تفسير سورة النحل (5)


الحلقة مفرغة

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصِ الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذا اليوم ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، حقق اللهم رجاءنا، إنك ولينا ولا ولي لنا سواك. آمين.

وها نحن مع سورة النحل، ومع هذه الآيات المباركات الكريمات:

قال تعالى: قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ * ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ * الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ [النحل:26-29].

معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! هذا كلام الله نسمعه، والله إنه لكلامه عز وجل، هذا كتابه، وهذا رسوله الذي أنزله عليه، وما أنزل هذا الكتاب أبداً إلا لإصلاح البشرية وإسعادها، والله العظيم ما أنزل كتابه، ولا بعث رسوله لحاجته إلى ذلك أبداً، وإنما من أجل أن يصلح البشرية، وأن يهيئها للكمال والسعادة في الدارين، فمن آمن واستجاب لنداء الله وعبد الله فزكى نفسه وطيبها وطهرها رفعه إلى الملكوت الأعلى فوق السماء السابعة؛ ليعيش في ذلك العالم القدسي الطاهر، ومن انتكس واستكبر وهوى يجري وراء الشهوات والأهواء، ومات والنفس خبيثة منتنة عفنة كأنفس الشياطين نزل به إلى سجين في أسفل سافلين ليخلد أبداً في عذاب الله لا يفارقه أبداً، هذا قضاء الله، هذا حكم الله: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10].

مكر السابقين برسلهم وبيان عاقبة مكرهم

قوله جل جلاله: قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ [النحل:26]، من قبل من؟ من قبل أهل مكة، الذين مكروا برسول الله، وتآمروا على قتله، هؤلاء قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ [النحل:26]، مكروا بنوح، مكروا بإبراهيم، مكروا بموسى، مكروا بالأنبياء، أين هم؟ أهلكم الله: قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ [النحل:26].

مما روي أن بختنصر عدو إبراهيم الخليل، والذي حكم بإعدامه وإلقائه في النار، صنع لنفسه شبه الفلك، وركبه ووضع له حبالاً تتماسك معه ورفعها إلى الأعلى، وجعل فوقه لحمًا مدلى في رمح أو كذا، وربى مجموعة من النسور التي لا تعيش إلا على اللحم وربطها معه بحيث تنظر إلى اللحم فتطير، وأخذت النسور كلما شاهدت اللحم تطير بأجنحتها وهي ترفع تلك السفينة المصنوعة له من خشب؛ ليحارب أهل السماء، وليتحدى إبراهيم، ولما انتهت إلى مستوى انقلبت وتحطمت وهلك من فيها.

و النمرود بن كنعان بأرض بابل صنع قصراً طوله ثلاثون كيلو متر وعرضه نحو ذلك، يريد أن يصعد إلى السماء ليحارب أهل السماء.

وفرعون قال لـهامان : يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأَظُنُّهُ كَاذِباً [غافر:36-37].

هؤلاء تمردوا على الله ومكروا فردوا دعوة رسل الله وحاربوهم، وأرادوا أن يحاربوا الله جل جلاله، وذلك لمسخ عقولهم وفساد فهومهم وأفكارهم، فماذا فعل الله بهم؟

هو ما أخبر تعالى بقوله: َأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ [النحل:26]، فليذكر هذا أهل مكة ليتوبوا إلى الله ويرجعوا إليه، وليذكر هذا كل إنسان ليقلع عن الكفر والشرك ويعود إلى التوحيد والإيمان لينجو ويسعد في الدنيا والآخرة؛ إذ أن هذا الكتاب كتاب هداية للبشرية كلها، ومن حاول أن يتكبر ويتجبر ويتعالى ويهين أولياء الله ويدوسهم بنعله، ويحارب دعوتهم؛ فلا بد أن تنزل به نقمة الله، يأتيه الله بالعذاب الملائم له.

قوله جل جلاله: قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ [النحل:26]، من قبل من؟ من قبل أهل مكة، الذين مكروا برسول الله، وتآمروا على قتله، هؤلاء قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ [النحل:26]، مكروا بنوح، مكروا بإبراهيم، مكروا بموسى، مكروا بالأنبياء، أين هم؟ أهلكم الله: قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ [النحل:26].

