حوار مع الشباب


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك نبينا وسيدنا محمد بن عبد الله، وعلى آله وأصحابه ومن والاه.

أما بعــد:

عباد الله، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

إن رقم هذا الدرس (93) وعنوانه كما كنت أسلفت لكم (حوار مع الشباب) هذه ليلة الاثنين، الرابع عشر من شهر صفر، من سنة ألف وأربعمائة وأربع عشرة للهجرة، ويأتي هذا الحديث ضمن سياق محاضرات ودروس حول الشباب، فقد ألقيت في المجلس السابق درساً هاهنا كان عنوانه: (يا شباب) أما اليوم فقد انتقلت من المحادثة إلى الحوار مع إخواني من الشباب.

والحوار مع الشباب ضرورة، وأتمنى من قلبي أن نفلح في إقناع إخواننا من الشباب؛ أن يبوحوا بما لديهم من الأسرار والأخبار والمشكلات، وما يعانونه أو يواجهونه في حياتهم من العقبات، فإن ذلك ولا شك هو السبيل الأقوم والأسلم لحل هذه الأمور وتوحيد وجهة المجتمع.

إنني قبل أن أبدأ في حواري معهم أو معكم، أشكر كثيراً أولئك الإخوة الذين راسلوني وواصلوني، فقد جاءني كم طيب من الرسائل والاتصالات والمحادثات الشفهية، التي كانت -بعد توفيق الله تعالى- هي عماد هذا الدرس الذي أقدمه لكم الآن، فلأولئك الإخوة الذين بذلوا مجهودهم وكتبوا إليَّ شيئاً قليلاً أو كثيراً، خبراً أو رسالة أو سؤالاً أو محادثةً أو نقداً، أو أي شيء يتعلق بالشباب، لهؤلاء مني جزيل الشكر وصادق الدعاء أن يوفقهم الله جل وتعالى لكل خير في دنياهم وأخراهم.

إن أمامي الآن أكثر من عشرة عناوين:

أولها: وجه عابر.

ثانيها: ماذا عن شباب الهيئات.

ثالثها: حديث عن العشق.

رابعها: سؤال يطرحه أحد الشباب: متى أتزوج؟

خامسها: موضوع عن الشباب والرياضة.

سادسها: شلة الأصدقاء.

سابعها: مسافرون إلى الخارج.

ثامنها: كلام عن الإعلام والإعدام.

تاسعها: عقبات في طريق الالتزام.

وأخيراً: تجربة شخصية.

ولكن أيها الإخوة: عفواً؛ فأنا لا أريد حضور المحاضرات بعد الآن، ولا المشاركة في الدروس العلمية، ولا المجيء إلى هذه التجمعات الأخوية الخيرية، لقد أصبحت أضيق بها ذرعاً وأكره الحضور إليها، وأجد نفسي في ضيق وأنا بين رواد الدروس العلمية، والقادمين إلى المحاضرات والكلمات في المساجد أو المراكز أو غيرها.

هكذا يتحدث أحد الشباب، وحين تسأله عن السبب، فإنه يقول لك: نعم، أنا أجلس في استراحة أو مزرعة مع مجموعة من أصدقائي صغيرة أو كبيرة؛ وأعترف أن في جلستنا بعض مالا يرضي، وبعض ما نعرف أنه إثم، ولهذا نستره عن الآخرين.

فربما كان فيها جهاز التلفاز أو حتى الفيديو، وربما كان الدش منصوباً على سطحها يستقبل القنوات من الشرق والغرب، ولا تخلو تلك المزرعة أو الاستراحة أو المجلس أو حتى الشقة لا تخلو من الدخان أو الشيشة، وربما آلات الغناء والطبول وغيرها.

كل هذا يجري ولكننا مع ذلك -بحمد الله- محافظون على صلواتنا حتى مع الجماعة، بعيدون عن ارتكاب الفواحش والموبقات والكبائر، التي نص الله على تحريمها في القرآن وحذر من مغبتها وسوئها، وكنت أطمع قبل ذلك في صلاح قلبي واستقامة حالي، وأن أجد نفسي منتظماً في سلك مجموعة من الشباب الملتزمين، في حلقة من حلق تحفيظ القرآن الكريم، أو في درس علمي أو ما شابه.

لكن الأمر تغير، فإنني أصبحت أجد نفسي بين الإخوة الملتزمين كما لو كنت غريباً، تلاحقني النظرات والعيون الجائعة، العيون التي تسأل ما الذي جاء بك إلى هنا؟ لأي غرض أتيت؟ كما لو كان مجيئي إلى ذلك الدرس عاراً أو عيباً أو أمراً مستنكراً.

لقد كنت أتوقع أن يفرح بقدومي الشباب الملتزمون، وأن يستقبلوني بالبشاشة والترحاب، وأن يعبروا لي عن أجمل المشاعر والفرحة والسرور.

ولكني أنظر عيوناً زائغة، وأقرأ فيها أسئلة تقول: لماذا جئت؟ ما هدفك؟ هل أنت طالب علم؟ هل أنت راغب في الاستفادة أو في تغيير أو إصلاح؟ ولقد سمعت أكثر من النظرات؛ سمعت كلمات وعبارات تلاحقني وتقول لي: هذا الإنسان وجهه ليس بوجه محاضرات، ولا بوجه دروس علمية، ولا هو من روادها، فأي ذنب جنيته؟ نعم أنا مخطئ، لكن ربما يكون من ينتقدني هو الآخر مخطئاً بأمر آخر ظاهر أو خفي، وأعظم الذنوب ذنوب القلوب.

إن هذه الكلمات والنظرات، التي واجهتني وصعقتني من إخواني الملتزمين؛ أبعدتني أمتاراً بل كيلو مترات عن مجال الخير والمشاركة فيه.

حسن الخلق

وهذا يقود إلى قضية: العلاقة بين الشباب الملتزمين المتدينين وبين غيرهم.

إنها علاقة يغلب عليها طابع الجفوة والمباعدة والتوجس والترقب، والطرفان يتحملان جزءاً من المسئولية، ولا أريد أن أجعل من نفسي اليوم حكماً بين هؤلاء وأولئك، ولكني سوف أقدم للطرفين -من الإخوة الملتزمين ومن غير الملتزمين- سوف أقدم لهم مجموعة من الملاحظات، أرجو أن تسهم -كما يقال- في تذويب الجليد بينهم، وإزالة الجفوة، وإقامة الجسور المقطوعة؛ حتى يتمكن كل طرف من الاستفادة من الطرف الآخر، فإنه لا غنى لأحد الطرفين عن الآخر.

حتى أنت أنت أيها الداعية أو الملتزم أو طالب العلم، إذا لم يوجد لك علاقة وصلة بآخرين، عندهم نقص أو خطأ أو انحراف تتمكن من دعوتهم، فأنت حينئذٍ تفقد معنى كونك داعية إلى الله عز وجل أو مجاهداً في سبيله.

الملاحظة الأولى: أن حسن الخلق من الإيمان، وهو خير كله، وقال الله تعالى لنبيه عليه الصلاة والسلام: وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم:4] قال له ذلك حينما كان يجهر بالدعوة في مكة، ويدعو الناس إلى الخير، ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، فكان عليه الصلاة والسلام ذا خلق عظيم مع كل الناس، حتى أولئك الذين يدعوهم كانوا كفاراً مشركين عبدة أوثان، ثم في المدينة كانوا يهوداً أو منافقين أو نصارى أو مشركين أيضاً، مع كل ذلك تذرع النبي صلى الله عليه وسلم إلى دعوتهم بالخلق العظيم. وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم:4].

لقد كان عليه الصلاة والسلام مع أهله ومع أقربائه ومع أصحابه، على درجة عليا من الخلق الفاضل، لكن الأعجب أنه كان حتى مع خصومه وأعدائه على درجة من الخلق، {جاءه رجل فسله بثوبه حتى أثر الرداء في رقبة النبي عليه الصلاة والسلام، وقال: يا محمد -بكل جفاء الأعراب وقسوتهم- مر لي بعطاء -أعطني مالاً- فإنك لا تعطيني من مالك ولا من مال أبيك، فضحك النبي صلى الله علية وسلم وأمر له بعطاء }.

إننا ينبغي أن نتذرع بالبشاشة مع أصدقائنا ومعارفنا وهذا لا شك فيه، لكن لماذا إذا اقتحم مجلسنا شخص جديد انقبضنا عنه وازوررنا، وتوقفت الكلمات، وقرظت الشفاه، وأصبح الجميع صامتون متسمرون لا يتحدثون ولا يبتسمون؛ كما لو كان دخل عليهم عنصر غريب، يتقون الحديث معه أو يتجنبونه.

إن الشاب الملتزم يعتبر نفسه داعية إلى الله تعالى، وهو إن شاء الله كذلك؛ إذاً فالابتسامة والبشاشة والكلمة الطيبة والهدوء، هي المدخل الطبيعي إلى قلوب الآخرين، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: {وتبسمك في وجه أخيك صدقة} فإذا أردت أن تنادي أخاك أو تحادثه أو تدعوه إلى الله تعالى، فقدم بين يدي نجواك صدقة، ليست صدقة مال، لكن صدقة ابتسامة تعبر عن قلب رَضِيٍ نديٍ، لا يحمل للآخرين إلا الحب والود، وليس فيه أدنى رائحة من كبر أو عجب أو غرور أو أي معنى آخر يظنه الآخرون.

