الدعاء والتوسل والاستغاثة


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.

أما بعد:

فيقول الشيخ حفظه الله تعالى:

(وبالربوبية وحدوه فهو الذي تعنو له الوجوه)

تعريف الربوبية عند العرب

هذا شروع في ذكر توحيد الربوبية، وهو على التقسيم الذي ذكرناه يُعَدُّ القسم الثالث من أقسام التوحيد، والمقصود به: إثبات الربوبية لله تعالى ونفيها عن كل ما عداه.

والربوبية: مصدر صناعي من رَبَّ الشيء يَرُبُّهُ إذا كان مهيمناً عليه مسيطراً.

والعرب تشتق من هذه المادة أربعة أفعال، فيقال: رَبَّهُ يَرُبُّهُ إذا استولى عليه، ومنه قول صفوان بن أمية يوم حنين: فلأن يربّني رجل من قريش خير من أن يربّني رجل من هوازن.

ويقال: رباهُ يربِّيه لنفس المعنى؛ لكنها تشير إلى إيصاله إلى كماله بالتدريج شيئاً فشيئاً، ومنه قول الشاعر:

وربيته حتى إذا تم واستوى كمخة ساق أو كمتن إمام

قرنت بحقويه ثلاثاً فلم يزغ عن القصد حتى بصرت بدمام

ويقال: رببه يرببه لنفس المعنى أيضاً، ومنه قول أمية بن أبي الصلت :

بيضاً مرازبة غلباً أساورة أسداً ترببن في الغيضات أشبالاً

ويقال: ربته يربته. بإبدال إحدى الباءين تاءً مثناة، وهو الفعل الرابع، ومنه قول الشاعر:

ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة بجمهور حزوى حيث ربتني أهلي

بلاد بها نيطت عليَّ تمائمي ومزقن عني حين تم بها عقلي

(حيث ربتني أهلي) بمعنى: رباني أهلي.

تعريف الربوبية في الاصطلاح

والربوبية في الاصطلاح معناها: الخلق والتدبير، فنسبة الربوبية إلى الله معناها: نسبة كل الخلق إليه وتدبير ذلك الخلق، فلا خالق لشيء سواه، ولا مدبر له، ولا مالك له غيره، فلهذا قال: (وبالربوبية وحّدوه)؛ فهذا يقتضي إثبات الربوبية له، ونفي الربوبية عن كل ما سواه.

ويطلق الرب على المهيمن والمسيطر مطلقاً في اللغة وفي الاصطلاح، ومنه يقال: رب البيت، وكذلك يطلق على الشهيد الذي يحفظ ولا يفوته شيء، ومنه قول الحارث بن حلزة اليشكري : وهو الرب والشهيد عليهم أي: الحافظ الذي يحفظ عليهم أعمالهم ولا يفوته شيء منها, وكل هذا من صفات الربوبية؛ لأن الربوبية تقتضي عدداً من الصفات منها:

القِدم والبقاء والقيومية والتدبير والملك والجبروت والعظمة، وكذلك تقتضي الربوبية من الصفات السالبة المنفية: الوحدانية والغنى المطلق والمخالفة للحوادث، وأنه لا تأخذ سنة ولا نوم، فكل هذا تقتضيه الربوبية.

العلاقة بين توحيد الربوبية وغيره من أنواع التوحيد

والإيمان بالله سبحانه وتعالى بأنواع توحيده الثلاثة مترابطة بعضها يكمل بعضاً، فالربوبية من لوازمها توحيد العبودية الذي سبق، وكذلك توحيد الأسماء والصفات الذي سبق؛ لأن الربوبية تستلزم هذه المعاني التي ذكرناها، فلا يمكن أن يكون رباً لما سواه إلا إذا كان قديما باقياً موجوداً متصفاً بالصفات التي ذكرناها.

(بالربوبية وحدوه) أي: أثبتوها له وانفوها عما سواه، فهذا يجمع بين النفي والإثبات.

