خطب ومحاضرات
لقاء مفتوح حول قضايا المرأة
الحلقة مفرغة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً أما بعد:
فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
إنما هذا الاجتماع لقاء مفتوح حول قضايا المرأة، وقد آثرت أن يكون عبارة عن حوار من خلال بعض الأسئلة التي تشعر المرأة بضرورة وأهمية وحاجة الحديث عنها؛ انطلاقاً من واقعها ومشكلاتها وما تواجهه في حياتها العملية أو الدعوية. ليس ذلك شحاً في الموضوعات فإن الموضوعات التي تحتاج المرأة إلى الحديث عنها كثيرة.
خطاب التكليف عام في المرأة والرجل
لكن هذا ليس بمطرد؛ بل الغالب أن النصوص في القرآن والسنة تأتي عامة ويخاطب فيها الجميع، دون حاجة إلى تخصيص الرجال دون النساء أو تخصيص النساء دون الرجال، وعلى سبيل المثال فقول النبي صلى الله عليه وسلم مثلاً: {طلب العلم فريضة على كل مسلم } هذا الحديث اختلف العلماء فيه والراجح أنه حديث حسن؛ لكن بعضهم جاء بزيادة لفظ في الحديث وهي: {طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة} هذه الزيادة ليست بصحيحة ولا يحتاج إليها أيضاً، لأن قولنا على كل مسلم ليس المقصود به الرجل بالذات، بل المقصود به كل من اتصف بصفة الإسلام سواء أكان رجلاً أم امرأة، عربياً أم أعجمياً على حد سواء، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه النسائي وغيره وسنده لا بأس به أنه عليه الصلاة والسلام قال: {إنما النساء شقائق الرجال} الله تعالى خلق آدم وخلق حواء قال تعالى: خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا [النساء:1].
فالمرأة خلقت من الرجل ومع الرجل، وهي شريكته في الحياة ورفيقة دربه وسفره، ولذلك لا يكون ثَمَّ حاجة في النص الشرعي إلى أن يكون هناك نص على الرجل، وبعد ذلك نص على المرأة كما هي الحال بالنسبة لبعض القوانين الوضعية، لا؛ لأن الله تعالى يخاطب المسلمين جميعاً بخطاب واحد، إلا إذا كان هناك حكم يخص الرجال بينه الله تعالى، أو هناك حكم يخص النساء بينه الله تعالى، وإذا لم يوجد هذا، ولا ذاك فالأصل أن الحكم عام شامل للجميع? ولا يحتاج الأمر إلى تخصيص فئة دون أخرى أو جنس دون آخر، وهذا من كمال عناية الإسلام بالمرأة ورفعه لمقامها جعل الخطاب لها مع الرجل على قدم المساواة كما هو الأصل.
النقلة التي حققها الإسلام للمرأة
وكم يدرك الإنسان العجب حينما يقارن مثلا بين المرأة في المجتمع الجاهلي حين كان الرجل يخجل أن يحمل بنته الصغيرة على كتفه أمام الرجال، ويرى أن هذا عيب ينقص من قدره، أو يحط من رجولته وإنسانيته، فكبرياء أبي جهل أو أبي لهب لا تطيق أن يحمل أنثى على كتفه أو يضعها في حجره في مجتمع الرجال؛ بل كان يصل الحال ببعضهم إلى أن يئدها وهي حية خوف العار، أو خوف الحاجة، فلما جاء الرسول عليه الصلاة والسلام تحدى هذه الأشياء؛ تحداها ليس بقوله فقط بل تحداها بفعله وهذا أكبر وأخطر، فكان عليه الصلاة والسلام.. لا أقول: يحمل بناته هو على كتفه أو يضعهن في حجره فهذا أمر طبيعي؛ لكن حتى بنات الناس تولد البنت لبيت من بيوت المسلمين فيأتون بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو لها بالبركة ويضعها في حجره، ويطيب خواطر أهلها بمثل هذا العمل على مرأى ومسمع من أصحابه، متحدياً بذلك كثيراً من العوائد والموروثات والتقاليد التي كانت موجودة في البيئة الجاهلية العربية الأولى، فيدرك الإنسان عظمة النقلة التي أحدثها الإسلام.