كثيراً ما نسمع من ينتقد بعض الأخيار بأنهم مكفهرون، أو حواجبهم مقطبة، أو لا يبتسمون مع الآخرين، وقد يعبر عن ذلك بأنهم سوداويون أو ما أشبه ذلك.

ونحن اليوم نسمع ضجيج الإعلام وصخب الإعلام العالمي والعربي على وجه الخصوص، يحاول أن يشوه صورة المتدينين، وأنهم إرهابيون ودمويون وأهل عنف إلى غير ذلك، أتدري أن ابتسامة صادقة تستقبل بها الآخرين؛ أنها كفيلة بمحو هذا الركام والزبد الذي ضل الإعلام يقذفه في عقول الناس وقلوبهم؟

إذاً ماذا تخسر إذا ابتسمت للآخرين؟ إنك مأجور لأنك تتصدق حينئذٍ، ويكتب هذا في أجرك وثوابك وميزانك يوم القيامة.

ثم أنت أيها الشاب الآخر، الذي يعتبرك الناس أو تعتبر نفسك؛ أنك غير ملتزم وغير متدين، لماذا تنكمش أحياناً وتكشر عن أولئك الإخوة من الملتزمين والمتدينين؟ لماذا تعتقد -لو جاءوك- أنهم جاءوا من كوكب آخر أو من عالم آخر؟ لماذا لا تتعامل معهم بشيء من الأريحية والكرم؟ هل تظن أن كل من جاءك يكون أتى لغرض لا تريده أنت أو لا تستحبه؟ هب أنه جاء ليدعوك إلى الله وأنك غير مهيأ الآن لقبول الدعوة، عليك أن تتعامل معه بالاستقبال الحسن، كما هو واجب في شريعة الإسلام، وكما هو عادة عند الإنسان العربي في كل زمان ومكان، ثم إذا دعاك إلى الله فإن وجدت خيراً فاقبل، وإن كانت نفسك لا تساعدك فرد رداً جميلاً، وربما يوفقك الله تعالى لقبول الحق يوماً من الأيام.

سوء الظن

الملاحظة الثانية: سوء الظن.

وسوء الظن مشكلة عند الجميع، لماذا تفترض أيها الأخ الملتزم أو الداعية -مثلاً- إذا رأيت عند شخص معصية -أياً كانت هذه المعصية- خصوصاً المعاصي الظاهرة، ليكن -مثلاً- طويل الثوب، أو ليس على وجهه شعر، أو أن عنده ذنب، أو أنه يسمع الغناء، لماذا تفترض أنه مجرم يرتكب الفواحش الأخرى الخفية؟ ولماذا لا تفترض أنه يمكن أن يكون عند هذا الإنسان نقاء في الفطرة وصلاح في السريرة.

ولكن سوء التربية، أو مضرة قرناء السوء، أو التقليد الأعمى؛ جره إلى بعض ما رأيت، وأن هذا الانحراف الموجود عنده سهل الاندفاع قريب الزوال؟ فلا تطلق العنان لخيالك أن يتصور أن هذا الشاب الذي عنده بعض المعاصي؛ أن وراء ذلك ركام طويل من الذنوب والآثام والفواحش والمنكرات.

وكذلك أنت أيها الشاب الآخر، إذا غشيك في مجلسك شاب متدين ظاهراً، فلماذا تفترض -مثلاً- أنه جاء ليوقع بك، أو يكتشف سرك، أو أن هذا الإنسان يبطن خلاف ما يظهر؟ لماذا لا تتعامل مع الناس بالظواهر وتدع السرائر لله رب العالمين الذي يعلم السر وأخفى؟ أيسرك -مثلاً- أن يقول عنك هذا الإنسان: من كان هذا ظاهره وهذا عنوانه فعنده من المعاصي الباطنة كيت وكيت، فيدعي عنك ما لم يعلم؟ حتى لو كان موجوداً فإنك تقول: سترني الله تعالى فلماذا تفضحني أنت.

وإذا كان الأمر كذلك؛ فينبغي أن تعامل الناس بما تحب أن يعاملوك به.

لماذا لا نجعل حسن الظن شعارنا ودثارنا؟ ولماذا لا نتعامل مع الآخرين دائماً ببساطة ووضوح وبعيداً عن العقد والمشكلات والأوهام والظنون؟

التواضع

الملاحظة الثالثة: التواضع وهضم النفس.

إنها خصلة من أهم خصال المؤمن الصادق، الإنسان العاقل إذا لقي -ولو كان صالحاً- إذا لقي شخصاً كبير السن قال: هذا سبقني إلى الطاعات. وإذا لقي صغيراً قال: هذا سبقته إلى المعاصي. وإذا لقي مطيعاً قال: هذا أطوع لله مني وأقرب زلفى. وإذا لقي عاصياً قال: لعل عند هذا العاصي من الإخبات والانكسار وذل القلب لله جل وعلا؛ ما يجعله أطوع لله تعالى مني وأقرب إلى الرحمة، وربما كان في عملي الصالح من الغرور أو الإعجاب أو الرياء؛ ما يحبطه ويزيل أثره.

فلا يرى إنساناً مسلماً كبر أو صغر إلا اعتقد أنه أفضل منه وأطوع وأدين لله تعالى.

إنك حين تدعو شخصاً ما، لا يلزم بالضرورة أن تكون أفضل منه أو أتقى منه أو أعلم منه، قد تكون أعلم منه في هذه النقطة أو هذه المسألة التي دعوته إليها، وربما كان هو أعلم منك في أشياء أُخَر، وربما كان أفضل منك، وربما كان على خير هو لا يوجد عندك أنت.

إنما الدعوة من باب التعاون على البر والتقوى، ومن باب التناصح، ومن باب التواصي بالحق والتواصي بالصبر كما أمر الله عز وجل، وهي نوع من المشاركة، فما منا إنسان إلا وهو داعٍ ومدعو في الوقت ذاته، وربما تجد الفائدة أو العلم أو الحكمة عند شخص لم تكن تظن أو تتوقع أن تجدها عنده.

ولهذا روى أبو نعيم وغيره [[أن سلمان الفارسي رضي الله عنه، دخل في بيت امرأة نصرانية، فقال لها: هل هاهنا مكان طاهر أريد أن أصلي فيه؟ قالت له تلك المرأة: طهر قلبك وصلِّ حيثما شئت، فخرج سلمان وهو يبتسم ويتعجب من حكمة هذه المرأة، على رغم أنها كانت كافرة]].

الجفوة

الملاحظة الرابعة: من الملاحظ -فعلاً- أن هناك جفوة بين الأخيار وبين غيرهم، يقام مثلاً نشاط في مدرسة متوسطة أو ثانوية أو جامعة، فتجد هذا النشاط يقتصر على أربعين طالباً، بينما طلاب المدرسة يناهزون ثمانمائة طالب، أي أنه لا يتجاوز عدد المنتسبين إلى النشاط الخيري في المدرسة نسبة (5%).

إذاً لمن نترك (95%) من شبابنا وفلذات أكبادنا، الذين هم عدة المستقبل وهم روح الأمة وهم سر قوتها وبقائها بإذن ربها؟

هؤلاء الشباب الذين يملكون الاستعداد للخير وتقبل النصيحة، إذا وجدوا حسن الدعوة وحسن المعاملة وسعة الصدر والصبر عليهم، لمن نترك هؤلاء؟ هل نتركهم -مثلاً- لقرناء السوء! أو لتجار المخدرات، أو ضحايا الإعلام الفاسد؟! إن ذلك لا يحوز بحال، ألم يغش رسول الله صلى الله عليه وسلم نوادي قريش ومجالسها، ألم يغش خيام الحجيج في مكة ومنى وعرفات يدعوهم إلى الله، وكانوا على عصيان وعلى شرك وعلى عبادة الأوثان، وربما شربوا الخمور وتناشدوا الأشعار الجاهلية، التي ليس فيها إلا الفخر والخيلاء والكذب والزور، ومع ذلك كان يغشاهم عليه الصلاة والسلام بصبر عميق طويل، ويدعوهم إلى الله تعالى، فيرده هؤلاء ويرده أولئك، ولا يزال صلى الله عليه وسلم يضرب المثل في صبره وإصراره على دعوته.

إذاً فلماذا لا نتصل بجمهور الشباب، في مدرجات الرياضة أو تجمعات السمر، أو الاستراحات التي يذهبون إليها في وقت الفراغ، أو في شوارع التفحيط، أو في الأرصفة التي يجلسون عليها حتى الهجيع الأخير من الليل، بل حتى طلوع الشمس أحياناً، أو في خيامهم التي ينصبونها في البر؟ لماذا لا نتواصل معهم ونتعرف إليهم بالود والمحبة والشفقة؟ نعاملهم معاملة الطبيب، الذي يحنو على المريض ويعمل على إقناعه بالعلاج بكل وسيلة، أو الأب الذي يبحث عن العافية لأولاده مهما كلفه ذلك من الصبر والمشقة، دون أن نشعرهم أبداً أننا نتعامل معهم معاملة الأستاذ، أو أننا نستعلي عليهم، أو أننا أكبر منهم، أو أننا أعرف منهم.

