ونبلو أخباركم


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلَّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.

أما بعــد:

فالسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

في هذا المسجد المبارك جامع الغنام في الزلفي، وفي هذه الليلة المباركة ليلة الجمعة الحادي والعشرين من شهر شعبان من سنة ألف وأربعمائة وثلاث عشرة للهجرة، يكون هذا المجلس الذي أسأل الله تعالى بأسمائه وصفاته أن يجعله اجتماعاً مرحوماً، وأن يجعل تفرقنا بعده تفرقاً معصوماً، وألا يجعل فينا ولا منا ولا معنا شقياً ولا محروماً.

أحبتي الكرام: جزاكم الله يا أهل الزلفي من أهل ومن عشيرة خيراً، فإنكم نعم الأهل والدار والجار، ولو أن الإنسان وجد من وقته فسحة وأتبع نفسه هواها لما كان له أن يفارقكم، فإن المرء حين يلقاكم يلقى الكرم وحسن الخلق، والأمانة والديانة والرجال الذين يطمع أن يكون لهم نصيب وبلاء في خدمة هذا الدين والقيام عليه.

وليست بالمرة الأولى التي أزوركم فيها، فإننا ونحن قادمون إليكم في الطريق تذاكرنا الزيارات والمحاضرات التي ألقيتها في هذا البلد، وبدون أن أفصح لكم وأبوح بهذا السر إلا أنني أقول إنها بالتأكيد كانت دون العشرين، وأسأل الله تعالى أن يجعلها في ميزان الأعمال الصالحة، وليس ذلك تذكيراً بشيء مضى إلا أنه اعتذار عن التقصير والإخلال، ورجاؤنا ألا يكون هذا التقصير شديداً وإلا فحقكم كبير، ولكم مكانة في القلب يعلمها الله عز وجل، وكل أهل هذا البلد الطيب -من أهل الخير والصلاح- لهم في سويداء القلب منـزلة عظيمة، ولعلي أذكر مكتب الدعوة في هذا البلد، وجهده وبلاءه وقيامه بالنشاط الخيِّر، سواء في دعوة العلماء والمحاضرين وطلبة العلم للدروس والمحاضرات، أم في القيام على النشاطات المختلفة وتنظيم البرامج والمخيمات وغيرها، أم توزيع الكتب أم سواها أم في دعوة غير المسلمين من خلال المكتب التعاوني العامر الذي يقوم عليه رئيس المحاكم في هذا البلد الطيب، الشيخ محمد المعيتق حفظه الله.

ذلك الرجل الذي شاب مفرقه في الإسلام ولكنه في روح شاب، فنحن نجده أمامنا إن ذهبنا إلى بريدة وإلى عنيزة وإلى الغاط وإلى المجمعة وإلى الشرقية وإلى جدة فحيث ما ذهبت وجدته أمامك، سباقاً إلى الخيرات حريصاً عليها فأسأل الله تعالى أن يجزيه عني وعنكم يا أهل البلد كل خير، وأن يجعله مباركاً أين ما كان، وأن يكثر في العلماء والمشايخ من أمثاله.

ثم إني أشكر أيضاً كل الأساتذة والقضاة والعلماء والأخيار والأحبة الذي يسمعون لي الآن، سواء أكانوا من هذا البلد أم من القادمين إليه، وأسأل الله تعالى أن ينفعنا جميعاً بما نقول ونسمع.

أيها الأحبة: عنوان المحاضرة كما سمعتم (ونبلو أخباركم) ولعلكم سوف تلاحظون في هذه المحاضرة ثورة على روتين المحاضرات والدروس، فلن أبدأ فيها كالعادة بأهمية هذا الموضوع وسبب التحدث عنه إلى غير ذلك كما جرت بذلك العادة في الدروس والمحاضرات، رغبة في التغيير والتنويع لا أكثر.

بل سأبدؤها بعنوان يقول: "من طرائف المحن"، وهي عبارة عن بعض القصص الخفيفة والسريعة التي حصلت لبعض الصالحين والعلماء في حياتهم، وهي إعراب ودليل على أن هذه الحياة بطبيعة وأصل تركيبها لا تخلو من بعض الكدر والمحن والمصائب، سواء للأغنياء أو الفقراء، للكبراء أو الضعفاء، للرجال أو النساء، للمسلمين أو الكفار، فالجميع لا بد أن يلقوا في هذه الحياة بعض الأذى، فالأمر كما قال الله تعالى: اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلادِ [الحديد:20] إلى آخر الآية:-

جبلت على كدر وأنت تريدها     صفواً من الأقذار والأكدار

وإذا رجوت المستحيل فإنما     تبني الرجاء على شفير هارِ<

شريك القاضي مع المهدي

أولاً: ذكر الإمام أبو العرب التميمي في كتابه الموسوم بكتاب: المحن، أن الإمام شريك بن عبد الله القاضي دخل على المهدي الخليفة العباسي مسلِّماً، فقال له: السلام عليك يا أمير المؤمنين، فنظر إليه المهدي ولم يرد السلام، فأعادها شَرِيك مرة أخرى، فما رد عليه السلام، فقال له مرة ثالثة: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، فقال المهدي: عليَّ بالنطع، عليَّ بالسيف، عليَّ بالجلاد، قال القاضي شريك: ولم يا أمير المؤمنين؟ قال: إني رأيت في المنام البارحة أنك تطأ بساطي وأنت عني معرض، فأتيت بالعابر الذي يفسر الأحلام فسألته فقال: إن هذا الرجل يقبل عليك بظاهره وقلبه مع أعدائك، فأريد أن أقتلك وأنتصف منك، فتبسم شريك بن عبد الله وقال: والله يا أمير المؤمنين ما رؤياك برؤيا إبراهيم الخليل عليه السلام، ولا معبرك بمعبر يوسف عليه السلام، أفبرؤيا مثل هذه أو تعبير كهذا تراق دماء المؤمنين بغير حق، فلما سمع المهدي هذا الكلام سري عنه وزال ما في قلبه، واعتذر إلى هذا الرجل وقال له: اخرج من مجلسي، فخرج منه وهو يقول لمن حوله: أفرأيتم أعجب من هذا الرجل، يريد أن يقتل امرأً مؤمناً برؤياً رآها.

