المرأة بين الشرع والمجتمع


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

أيها المسلمون والمسلمات: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

إن اجتماع مثل هذه الأعداد الغفيرة في مسجد من مساجد الله تعالى للصلاة، وقراءة القرآن، وسماع الذكر لهو أكبر دليل على أن دين الإسلام هو ضمير هذه الأمة وروحها، وأن هذه الأمة مهما كاد لها الكائدون، وحاول المحاولون، فإنها تأبى أن تنسلخ عن هذا الدين، الذي أكرمها الله تبارك وتعالى به، واصطفاها لحمله جيلاً بعد جيل، ورعيلاً بعد رعيل.

أيها الإخوة والأخوات: وموضوع حديثي إليكم في هذه الليلة، هو حول: المرأة بين الشرع والمجتمع، وهناك قضية أُقدِّم بها، وهي: الإشارة إلى أن وضع المرأة المسلمة في مجتمعنا يُعتبَر في هذه الظروف والأيام وضعاً حرجاً وصعباً، وذلك لأسباب عديدة:

كثرة المشكلات

أولاً: نعرف أن الحالة التي تعيشها كثيرٌ من النساء في مجتمعنا هي كغيرها، فيها كثير من المشكلات المعقدة وغيره المعقدة، ولكن هذه المشكلات لم تبْرُز بعد في السطح، ولم تُناقَش بطريقة صحيحة، وكثيرٌ من المتربصين ينتهزون هذه الفرص لتفجير هذه الأوضاع، وإثارتها وحلها بالطريقة التي تعجبهم.

التناقض بين ما تعرفه من الدين وما تراه في الواقع

ومن جهة ثانية: فنحن نلاحظ أن المرأة المسلمة في هذه الأيام، وفي كل مكان تعيش تناقضاً صعباً بين ما تعرفه من دينها وتتلقاه من كتاب ربها وسنة نبيها صلى الله عليه وسلم، وبين ما تجده من وسائل التثقيف الأخرى، ففي الوقت الذي تسمع فيه المرأة -مثلاً- قول الله تعالى: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى [الأحزاب:33] وقول الله -عزَّ وجلَّ-: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ [الأحزاب:59] وقول الله تعالى: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا [النور:31] هي تشاهد في المقابل -عبر وسائل كثيرة- المرأةَ السافرة التي قد كشفت عن شعرها، ووجهها، ونحرها، وذراعَيها، وساقَيها، وربما أكثر من ذلك، وفي الوقت الذي تسمع فيه المرأةُ المسلمة أن المرأة المسلمة لا يجوز لها أن تسافر مسيرة يوم وليلة، أو مسيرة ثلاثة أيام، أو غير ذلك -كما ورد في النصوص- إلا مع ذي محرم، فإنها تجد كثيراً من النساء في واقع الحياة، ومن خلال وسائل التثقيف المختلفة يضربن بهذا التوجيه عُرض الحائط، ويذهبن مسافات مع الرجال أو منفردات، ويحضرن المؤتمرات والندوات، ويتحدثن، وتظهر صورهن في الصحف وغيرها.

وفي الوقت الذي تسمع فيه المسلمة قول الله عزَّ وجلَّ: يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً [الأحزاب:32] تجد المرأة المسلمة -من خلال وسائل كثيرة- أن كثيراً من النساء اللاتي وُضِعن موضع القدوة والأسوة يتعرضن للرجال، ويتحدثن إليهم بالكلام اللين، وبالعبارات الرقيقة، وبالأسلوب المؤثر، بل وكأن المرأة تحاول أن تقتنص الرجل إليها بكل وسيلة.

فتجد المرأةُ المسلمة تناقضاً شديداً بين ما تدرسه في المدرسة -مثلاً- من أن المرأة كلها عورة، إلا وجهها في الصلاة، وبين ما تجده من نقض لهذا في ميادين ووسائل أخرى، وهذا التناقض أقل ما ينتجه أن ينتج لنا جيلاً من النساء فاقداً للانتماء والانتساب، لا يدري ما هويته، يقدم رِجْلاً مع الإسلام ورِجْلاً مع التيار المنحرف.

دور أعداء الإسلام

ومن جهة ثالثة: فإننا نجد أن كثيراً من أعداء الإسلام في الداخل والخارج، من شياطين الإنس والجن يبذلون جهوداً كبيرة لإخراج المرأة المسلمة من بيتها، بل من دينها، وأنوثتها، وعفافها، وحجابها، حتى تكون سلعة يقضون بها وطَرَهم في قارعة الطريق.