لا أتعامل معهم من هذا المنطلق، بل أتعامل من منطلق أخوي بحت، محض نصيحة وود وإخاء لهؤلاء الشباب، الذي هم في الجملة أصحاب فطر سليمة وقلوب قابلة للخير والهداية.

وكثير من هؤلاء -ويجب أن تثق بهذا- كثير من هؤلاء سيكونون في المستقبل خطباء جوامع، وأئمة مساجد، ورواد حلقات، ومدرسين ومدراء، وصالحين بكل حال إن شاء الله تعالى، وإنني أقول لكم عن تجربة وخبرة.

أيها الإخوة: أتذكر زملائي الذين كنا معهم على مقاعد الدراسة؛ فأجد أن الذين برزوا منهم، برزوا دعاة إلى الله، أو خطباء أو معلمين أو مرشدين، أو عاملين في أي حقل من الحقول الخيرية، فأجد نسبة ربما تزيد على (50%) ممن كانوا على مقاعد الدراسة بهيئة وصفة أخرى مختلفة، ثم هداهم الله تعالى فكانوا نموذجاً للمهتدي، الذي آلى على نفسه وقطع على نفسه إلا أن يكفر عما مضى بأعمال صالحة عظيمة.

لقد أفلح بعض إخواننا من الشباب في فترة مضت؛ أن يحولوا شارع الموت في الرياض إلى شارع يضج بالحياة، ويضج بالقوة والهداية والتوبة، والإقبال على الله عز وجل، وارتفعت فيه الأصوات، وبدأت فيه القلوب تهفو إلى باريها، وتتطلع إلى الخير والهداية، ولو أن حركة الدعوة دُعمت دعماً خفيفاً؛ لآتت أكلها كل حين بإذن ربها.

بل أقول: لو خُلي بين الدعاة وبين الناس لرأينا العجب العجاب، وقديماً قال النبي صلى الله عليه وسلم:{يا ويح قريش لقد أكلتهم الحرب، ماذا عليهم لو خلوا بيننا وبين الناس، فإن أظهر فعزي عزهم ونصري نصرهم وكانوا أسعد الناس بي، وإن أقتل فقد كفوا بغيرهم}.

الفضول

الملاحظة الخامسة: ألحظ أننا نتميز جميعاً -أهل هذا المجتمع- وربما أستطيع أن أقول: المجتمعات العربية والإسلامية على وجه العموم في كل البلاد، نتميز بنوع من الفضول في نظرتنا التي لا معنى لها في مجتمعاتنا.

فالإنسان منا ينظر إلى كل أحد، هذا قَدِم، وهذا خرج، وهذا دخل، وهذا قام، وهذا قعد، وينظر نظرات طويلة، ثم بعد ذلك يصدر حكماً وكلاماً وتقريراً، فلان مع فلان شكله كذا ويعمل كذا، يقدم أحياناً ملاحظات دقيقة وعجيبة، فيقول أشياء، عن حال هذا الإنسان أو ملبسه أو طريقته في غاية الغرابة، مع أنه خلق مذموم، وفي الحديث الصحيح المتفق عليه: {أن رجلاً نظر من ثقب الباب إلى بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: لو أعلم أنك تنظر -وكان مع النبي صلى الله عليه وسلم مدرى، مشط يسرح به رأسه- فقال: لطعنت به في عينك، إنما جعل الاستئذان من أجل البصر} أي: لا تجعل عينك تتلصص على الآخرين، تنظر إلى هذا وذاك، وتراقب هذا وتلاحظ القادم وتتلفت يمنة ويسرة وتطيل النظر، فإن هذه النظرات الفضولية عيب لا يليق بأي إنسان صادق.

رأيت الناس -مع الأسف الشديد- في بلاد غربية، يلتزمون هذا الخلق أكثر مما يلتزمه المسلمون، قدمنا إلى تلك البلاد بملابسنا المعتادة وغترنا وثيابنا، وكان منظرنا مثيراً عندها، لأول مرة يشاهده بعض أطفالهم ورجالهم، فكان الأطفال -أحياناً- يتلفتون وينظرون ببساطة وبراءة، فكان الأب يجر ولده ويزجره وينهاه أن ينظر إلى الآخرين مثل تلك النظرات، مع أنه مشهد يعد مثيراً أو غير مألوفٍ عندهم.

لو مر إنسان من أمام أحدنا، كان من الممكن أن يحدثك الآخر عن نوع ثيابه، بل عن عدد الأزارير الموجودة فيه، ولون الحذاء، وطريقة لبس الغترة أو الشماغ والطاقية، وصفة الشعر، وغير ذلك من التفاصيل، إنه نوع من نقص التهذيب الذي يحب أن نتدرج على تركه والابتعاد عنه، وأن نشتغل بالأمور الكبار ولا نضع أنفسنا لمثل هذه القضايا.

إن البحث عن الآخرين لا معنى له، ولا قيمة لأن يكلف الإنسان نفسه عناء مراقبة الآخرين، ويترك مراقبة نفسه وضبط تصرفاتها.

لنفسيَ أبكي لست أبكي لغيرها      لنفسيَ من نفسي عن الناس شاغل

هذا إنسان غير ملتزم وغير متدين في الظاهر يشاهد شخصاً ملتزماً، فتجده ينظر إليه من أعلاه ومن أسفله ويصعد النظر ويصوبه، ثم يقول ويطرح سؤالاً: هل الالتزام أن يخرج هذا الإنسان وهندامه -كما يقولون- مقلوب، والثوب غير مكوي، والشعر غير مسرح ولا مرجل، هل هذا مما يأمر به الدين؟

حسناً، لماذا أنت طرحت السؤال؟ طرحت السؤال لأنك تنظر إلى هذا النوع من الناس نظرة فيها كثير من المعاتبة، والبحث عن أي شيء يمكن أن يصلح للملاحظة.

وبالمقابل شخص ملتزم يعمل -كما يقولون- تشييكاً على آخر مر من عنده، فيقول: الطاقية إلى نصف الجبهة وهي منقطة، الشعر -كما يقول أحدهم- قصة مايكل جاكسون، الأزرار مفتحة إلى نصف الصدر وهكذا.

إذاً لماذا يفعل هذا أو هذا مثل هذه الأشياء؟ لماذا ننظر إلى الآخرين دائماً وكأننا نتفقد عيوبهم، بل المؤسف أنها نظرة سطحية، تقتصر على النظر إلى الغترة أو الطاقية أو الثوب أو البدلة أو البنطلون الذي يمكن أن يلبسه الإنسان، وهذا الأسلوب عليه ملاحظات كثيرة، من أهمها: أنه يعبر عن قلة التفكير وسطحيته وضعفه؛ حيث أن الإنسان لا يتعدى نظره الثوب أو الغترة أو ما أشبه ذلك.

الملاحظة الثانية: أنه يعبر عن العجز عن إصلاح النفس، فإن العادة أن الإنسان إذا عجز عن إصلاح نفسه، ربما يتجه إلى الآخرين لينتقدهم أو يلاحظ عليهم.

الملاحظة الثالثة: أن هذا نوع من فرض الرأي على الغير، والجميع يطالبون -أحياناً- أن يكون للإنسان حرية في حدود المباحات في مثل هذه الأشياء، فلماذا تفرض على الآخرين شيئاً من غير وجه صحيح؟ هذه هي النقطة الأولى.

وهذا يقود إلى قضية: العلاقة بين الشباب الملتزمين المتدينين وبين غيرهم.

إنها علاقة يغلب عليها طابع الجفوة والمباعدة والتوجس والترقب، والطرفان يتحملان جزءاً من المسئولية، ولا أريد أن أجعل من نفسي اليوم حكماً بين هؤلاء وأولئك، ولكني سوف أقدم للطرفين -من الإخوة الملتزمين ومن غير الملتزمين- سوف أقدم لهم مجموعة من الملاحظات، أرجو أن تسهم -كما يقال- في تذويب الجليد بينهم، وإزالة الجفوة، وإقامة الجسور المقطوعة؛ حتى يتمكن كل طرف من الاستفادة من الطرف الآخر، فإنه لا غنى لأحد الطرفين عن الآخر.

حتى أنت أنت أيها الداعية أو الملتزم أو طالب العلم، إذا لم يوجد لك علاقة وصلة بآخرين، عندهم نقص أو خطأ أو انحراف تتمكن من دعوتهم، فأنت حينئذٍ تفقد معنى كونك داعية إلى الله عز وجل أو مجاهداً في سبيله.

الملاحظة الأولى: أن حسن الخلق من الإيمان، وهو خير كله، وقال الله تعالى لنبيه عليه الصلاة والسلام: وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم:4] قال له ذلك حينما كان يجهر بالدعوة في مكة، ويدعو الناس إلى الخير، ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، فكان عليه الصلاة والسلام ذا خلق عظيم مع كل الناس، حتى أولئك الذين يدعوهم كانوا كفاراً مشركين عبدة أوثان، ثم في المدينة كانوا يهوداً أو منافقين أو نصارى أو مشركين أيضاً، مع كل ذلك تذرع النبي صلى الله عليه وسلم إلى دعوتهم بالخلق العظيم. وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم:4].

