وقفات حول الأحداث الجديدة


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وحبيبه وخليله، حمل الرسالة وأدى الأمانة وقاد الأمة إلى ميادين النصر والتمكين، فجزاه الله تعالى عنا وعن المسلمين خير الجزاء: إن اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56].

أما بعــد:

في هذه الليلة، ليلة الثاني والعشرين من شهر الله المحرم لعام (1411هـ)، ينعقد المجلس السادس عشر ضمن الدروس العلمية العامة، وعنوان هذه الجلسة هو: وقفات حول الأحداث الجديدة.

ليكن عنوان هذا الدرس: حول الأحداث الجديدة، وأجدني مضطراً إلى أن أجمل في كثير من المواضع، وذلك لأسباب كثيرة.

وأبدأ بالنقطة الأولى، وقد ارتضيت أن يكون العنوان الأول: بديهيات ومسلمات. إشارة إلى بعض الحقائق والمسلمات التي يجب استحضارها:

الصراع بين الحق والباطل

أولاً: الصراع بين الحق والباطل باقٍ إلى قيام الساعة، ومن أجلى وأظهر صور هذا الصراع: الصراع العسكري. يقول الله عز وجل: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً [الأنعام:112] وقال: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنَ الْمُجْرِمِينَ [الفرقان:31] وقال: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً أن اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ [النمل:45] وقال: هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ [الحج:19]. فالصراع باقٍ إلى قيام الساعة ومن أبرز صوره الصراع العسكري.

الكفار صف واحد ضد الإسلام

ثانياً: الكفار بأصنافهم صف واحد في وجه الإسلام: اليهود قال تعالى: لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا [المائدة:82] والنصارى قال الله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ [المائدة:51] والمشركون قال الله: وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ أن اسْتَطَاعُوا [البقرة:217] وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً [النساء:89] والمنافقون قال تعالى: هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ [المنافقون:4].

وهذه الأصناف الأربعة: اليهود، والنصارى، والمشركون، والمنافقون، كلهم حزبٌ واحد في وجه الأمة الإسلامية، كما قال الله عز وجل: بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [المائدة:51]

وليس غريباً ما نرى من تصارع      هو البغي لكن بالأسامي تجددا

وأصبح أحزاباً تناحر بينها      وتبدو بوجه الدين صفاً موحداً

شيوعيون جذر من يهودٍ      صليبيون في لؤم الذئاب

تفرق جمعهم إلا علينا      فصرنا كالفريسة للكلاب

الولاء والبراء من أصول الدين

الولاء للمؤمنين والبراءة من الكافرين والمشركين؛ أصلٌ من أصول هذا الدين، قال الله عز وجل: لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْأِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ [المجادلة:22] وهذا الولاء والبراء هو جزء من مفهوم "لا إله إلاالله" فإن "لا إله إلا الله" نفي وإثبات: نفي الألوهية عن كل أحد إلا الله، وإثبات الألوهية لله تبارك وتعالى وحده، ومعنى ذلك: أن المؤمن يعلن البراءة من كل معبودٍ سوى الله تعالى، كما قال إبراهيم عليه الصلاة والسلام فيما حكى الله تعالى عنه: قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ [الممتحنة:4] فأعلن إبراهيم -أبو الحنفاء وإمام الموحدين- أعلن البراءة من المشركين قبل أن يعلن البراءة من معبوداتهم إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ [الممتحنة:4].

وها هنا أود أن أشير إلى خطأ وقع فيه الكثيرون:

من المعروف أن الرافضة يستخدمون لفظ البراءة من المشركين، حتى إنهم في أعمالهم العنيفة المنحرفة التي كانوا يؤذون بها حجاج بيت الله الحرام، كانوا يسمونها: مسيرة البراءة من المشركين، والواقع أن هذا الاصطلاح الذي يستخدمه الرافضة هو من باب التضليل، وذر الرماد في العيون، وإلا فمن هم المشركون في نظر الرافضة؟ نحن المشركون في نظرهم، وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي والمسلمون من ذلك العصر إلى اليوم، فهم حين يقولون: البراءة من المشركين، لا يقصدون -كما يتصور السذج فقط روسياوأمريكا وغيرها من الدول- بل يقصدون البراءة من المؤمنين الموحدين لأنهم في نظرهم مشركون.