هذا فضلاً عن أشياء أخرى كثيرة ليس هذا مجال الحديث عنها: -مثلاً- تأتي فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس، فيقوم لها ويجلسها إلى جنبه. ما كانت البيئة العربية تطيق مثل هذا الأمر ولا تعرفه، أو اهتمام الرسول عليه الصلاة والسلام بزوجته عائشة وبقية أزواجه حتى يصل الحال إلى أنه يسافر فيسافر بها معه، أو يقول لأصحابه: تقدموا، ثم يتسابق هو وإياها، ومرة أخرى يتسابق، وفي الأولى فازت عائشة، وفى الثانية فاز النبي صلى الله عليه وسلم فكان يمازحها ويقول لها: {هذه بتلك} أي غلبتيني مرة وغلبتك مرة أخرى.
ضعف المرأة هو مكمن قوتها وخصائصها
أتجمع ضعفاً واقتداراً على الهوى أليس غريباً ضعفها واقتدارها |
فهذا الجانب هو الجانب الذي تميزت به المرأة عن الرجل وبه أصبحت المرأة قادرة على إدارة شئون البيت، وعلى تربية الأطفال، وعلى ملء قلب الرجل، وعلى القيام بمهماتها الحقيقية داخل المجتمع المسلم.
المقصود من هذا الاستطراد الإشارة إلى أن الإسلام رفع مكانة المرأة، ومن رفعه لمكانتها أنه لم يجعل للمرأة خطاباً خاصاً يخاطبها به دون الرجل، كما لم يجعل للرجل خطاباً خاصاً يخاطبه به دون المرأة؛ بل الأصل أن الخطاب واحد في الشرع للرجل والمرأة، وقليل جداً من الحالات خاطب الله فيها الرجل دون المرأة، أو خاطب المرأة دون الرجل بأحكام تخص أحدهما.
وبصورة عامة فإنني أعتقد أنه ليس ضرورياً أن يكون الحديث إلى المرأة -دائماً- حديثاً خاصاً موجهاً إليها هي بالذات، فإن هذا الفصل بين المرأة والرجل? -الفصل الكامل- ليس له مكان، بمعنى أن الأصل في جميع التكاليف أنها موجهة إلى الرجل والمرأة على حد سواء! وأن الأنشطة الموجودة في المجتمع المسلم تشارك فيها المرأة كما يشارك فيها الرجل مع الالتزام بالضوابط الشرعية الواردة! وقليل جدّاً من الآيات والأحاديث التي نـزلت تخاطب المرأة بالذات، أو تخاطب المرأة والرجل مع التنصيص على كل منهما، فأنتِ -مثلاً- قد تجدين في القرآن قول الله عز وجل: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً [الأحزاب:35] ذكر الرجال وذكر النساء أيضاً، أو مثل قوله تعالى: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ [النور:30] ثم في الآية التي تليها: وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ [النور:31].
لكن هذا ليس بمطرد؛ بل الغالب أن النصوص في القرآن والسنة تأتي عامة ويخاطب فيها الجميع، دون حاجة إلى تخصيص الرجال دون النساء أو تخصيص النساء دون الرجال، وعلى سبيل المثال فقول النبي صلى الله عليه وسلم مثلاً: {طلب العلم فريضة على كل مسلم } هذا الحديث اختلف العلماء فيه والراجح أنه حديث حسن؛ لكن بعضهم جاء بزيادة لفظ في الحديث وهي: {طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة} هذه الزيادة ليست بصحيحة ولا يحتاج إليها أيضاً، لأن قولنا على كل مسلم ليس المقصود به الرجل بالذات، بل المقصود به كل من اتصف بصفة الإسلام سواء أكان رجلاً أم امرأة، عربياً أم أعجمياً على حد سواء، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه النسائي وغيره وسنده لا بأس به أنه عليه الصلاة والسلام قال: {إنما النساء شقائق الرجال} الله تعالى خلق آدم وخلق حواء قال تعالى: خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا [النساء:1].