لقد كان عليه الصلاة والسلام مع أهله ومع أقربائه ومع أصحابه، على درجة عليا من الخلق الفاضل، لكن الأعجب أنه كان حتى مع خصومه وأعدائه على درجة من الخلق، {جاءه رجل فسله بثوبه حتى أثر الرداء في رقبة النبي عليه الصلاة والسلام، وقال: يا محمد -بكل جفاء الأعراب وقسوتهم- مر لي بعطاء -أعطني مالاً- فإنك لا تعطيني من مالك ولا من مال أبيك، فضحك النبي صلى الله علية وسلم وأمر له بعطاء }.

إننا ينبغي أن نتذرع بالبشاشة مع أصدقائنا ومعارفنا وهذا لا شك فيه، لكن لماذا إذا اقتحم مجلسنا شخص جديد انقبضنا عنه وازوررنا، وتوقفت الكلمات، وقرظت الشفاه، وأصبح الجميع صامتون متسمرون لا يتحدثون ولا يبتسمون؛ كما لو كان دخل عليهم عنصر غريب، يتقون الحديث معه أو يتجنبونه.

إن الشاب الملتزم يعتبر نفسه داعية إلى الله تعالى، وهو إن شاء الله كذلك؛ إذاً فالابتسامة والبشاشة والكلمة الطيبة والهدوء، هي المدخل الطبيعي إلى قلوب الآخرين، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: {وتبسمك في وجه أخيك صدقة} فإذا أردت أن تنادي أخاك أو تحادثه أو تدعوه إلى الله تعالى، فقدم بين يدي نجواك صدقة، ليست صدقة مال، لكن صدقة ابتسامة تعبر عن قلب رَضِيٍ نديٍ، لا يحمل للآخرين إلا الحب والود، وليس فيه أدنى رائحة من كبر أو عجب أو غرور أو أي معنى آخر يظنه الآخرون.

كثيراً ما نسمع من ينتقد بعض الأخيار بأنهم مكفهرون، أو حواجبهم مقطبة، أو لا يبتسمون مع الآخرين، وقد يعبر عن ذلك بأنهم سوداويون أو ما أشبه ذلك.

ونحن اليوم نسمع ضجيج الإعلام وصخب الإعلام العالمي والعربي على وجه الخصوص، يحاول أن يشوه صورة المتدينين، وأنهم إرهابيون ودمويون وأهل عنف إلى غير ذلك، أتدري أن ابتسامة صادقة تستقبل بها الآخرين؛ أنها كفيلة بمحو هذا الركام والزبد الذي ضل الإعلام يقذفه في عقول الناس وقلوبهم؟

إذاً ماذا تخسر إذا ابتسمت للآخرين؟ إنك مأجور لأنك تتصدق حينئذٍ، ويكتب هذا في أجرك وثوابك وميزانك يوم القيامة.

ثم أنت أيها الشاب الآخر، الذي يعتبرك الناس أو تعتبر نفسك؛ أنك غير ملتزم وغير متدين، لماذا تنكمش أحياناً وتكشر عن أولئك الإخوة من الملتزمين والمتدينين؟ لماذا تعتقد -لو جاءوك- أنهم جاءوا من كوكب آخر أو من عالم آخر؟ لماذا لا تتعامل معهم بشيء من الأريحية والكرم؟ هل تظن أن كل من جاءك يكون أتى لغرض لا تريده أنت أو لا تستحبه؟ هب أنه جاء ليدعوك إلى الله وأنك غير مهيأ الآن لقبول الدعوة، عليك أن تتعامل معه بالاستقبال الحسن، كما هو واجب في شريعة الإسلام، وكما هو عادة عند الإنسان العربي في كل زمان ومكان، ثم إذا دعاك إلى الله فإن وجدت خيراً فاقبل، وإن كانت نفسك لا تساعدك فرد رداً جميلاً، وربما يوفقك الله تعالى لقبول الحق يوماً من الأيام.

الملاحظة الثانية: سوء الظن.

وسوء الظن مشكلة عند الجميع، لماذا تفترض أيها الأخ الملتزم أو الداعية -مثلاً- إذا رأيت عند شخص معصية -أياً كانت هذه المعصية- خصوصاً المعاصي الظاهرة، ليكن -مثلاً- طويل الثوب، أو ليس على وجهه شعر، أو أن عنده ذنب، أو أنه يسمع الغناء، لماذا تفترض أنه مجرم يرتكب الفواحش الأخرى الخفية؟ ولماذا لا تفترض أنه يمكن أن يكون عند هذا الإنسان نقاء في الفطرة وصلاح في السريرة.

ولكن سوء التربية، أو مضرة قرناء السوء، أو التقليد الأعمى؛ جره إلى بعض ما رأيت، وأن هذا الانحراف الموجود عنده سهل الاندفاع قريب الزوال؟ فلا تطلق العنان لخيالك أن يتصور أن هذا الشاب الذي عنده بعض المعاصي؛ أن وراء ذلك ركام طويل من الذنوب والآثام والفواحش والمنكرات.

وكذلك أنت أيها الشاب الآخر، إذا غشيك في مجلسك شاب متدين ظاهراً، فلماذا تفترض -مثلاً- أنه جاء ليوقع بك، أو يكتشف سرك، أو أن هذا الإنسان يبطن خلاف ما يظهر؟ لماذا لا تتعامل مع الناس بالظواهر وتدع السرائر لله رب العالمين الذي يعلم السر وأخفى؟ أيسرك -مثلاً- أن يقول عنك هذا الإنسان: من كان هذا ظاهره وهذا عنوانه فعنده من المعاصي الباطنة كيت وكيت، فيدعي عنك ما لم يعلم؟ حتى لو كان موجوداً فإنك تقول: سترني الله تعالى فلماذا تفضحني أنت.

وإذا كان الأمر كذلك؛ فينبغي أن تعامل الناس بما تحب أن يعاملوك به.

لماذا لا نجعل حسن الظن شعارنا ودثارنا؟ ولماذا لا نتعامل مع الآخرين دائماً ببساطة ووضوح وبعيداً عن العقد والمشكلات والأوهام والظنون؟

الملاحظة الثالثة: التواضع وهضم النفس.

إنها خصلة من أهم خصال المؤمن الصادق، الإنسان العاقل إذا لقي -ولو كان صالحاً- إذا لقي شخصاً كبير السن قال: هذا سبقني إلى الطاعات. وإذا لقي صغيراً قال: هذا سبقته إلى المعاصي. وإذا لقي مطيعاً قال: هذا أطوع لله مني وأقرب زلفى. وإذا لقي عاصياً قال: لعل عند هذا العاصي من الإخبات والانكسار وذل القلب لله جل وعلا؛ ما يجعله أطوع لله تعالى مني وأقرب إلى الرحمة، وربما كان في عملي الصالح من الغرور أو الإعجاب أو الرياء؛ ما يحبطه ويزيل أثره.

فلا يرى إنساناً مسلماً كبر أو صغر إلا اعتقد أنه أفضل منه وأطوع وأدين لله تعالى.

إنك حين تدعو شخصاً ما، لا يلزم بالضرورة أن تكون أفضل منه أو أتقى منه أو أعلم منه، قد تكون أعلم منه في هذه النقطة أو هذه المسألة التي دعوته إليها، وربما كان هو أعلم منك في أشياء أُخَر، وربما كان أفضل منك، وربما كان على خير هو لا يوجد عندك أنت.

إنما الدعوة من باب التعاون على البر والتقوى، ومن باب التناصح، ومن باب التواصي بالحق والتواصي بالصبر كما أمر الله عز وجل، وهي نوع من المشاركة، فما منا إنسان إلا وهو داعٍ ومدعو في الوقت ذاته، وربما تجد الفائدة أو العلم أو الحكمة عند شخص لم تكن تظن أو تتوقع أن تجدها عنده.

ولهذا روى أبو نعيم وغيره [[أن سلمان الفارسي رضي الله عنه، دخل في بيت امرأة نصرانية، فقال لها: هل هاهنا مكان طاهر أريد أن أصلي فيه؟ قالت له تلك المرأة: طهر قلبك وصلِّ حيثما شئت، فخرج سلمان وهو يبتسم ويتعجب من حكمة هذه المرأة، على رغم أنها كانت كافرة]].

الملاحظة الرابعة: من الملاحظ -فعلاً- أن هناك جفوة بين الأخيار وبين غيرهم، يقام مثلاً نشاط في مدرسة متوسطة أو ثانوية أو جامعة، فتجد هذا النشاط يقتصر على أربعين طالباً، بينما طلاب المدرسة يناهزون ثمانمائة طالب، أي أنه لا يتجاوز عدد المنتسبين إلى النشاط الخيري في المدرسة نسبة (5%).