مما روي أن بختنصر عدو إبراهيم الخليل، والذي حكم بإعدامه وإلقائه في النار، صنع لنفسه شبه الفلك، وركبه ووضع له حبالاً تتماسك معه ورفعها إلى الأعلى، وجعل فوقه لحمًا مدلى في رمح أو كذا، وربى مجموعة من النسور التي لا تعيش إلا على اللحم وربطها معه بحيث تنظر إلى اللحم فتطير، وأخذت النسور كلما شاهدت اللحم تطير بأجنحتها وهي ترفع تلك السفينة المصنوعة له من خشب؛ ليحارب أهل السماء، وليتحدى إبراهيم، ولما انتهت إلى مستوى انقلبت وتحطمت وهلك من فيها.

و النمرود بن كنعان بأرض بابل صنع قصراً طوله ثلاثون كيلو متر وعرضه نحو ذلك، يريد أن يصعد إلى السماء ليحارب أهل السماء.

وفرعون قال لـهامان : يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأَظُنُّهُ كَاذِباً [غافر:36-37].

هؤلاء تمردوا على الله ومكروا فردوا دعوة رسل الله وحاربوهم، وأرادوا أن يحاربوا الله جل جلاله، وذلك لمسخ عقولهم وفساد فهومهم وأفكارهم، فماذا فعل الله بهم؟

هو ما أخبر تعالى بقوله: َأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ [النحل:26]، فليذكر هذا أهل مكة ليتوبوا إلى الله ويرجعوا إليه، وليذكر هذا كل إنسان ليقلع عن الكفر والشرك ويعود إلى التوحيد والإيمان لينجو ويسعد في الدنيا والآخرة؛ إذ أن هذا الكتاب كتاب هداية للبشرية كلها، ومن حاول أن يتكبر ويتجبر ويتعالى ويهين أولياء الله ويدوسهم بنعله، ويحارب دعوتهم؛ فلا بد أن تنزل به نقمة الله، يأتيه الله بالعذاب الملائم له.

قال تعالى: قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ * ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ [النحل:26-27]، عذاب الدنيا مهما كان عظيماً جليلاً فهو ليس بشيء أمام عذاب الآخرة، أجسامنا ليست بشيء أمام أجسام أهل الآخرة، أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن: ( ضرس الكافر في جهنم كجبل أحد، وما بين كتفيه -عرضاً- كما بين مكة وقديد )، مائة وخمسة وثلاثون كيلو متر، هذا هو الخلق الذي يخلق يوم القيامة ليخلد في العذاب، ولتحرقه النار بلايين السنين ولا يحترق، كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ [النساء:56]، لا يفارقونه أبداً، وإنما يخرج من وحد الله ولم يشرك به، واجترم الجرائم وقارف الذنوب ومات على سوء الخاتمة ودخل النار، فهذا وإن احترق فيها وعاش قروناً فيها فلا بد حسب سنة الله أن يخرج من النار، إذ قد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( من قال لا إله إلا الله دخل الجنة )، من قال لا إله إلا الله من قلبه صادقاً فيما يقول بلسانه دخل الجنة وإن قارف الذنوب ودخل النار؛ لأنها حسنة ما فوقها حسنة، أما الذين ماتوا على الكفر والشرك فمصيرهم ما قال تعالى عنه: ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ [النحل:27]، يذلهم ويهينهم جل جلاله وعظم سلطانه، إما بنفسه أو بملائكته وعباده المؤمنين، وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ [النحل:27]، هاتوهم، وفي (تشاقون) قراءتان سبعيتان: (تُشَاقُّونَ)، (تشاقوني)، والمشاقة معروفة، يعبدون الأحجار والأصنام والأهواء ويحكمون الشياطين، ويتركون كتاب الله ودينه وأولياءه وشرعه بالمشاقة، كأنما الله في شق وهم في شق، نعم، الله يبعث رسله ومعهم بيانه وهداه ورحمته وعلمه؛ لتعبد البشرية ربها فينجوا ويسعدوا، والشياطين يدعون البشرية إلى عبادة الأحجار والأصنام والشهوات، ويجادلون على الشرك والكفر ويعاندون حتى الموت، هذا مصيرهم.

قال تعالى: ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ [النحل:27]، هاتوهم، فهل يقول عبدة عيسى: هذا عيسى؟ والله ما يقولون، وعبدة مريم كذلك، وعبدة عزير، وعبدة الأولياء والقبور والصالحين، من يجرؤ ويقول: هذا هو الشريك؟

معنى قوله تعالى: (قال الذين أوتوا العلم إن الخزي اليوم والسوء على الكافرين)

يقول تعالى: أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ [النحل:27]، فيجيب أهل العلم: الأنبياء، والملائكة والمؤمنون أولياء الله، يجيبون الله فيقولون: إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ [النحل:27].

قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ [النحل:27] من هم الذين أوتوا العلم؟ الملائكة والأنبياء وأولياء الله العلماء العارفون بربهم، ماذا يقولون؟ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ [النحل:27]، الذين كفروا بربهم، جحدوا ألوهيته وربوبيته، وأقبلوا على عبادة الشياطين، تزين لهم الأهواء والشهوات، فعبدوا غير الله عز وجل، وحاربوا المؤمنين الداعين إلى ربهم، حاربوا أولياء الله وأنبياءه، وشاقوهم مشاقة عجباً، بل قتلوهم، بل حرقوهم وفعلوا بهم الأعاجيب: وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ * وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ * وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ * قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ * النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ * إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ * وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ [البروج:1-7]، يحرقونهم بالنار؛ لأنهم خالفوا الكافر، ما آمنوا بالباطل، ما آمنوا بالشرك، قالوا لهم: تدخلون في ديننا وتعبدون معنا آلهتنا وإلا أدخلناكم النار. فحفروا أخاديد وملئوها بالحطب وأوقدوا النار فيها، فكانوا يأتون المؤمن فيقولون: تكون معنا تقول بما نقول أم لا؟ فإن قال: لا إله إلا الله قذفوه في النار.

وذكر لنا الحبيب صلى الله عليه وسلم: أن امرأة من هؤلاء تحمل طفلها ترضعه بثديها لما وقفت أمام الأخدود أرادت أن تلقي بنفسها، ثم ذكرت طفلها فبكت وتراجعت، كيف ترمي بنفسها وطفلها في النار؟ فأنطق الله الطفل وقال: أماه لا تخافي.

فهذه المشاقة، وهي والله قائمة، فأهل الكفر، أهل الشرك، العلمانيون، البلاشفة الحمر، الاشتراكيون، الماديون، الفلاسفة الكافرون، كلهم ضد الإسلام يحاربونه، ما يريدونه أن ترتفع له راية ولا أن يسود في الأرض، لماذا يشاقون المسلمين؟ ما حملهم على هذا؟ ماذا طلب الإسلام منهم سوى أن يطهروا ويصفوا ويكملوا في آدابهم وأخلاقهم ويتراحموا ويتعاونوا حتى تنتهي هذه الحياة، أبوا وأصروا على الكفر والحرب والعناد، وصدق الله العظيم: الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ [النحل:27]، يشاقون الله عز وجل.

يقول تعالى: أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ [النحل:27]، فيجيب أهل العلم: الأنبياء، والملائكة والمؤمنون أولياء الله، يجيبون الله فيقولون: إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ [النحل:27].

قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ [النحل:27] من هم الذين أوتوا العلم؟ الملائكة والأنبياء وأولياء الله العلماء العارفون بربهم، ماذا يقولون؟ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ [النحل:27]، الذين كفروا بربهم، جحدوا ألوهيته وربوبيته، وأقبلوا على عبادة الشياطين، تزين لهم الأهواء والشهوات، فعبدوا غير الله عز وجل، وحاربوا المؤمنين الداعين إلى ربهم، حاربوا أولياء الله وأنبياءه، وشاقوهم مشاقة عجباً، بل قتلوهم، بل حرقوهم وفعلوا بهم الأعاجيب: وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ * وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ * وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ * قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ * النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ * إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ * وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ [البروج:1-7]، يحرقونهم بالنار؛ لأنهم خالفوا الكافر، ما آمنوا بالباطل، ما آمنوا بالشرك، قالوا لهم: تدخلون في ديننا وتعبدون معنا آلهتنا وإلا أدخلناكم النار. فحفروا أخاديد وملئوها بالحطب وأوقدوا النار فيها، فكانوا يأتون المؤمن فيقولون: تكون معنا تقول بما نقول أم لا؟ فإن قال: لا إله إلا الله قذفوه في النار.

وذكر لنا الحبيب صلى الله عليه وسلم: أن امرأة من هؤلاء تحمل طفلها ترضعه بثديها لما وقفت أمام الأخدود أرادت أن تلقي بنفسها، ثم ذكرت طفلها فبكت وتراجعت، كيف ترمي بنفسها وطفلها في النار؟ فأنطق الله الطفل وقال: أماه لا تخافي.

