواقع والمثال | 3836 استماع |