إذاً لمن نترك (95%) من شبابنا وفلذات أكبادنا، الذين هم عدة المستقبل وهم روح الأمة وهم سر قوتها وبقائها بإذن ربها؟

هؤلاء الشباب الذين يملكون الاستعداد للخير وتقبل النصيحة، إذا وجدوا حسن الدعوة وحسن المعاملة وسعة الصدر والصبر عليهم، لمن نترك هؤلاء؟ هل نتركهم -مثلاً- لقرناء السوء! أو لتجار المخدرات، أو ضحايا الإعلام الفاسد؟! إن ذلك لا يحوز بحال، ألم يغش رسول الله صلى الله عليه وسلم نوادي قريش ومجالسها، ألم يغش خيام الحجيج في مكة ومنى وعرفات يدعوهم إلى الله، وكانوا على عصيان وعلى شرك وعلى عبادة الأوثان، وربما شربوا الخمور وتناشدوا الأشعار الجاهلية، التي ليس فيها إلا الفخر والخيلاء والكذب والزور، ومع ذلك كان يغشاهم عليه الصلاة والسلام بصبر عميق طويل، ويدعوهم إلى الله تعالى، فيرده هؤلاء ويرده أولئك، ولا يزال صلى الله عليه وسلم يضرب المثل في صبره وإصراره على دعوته.

إذاً فلماذا لا نتصل بجمهور الشباب، في مدرجات الرياضة أو تجمعات السمر، أو الاستراحات التي يذهبون إليها في وقت الفراغ، أو في شوارع التفحيط، أو في الأرصفة التي يجلسون عليها حتى الهجيع الأخير من الليل، بل حتى طلوع الشمس أحياناً، أو في خيامهم التي ينصبونها في البر؟ لماذا لا نتواصل معهم ونتعرف إليهم بالود والمحبة والشفقة؟ نعاملهم معاملة الطبيب، الذي يحنو على المريض ويعمل على إقناعه بالعلاج بكل وسيلة، أو الأب الذي يبحث عن العافية لأولاده مهما كلفه ذلك من الصبر والمشقة، دون أن نشعرهم أبداً أننا نتعامل معهم معاملة الأستاذ، أو أننا نستعلي عليهم، أو أننا أكبر منهم، أو أننا أعرف منهم.

لا أتعامل معهم من هذا المنطلق، بل أتعامل من منطلق أخوي بحت، محض نصيحة وود وإخاء لهؤلاء الشباب، الذي هم في الجملة أصحاب فطر سليمة وقلوب قابلة للخير والهداية.

وكثير من هؤلاء -ويجب أن تثق بهذا- كثير من هؤلاء سيكونون في المستقبل خطباء جوامع، وأئمة مساجد، ورواد حلقات، ومدرسين ومدراء، وصالحين بكل حال إن شاء الله تعالى، وإنني أقول لكم عن تجربة وخبرة.

أيها الإخوة: أتذكر زملائي الذين كنا معهم على مقاعد الدراسة؛ فأجد أن الذين برزوا منهم، برزوا دعاة إلى الله، أو خطباء أو معلمين أو مرشدين، أو عاملين في أي حقل من الحقول الخيرية، فأجد نسبة ربما تزيد على (50%) ممن كانوا على مقاعد الدراسة بهيئة وصفة أخرى مختلفة، ثم هداهم الله تعالى فكانوا نموذجاً للمهتدي، الذي آلى على نفسه وقطع على نفسه إلا أن يكفر عما مضى بأعمال صالحة عظيمة.

لقد أفلح بعض إخواننا من الشباب في فترة مضت؛ أن يحولوا شارع الموت في الرياض إلى شارع يضج بالحياة، ويضج بالقوة والهداية والتوبة، والإقبال على الله عز وجل، وارتفعت فيه الأصوات، وبدأت فيه القلوب تهفو إلى باريها، وتتطلع إلى الخير والهداية، ولو أن حركة الدعوة دُعمت دعماً خفيفاً؛ لآتت أكلها كل حين بإذن ربها.

بل أقول: لو خُلي بين الدعاة وبين الناس لرأينا العجب العجاب، وقديماً قال النبي صلى الله عليه وسلم:{يا ويح قريش لقد أكلتهم الحرب، ماذا عليهم لو خلوا بيننا وبين الناس، فإن أظهر فعزي عزهم ونصري نصرهم وكانوا أسعد الناس بي، وإن أقتل فقد كفوا بغيرهم}.

الملاحظة الخامسة: ألحظ أننا نتميز جميعاً -أهل هذا المجتمع- وربما أستطيع أن أقول: المجتمعات العربية والإسلامية على وجه العموم في كل البلاد، نتميز بنوع من الفضول في نظرتنا التي لا معنى لها في مجتمعاتنا.

فالإنسان منا ينظر إلى كل أحد، هذا قَدِم، وهذا خرج، وهذا دخل، وهذا قام، وهذا قعد، وينظر نظرات طويلة، ثم بعد ذلك يصدر حكماً وكلاماً وتقريراً، فلان مع فلان شكله كذا ويعمل كذا، يقدم أحياناً ملاحظات دقيقة وعجيبة، فيقول أشياء، عن حال هذا الإنسان أو ملبسه أو طريقته في غاية الغرابة، مع أنه خلق مذموم، وفي الحديث الصحيح المتفق عليه: {أن رجلاً نظر من ثقب الباب إلى بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: لو أعلم أنك تنظر -وكان مع النبي صلى الله عليه وسلم مدرى، مشط يسرح به رأسه- فقال: لطعنت به في عينك، إنما جعل الاستئذان من أجل البصر} أي: لا تجعل عينك تتلصص على الآخرين، تنظر إلى هذا وذاك، وتراقب هذا وتلاحظ القادم وتتلفت يمنة ويسرة وتطيل النظر، فإن هذه النظرات الفضولية عيب لا يليق بأي إنسان صادق.

رأيت الناس -مع الأسف الشديد- في بلاد غربية، يلتزمون هذا الخلق أكثر مما يلتزمه المسلمون، قدمنا إلى تلك البلاد بملابسنا المعتادة وغترنا وثيابنا، وكان منظرنا مثيراً عندها، لأول مرة يشاهده بعض أطفالهم ورجالهم، فكان الأطفال -أحياناً- يتلفتون وينظرون ببساطة وبراءة، فكان الأب يجر ولده ويزجره وينهاه أن ينظر إلى الآخرين مثل تلك النظرات، مع أنه مشهد يعد مثيراً أو غير مألوفٍ عندهم.

لو مر إنسان من أمام أحدنا، كان من الممكن أن يحدثك الآخر عن نوع ثيابه، بل عن عدد الأزارير الموجودة فيه، ولون الحذاء، وطريقة لبس الغترة أو الشماغ والطاقية، وصفة الشعر، وغير ذلك من التفاصيل، إنه نوع من نقص التهذيب الذي يحب أن نتدرج على تركه والابتعاد عنه، وأن نشتغل بالأمور الكبار ولا نضع أنفسنا لمثل هذه القضايا.

إن البحث عن الآخرين لا معنى له، ولا قيمة لأن يكلف الإنسان نفسه عناء مراقبة الآخرين، ويترك مراقبة نفسه وضبط تصرفاتها.

لنفسيَ أبكي لست أبكي لغيرها      لنفسيَ من نفسي عن الناس شاغل

هذا إنسان غير ملتزم وغير متدين في الظاهر يشاهد شخصاً ملتزماً، فتجده ينظر إليه من أعلاه ومن أسفله ويصعد النظر ويصوبه، ثم يقول ويطرح سؤالاً: هل الالتزام أن يخرج هذا الإنسان وهندامه -كما يقولون- مقلوب، والثوب غير مكوي، والشعر غير مسرح ولا مرجل، هل هذا مما يأمر به الدين؟

حسناً، لماذا أنت طرحت السؤال؟ طرحت السؤال لأنك تنظر إلى هذا النوع من الناس نظرة فيها كثير من المعاتبة، والبحث عن أي شيء يمكن أن يصلح للملاحظة.

وبالمقابل شخص ملتزم يعمل -كما يقولون- تشييكاً على آخر مر من عنده، فيقول: الطاقية إلى نصف الجبهة وهي منقطة، الشعر -كما يقول أحدهم- قصة مايكل جاكسون، الأزرار مفتحة إلى نصف الصدر وهكذا.

إذاً لماذا يفعل هذا أو هذا مثل هذه الأشياء؟ لماذا ننظر إلى الآخرين دائماً وكأننا نتفقد عيوبهم، بل المؤسف أنها نظرة سطحية، تقتصر على النظر إلى الغترة أو الطاقية أو الثوب أو البدلة أو البنطلون الذي يمكن أن يلبسه الإنسان، وهذا الأسلوب عليه ملاحظات كثيرة، من أهمها: أنه يعبر عن قلة التفكير وسطحيته وضعفه؛ حيث أن الإنسان لا يتعدى نظره الثوب أو الغترة أو ما أشبه ذلك.

الملاحظة الثانية: أنه يعبر عن العجز عن إصلاح النفس، فإن العادة أن الإنسان إذا عجز عن إصلاح نفسه، ربما يتجه إلى الآخرين لينتقدهم أو يلاحظ عليهم.