وليس بغريب أن تجدهم يحاولون أن يحشروا صورة المرأة في كل مكان، ليس فقط للإعلان -مثلاً- عن العطور، أو الملابس، بل حتى وهم يعلنون عن أي بضاعة، ولو كانت المعدات الثقيلة، فإنهم يحرصون على أن تبْرُز صورةُ المرأة، وهذا يثبت أن مقصودهم أن تكون المرأة ألعوبة بيد الرجل، وهم -بطبيعة الحال- لا يقولون هذا، بل هم يقولون: نريد أن نحرك نصف المجتمع، ونريد مجتمعاً يتنفس برئتين، ونريد أن نستفيد من هذا الكم المهمل، إلى غير ذلك من الوسائل، وهذا شيءٌ طبيعي.

فإننا نعتقد جميعاً: أن إبليس شخصياً لو أصدَرَ صحيفةً، أو كَتَبَ مقالاً، أو ألَّفَ مسرحيةً، أو أنشأ جامعةً فإنه لا يمكن أن يقول: إنني أنا الشيطان الرجيم، وأنا أدعوكم إلى نار جهنم، إنما سيقول: إن هذه وسائل أقصد من ورائها الإصلاح، والتثقيف، وطبقاً لتعاليم الشريعة الإسلامية السمحة، وغير ذلك من الوسائل والأساليب، ومِن قبْل قال إبليس للأبوين: مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ [الأعراف:20] وقال: قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى [طه:120] إذاً ورثته ينسجون على منواله، ويمشون على خطاه، فهم لا يعربون عن مقاصدهم الحقيقية.

استقبال عادات الكفار

ومن جهة رابعة: فإننا نجد أن انفتاح العالم اليوم بعضِه على بعض، جعل كثيراً من العادات والتقاليد الموجودة لدى الكفار تنتقل بطريقة العدوى إلى بلاد المسلمين، وتجد من يتلقفها ببلاهة وسذاجة، ومن الغريب أنه قد يوجد في بلادهم عادات وتقاليد مكروهة حتى لديهم هُم، وهُم يبذلون الوسائل والأساليب المختلفة للتخلص منها، فنتلقفها نحن بلا وعي، وقد يكون هناك أشياء تصلح لهم بحكم مجتمعهم وتاريخهم، وعقائدهم، لكنها لا تصلح لهذا المجتمع المسلم، فالذي ينقلها إلى المجتمع المسلم، كغارس النارجيل في أرض الأندلس -كما يقول الإمام أبو محمد بن حزم- أو كغارس الزيتون في أرض الهند وكل ذلك لا يجدي.

إهمال وضع المرأة

ومن جهة خامسة: فنحن نجد أن كثيراً من الدعاة إلى الله عزَّ وجلَّ، وطلاب العلم، والغيورين قد أهملوا وضع المرأة، فإنهم لا يكادون يخاطبون المرأة إلا قليلاً، ولا يتحدثون عن مشكلاتها إلا في أقل القليل، مع أن الوسائل ممكنة -بحمد الله- خاصة في مجتمعنا هذا، فإننا نجد -مثلا- أن جهاز تعليم البنات، جهازٌ يقوم عليه نخبة من أهل الخير والصلاح، وأن المرأة لا زالت تتعاطف مع نداء الحق والإسلام، وأن مخاطبتها من خلال الوسائل، والأشرطة، والكتب، وغيرها أمر ممكن وسهل في هذا الوقت، وأيضاً تجد كثيراً من الأولياء وأهل الخير والصلاح لا يحاولون أن يراقبوا وضع المرأة، مع أننا نجد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يراقب تصرفات عائشة رضي الله عنها، وفاطمة، وغيرهن من المؤمنات والمسلمات، ولم يكن يعيب واحدةً منهن أن يقول لها الرسول صلى الله عليه وسلم: أين كنتِ؟ وأين ذهبتِ؟

ومرَّة من المرات: خرج الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المقبرة ليزور أهل البقيع، ويستغفر لهم، ففقدته عائشة، فخرجت خلفه، فلما رجع صلى الله عليه وسلم رأى سوادها أمامه ولم يعرفها، فلما جاء إلى الفراش، وجد نفسَها مرتفعاً، فقال لها: {يا عائشة، ما لي أراكِ حشيا رابية؟

-لماذا ارتفاعُ نَفَسِك؟-

هل أنتِ السواد الذي رأيتُ أمامي؟

قالت: نعم، يا رسول الله، مهما يكتم الناس يعلمه الله، فلَكَزَها صلى الله عليه وسلم بيده، وقال لها: أخشيتِ أن يحيف الله عليك ورسوله}. وهذا الحديث في: صحيح مسلم وغيره.