(فهو الذي تعنو له الوجوه) معناه: فهو وحده الذي تعنو له الوجوه، أي: يحشر الناس إليه يوم القيامة، فهو وحده الذي يقبض السماوات والأرضين بيمينه ويهزُّهن ويقول: أنا الملك، أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟ ولذلك قال الله تعالى: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ[الزمر:67] ، وهذا هو غاية الربوبية، إذ غايتها إذعان الناس جميعاً إليه يوم القيامة بحيث لا يخالف أمره أي أحد، ولا يستطيع أحد أن يتأخر ولا أن يغيب ولا أن يعتذر بأي عذر من الأعذار، وهو سبحانه قبض السماوات والأرضين بيمينه وهزهن؛ فلذلك قال هنا: (فهو الذي تعنو له الوجوه).

ولذلك حين ذكر الله سبحانه وتعالى مشاهد القيامة قال: وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا[طه:111] ، وهذا يقتضي مذلة الوجوه لوجهه الكريم، ففي الدنيا إنما تذل له وجوه عباده الموحدين، فهم الذين يسجدون له، وأما يوم القيامة فتعنو له جميع الوجوه وتذل، فكل وجه يذل لوجه الله سبحانه وتعالى.

وهذا دليل على تمام ربوبيته، لكنه كذلك مثبت لأمر آخر، ومشهد من مشاهد القيامة، وهو أن تعنو جميع الوجوه لله سبحانه وتعالى، وهو المذكور في قوله: وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا[طه:111] ، وقد رتب الشيخ ذلك على الربوبية بقوله: (فهو الذي تعنو له الوجوه).

والوجوه جمع وجه، وهو ما يقابلك ممن واجهته، فيشمل ذلك وجوه الخلائق كلها بهائمها والجمادات والأموات، ولهذا تقول: هذا وجه الجبل، وهذا وجه الكتاب، وهذا وجه فلان. فالمقصود به ما يواجهك أياً كان؛ ولذلك فهذا يشمل وجوه الكائنات الحية والجمادات وغيرها، فكل تلك الوجوه تعنو له.

هذا شروع في ذكر توحيد الربوبية، وهو على التقسيم الذي ذكرناه يُعَدُّ القسم الثالث من أقسام التوحيد، والمقصود به: إثبات الربوبية لله تعالى ونفيها عن كل ما عداه.

والربوبية: مصدر صناعي من رَبَّ الشيء يَرُبُّهُ إذا كان مهيمناً عليه مسيطراً.

والعرب تشتق من هذه المادة أربعة أفعال، فيقال: رَبَّهُ يَرُبُّهُ إذا استولى عليه، ومنه قول صفوان بن أمية يوم حنين: فلأن يربّني رجل من قريش خير من أن يربّني رجل من هوازن.

ويقال: رباهُ يربِّيه لنفس المعنى؛ لكنها تشير إلى إيصاله إلى كماله بالتدريج شيئاً فشيئاً، ومنه قول الشاعر:

وربيته حتى إذا تم واستوى كمخة ساق أو كمتن إمام

قرنت بحقويه ثلاثاً فلم يزغ عن القصد حتى بصرت بدمام

ويقال: رببه يرببه لنفس المعنى أيضاً، ومنه قول أمية بن أبي الصلت :

بيضاً مرازبة غلباً أساورة أسداً ترببن في الغيضات أشبالاً

ويقال: ربته يربته. بإبدال إحدى الباءين تاءً مثناة، وهو الفعل الرابع، ومنه قول الشاعر:

ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة بجمهور حزوى حيث ربتني أهلي

بلاد بها نيطت عليَّ تمائمي ومزقن عني حين تم بها عقلي

(حيث ربتني أهلي) بمعنى: رباني أهلي.

والربوبية في الاصطلاح معناها: الخلق والتدبير، فنسبة الربوبية إلى الله معناها: نسبة كل الخلق إليه وتدبير ذلك الخلق، فلا خالق لشيء سواه، ولا مدبر له، ولا مالك له غيره، فلهذا قال: (وبالربوبية وحّدوه)؛ فهذا يقتضي إثبات الربوبية له، ونفي الربوبية عن كل ما سواه.