الملاحظة الثالثة: أن هذا نوع من فرض الرأي على الغير، والجميع يطالبون -أحياناً- أن يكون للإنسان حرية في حدود المباحات في مثل هذه الأشياء، فلماذا تفرض على الآخرين شيئاً من غير وجه صحيح؟ هذه هي النقطة الأولى.

أما العنوان الثاني فهو: ماذا عن شباب الهيئات.

إنهم رجال الحسبة، الشباب العاملون في مجال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، سواء كانوا عاملين في قطاعات رسمية، أو محتسبين لوجه الله تعالى في إنكار المنكرات بقدر المستطاع، أسمع كثيراً من الشباب وفي كثير من المجالس يتحدثون عن هذه النوعية من الشباب، وعن بعض الملاحظات على الأساليب والطرق التي يسلكونها.

وأبرز الملاحظات التي يقدمها إخواننا الآخرون من الشباب؛ تتعلق بأسلوب المعاملة فيمن يوجد عليه تقصير أو معصية، وأن هذا الأسلوب يعتمد كثيراً على نوع من الشدة والعنف والقسوة في العبارة.

وآخرون يقولون: إن هؤلاء الشباب -أو بعضهم- قد يطلق العنان لخياله ويقيس الآخرين بعضهم على بعض، فربما وجد إنساناً على معصية، فيتصور أن كل شاب يمكن أن يكون كذلك، ويتعامل معه من هذا المنطلق، وربما وجد أنه هو نفسه تثيره هذه الأشياء، لولا أنه يخاف الله تعالى وينهى النفس عن الهوى.

فيقول في نفسه: إذا كنت أنا الشاب الملتزم المتدين تثيرني هذه الأشياء؛ فأجد رادعاً من ديني وخوفي من الله تعالى، وأولئك الشباب الذين يوجد ما يثيرهم، وربما لا يجدون رادعاً من خوف الله تعالى أو خشيته فيقعون في المعاصي.

وأود أن أعلق على مثل هذه الأمور -فضلاً عن قضايا كثيرة تتعلق بهذا الموضوع- مثل بعض الأقوال وبعض القصص والأخبار والحكايات، التي أقول قد يصدق منها (10%) ولكن تبين لي أن (90%) من بعض القصص قد تكون من نسج الخيال، وقد سألت عدداً من الشباب عن قصص يتداولونها عن إخوانهم من العاملين في هذا المجال، فأقول له مثلاً: هل وقفت بعينك أو بنفسك على هذا الأمر؟

فيقول: لا، لكن حدثني شخص موثوق، وربما لو أتيت إلى هذا الشخص الموثوق، لقال لك: لم أر هذا ولكن حدثني شخص آخر موثوق، وهكذا تكون السلسلة طويلة، وقد أذكر لكم أنني سمعت من ذلك أشياء، وبعد ما تحريت بنفسي؛ تبين لي أن بعض هذه الأشياء مختلق تماماً، وأن بعضها الآخر قد يكون لها أصل ولكنه كُبِّر، وأن هناك نسبة قد تكون (10%) أو قل عشرين أو حتى ثلاثين قد يكون لها أصل وقد تكون صحيحة، لكن:

ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلها     كفى المرء نبلاً أن تعد معايبه<

تعليقات على الأخبار المتداولة على شباب الهيئات

وهنا لي مجموعة من التعليقات:

أولاً: إن الدين يا أخي ليس ملكاً لفئة خاصة، الدين ليس ملكاً لشباب الهيئات، والدين ليس ملكاً للشباب الملتزمين، والدين ليس ملكاً للقضاة -مثلاً- والدين ليس ملكاً للدعاة، ولا ملكاً لطبقة معينة، الدين دين الله عز وجل، والكل مطالبون بتقوى الله ومطالبون بعبادته، ومطالبون بفعل الخير، ومطالبون بترك الشر، والجنة خلقت لكل مطيع، والنار خلقت للعاصي والكافر والمعاند، بغض النظر عن أي اعتبار آخر.

الدين دين الله عز وجل، ووجود فئة قلت أو كثرت صغرت أو كبرت؛ في نظرك أنت وفي ظنك وفي قياسك، باعتبارك أن هذا الفئة لا تمثل الدين أو لا تقوم به أو لا تطبقه تطبيقاً صحيحاً، أو أن أخلاقيات هذه الفئة أو أساليبها أو طرقها لا تمثل الدين، لا يعني ذلك أنك تنحرف عن الدين، كلا! بل الواجب عليك أن تكون أكثر تديناً وإخلاصاً وصدقاً؛ حتى تنجح أنت في تطبيق ما تقول إن الآخرين عجزوا عنه أو قصروا فيه.

وهذه قضية أساسية، يقول الله عز وجل: إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً [مريم:93-95] ويقول سبحانه وتعالى: وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ [الأنعام:94] حتى الثياب ما عليك ثياب وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكم [الأنعام:94].

إذاً المسؤولية يوم القيامة مسؤولية فردية وكل إنسان يحاسب، قال تعالى: وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً [الإسراء:13-14] المطلوب من كل فرد أن يزكي نفسه، ويسعى في صلاحها، ويبعدها وينأى بها عن كل أساليب التجفية والضلال وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:7-10].

ثانياً: كل قطاع أو جهة أو مؤسسة أو شركة أو مجموعة من الناس، لا بد أن يكون فيهم أخطاء، اسأل نفسك سؤالاً: كم أخطاء رجال المرور مثلاً؟ كم أخطاء رجال الدوريات؟ كم أخطاء الشرط؟ بل اسأل نفسك: كم أخطاء الأجهزة الأمنية بشكل عام؟ أنا لا أتحدث عن هذا البلد فقط.

أقول هذا البلد وكل بلاد الدنيا، البلاد الإسلامية خاصة، والبلاد العالمية كلها عامة كم يوجد فيها من الأخطاء والتجاوزات؟ بل أحياناً تصل إلى درجة الفضائح التي يتكلم عنها الإعلام، وتفرح بها الصحف، وتبدئ وتعيد حولها، ويستغلها بعض الخصوم أو بعض المعارضين.

أصدقاؤك الذين تجالسهم وتتحدث معهم، كم تجد عليهم من الملاحظات، ربما تعتب عليهم كثيراً، وقد تقاطعهم، وقد تغضب من فلان أو تسخط من علان.

إذاً لا يمكن أن تتصور أن مؤسسة أو هيئة أو جهازاً أو مجموعة من الناس، فئة الملتزمين -مثلاً- أو فئة المتدينين أو فئة الشباب الأخيار، أو فئة شباب الجمعيات في المدرسة، أو أي فئة من الفئات المنتسبة إلى الدين، ضع في اعتبارك أن من السنن الطبيعية أن هؤلاء بشر، وإذا كان الواحد منهم لا بد أن يوجد عنده خطأ على الأقل، فما بالك إذا اجتمعوا؟ لا بد أن يكون هناك مجموعة من الأخطاء.

إذاً هناك أمر طبيعي لابد أن يوجد، لكن أعتقد أن هناك ميزة في أوساط المتدينين، وأنا لا أريد أن أبالغ في إثباتها ولكني أزعم أنها موجودة، وإذا كان ما أقوله خطأ؛ فأتمنى من إخوتي أن يصححوا لي ما أقول.

أقول: إن الملتزمين بشكل عام أو المتدينين، سواء كانوا في أجهزة رسمية، أو كانوا محتسبين قائمين بالدعوة إلى الله والإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ يوجد لديهم إمكانية الحوار، وإمكانية التفاهم، وإمكانية معرفة الخطأ والتنبيه عليه والسعي في إزالته، أو على أقل تقدير الاعتراف بأنه خطأ، وأحياناً إذا أخطأ عليك إنسان ثم جاءك وقال: والله يا أخي أنا أخطأت وأعتذر إليك، ربما يكفيك هذا لأنك تقول: لا أريد منك أكثر من الاعتراف بالخطأ وإظهار الندم عليه، ولو كلف الإنسان نفسه عناء تجربة ذلك، فإنه لن يخطئ -إن شاء الله- من يظهر له الاستعداد في تصحيح الخطأ ومراجعته ومحاولة إيقافه عند حده.

ثالثاً: لا تنسى أن الإنسان بطبيعته ذو هوى، وهو لا يحب من يمنعه من هذا الهوى، فإذا حيل بينه وبين ما يريد؛ فإنه لابد أن يجد في نفسه على هذا الإنسان، أو إذا تعرض صديقه أو قريبه أو جاره أو من يحب لموقف، حتى لو كان هو المخطئ، لابد أن يجد في نفسه على من تسببوا له في هذا الموقف، إنما تذكَّر أيها الأخ الكريم، كم من الوقت يبذله المخلصون الساهرون على حماية المجتمع، والمحافظة على أخلاقياته وعلى أمنه وعلى استقامته، وعلى حفظ نسائنا وأخواتنا وبناتنا وزوجاتنا وقريباتنا، كم من الوقت يبذلون؟ وكم من الليل يسهرون؟ في سبيل حماية المجتمع.