ومرة أخرى: رأى الرسولُ صلى الله عليه وسلم بنتَه فاطمة قد جاءت إلى البيت، وكان قد مات رجل من الأنصار، فقال لها: {يا فاطمة، من أين جئتِ؟

قالت: يا رسول الله، ذهبتُ إلى أهل هذا الميت أعزيهم في ميتهم، فقال عليه الصلاة والسلام: لعلكِ بلغتِ معهم الـكدى -وهو: موضع قريب من المقبرة- قالت: كلا، يا رسول الله قال: لو بلغتِ معهم الـكدى، ما دخلتِ الجنة حتى يدخلها جدُّ أبيكِ أو: ما رأيتِ الجنة حتى يراها جدُّ أبيكِ}.

ولم يَعِب عائشة وفاطمة وغيرهما من المؤمنات أن يسائلها الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا يَعِيب المسلم ولا المسلمة أن يكون بينهم مناقشة ومراقبة، فمن حق المرأة أن تسأل زوجها، أو تسأل أخاها الأصغر: أين ذهبَ؟ إن كانت لا تثق بذَهابه، ومن حق الرجل أن يراقب المرأة في جميع تصرفاتها أيضاً.

أولاً: نعرف أن الحالة التي تعيشها كثيرٌ من النساء في مجتمعنا هي كغيرها، فيها كثير من المشكلات المعقدة وغيره المعقدة، ولكن هذه المشكلات لم تبْرُز بعد في السطح، ولم تُناقَش بطريقة صحيحة، وكثيرٌ من المتربصين ينتهزون هذه الفرص لتفجير هذه الأوضاع، وإثارتها وحلها بالطريقة التي تعجبهم.

ومن جهة ثانية: فنحن نلاحظ أن المرأة المسلمة في هذه الأيام، وفي كل مكان تعيش تناقضاً صعباً بين ما تعرفه من دينها وتتلقاه من كتاب ربها وسنة نبيها صلى الله عليه وسلم، وبين ما تجده من وسائل التثقيف الأخرى، ففي الوقت الذي تسمع فيه المرأة -مثلاً- قول الله تعالى: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى [الأحزاب:33] وقول الله -عزَّ وجلَّ-: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ [الأحزاب:59] وقول الله تعالى: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا [النور:31] هي تشاهد في المقابل -عبر وسائل كثيرة- المرأةَ السافرة التي قد كشفت عن شعرها، ووجهها، ونحرها، وذراعَيها، وساقَيها، وربما أكثر من ذلك، وفي الوقت الذي تسمع فيه المرأةُ المسلمة أن المرأة المسلمة لا يجوز لها أن تسافر مسيرة يوم وليلة، أو مسيرة ثلاثة أيام، أو غير ذلك -كما ورد في النصوص- إلا مع ذي محرم، فإنها تجد كثيراً من النساء في واقع الحياة، ومن خلال وسائل التثقيف المختلفة يضربن بهذا التوجيه عُرض الحائط، ويذهبن مسافات مع الرجال أو منفردات، ويحضرن المؤتمرات والندوات، ويتحدثن، وتظهر صورهن في الصحف وغيرها.

وفي الوقت الذي تسمع فيه المسلمة قول الله عزَّ وجلَّ: يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً [الأحزاب:32] تجد المرأة المسلمة -من خلال وسائل كثيرة- أن كثيراً من النساء اللاتي وُضِعن موضع القدوة والأسوة يتعرضن للرجال، ويتحدثن إليهم بالكلام اللين، وبالعبارات الرقيقة، وبالأسلوب المؤثر، بل وكأن المرأة تحاول أن تقتنص الرجل إليها بكل وسيلة.

فتجد المرأةُ المسلمة تناقضاً شديداً بين ما تدرسه في المدرسة -مثلاً- من أن المرأة كلها عورة، إلا وجهها في الصلاة، وبين ما تجده من نقض لهذا في ميادين ووسائل أخرى، وهذا التناقض أقل ما ينتجه أن ينتج لنا جيلاً من النساء فاقداً للانتماء والانتساب، لا يدري ما هويته، يقدم رِجْلاً مع الإسلام ورِجْلاً مع التيار المنحرف.


استمع المزيد من الشيخ سلمان العودة - عنوان الحلقة اسٌتمع
أحاديث موضوعة متداولة 5155 استماع
حديث الهجرة 5026 استماع
تلك الرسل 4157 استماع
الصومال الجريح 4148 استماع
مصير المترفين 4126 استماع
تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة 4054 استماع
وقفات مع سورة ق 3979 استماع
مقياس الربح والخسارة 3932 استماع
نظرة في مستقبل الدعوة الإسلامية 3874 استماع
العالم الشرعي بين الواقع والمثال 3836 استماع