ويطلق الرب على المهيمن والمسيطر مطلقاً في اللغة وفي الاصطلاح، ومنه يقال: رب البيت، وكذلك يطلق على الشهيد الذي يحفظ ولا يفوته شيء، ومنه قول الحارث بن حلزة اليشكري : وهو الرب والشهيد عليهم أي: الحافظ الذي يحفظ عليهم أعمالهم ولا يفوته شيء منها, وكل هذا من صفات الربوبية؛ لأن الربوبية تقتضي عدداً من الصفات منها:

القِدم والبقاء والقيومية والتدبير والملك والجبروت والعظمة، وكذلك تقتضي الربوبية من الصفات السالبة المنفية: الوحدانية والغنى المطلق والمخالفة للحوادث، وأنه لا تأخذ سنة ولا نوم، فكل هذا تقتضيه الربوبية.

والإيمان بالله سبحانه وتعالى بأنواع توحيده الثلاثة مترابطة بعضها يكمل بعضاً، فالربوبية من لوازمها توحيد العبودية الذي سبق، وكذلك توحيد الأسماء والصفات الذي سبق؛ لأن الربوبية تستلزم هذه المعاني التي ذكرناها، فلا يمكن أن يكون رباً لما سواه إلا إذا كان قديما باقياً موجوداً متصفاً بالصفات التي ذكرناها.

(بالربوبية وحدوه) أي: أثبتوها له وانفوها عما سواه، فهذا يجمع بين النفي والإثبات.

(فهو الذي تعنو له الوجوه) معناه: فهو وحده الذي تعنو له الوجوه، أي: يحشر الناس إليه يوم القيامة، فهو وحده الذي يقبض السماوات والأرضين بيمينه ويهزُّهن ويقول: أنا الملك، أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟ ولذلك قال الله تعالى: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ[الزمر:67] ، وهذا هو غاية الربوبية، إذ غايتها إذعان الناس جميعاً إليه يوم القيامة بحيث لا يخالف أمره أي أحد، ولا يستطيع أحد أن يتأخر ولا أن يغيب ولا أن يعتذر بأي عذر من الأعذار، وهو سبحانه قبض السماوات والأرضين بيمينه وهزهن؛ فلذلك قال هنا: (فهو الذي تعنو له الوجوه).

ولذلك حين ذكر الله سبحانه وتعالى مشاهد القيامة قال: وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا[طه:111] ، وهذا يقتضي مذلة الوجوه لوجهه الكريم، ففي الدنيا إنما تذل له وجوه عباده الموحدين، فهم الذين يسجدون له، وأما يوم القيامة فتعنو له جميع الوجوه وتذل، فكل وجه يذل لوجه الله سبحانه وتعالى.

وهذا دليل على تمام ربوبيته، لكنه كذلك مثبت لأمر آخر، ومشهد من مشاهد القيامة، وهو أن تعنو جميع الوجوه لله سبحانه وتعالى، وهو المذكور في قوله: وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا[طه:111] ، وقد رتب الشيخ ذلك على الربوبية بقوله: (فهو الذي تعنو له الوجوه).

والوجوه جمع وجه، وهو ما يقابلك ممن واجهته، فيشمل ذلك وجوه الخلائق كلها بهائمها والجمادات والأموات، ولهذا تقول: هذا وجه الجبل، وهذا وجه الكتاب، وهذا وجه فلان. فالمقصود به ما يواجهك أياً كان؛ ولذلك فهذا يشمل وجوه الكائنات الحية والجمادات وغيرها، فكل تلك الوجوه تعنو له.

ثم ذكر مسألة تتعلق بتوحيد العبادة فقال:

[لا تجعلوا إذا دعوتم وسطا بينكم وبينه فهو خطأ]

فهذا نهي عن نوع من أنواع الشرك، وهو شرك الدعوة، فالشرك في الدعاء هو أن يدعو الإنسان أو يستغيث بغير الله سبحانه وتعالى، وهذا شرك قد سبق ذكره، لكن بعض الناس يزعم أنه لا يدعو أولئك لأنفسهم، وإنما يتقرب بهم إلى الله سبحانه وتعالى فيتوجه بهم إليه، وهذا يشمل أمرين:

حكم الاستغاثة بالمخلوق

الأمر الأول: وهو الاستغاثة بالمخلوق:

وذلك كدعاء الأنبياء أو الملائكة أو الأولياء أو غير ذلك، فهذا قطعاً شرك صريح لقول الله تعالى: ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ * إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ[فاطر:13-14]، ومثله قوله تعالى: أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا[الإسراء:57] ، ومثله قوله تعالى: أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ[الزمر:36] وقوله تعالى: تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ * إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ * أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ * لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ[الزمر:1-4].