وقد التبس هذا الأمر على بعض المتحدثين في أجهزة الإعلام، فقالوا: إن البراءة من المشركين أمر فعله الرسول عليه الصلاة والسلام، حين كان في حالة حرب مع اليهود أو مع النصارى وقد زالت. وهذا كلام خطير جداً؛ لأنه هدم ونسخ لأصل من أصول التوحيد، البراءة من المشركين حكم باقٍ إلى قيام الساعة، أليس إبراهيم عليه السلام يقول: وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ [الممتحنة:4] فليس صحيحاً أنه حين يستخدم أهل البدعة والضلالة مصطلحاً شرعياً نتخلى عنه نحن، ونحاول أن نفرغ هذا المصطلح الشرعي من مفهومه الصحيح.

المصائب من صنع أيدينا

قال تعالى: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ [الشورى:30] حتم لاتردد فيه، كل بلية عامة أو كارثة تنـزل بالأمة فإنما هي من صنع أيدينا، بل هي بعض ذنوبنا قال الله تعالى: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا [الروم:41] فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أن يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ [المائدة:49] وليس بكلها فقال الله: وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ [فاطر:45] فقد يعاقب الله تعالى الظالم بمن هو أظلم منه، ولا أحد يستدرك على القدر، فالقدر سر الله وفعل الله وإرادة الله، ولا أحد يستدرك عليه، قد يعاقب الله الظالم بمن هو أظلم منه، وقد يعاقب الفاسق بالكافر، فلا يغتر الإنسان بأن فلاناً وفلاناً وفلاناَ قد وسع الله تبارك وتعالى عليهم وأعطاهم وأمهلهم، فإن الله تعالى قد يعجل بالعقوبه أحداً ويؤجل غيره ممن هو أظلم منه أو أكفر منه، وقد يعاقب المؤمنين بذنوبهم فيسلط عليهم بعض الظالمين أو الفاسقين أو الكافرين.

أولاً: الصراع بين الحق والباطل باقٍ إلى قيام الساعة، ومن أجلى وأظهر صور هذا الصراع: الصراع العسكري. يقول الله عز وجل: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً [الأنعام:112] وقال: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنَ الْمُجْرِمِينَ [الفرقان:31] وقال: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً أن اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ [النمل:45] وقال: هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ [الحج:19]. فالصراع باقٍ إلى قيام الساعة ومن أبرز صوره الصراع العسكري.

ثانياً: الكفار بأصنافهم صف واحد في وجه الإسلام: اليهود قال تعالى: لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا [المائدة:82] والنصارى قال الله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ [المائدة:51] والمشركون قال الله: وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ أن اسْتَطَاعُوا [البقرة:217] وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً [النساء:89] والمنافقون قال تعالى: هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ [المنافقون:4].

وهذه الأصناف الأربعة: اليهود، والنصارى، والمشركون، والمنافقون، كلهم حزبٌ واحد في وجه الأمة الإسلامية، كما قال الله عز وجل: بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [المائدة:51]