ولعلك على -سبيل المثال- تعرف أنهم قد يتعرضون أحياناً للمخاطر، وربما ضُرب أحدهم، وربما هُدد، وربما أُوذي، وربما أُطلق على أحدهم النار، فجلس أياماً أو أسابيع طريح الفراش في المستشفى؛ وما كان السبب إلا لأنه وقف ضد جريمة يمكن أن تقع في المجتمع، ولعلك تعرف من الأخبار ما يقع اليوم -وفي هذه الأيام بالذات- ما يصدق ما قلته لك.

إذاً ينبغي أن نضع الأخطاء في حجمها الطبيعي، وبالمقابل نعمل على تصحيحها بالمستطاع، ثم نلاحظ الجانب الآخر وهو الجانب الإيجابي، جانب العمل على وقاية المجتمع وحمايته.

وهنا لي مجموعة من التعليقات:

أولاً: إن الدين يا أخي ليس ملكاً لفئة خاصة، الدين ليس ملكاً لشباب الهيئات، والدين ليس ملكاً للشباب الملتزمين، والدين ليس ملكاً للقضاة -مثلاً- والدين ليس ملكاً للدعاة، ولا ملكاً لطبقة معينة، الدين دين الله عز وجل، والكل مطالبون بتقوى الله ومطالبون بعبادته، ومطالبون بفعل الخير، ومطالبون بترك الشر، والجنة خلقت لكل مطيع، والنار خلقت للعاصي والكافر والمعاند، بغض النظر عن أي اعتبار آخر.

الدين دين الله عز وجل، ووجود فئة قلت أو كثرت صغرت أو كبرت؛ في نظرك أنت وفي ظنك وفي قياسك، باعتبارك أن هذا الفئة لا تمثل الدين أو لا تقوم به أو لا تطبقه تطبيقاً صحيحاً، أو أن أخلاقيات هذه الفئة أو أساليبها أو طرقها لا تمثل الدين، لا يعني ذلك أنك تنحرف عن الدين، كلا! بل الواجب عليك أن تكون أكثر تديناً وإخلاصاً وصدقاً؛ حتى تنجح أنت في تطبيق ما تقول إن الآخرين عجزوا عنه أو قصروا فيه.

وهذه قضية أساسية، يقول الله عز وجل: إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً [مريم:93-95] ويقول سبحانه وتعالى: وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ [الأنعام:94] حتى الثياب ما عليك ثياب وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكم [الأنعام:94].

إذاً المسؤولية يوم القيامة مسؤولية فردية وكل إنسان يحاسب، قال تعالى: وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً [الإسراء:13-14] المطلوب من كل فرد أن يزكي نفسه، ويسعى في صلاحها، ويبعدها وينأى بها عن كل أساليب التجفية والضلال وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:7-10].

ثانياً: كل قطاع أو جهة أو مؤسسة أو شركة أو مجموعة من الناس، لا بد أن يكون فيهم أخطاء، اسأل نفسك سؤالاً: كم أخطاء رجال المرور مثلاً؟ كم أخطاء رجال الدوريات؟ كم أخطاء الشرط؟ بل اسأل نفسك: كم أخطاء الأجهزة الأمنية بشكل عام؟ أنا لا أتحدث عن هذا البلد فقط.

أقول هذا البلد وكل بلاد الدنيا، البلاد الإسلامية خاصة، والبلاد العالمية كلها عامة كم يوجد فيها من الأخطاء والتجاوزات؟ بل أحياناً تصل إلى درجة الفضائح التي يتكلم عنها الإعلام، وتفرح بها الصحف، وتبدئ وتعيد حولها، ويستغلها بعض الخصوم أو بعض المعارضين.

أصدقاؤك الذين تجالسهم وتتحدث معهم، كم تجد عليهم من الملاحظات، ربما تعتب عليهم كثيراً، وقد تقاطعهم، وقد تغضب من فلان أو تسخط من علان.

إذاً لا يمكن أن تتصور أن مؤسسة أو هيئة أو جهازاً أو مجموعة من الناس، فئة الملتزمين -مثلاً- أو فئة المتدينين أو فئة الشباب الأخيار، أو فئة شباب الجمعيات في المدرسة، أو أي فئة من الفئات المنتسبة إلى الدين، ضع في اعتبارك أن من السنن الطبيعية أن هؤلاء بشر، وإذا كان الواحد منهم لا بد أن يوجد عنده خطأ على الأقل، فما بالك إذا اجتمعوا؟ لا بد أن يكون هناك مجموعة من الأخطاء.

إذاً هناك أمر طبيعي لابد أن يوجد، لكن أعتقد أن هناك ميزة في أوساط المتدينين، وأنا لا أريد أن أبالغ في إثباتها ولكني أزعم أنها موجودة، وإذا كان ما أقوله خطأ؛ فأتمنى من إخوتي أن يصححوا لي ما أقول.

أقول: إن الملتزمين بشكل عام أو المتدينين، سواء كانوا في أجهزة رسمية، أو كانوا محتسبين قائمين بالدعوة إلى الله والإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ يوجد لديهم إمكانية الحوار، وإمكانية التفاهم، وإمكانية معرفة الخطأ والتنبيه عليه والسعي في إزالته، أو على أقل تقدير الاعتراف بأنه خطأ، وأحياناً إذا أخطأ عليك إنسان ثم جاءك وقال: والله يا أخي أنا أخطأت وأعتذر إليك، ربما يكفيك هذا لأنك تقول: لا أريد منك أكثر من الاعتراف بالخطأ وإظهار الندم عليه، ولو كلف الإنسان نفسه عناء تجربة ذلك، فإنه لن يخطئ -إن شاء الله- من يظهر له الاستعداد في تصحيح الخطأ ومراجعته ومحاولة إيقافه عند حده.

ثالثاً: لا تنسى أن الإنسان بطبيعته ذو هوى، وهو لا يحب من يمنعه من هذا الهوى، فإذا حيل بينه وبين ما يريد؛ فإنه لابد أن يجد في نفسه على هذا الإنسان، أو إذا تعرض صديقه أو قريبه أو جاره أو من يحب لموقف، حتى لو كان هو المخطئ، لابد أن يجد في نفسه على من تسببوا له في هذا الموقف، إنما تذكَّر أيها الأخ الكريم، كم من الوقت يبذله المخلصون الساهرون على حماية المجتمع، والمحافظة على أخلاقياته وعلى أمنه وعلى استقامته، وعلى حفظ نسائنا وأخواتنا وبناتنا وزوجاتنا وقريباتنا، كم من الوقت يبذلون؟ وكم من الليل يسهرون؟ في سبيل حماية المجتمع.

ولعلك على -سبيل المثال- تعرف أنهم قد يتعرضون أحياناً للمخاطر، وربما ضُرب أحدهم، وربما هُدد، وربما أُوذي، وربما أُطلق على أحدهم النار، فجلس أياماً أو أسابيع طريح الفراش في المستشفى؛ وما كان السبب إلا لأنه وقف ضد جريمة يمكن أن تقع في المجتمع، ولعلك تعرف من الأخبار ما يقع اليوم -وفي هذه الأيام بالذات- ما يصدق ما قلته لك.

إذاً ينبغي أن نضع الأخطاء في حجمها الطبيعي، وبالمقابل نعمل على تصحيحها بالمستطاع، ثم نلاحظ الجانب الآخر وهو الجانب الإيجابي، جانب العمل على وقاية المجتمع وحمايته.

ثالثاً: قضية العشق.

إنها مشكلة كبيرة، وأعتقد أن تعلق القلب بإنسان، سواءً كان فتاة بنتاً أو كان شاباً صغيراً أمرد حسناً وسيماً، تتعلق به بعض قلوب الشباب وتركض وراءه، وربما أركبه أحدهم في سيارته ليل نهار، وسعى إلى تهيئة الفرص والأسباب بأن يجلس حوله في مزرعة أو استراحة أو شقة، وربما كان هذا الرجل أحياناً كبير السن أو متزوجاً أو ذا أطفال، ومع ذلك لا يقوم ولا ببعض الجهد لزوجته أو أطفاله، مثل: ما يقوم به لهذا الإنسان الذي استولى على قلبه، وأصبح يعتبره ولداً لهواه، يسميه ولد الهوى -مثلاً- أو محبوبه أو معشوقه، ويعتبره خاصاً به، ويسعى إلى إرضائه بكل المستطاع، وربما هجره هذا الإنسان؛ فجلس أياماً طويلة يبكي وينتحب كما تنتحب الثكلى.

إن ذلك من أخطر الأمراض التي تودي بالإنسان إلى الهاوية في الدنيا وفي الآخرة، فهو يلهي عن ذكر الله تعالى وعن الصلاة، وأي مكان في القلب المشغول بحب ليلى وسلمى ولبنى، أو المشغول بحب فلان وفلان من المردان الحسان، أي مكان في القلب لذكر الله تعالى أو محبته.

بل ربما يكون في حال عبادة مع الناس وهم في واد وهو في واد آخر، يذهب للحج فيبكي الناس في عرفة ويجأرون إلى الله تعالى وتنهل دموعهم، حتى العصاة والفساق والمقصرون؛ ترى عندهم من الانكسار والبكاء والنحيب والصياح -أحياناً- ما تتكسر له القلوب، ومع ذلك هذا الإنسان في واد آخر، يقول:

وداعٍ دعا إذ نحن بالخيف من منى     فهيج أشجان الفؤاد ولا يدري

دعا باسم ليلى غيرها فكأنما     أطار بـليلى طائراً كان في صدري

أو يصلي فيسجد الناس ويرفعون لرب العالمين، يعفرون جباههم، ويستغفرون ويسألون الله تعالى، ويبللون بدموعهم خدودهم، أما هو فيبكي معهم، ولكن يبكي لشيء آخر مختلف تماماً.