فالمرأة خلقت من الرجل ومع الرجل، وهي شريكته في الحياة ورفيقة دربه وسفره، ولذلك لا يكون ثَمَّ حاجة في النص الشرعي إلى أن يكون هناك نص على الرجل، وبعد ذلك نص على المرأة كما هي الحال بالنسبة لبعض القوانين الوضعية، لا؛ لأن الله تعالى يخاطب المسلمين جميعاً بخطاب واحد، إلا إذا كان هناك حكم يخص الرجال بينه الله تعالى، أو هناك حكم يخص النساء بينه الله تعالى، وإذا لم يوجد هذا، ولا ذاك فالأصل أن الحكم عام شامل للجميع? ولا يحتاج الأمر إلى تخصيص فئة دون أخرى أو جنس دون آخر، وهذا من كمال عناية الإسلام بالمرأة ورفعه لمقامها جعل الخطاب لها مع الرجل على قدم المساواة كما هو الأصل.
ولا يدرك عظمة النقلة التي حققها الإسلام للمرأة إلا من تصور وضع المرأة في المجتمع العربي الذي بعث فيه النبي صلى الله عليه وسلم ونـزل القرآن بلغته، كان ذلك المجتمع يبخس المرأة كل حقوقها أو أكثرها، وبما في ذلك حق الحرية في اختيار الزوج، وحق الميراث، وحقوق كثيرة جداً عادية فضلاً عن الحقوق الأخرى، كان المجتمع العربي في الجاهلية يحرم المرأة منها، وكانت مناداة الإسلام بحقوق المرأة في ذلك المجتمع من الأسباب التي تجعل العربي -أحياناً- يتوقف عن قبوله؛ لأنه أتى بأشياء مخالفة لما ألفه، ومع ذلك صدع النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الدعوة على رغم ما فيها من مخالفة لمألوف الناس ومعهودهم وموروثهم؛ حتى أثبت الإسلام للمرأة تلك المكانة الرفيعة العظيمة.
وكم يدرك الإنسان العجب حينما يقارن مثلا بين المرأة في المجتمع الجاهلي حين كان الرجل يخجل أن يحمل بنته الصغيرة على كتفه أمام الرجال، ويرى أن هذا عيب ينقص من قدره، أو يحط من رجولته وإنسانيته، فكبرياء أبي جهل أو أبي لهب لا تطيق أن يحمل أنثى على كتفه أو يضعها في حجره في مجتمع الرجال؛ بل كان يصل الحال ببعضهم إلى أن يئدها وهي حية خوف العار، أو خوف الحاجة، فلما جاء الرسول عليه الصلاة والسلام تحدى هذه الأشياء؛ تحداها ليس بقوله فقط بل تحداها بفعله وهذا أكبر وأخطر، فكان عليه الصلاة والسلام.. لا أقول: يحمل بناته هو على كتفه أو يضعهن في حجره فهذا أمر طبيعي؛ لكن حتى بنات الناس تولد البنت لبيت من بيوت المسلمين فيأتون بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو لها بالبركة ويضعها في حجره، ويطيب خواطر أهلها بمثل هذا العمل على مرأى ومسمع من أصحابه، متحدياً بذلك كثيراً من العوائد والموروثات والتقاليد التي كانت موجودة في البيئة الجاهلية العربية الأولى، فيدرك الإنسان عظمة النقلة التي أحدثها الإسلام.
هذا فضلاً عن أشياء أخرى كثيرة ليس هذا مجال الحديث عنها: -مثلاً- تأتي فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس، فيقوم لها ويجلسها إلى جنبه. ما كانت البيئة العربية تطيق مثل هذا الأمر ولا تعرفه، أو اهتمام الرسول عليه الصلاة والسلام بزوجته عائشة وبقية أزواجه حتى يصل الحال إلى أنه يسافر فيسافر بها معه، أو يقول لأصحابه: تقدموا، ثم يتسابق هو وإياها، ومرة أخرى يتسابق، وفي الأولى فازت عائشة، وفى الثانية فاز النبي صلى الله عليه وسلم فكان يمازحها ويقول لها: {هذه بتلك} أي غلبتيني مرة وغلبتك مرة أخرى.