وليس غريباً ما نرى من تصارع      هو البغي لكن بالأسامي تجددا

وأصبح أحزاباً تناحر بينها      وتبدو بوجه الدين صفاً موحداً

شيوعيون جذر من يهودٍ      صليبيون في لؤم الذئاب

تفرق جمعهم إلا علينا      فصرنا كالفريسة للكلاب

الولاء للمؤمنين والبراءة من الكافرين والمشركين؛ أصلٌ من أصول هذا الدين، قال الله عز وجل: لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْأِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ [المجادلة:22] وهذا الولاء والبراء هو جزء من مفهوم "لا إله إلاالله" فإن "لا إله إلا الله" نفي وإثبات: نفي الألوهية عن كل أحد إلا الله، وإثبات الألوهية لله تبارك وتعالى وحده، ومعنى ذلك: أن المؤمن يعلن البراءة من كل معبودٍ سوى الله تعالى، كما قال إبراهيم عليه الصلاة والسلام فيما حكى الله تعالى عنه: قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ [الممتحنة:4] فأعلن إبراهيم -أبو الحنفاء وإمام الموحدين- أعلن البراءة من المشركين قبل أن يعلن البراءة من معبوداتهم إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ [الممتحنة:4].

وها هنا أود أن أشير إلى خطأ وقع فيه الكثيرون:

من المعروف أن الرافضة يستخدمون لفظ البراءة من المشركين، حتى إنهم في أعمالهم العنيفة المنحرفة التي كانوا يؤذون بها حجاج بيت الله الحرام، كانوا يسمونها: مسيرة البراءة من المشركين، والواقع أن هذا الاصطلاح الذي يستخدمه الرافضة هو من باب التضليل، وذر الرماد في العيون، وإلا فمن هم المشركون في نظر الرافضة؟ نحن المشركون في نظرهم، وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي والمسلمون من ذلك العصر إلى اليوم، فهم حين يقولون: البراءة من المشركين، لا يقصدون -كما يتصور السذج فقط روسياوأمريكا وغيرها من الدول- بل يقصدون البراءة من المؤمنين الموحدين لأنهم في نظرهم مشركون.

وقد التبس هذا الأمر على بعض المتحدثين في أجهزة الإعلام، فقالوا: إن البراءة من المشركين أمر فعله الرسول عليه الصلاة والسلام، حين كان في حالة حرب مع اليهود أو مع النصارى وقد زالت. وهذا كلام خطير جداً؛ لأنه هدم ونسخ لأصل من أصول التوحيد، البراءة من المشركين حكم باقٍ إلى قيام الساعة، أليس إبراهيم عليه السلام يقول: وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ [الممتحنة:4] فليس صحيحاً أنه حين يستخدم أهل البدعة والضلالة مصطلحاً شرعياً نتخلى عنه نحن، ونحاول أن نفرغ هذا المصطلح الشرعي من مفهومه الصحيح.

قال تعالى: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ [الشورى:30] حتم لاتردد فيه، كل بلية عامة أو كارثة تنـزل بالأمة فإنما هي من صنع أيدينا، بل هي بعض ذنوبنا قال الله تعالى: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا [الروم:41] فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أن يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ [المائدة:49] وليس بكلها فقال الله: وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ [فاطر:45] فقد يعاقب الله تعالى الظالم بمن هو أظلم منه، ولا أحد يستدرك على القدر، فالقدر سر الله وفعل الله وإرادة الله، ولا أحد يستدرك عليه، قد يعاقب الله الظالم بمن هو أظلم منه، وقد يعاقب الفاسق بالكافر، فلا يغتر الإنسان بأن فلاناً وفلاناً وفلاناَ قد وسع الله تبارك وتعالى عليهم وأعطاهم وأمهلهم، فإن الله تعالى قد يعجل بالعقوبه أحداً ويؤجل غيره ممن هو أظلم منه أو أكفر منه، وقد يعاقب المؤمنين بذنوبهم فيسلط عليهم بعض الظالمين أو الفاسقين أو الكافرين.

ما هي أهداف هذه الأمور التي جرت وتمت على مرأى ومسمع من العالم كله؟

أولاً: الأحداث معروفه، ولا أحتاج إلى أن أتحدث عن تفاصيلها، ونهاية هذه الأحداث وجوهرها: هو حشود القوات العراقية على الحدود الكويتية، ثم اجتياح العراق لـالكويت واحتلاله، وتكوين حكومة شكلية وَهْمُ، لا حقيقة له، تطلب الانضمام لـالعراق، فيوافق على ذلك، ويعلن ضم الكويت إلى أراضيه لتصبح جزءاً من بلاده.