فهذه المشاقة، وهي والله قائمة، فأهل الكفر، أهل الشرك، العلمانيون، البلاشفة الحمر، الاشتراكيون، الماديون، الفلاسفة الكافرون، كلهم ضد الإسلام يحاربونه، ما يريدونه أن ترتفع له راية ولا أن يسود في الأرض، لماذا يشاقون المسلمين؟ ما حملهم على هذا؟ ماذا طلب الإسلام منهم سوى أن يطهروا ويصفوا ويكملوا في آدابهم وأخلاقهم ويتراحموا ويتعاونوا حتى تنتهي هذه الحياة، أبوا وأصروا على الكفر والحرب والعناد، وصدق الله العظيم: الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ [النحل:27]، يشاقون الله عز وجل.

قال تعالى: الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ [النحل:28]، الذين يموتون الآن في الدنيا والحال أنهم ظالمون لأنفسهم، من هو الذي يظلم نفسه يرحمكم الله؟ الذي يحملها على الفسق والفجور، على الشرك والذنوب والآثام، يلطخها ويقبحها، والله لقد ظلمها، والله إنه لها لظالم، النفس يوم نفخها الملك في الجسم في الرحم كانت أشد إضاءة من هذا النور، وانظر إليها حين يولد الطفل إلى السنة السابعة والثامنة وهو كالملائكة لا يعرف خبثاً ولا ظلمًا ولا فسادًا ولا شرًا، فلما تصبح أهلاً لأن تدعى فتستجيب يتولى عليها الشيطان فيصرفها عن الرحمن، فتعيش على الكفر والشر والذنوب والآثام، فهل صاحبها ظالم لها؟ إي والله لقد ظلمها.

الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ [النحل:28]، اطرحوا معلنين عن خزيهم وذلهم ومهانتهم: فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ [النحل:28].

ذكر ما تتناوله الآية الكريمة من أصناف الناس

هذه الآية تتناول:

أولاً: المؤمنين الذين كانوا في مكة ودخلوا في الإسلام، ولما شاهدوا قوة الكفر وعظمة سلطانه رجعوا وانتكسوا وعادوا إلى الشرك، وتشمل أيضاً المؤمنين الذين كانوا في مكة وفرض الله عليهم الهجرة بأن يخرجوا من ديارهم إلى المدينة، فعز عليهم أن يتركوا مناصبهم وأموالهم، وأبوا أن يهاجروا وماتوا على الكفر والشرك والعياذ بالله، ومنهم من جاء إلى بدر يقاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم، هؤلاء ينتظمهم هذا اللفظ ويشملهم، ويشمل أيضاً الذين يوجدون في بلد يمنعون فيه من عبادة الله، وثم يرضون بالبقاء على الشرك والكفر والفسق والعصيان ولا يهاجرون من تلك البلاد، والآية الكريمة التي تبين هذا من سورة النساء هي قول الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ [النساء:97]، هذا السؤال: فِيمَ كُنتُمْ [النساء:97]، ما هذه الأوساخ؟ ما هذا النتن؟ فِيمَ كُنتُمْ [النساء:97]، في المراحيض، في المزابل؟ فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ [النساء:97]، قومنا منعونا أن نصلي أو نعبد الله، أو نأكل الحلال ونترك الحرام، قومنا فرضوا علينا أن نكشف وجوه نسائنا، وأن نفعل ونفعل، فماذا نصنع؟ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا [النساء:97].

حكم الإقامة حيث لا يتمكن المرء من عبادة ربه وطاعته

معاشر المستمعين! لا يحل لمؤمن ولا مؤمنة أن يقيم في بلد لا يتمكن فيه من عبادة الله، حتى لو كان مكة المكرمة، لا يحل لمؤمن ولا مؤمنة أن يبقى في ديار أهلها كفار يحرمونه من أن يعبد الله، بل يسبون الله أمامه ويهينون المؤمنين بين يديه، لا يحل له البقاء أبداً، وإن هو استمر على البقاء مؤثراً دنياه عن آخرته ومات كذلك فوالله لهذه الآية فيه نزلت: الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ [النحل:28]، وعرفنا معنى الظلم.

صارت نفوسهم منتنة عفنة، صبوا عليها أوزاراً وذنوباً وآثاماً، ولذا قالوا: فِيمَ كُنتُمْ [النساء:97]، ما قالوا: أين كنتم؟ فيقولون: كنا بمكة أو في باريس، لكن فِيمَ [النساء:97]، تدل على أنهم ملطخون عفنون لا ينظر إليهم.

قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ [النساء:97]، الحكومة ورجال البلاد ما سمحوا لنا أن نصلي ولا نصوم ولا نعبد الله: كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ [النساء:97]، هذا عذر في الظاهر ما هو بمقبول، فإن كنتم مستضعفين فاهربوا.. اخرجوا بالليل والنهار كما كان المؤمنون يخرجون من مكة، لقد مكثت أم سلمة سنة كاملة وهي تخرج إلى ديار مكة ثم تعود، ما سمحوا لها أن تعود إلى مكة، ثم يسر الله وخرجت، فالذين يعيشون في بلاد بيضاء أو سوداء لا يستطيعون أن يعبدوا الله فيها يجب أن يهاجروا، يجب أن يخرجوا منها، والذين وجدوا دار أمن يعبدون الله ولا يخافون أحداً وإن كانت دار كفر كدار أصحمة الحبشي ؛ فلا بأس بذلك، كانت بلاد كفر مسيحية محضة وملكهم صليبي، وهاجر إليها مؤمنون من مكة، من بلد الله؛ لأنهم ما أطاقوا الكفر ولا استطاعوا أن يدفعوا عن أنفسهم، أذن لهم الحبيب صلى الله عليه وسلم أن يهاجروا إلى الحبشة، إذ فيها ملك صالح، ونزلوها وعبدوا الله عز وجل بين يدي الكافرين.

إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ [النساء:97]، رد عليهم الملائكة -ملك الموت وأعوانه الذين يقبضون أرواحهم- فقالوا لهم: أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا [النساء:97]؟ ماذا يقولون: أرض الله ضيقة؟

وقد قلت غير ما مرة للمستمعين والمستمعات: إن كنت في عمارة تسكنها وما استطعت أن تتقي الله فيها فيجب أن تخرج من هذه العمارة وتستبرئها، كنت في قرية من القرى ما تمكنت من أن تعبد الله فيها يجب أن ترحل من هذه القرية إلى أخرى في نفس الإقليم وفي نفس البلاد، كنت في وظيفة فما استطعت أن تعبد الله بها يجب أن تتركها وتطلب عملاً آخر ولو سقاية ماء، لا يحل لمؤمن ولا مؤمنة وهو قادر على الهجرة أن يقيم في أرض لا يمكنه أن يعبد الله تعالى فيها أبداً.

واسمعوا ماذا تقول الملائكة ملك الموت وأعوانه، قال تعالى: الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ [النحل:28] حال كونهم ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ [النحل:28] واستسلموا وقالوا: مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ [النحل:28].

معنى قوله تعالى: (بلى إن الله عليم بما كنتم تعملون)

قال تعالى حكاية عن الملائكة: بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [النحل:28] من الذنوب والمعاصي والآثام، بلى إن الله عليم بما كنتم تعملونه، انكشفت سوآتهم، هذا الموقف عند سكرات الموت، في المستشفى على سرير الموت تتم هذه الإجراءات كلها.

فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [النحل:28]، أي: من الظلم والفسق والفجور والشرك وترك عبادة الله.. وما إلى ذلك.

هذه الآية تتناول:

أولاً: المؤمنين الذين كانوا في مكة ودخلوا في الإسلام، ولما شاهدوا قوة الكفر وعظمة سلطانه رجعوا وانتكسوا وعادوا إلى الشرك، وتشمل أيضاً المؤمنين الذين كانوا في مكة وفرض الله عليهم الهجرة بأن يخرجوا من ديارهم إلى المدينة، فعز عليهم أن يتركوا مناصبهم وأموالهم، وأبوا أن يهاجروا وماتوا على الكفر والشرك والعياذ بالله، ومنهم من جاء إلى بدر يقاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم، هؤلاء ينتظمهم هذا اللفظ ويشملهم، ويشمل أيضاً الذين يوجدون في بلد يمنعون فيه من عبادة الله، وثم يرضون بالبقاء على الشرك والكفر والفسق والعصيان ولا يهاجرون من تلك البلاد، والآية الكريمة التي تبين هذا من سورة النساء هي قول الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ [النساء:97]، هذا السؤال: فِيمَ كُنتُمْ [النساء:97]، ما هذه الأوساخ؟ ما هذا النتن؟ فِيمَ كُنتُمْ [النساء:97]، في المراحيض، في المزابل؟ فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ [النساء:97]، قومنا منعونا أن نصلي أو نعبد الله، أو نأكل الحلال ونترك الحرام، قومنا فرضوا علينا أن نكشف وجوه نسائنا، وأن نفعل ونفعل، فماذا نصنع؟ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا [النساء:97].