ورث أصحابه عنه هذا الأمر، وخلعوا ما كان في الجاهلية من احتقار المرأة أو ازدرائها أو الحط من قدرها، ورفعوا مكانتها، ورأوا أنه من الطرق الموصلة إلى رضوان الله تعالى والجنة العناية بالمرأة والاهتمام بها وتكريمها، وكيف لا وهم يسمعون النبي صلى الله عليه وسلم يقول: {إني أحرج حق الضعيفين اليتيم والمرأة} فيعتبر أن هذا الضعف الفطري في المرأة مدعاة إلى تقديرها واحترامها وحفظها وصيانتها، وهو الضعف الذي جعلها أنثى تسد هذه الخانة الموجودة في المجتمع، فهو ليس ضعفاً تعاب به أو تؤاخذ أو تنتقص؛ بل على النقيض لو حاولت المرأة أن تخرج من إطار أنوثتها لتترجل أو تتشبه بالرجال لفقدت أخص خصائصها، إذ قوة المرأة هي في ضعفها، وكما قال الشاعر العربي وهو يخاطب المرأة:
أتجمع ضعفاً واقتداراً على الهوى أليس غريباً ضعفها واقتدارها |
فهذا الجانب هو الجانب الذي تميزت به المرأة عن الرجل وبه أصبحت المرأة قادرة على إدارة شئون البيت، وعلى تربية الأطفال، وعلى ملء قلب الرجل، وعلى القيام بمهماتها الحقيقية داخل المجتمع المسلم.
المقصود من هذا الاستطراد الإشارة إلى أن الإسلام رفع مكانة المرأة، ومن رفعه لمكانتها أنه لم يجعل للمرأة خطاباً خاصاً يخاطبها به دون الرجل، كما لم يجعل للرجل خطاباً خاصاً يخاطبه به دون المرأة؛ بل الأصل أن الخطاب واحد في الشرع للرجل والمرأة، وقليل جداً من الحالات خاطب الله فيها الرجل دون المرأة، أو خاطب المرأة دون الرجل بأحكام تخص أحدهما.
ليس من الضروري أن تكون النشاطات النسائية في مجتمعاتنا الإسلامية دائماً وأبداً نشاطات مستقلة نحن نؤيد ونوافق؛ بل نشجع تلك النشاطات الخاصة بالمرأة كهذا الاجتماع المبارك -مثلاً- أو غيره، وهو ضروري على كل حال؛ لكنني أقول: ينبغي أن تفهم الأخت المسلمة أن هذه النشاطات لا تعني اعتزال تلك النشاطات التي يقوم بها المجتمع برجاله ونسائه.
مشاركة المرأة في الدروس العامة وغيرها
وبالمقابل كما نطالب المرأة بالمشاركة والحضور نطالب أولئك القائمين على النشاطات العامة الإسلامية في المجتمعات القائمين على الدروس والمحاضرات والندوات أن يكون للمرأة من موضوعاتهم نصيب، وأن يكون ثمة خطاب وعلاج لقضايا المرأة وموضوعاتها سواء الموضوعات الاجتماعية، أو الموضوعات الشخصية، أو الموضوعات العلمية والثقافية، أو الدعوية، أو غيرها بحيث يكون هناك تواصل حقيقي بين تلك النشاطات العامة التي لا نقول: إنها تخص الرجال، ولو كان الذين يتولون إلقاءها هم من الرجال -أيضاً-، يكون هناك تواصل من كلا الطرفين، فالطرف الأول المرأة، تتواصل مع تلك النشاطات، بالحضور والمشاركة والتشجيع والسؤال، والطرف الثاني القائمون على تلك النشاطات يتواصلون مع الرجال والنساء من خلال اختيار الموضوعات، ومعالجتها، وطرحها.
غلبة الرجال في العلم على النساء
وأعتقد أن هذا لا يحتاج إلى مزيد تأكيد.
الغزو: من الذين كانوا يخرجون معه؟ على الأقل (90%) ممن كانوا يخرجون معه من الرجال وقد تخرج النساء أحيانا كما في غزوة بدر وأحد وحنين وغيرها، لكن يخرجن بنسبة محدودة ويمارسن أعمالاً محدودة، كما هو وارد في الأحاديث في الصحيحين وغيرهما، وكذلك اجتماعاته صلى الله عليه وسلم في المسجد وكانت النساء موجودات في المجتمع المدني وفى مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم حتى في حياته كن في آخر الصفوف {خير صفوف النساء آخرها} وبمجرد ما يسلم النبي صلى الله عليه وسلم كن يخرجن من المسجد ويبقى الرجال فيتحدثون، ويتحلقون، ويسألون الرسول صلى الله عليه وسلم، ولذلك كان غالب الرواة هم من الرجال.