فرد على هؤلاء، وجعل شركهم مثل شرك النصارى الذين يزعمون له ولداً؛ لأن هؤلاء يزعمون أنهم يتوسطون إليه بأولئك الذين يدعونهم.

التوسل بالأشخاص

أما النوع الثاني: فهو التوسل:

والتوسل بالأشخاص بذكرهم في الدعاء معناه التوسط بهم إلى الله، كأن يقول الإنسان: أتوجه إليك بفلان أو بعمل فلان -مثلاً- فهذا لا خلاف في تحريمه، وأنه من الكبائر، وأنه إذا قصد به إضفاء صفة من صفات التأثير عليه يكون شركاً أيضاً.

وإذا لم يقصد به إضفاء صفة إليه وإنما هو لضعف علاقة الإنسان بالله، ولضعف ثقته بإيمانه، فهو أيضاً نقص في الإيمان ونقص حتى في العقل؛ ولذلك لم يختلف في تحريم التوسل بالأشخاص إلا بالنبي صلى الله عليه وسلم وحده، فقد سبق أنه اختلف في جواز التوسل بشخصه صلى الله عليه وسلم، وهو خلاف فقهي ذكرنا أن الراجح فيه هو المنع، وأن الحديث الوارد في ذلك وإن صححه كثير من أهل الحديث إلا أن الراجح أنه لا يصح، أعني حديث الضرير، وذكرنا علله الأربع فيما سبق، فلذلك قال: (لا تجعلوا إذا دعوتم)، أي: إذا سألتموه، (وسطا).

قوله: (وسطا) جمع وسيط، والوسيط هو الذي يشفع، فهذا يشمل أمرين:

يشمل تحريم دعاء من دونه، وهذا شرك قطعاً، وهو شرك الدعوة، ويشمل كذلك تحريم التوسط والتوجه إليه بخلقه، فإنه لم يشرع ذلك ولم يعلمنا إياه، وهذا وإن كان يمكن ألا يصل إلى درجة الشرك -كما ذكرنا- لكنه نقص في الإيمان، ونقص في ثقة الإنسان وعلاقته بالله، ونقص في عقله أيضاً.

ومن يجعل بينه وبين الله واسطة ليشفع له ألا يعلم أن هذا الشافع محتاج إلى أن يتقرب إلى الله بالعمل بنفسه، فكيف يتقرب غيره بعمله؟! ولهذا رد الله تعالى هذا بقوله: أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ[الإسراء:57] ، فهم أنفسهم يبتغون إلى الله سبحانه وتعالى الوسيلة، ويتقربون إليه فكيف يتقرب بهم.

قوله: (وسطا بينكم وبينه) أي: في الدعاء.

قوله: (فهو خطأ) أي: فهو إثم، والخطأ والخطء كلاهما اسم للإثم، والله سبحانه وتعالى يطلق الخطأ والخطء على الإثم مطلقاً حتى الشامل للشرك، فالشرك إحدى الكبائر، والخطأ بمعنى الذنب وهو يشمل الكبائر والصغائر.

والمقصود أنه قد يكون شركاً أكبر، كما إذا كان دعاء لمخلوق واستغاثة به، وقد يكون دون ذلك -أي: شركاً دون شرك- مثل التوسل به.

والضمير هنا في قوله: (فهو خطا) يعود على الجعل المفهوم من الجملة السابقة، فإن قوله: (لا تجعلوا) يُفهم منها المصدر الذي هو الجعل، فلذلك قال: ( فهو ) أي: جعل وسيط من دونه، بينكم وبينه خطأ.

الأمر الأول: وهو الاستغاثة بالمخلوق:

وذلك كدعاء الأنبياء أو الملائكة أو الأولياء أو غير ذلك، فهذا قطعاً شرك صريح لقول الله تعالى: ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ * إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ[فاطر:13-14]، ومثله قوله تعالى: أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا[الإسراء:57] ، ومثله قوله تعالى: أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ[الزمر:36] وقوله تعالى: تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ * إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ * أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ * لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ[الزمر:1-4].