أصلي فأبكي في الصلاة لأجلها     لك الويل مما يكتب الملكان

بل ربما أدى به ذلك إلى أن يعترض على قضاء الله، ويتبرم ولا يرضى بالله تعالى رباً وإلهاً ومدبراً، كما قال أحدهم:

قضاها لغيري وابتلاني بحبها     فهلا بشيء غير ليلى ابتلانيا

وربما تمنى هذا العاشق الوقوع في الفاحشة، لنفسه أو حتى لغيره من الناس، فأحب ما يكرهه الله تعالى ويبغضه، وأبغض ما يحبه الله تعالى ويرضى به، أبغض العفاف وأبغض الطهارة وأبغض النقاء، وأحب الفاحشة والمنكر والفساد، حتى يتحقق له ما يريد، كما قال محمد إقبال رحمه الله:

لقد سئم الهوى في البيد قيس      ومل من الشكاية والعذاب

يحاول أن يباح العشق حتى      يرى ليلاه وهي بلا حجاب

يقول المجنون:

فيا ليت كل اثنين بينهما هوى     من الناس والأنعام يلتقيان

فيقضي حبيب من حبيب لبانة     ويرعاهما ربي فلا يريان

إنه يتمنى أن يفضي كل محبوب إلى محبوبه، فيما يجد في نفسه من التعلل والتعلق الذي يصل إلى حد التعبد لغير الله عز وجل، إن هذا قد يفضي بالإنسان أحياناً إلى الشرك والكفر.

روى ابن الجوزي، كما في كتاب تسجيل الأشواق، أن شاباً خرج فرأى جارية نصرانية، فعلق قلبه بها وأشرب حبها، وسهر الليل وتعب ومرض، وحيل بينه وبينها فلم يستطع؛ حتى أصيب بخبل في عقله وحمل إلى المستشفى، مستشفى الأمراض العقلية كان وقتها يسمى المارستان-.

حمل هذا الإنسان إلى المستشفى، وكان له صديق يتردد عليه قال: فلما جاءه أحد المرات، قال له هذا الإنسان العاشق المريض: إني قد يئست من لقاء فلانة في الدنيا -وهي كانت نصرانية- قال: فأريد أن أتنصر لعلي ألقاها في الدار الآخرة، حتى ولو كان في نار جهنم والعياذ بالله تعالى.

قال: فتنصر ومات من ساعته، ثم خرج هذا الإنسان فجاء إلى تلك الفتاة يوماً من الأيام، وإذا بها قد أصابها ما أصابها من الوله والعشق والتعلق بذلك الإنسان، ولم تدر ما خبره، فإذا بها تقول: إنني قد أيست من لقاء هذا الإنسان في الدنيا، وقد رأيته مسلماً وأنا أحب أن ألقاه في الآخرة، فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله.

ثم أسلمت وصدقت ثم قبضت على الإسلام، فانظر كيف يمكر الله تعالى بمثل هؤلاء الذين فتنوا أنفسهم، وضلوا وأضلوا، والله تعالى قال: وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ [الأنفال:30] فعلى العبد أن لا يأمن مكر الله أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ [الأعراف:99].

علاج العشق

العلاج: وإن كنت أود أن أقول: في الأسبوع القادم -إن شاء الله تعالى- سوف أتحدث بعنوان طالما وعدت الإخوة به، وماطلت وسوفت، وطلبوه وطلبوه حتى ملوا وسئموا وتركوا الأمر، وهو سيكون نهاية الحديث مع إخواني من الشباب في الأسبوع القادم بإذن الله تعالى، وتحت عنوان: مصارع العشاق.

لكن لا بأس أن أعرض الآن بسرعة ما دمت عرضت موضوع العشق، أن أشير إلى بعض ألوان العلاج باختصار:

أولاً: غض البصر وحفظ الجوارح، الأذن وغيرها.

قال الله تعالى: وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً [الإسراء:36] وكل هذه الجوارح هي عبارة عن سواقٍ وأنهار تصب في القلب، فما تراه بعينك أو تسمعه بأذنك أو حتى تتكلم به في لسانك؛ فإنه يظهر أثره في القلب.

ثانياً: البعد عن مواطن الشبهة والشهوة والإثارة، وتجنب ذلك ما أمكن.

ثالثاً: الفرار إلى الله تعالى واللجوء إليه، فإنه كما قال الله تعالى: وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ [التوبة:118] وقال تعالى: فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ [الذاريات:50].

رابعاً: الزواج للجنسين الذكر والأنثى، فإنه هو السبيل الشرعي لتفريغ هذه الشهوة والغريزة والعاطفة، بطريقة شرعية مباحة، تبني ولا تهدم وتعمر ولا تدمر.

خامساً: شغل النفس بالأمور الشرعية، من طاعة الله تعالى، والصلاة، وطلب العلم، وقراءة القرآن وحفظه ومذاكرته، أو على أقل تقدير بالأمور المباحة التي تملأ العقل والقلب والوقت، كأن يشتغل الإنسان بالتجارة -مثلاً- أو الزراعة أو الدراسة أو الرياضة المباحة، أو ما أشبه ذلك مما لا يضر وربما ينفع.

سادساً: استعمال العقل واستخدامه، فإن الله تعالى وهبك العقل حتى تميز به بين النافع والضار، والعقل بإذن الله تعالى يعصم الإنسان عن الشهوات وعن الشبهات، ففيما يتعلق بالشبهة يستطيع أن يصل إلى الحق بإذن الله تعالى متى صدق الله، وفيما يتعلق بالشهوة فإنه لو فكر في عواقبها لتركها، لو فكر في عواقب الشهوة، كم تورث من الحزن الطويل، وكم تورث من المرض، وكم تورث من القلق والتوتر، وكم تسبب من الأمراض النفسية، وكم تجني على العبد، وكم لها من الآثار والأضرار والعواقب الأخروية، التي منها: أن يكوى هذا الجسد الذي تلذذ بلذة محرمة في الدنيا، أن يكوى بالعذاب في الدار الآخرة جزاءً وفاقاً.

ثم لو أنه أعمل عقله في حال معشوقه أياً كان ولداً أو بنتاً، ثم تذكر هذا الجسد الذي عشقه أنه جسد بشري، فيه نقائص البشر وعيوب البشر، ما قيمة أن يزين الإنسان ظاهره بالثوب الجميل المكوي، واللباس والهندام، والشعر المسرح المصبوغ، وغير ذلك، وألوان الطيب والزينة والجمال الظاهر، لكن هناك عيوب فطرية خلقية لا سبيل إلى دفعها بحال من الأحوال، فلا تغتر بلحظة تزين، وتذكر العيوب المختلفة الموجودة في هذا الإنسان.

ثم تذكر حال هذا الإنسان وبشريته، هذا العرق الذي يخرج ويؤثر فيه، الإفرازات التي تخرج منه من أنفه ومن فمه، الفضلات التي مجرد سماعها أو تذكرها يثير الاشمئزاز.

إن هذه الأشياء كلها عيوب جعلها الله تعالى في الإنسان؛ حتى يعتدل الناس في نظرة بعضهم إلى بعض، كما أن الله تعالى أقام الحجة على الناس بالنسبة للمسيح الدجال، لما ادعى الألوهية جعل الله فيه نقصاً فطرياً وهو أن إحدى عينيه طافية فهو أعور، حتى يعلم الناس أن هذه الدعوى العريضة التي يقولها؛ منقوضة بالصورة الحقيقية التي يشهدها.

سابعاً: من الأشياء ومن العلاجات: تذكر الموت.

فإنه يقطع كل لذة، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه أحمد وأصحاب السنن، وهو حديث صحيح: {أكثروا من ذكر هادم اللذات} أي: قاطعها، فإن الموت كما قال عمر بن عبد العزيز [[: ما ذكرته في سعة إلا ضيقها عليك، ولا في ضيق إلا وسعه عليك]].

ثامناً: تذكر الدار الآخرة والعقاب الذي جعله الله تعالى للعصاة والمفسدين قال الله: وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ * ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ * يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ [الانفطار:17-19] وقال تعالى: يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلىً عَنْ مَوْلىً شَيْئاً وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ [الدخان:41] هذا يوم القيامة.


استمع المزيد من الشيخ سلمان العودة - عنوان الحلقة اسٌتمع
أحاديث موضوعة متداولة 5157 استماع
حديث الهجرة 5026 استماع
تلك الرسل 4157 استماع
الصومال الجريح 4148 استماع
مصير المترفين 4126 استماع
تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة 4054 استماع
وقفات مع سورة ق 3979 استماع
مقياس الربح والخسارة 3932 استماع
نظرة في مستقبل الدعوة الإسلامية 3874 استماع
العالم الشرعي بين الواقع والمثال 3836 استماع