هذه هي الأحداث، ثم تلاها بعد ذلك ما خُشي أن يكون مطامع أخرى أكبر مما حصل بالفعل، فما هي أهداف هذا العمل؟ في نظري أنه يمكن تلخيص أهداف هذا العمل على المدى البعيد بخمسة أهداف:

الهدف الأول

تأمين إسرائيل وحمايتها من أي خطر يهددها في المنطقة الإسلامية. وذلك لأن أمن إسرائيل يعتبر هدفاً كبيراً في نظر الغرب، ولابد من دفع أي خطر يهددها في أمنها، سواءً كان من داخلها أو من خارجها.

الهدف الثانى

التخلص من الفلسطينيين، سواء بنقلهم إلى الكويت أو غيرها لتكون وطناً لهم، باسم الجيش الشعبي الذي ينادي به صدام ويضحك به على عقول السذج، فقد أعلن عن تكوين ما يسميه بالجيش الشعبى العربي، واستفز عقول الناس في تكوين هذا الجيش، ولعله يريد أن ينضم لهذا الجيش الفلسطينيون بالدرجة الأولى في أكثر من بلد عربي؛ ليأتي ويضعهم في الكويت بحجة أنهم جيش شعبي لحماية أراضى العراق، ليكون الكويت وطناً لهم، على حسب ما يخطط وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ [الأنفال:30] وقد يكون ذلك بإقامة دويلة فلسطينية منـزوعة السلاح كما هي الفكرة القائمة.

الهدف الثالث

ضرب الصحوة الإسلامية، ويتم ذلك بأمور:-

أولاً: لا شك أن ما جرى في الكويت، هو ضربة عنيفة لنشاطات إسلامية كبيرة، وقد علم الناس في كل مكان أن الجمعيات والنشاطات الإسلامية والمشاريع الخيرية، في أوروبا وأمريكا وأفريقيا وآسيا تدعم من بلاد الخليج كلها، وأن الكويت من أكثر بلاد الخليج نشاطاً في هذا المجال، حتى أن أموال دول خليجية أخرى تمر عبر جمعيات إسلامية في الكويت، كجمعية الإصلاح، وجمعية إحياء التراث، والهيئة الخيرية، ولجان المناصرة، وحيثما انتقلت في أي بلد من بلاد العالم؛ تجد جهود هؤلاء الخيرين ومشاركاتهم، فهي الآن أصبحت لا تجد الدعم الذي كانت تجده بالأمس، وبذلك تقلص النشاط الإسلامي إلى حد بعيد.

الأمر الثانى: من مظاهر احتواء الصحوة الإسلامية والقضاء عليها: هو احتواء المشاعر الإسلامية في الخليج وغيره بطريقة ذكية مخططة. فقد رأينا كيف يستغل صدام البعثي، فيستخدم الأساليب الدينية لإثارة مشاعر الشباب، فيهز عواطف السذج في كل مكان، وتتعلق كثير من نفوس المغفلين به، وتظن أن الخلاص على يديه، حتى أصبحنا -بكل أسف- نجد المؤيدين له، ليسوا فقط من البعثيين أو من القوميين، بل ربما تجد من بعض المنتسبين إلى الصحوة الإسلامية وبعض رواد المساجد؛ من ينطلقون بالهتاف لهذا البطل المصنوع، الذي هو عبارة عن بالون منفوخ لا حقيقة له، لكن صنعوا منه بطلاً وليس كذلك.