فرد على هؤلاء، وجعل شركهم مثل شرك النصارى الذين يزعمون له ولداً؛ لأن هؤلاء يزعمون أنهم يتوسطون إليه بأولئك الذين يدعونهم.

أما النوع الثاني: فهو التوسل:

والتوسل بالأشخاص بذكرهم في الدعاء معناه التوسط بهم إلى الله، كأن يقول الإنسان: أتوجه إليك بفلان أو بعمل فلان -مثلاً- فهذا لا خلاف في تحريمه، وأنه من الكبائر، وأنه إذا قصد به إضفاء صفة من صفات التأثير عليه يكون شركاً أيضاً.

وإذا لم يقصد به إضفاء صفة إليه وإنما هو لضعف علاقة الإنسان بالله، ولضعف ثقته بإيمانه، فهو أيضاً نقص في الإيمان ونقص حتى في العقل؛ ولذلك لم يختلف في تحريم التوسل بالأشخاص إلا بالنبي صلى الله عليه وسلم وحده، فقد سبق أنه اختلف في جواز التوسل بشخصه صلى الله عليه وسلم، وهو خلاف فقهي ذكرنا أن الراجح فيه هو المنع، وأن الحديث الوارد في ذلك وإن صححه كثير من أهل الحديث إلا أن الراجح أنه لا يصح، أعني حديث الضرير، وذكرنا علله الأربع فيما سبق، فلذلك قال: (لا تجعلوا إذا دعوتم)، أي: إذا سألتموه، (وسطا).

قوله: (وسطا) جمع وسيط، والوسيط هو الذي يشفع، فهذا يشمل أمرين:

يشمل تحريم دعاء من دونه، وهذا شرك قطعاً، وهو شرك الدعوة، ويشمل كذلك تحريم التوسط والتوجه إليه بخلقه، فإنه لم يشرع ذلك ولم يعلمنا إياه، وهذا وإن كان يمكن ألا يصل إلى درجة الشرك -كما ذكرنا- لكنه نقص في الإيمان، ونقص في ثقة الإنسان وعلاقته بالله، ونقص في عقله أيضاً.

ومن يجعل بينه وبين الله واسطة ليشفع له ألا يعلم أن هذا الشافع محتاج إلى أن يتقرب إلى الله بالعمل بنفسه، فكيف يتقرب غيره بعمله؟! ولهذا رد الله تعالى هذا بقوله: أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ[الإسراء:57] ، فهم أنفسهم يبتغون إلى الله سبحانه وتعالى الوسيلة، ويتقربون إليه فكيف يتقرب بهم.

قوله: (وسطا بينكم وبينه) أي: في الدعاء.

قوله: (فهو خطأ) أي: فهو إثم، والخطأ والخطء كلاهما اسم للإثم، والله سبحانه وتعالى يطلق الخطأ والخطء على الإثم مطلقاً حتى الشامل للشرك، فالشرك إحدى الكبائر، والخطأ بمعنى الذنب وهو يشمل الكبائر والصغائر.

والمقصود أنه قد يكون شركاً أكبر، كما إذا كان دعاء لمخلوق واستغاثة به، وقد يكون دون ذلك -أي: شركاً دون شرك- مثل التوسل به.

والضمير هنا في قوله: (فهو خطا) يعود على الجعل المفهوم من الجملة السابقة، فإن قوله: (لا تجعلوا) يُفهم منها المصدر الذي هو الجعل، فلذلك قال: ( فهو ) أي: جعل وسيط من دونه، بينكم وبينه خطأ.

وحديث الضرير الذي يستدل به مجيزو التوسل فيه علل:

وأول هذه العلل:

أن شعبة يرويه عن أبي جعفر غير منسوب وغير مسمى وإنما ذكر بكنيته، وأبو جعفر هذا قال الترمذي : (وليس الخطمي ، فـ أبو جعفر الخطمي ثقة مدني معروف، ولكن أبو جعفر هذا لا يدرى من هو، والذين صححوا الحديث اعتمدوا على أن أبا جعفر هذا هو الخطمي .