استفادة المرأة مما أتيح للرجل
فالمرأة لا تستطيع أن تسافر كما يسافر الرجل، ولا تحضر كما يحضر الرجل، ولا تطّلع كما يطّلع، ولذلك مهما بذلت من الجهد فإنها تظل في حالات كثيرة محتاجة إلى مساعدة الرجل لها، زوجها، أخيها، قريبها؛ بل وحتى محتاجة إلى النشاطات الأخرى التي لا تختص بالمرأة -كما أسلفت-.
إذاً، ليس من تكريم المرأة ولا من رفع قدرها أن نقول: لا بد أن يوجد -مثلاً- للمرأة مفتيات خاصات لا تقبل المرأة الفتوى والعلم الشرعي إلا عن طريقهن، هذا ليس واجباً ولا داعي -أصلاً- لإيجاد هذه الحواجز النفسية بين الرجل والمرأة، فالمرأة في مجتمع الرسول صلى الله عليه وسلم كانت تأتي إلى الرسول عليه الصلاة والسلام وتسأله في أمورها العامة والخاصة، وترى أن هذا هو السبيل الصحيح، بل إنني أقول: إن الله تعالى لم يبعث من رسله وأنبيائه إلا الرجال قال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالاً [الأنبياء:7] وهذا ما ذهب إليه جمهور العلماء وإن كان هناك من يقول إن هناك نبيات من النساء كما قال بعضهم في مريم أو غير ذلك كما ذهب إليه ابن حزم، ولكن جمهور العلماء على أن الأنبياء كانوا رجالاً لقول الله عز وجل: وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [الأنبياء:7].
وهذا على أي حال يؤكد المعنى الذي أريد أن أطرق وأدور حوله، وهو أن المرأة ينبغي أن تستفيد مما وهب الله تعالى الرجال من العلم الشرعي، من الفتوى، من الحديث، من القدرات، وهذا ليس تقليلاً من شأنها أو حطاً من قدرها، بل على النقيض من ذلك هذا رفع لشأنها باعتبار أن المجتمع المسلم مجتمع واحد متكامل يقوم الرجل فيه بإمكانياته ومهماته، وتقوم المرأة بإمكانيتها ومهماتها، وليس من حق الرجل أن يمارس الدور الذي وكل إلى المرأة ولا المرأة أن تمارس الدور الذي وكل إلى الرجل، لكن هناك مهمات مشتركة تستفيد المرأة فيها من الرجل ويستفيد الرجل فيها من المرأة.
دور المرأة في عهد النبي
وكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يرجعون إليها في كثير مما أشكل عليهم، بل كانت عائشة رضي الله عنها تمارس لوناً من النقد والرد على بعض اجتهادات الصحابة رضى الله عنهم علانية، حتى جمع الإمام الزركشي انتقادات عائشة لبعض فتاوي الصحابة وآرائهم في كتاب سماه "الإجابة فيما استدركته عائشة رضي الله عنها على الصحابة" ردت على ابن عمر رضي الله عنه، وكانت مصيبة في ردها عليه حين كان ابن عمر يقول: [[اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم أربع عمر إحداهن في رجب]] فكانت تضحك عائشة رضي الله عنها وتقول: [[غفر الله لـ
فمن القضايا المشهورة التي استدركتها عليهم لما نقل عمر وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم وقف على القتلى يوم بدر وتكلم معهم، وقال: {هل وجدتم ما وعد ربكم حقا، فإني وجدت ما وعدني ربي حقا، فقالوا: يا رسول الله! هل تكلم من أجساد لا أرواح لها فقال: ما أنتم بأسمع لما أقول منهم غير أنهم لا يجيبون} فلما سمعت عائشة رضي الله عنها أنكرته وقالت:كلا إنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنهم ليعلمون الآن أن ما كنت أقوله لهم حق، وإلا فإن الله تعالى يقول:وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ [فاطر:22] فأخذت مأخذاً من القرآن الكريم، وفهمت حديث النبي صلى الله عليه وسلم على وجه آخر، وردَّت على من روى ذلك من الصحابة، إضافة إلى قضية قطع الصلاة بمرور المرأة -أيضاً- أنكرته عائشة وقالت كما هو في حديثها المعروف قالت لبعض الصحابة: [[ساويتمونا بالحمر والكلاب]] لأنه روى بعضهم، كما في حديث أبي ذر {يقطع صلاة الرجل: المرأة، والحمار، والكلب الأسود}.