وقد تخوض هذه الجموع الساذجة المغفلة، قد تخوض حرباً معه لا تدري ما نهايتها، ولا تدري ما هي أهدافها، وما أسرع ما نسيت الجماهير المسلمة أفعاله الشنيعة البشعة في العراق! بتدمير المسلمين والقضاء عليهم، وهدم المساجد على رءوس أهلها، وحرب الدعوة الإسلامية، وتشريد الدعاة، بل ما أسرع ما نسيت قتله لجموع غفيرة من المسلمين الأكراد في ما يسمى بمدينة حلبجة! حيث قتلهم بما يسمى بالأسلحة الكيماوية، ومات منهم -حسب بعض التقديرات-، ما يزيد على عشرين ألفاً، بضربة قاسية وجهها إليهم، وهو لا يرحم ولا يألو في مؤمن إلاً ولا ذمة، وكيف يرحم هؤلاء، وهو يقتل أقرب الناس إليه في سبيل الحفاظ على مصالحه وطموحاته الشخصية؟!

ما أسرع ما نسي الناس ذلك كله، أمام هذه العواطف الخادعة والأمل الكاذب!

وقد يواجه هؤلاء الشباب الذين يهتفون له، قد يواجهون في حروبهم شباباً مثلهم ينطلقون لمواجهة هذا السيل الكاسح، الذي هو في حقيقته وأهدافه سيل بعثي، يطمح إلى توحيد عددٍ من البلاد العربية المهمة، تحت راية حزب البعث الاشتراكي القومي المعروف.

الهدف الرابع

من المعروف أن قوة العراق ليست ملكاً لرئيسه أو لغيره، فالأشخاص يذهبون ويجيئون، وهذه الأمة أمة معطاة، لابد أن يوجد فيها اليوم أو غداً من يحمل الراية، ولذلك فإن مما يزعج الغرب -بكل حال- أن يوجد بلد إسلامي فيه قوة عسكرية، سواءً من حيث العدد، أو من حيث السلاح، أو من حيث التصنيع؛ لأن هذه القوة ليست رهناً بوجود حاكم معين، فهذا الحاكم قد يذهب، ولذلك فإننى أعتقد أن الغرب يسعى إلى القضاء على هذه القوة التي خرج بها العراق، بعد ثماني سنوات من الحرب مع إيران، فقد خرج بما يزيد على مليون مقاتل، وأسلحة قوية متطورة، وقدرة تصنيعية وخبرة طويلة، فلابد من القضاء على هذه القوة التي تهدد إسرائيل وتهدد الغرب، وقد تكون سبباً في طموحات معينة لمن يقود ذلك البلد، ولسنا نشك أن صداماً أو غيره، أنه هو يسير في ركاب الغرب أو الشرق، ولا يمكن أن يضرب مصالحهم، ولكننا -كما أسلفت- إن هذه القوة لسنا نعتقد أنها ملك له، بل هي ملك للأمة، وقد يذهب فلان ويجيء غيره، فالناس يذهبون ويجيئون، وهذا الأمر يمكن أن يتم بأحد أمور:

إما بافتعال معركة بين العراق وإسرائيل، بحيث أن إسرائيل تضرب المواقع الحساسة في العراق وتدمر قوته كما فعلت في مصر، وهذا محتمل، وإما عن طريق تشجيع تحريك الوضع الداخلى لتغير القيادات وتغيرالوجوه، وإما عن طريق أمر ثالث الله تبارك وتعالى أعلم به.

الهدف الخامس

دعم الوجود الغربى، وتأمين غطاء إعلامى مقنع لهذا الوجود.

تأمين إسرائيل وحمايتها من أي خطر يهددها في المنطقة الإسلامية. وذلك لأن أمن إسرائيل يعتبر هدفاً كبيراً في نظر الغرب، ولابد من دفع أي خطر يهددها في أمنها، سواءً كان من داخلها أو من خارجها.


استمع المزيد من الشيخ سلمان العودة - عنوان الحلقة اسٌتمع
أحاديث موضوعة متداولة 5157 استماع
حديث الهجرة 5026 استماع
تلك الرسل 4157 استماع
الصومال الجريح 4148 استماع
مصير المترفين 4126 استماع
تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة 4054 استماع
وقفات مع سورة ق 3979 استماع
مقياس الربح والخسارة 3932 استماع
نظرة في مستقبل الدعوة الإسلامية 3874 استماع
العالم الشرعي بين الواقع والمثال 3836 استماع