العلة الثانية: أن النسائي أخرج هذا الحديث من وجه آخر في السنن فقال فيه: عن أبي جعفر عن عمارة بن زيد بن ثابت ، بدل عمارة بن خزيمة بن ثابت ، وهذه العلة ما وجدت من نبه عليها من الذين تكلموا على هذا الحديث، وقد بحثت عن عمارة بن زيد بن ثابت هذا فما وجدت له ذكراً في كتب الرجال، إلا ذكراً لا يبشر بخير، وهو أن مالكاً ذكر في موطئه أن فتية من العطار تعاطوا الخمر في أيام مروان حين كان أميراً على المدينة لـمعاوية فقتلوا أحدهم بالسكاكين، فكتب مروان إلى معاوية فيهم فأمره أن يقتاد منهم، ولم يسم مالك القتيل لكن ابن حزم ذكر هذا الأثر في المحلى فسمى القتيل عمارة بن زيد بن ثابت ، فقد قتل في معاقرة الخمر، قتله أصحابه فلا يصلح للاحتجاج به.

وعلى هذا فإن إسناد الحديث فيه اختلاف على الراوي أبي جعفر هذا، هل شيخه فيه عمارة بن زيد بن ثابت أو عمارة بن خزيمة بن ثابت ؟

عمارة بن خزيمة بن ثابت لا إشكال فيه؛ لأنه ثقة من التابعين، وعمارة بن زيد بن ثابت هو الذي ذكرناه، ولا نعرف له ترجمة ولا ذكراً إلا في هذه الواقعة.

والعلة الثالثة: أن فيه أن عثمان احتجب عنه، وما عرف عن أحد من الخلفاء الراشدين أنه احتجب، بل كان يأذن لكل من طرق إلا في أوقات الانشغال، وكان -كما في الصحيحين- يعلم الناس الوضوء على أبواب المسجد قبل الصلوات، وكان يصلي بالناس الصلوات الخمس وغيرها، وكما في الموطأ كان يأتي المسجد آخر الليل فيجلس في مؤخرة المسجد يعلم الناس القرآن، ومن هذا حاله كيف يكون محتجباً عن الناس وهو يعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من ولي من أمر أمتي شيئاً فاحتجب عنهم احتجب الله عنه يوم القيامة)، فلا يمكن أن يحتجب عن ذوي الحاجات من المسلمين.

العلة الرابعة: أن في هذا الحديث: (اللهم شفعني فيه وشفعه في)، كيف تشفع في رسول الله صلى الله عليه وسلم؟

فقد فسرها العلماء بأن معنى: (اللهم شفعني فيه): اللهم تقبل دعائي له بالإجابة، (وشفعه في) معناها: تقبل دعاءه لي بالشفاء، وهذا يقتضي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا له فيكون التوسل بدعائه لا بشخصه، فيخرج الحديث عن محل الخلاف أصلاً.

فهذه أربع علل، ومع هذا فقد صححه شيخ الإسلام ابن تيمية ولكنه أجاب عنه بإجابات لا تقوى على رده؛ لأنه لم يتكلم عنه من ناحية الصناعة الحديثية، فضعف رده عليه، وقال: عن الإمام أحمد في هذا روايتان إحداهما بجواز التوسل بشخص رسول الله صلى الله عليه وسلم والأخرى بعدمه، والأخرى هي الموافقة لقول الجمهور كما نقله شيخ الإسلام ابن تيمية .


استمع المزيد من الشيخ محمد الحسن الددو الشنقيطي - عنوان الحلقة اسٌتمع
خطورة المتاجرة بكلمة الحق 4839 استماع
بشائر النصر 4291 استماع
أسئلة عامة [2] 4133 استماع
المسؤولية في الإسلام 4062 استماع
كيف نستقبل رمضان [1] 4003 استماع
نواقض الإيمان [2] 3948 استماع
عداوة الشيطان 3935 استماع
اللغة العربية 3932 استماع
المسابقة إلى الخيرات 3908 استماع
القضاء في الإسلام 3898 استماع