فأنكرت عائشة هذا وقالت: [[ساويتمونا بالكلاب، والحمر، والله لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وأنا نائمة على السرير إلى قبلته، فإذا سجد غمزني فقبضت رجلي، فإذا قام بسطتها، والبيوت يومئذٍ ليس فيها مصابيح]] تقول في رواية أخرى، تعتذر أنها تبسط رجلها؛ لأنها لا تره وقت سجود النبي صلى الله عليه وسلم حتى يلمسها بيده فتكف رجلها لتمكنه من السجود.
وهذا باب يطول وأقول: إننا لا يمكن أن نغض النظر عن هذا الدور الكبير الذي قامت به أم المؤمنين عائشة، وعن العدد الهائل من المرويات التي روتها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أتيح لها في ذلك ما لم يتح لغيرها حتى من الرجال، وإذا كنا نقول: إن ميزة الرجال كثرة صحبتهم للنبي صلى الله عليه وسلم؛ فإن عائشة باعتبارها خليلة الرسول صلى الله عليه وسلم، وقعيدة بيته، وصاحبته في منـزله، وزوجه في فراشه قد أتيح لها من إمكانية التعرف على أحوال النبي صلى الله عليه وسلم وأخباره وأخلاقه ومعاملاته وقضاياه خاصة في المجالات الخاصة والشخصية والبيتية ما لم يتح لغيرها قط، ونقلت من ذلك ما لم ينقله غيرها، ولها في ذلك قصص وطرائف وعجائب لو جمعت في كتاب لكان ذلك خيراً كثيراً.
يجب أن تكون المرأة مشاركة في الدروس العلمية التي تقام في البلاد، وفى المحاضرات العامة دون أن تنتظر أن تكون هناك دائماً وأبداً محاضرات ودروس ونشاطات تخصها دون غيرها، بل إذا وجدت هذه النشاطات فهذا نور على نور، ومع ذلك ينبغي أن يكون ثمة وجود ظاهر حقيقي وقوي للمرأة في الدروس، والمحاضرات، والنشاطات، والندوات، وسائر الأعمال التي تقيمها المؤسسات الإسلامية والمؤسسات الخيرية، والشخصيات العلمية في البلاد، فننتظر أن تكون المرأة موجودة في المسجد الذي تقام فيه المحاضرة، أو تقام فيه الندوة، أو يقام فيه الدرس العلمي، وأن تستمع كما يستمع الرجال، وتشارك كما يشاركون، وتسأل كما يسألون، وتفهم كما يفهمون، وتتواصل مع تلك النشاطات، وتشعر أن من مهمتها دعم هذه النشاطات، وتقوية وتكثيف الحضور لها.
وبالمقابل كما نطالب المرأة بالمشاركة والحضور نطالب أولئك القائمين على النشاطات العامة الإسلامية في المجتمعات القائمين على الدروس والمحاضرات والندوات أن يكون للمرأة من موضوعاتهم نصيب، وأن يكون ثمة خطاب وعلاج لقضايا المرأة وموضوعاتها سواء الموضوعات الاجتماعية، أو الموضوعات الشخصية، أو الموضوعات العلمية والثقافية، أو الدعوية، أو غيرها بحيث يكون هناك تواصل حقيقي بين تلك النشاطات العامة التي لا نقول: إنها تخص الرجال، ولو كان الذين يتولون إلقاءها هم من الرجال -أيضاً-، يكون هناك تواصل من كلا الطرفين، فالطرف الأول المرأة، تتواصل مع تلك النشاطات، بالحضور والمشاركة والتشجيع والسؤال، والطرف الثاني القائمون على تلك النشاطات يتواصلون مع الرجال والنساء من خلال اختيار الموضوعات، ومعالجتها، وطرحها.
استمع المزيد من الشيخ سلمان العودة - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
أحاديث موضوعة متداولة | 5157 استماع |
حديث الهجرة | 5026 استماع |
تلك الرسل | 4157 استماع |
الصومال الجريح | 4148 استماع |
مصير المترفين | 4126 استماع |
تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة | 4054 استماع |
وقفات مع سورة ق | 3979 استماع |
مقياس الربح والخسارة | 3932 استماع |
نظرة في مستقبل الدعوة الإسلامية | 3874 استماع |
العالم الشرعي بين الواقع والمثال | 3836 استماع |