إنها مثلٌ من محنة خفيفة ألمت أو كادت أن تلم بهذا القاضي المعروف، وفي ذلك عبر وأسوة تدل على أن هناك من الناس من شأنهم وديدنهم دائماً وأبداً الوقيعة والنكاية والتشهير ومحاولة إيقاع خصومهم بأي سبب، وبأي وسيلة، ولعل عابر الرؤيا كان من هذا الصنف، فأراد أن يستغل الرؤيا للإيقاع بخصم من خصومه، وهو شريك بن عبد الله القاضي، كما تدل على أن الحكمة والمنطق السليم من أهم الأسباب في النجاة من مثل هذا الأمر، وهذه الرؤيا والقصة تذكرنا أيضاً بقصة أخرى.

ذكر الإمام الذهبي رحمه الله في ترجمة شريك بن عبد الله في ميزان الاعتدال: أن شريكاً هذا أتى به رجل من الرجال إلى مجلس الخليفة العباسي، وذلك أن رجلاً يقال له أبو أمية أمسك بـشريك وأدخله على المهدي، وقال له: إن هذا الرجل يعني: شريك بن عبد الله القاضي حدثني عن الأعمش عن سالم عن ثوبان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: { استقيموا لقريش ما استقاموا لكم} يعني لحكام قريش، لأن الحكام كانوا من قريش: {فإذا زاغوا عن الحق فضعوا سيوفكم على عواتقكم ثم أبيدوا خضراءهم} يعني نابذوهم وقاتلوهم، فقال الرجل للخليفة: إن شريكاً حدثني هذا الحديث، وهذا الحديث فيه تحريض على الخلفاء في ذلك الوقت وأمر بقتالهم إذا زاعوا عن الحق، وانحرفوا عنه وتركوا قصد السبيل وحادوا عن المنهج النبوي النبيل.

فقال المهدي لـشريك: أفأنت حدثته بهذا الحديث؟

قال شريك: لا يا أمير المؤمنين كذب والله ما حدثته، قال ذلك الرجل -وهو أبو أمية-: يا أمير المؤمنين عليَّ الحج إلى بيت الله تعالى ماشياً وكل ما في ذمتي صدقة لله تعالى إن لم يكن حدثني بهذا الحديث، فقال لـشريك: ما تقول أنت، قال: يا أمير المؤمنين وأنا عليَّ مثل الذي عليه إن كنت حدثته، فقال الخليفة: صدق، وزال ما في قلبه، فقال ذلك الرجل: يا أمير المؤمنين إنه يقول عليَّ مثل الذي عليك يعني عليَّ ثياب مثل الذي على أبي أمية، وليس يقصد أنه في ذمتي أن أحج إلى البيت الحرام ماشياً ولا أن أتصدق بمالي، فاطلب منه أن يحلف كما حلفت، فقال: صدق، احلف يا شريك مثلما حلف هذا الرجل، قال: لا والله لا أحلف بل ما جاءك هو الصحيح، أنا حدثته بهذا الحديث، فغضب الخليفة وقام يسب الأعمش لأنه روى هذا الحديث عن الأعمش، وكان الأعمش قد مات -رحمه الله- وقتها، فقال الخليفة يسب الأعمش: والله لو أعلم قبر هذا السكران لأحرقته، وصفه بأنه سكران وأنه يشرب الخمر، لأن الأعمش كان يتأول في بعض ألوان النبيذ الذي يتأول فيه أهل العراق، وليس من الخمر المسكر ولكنه من النبيذ الذي يسمونه هم بالمنَصَّف، فقال: والله لو أعلم قبره لأحرقته، قال: لا، يا أمير المؤمنين، والله ما كان يهودياً، بل كان رجلاً صالحاً.

الآن انظر كيف تحول شريك من موقف الدفاع إلى موقف الهجوم، وبدأ يدافع عن هذا الرجل الفاضل الأعمش وهو إمام معروف مشهور؛ في وجه الخليفة، ويقول: ما كان يهودياً حتى تحرق قبره، وما أحرقت قبور اليهود، فلماذا يكون اعتداؤك وبلاؤك وعذابك للمؤمنين والأخيار والعلماء ورواة حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فقال: ما كان يهودياً كان رجلاً صالحاً، قال الخليفة: زنديق، قال شريك: لا، ولا هو بزنديق إن سيما الزنديق معروفة، فالزنديق يشرب الخمر، ولا يحضر الصلاة مع الجماعة، ويلعب مع القيان، يعني لو أراد أن يقولها صريحة لقال: المتهم أنت وليس هو، لأنك تشرب الخمر وتسهر مع القيان ولا تؤدي الصلاة مع الجماعة، فغضب الخليفة وهَمَّ به وقال: والله لأقتلنك، قال: إذاً تلقى الله تعالى بمهجة نفس قتلتها بغير حق، فقال: أخرجوه، فأخرجوه ثم تناوله الحراس يخرقون ثيابه وقلنسوته بالسهام، وخرج هذا الرجل من عند الخليفة سالماً.

العبرة من قصة شريك والمهدي

وفي هذه القصة أيضاً عبرة، أولئك الرواة الذين يسمعون الحديث؛ وليس همهم أن يرووا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أن يتلقوا العلم ولا أن يستفيدوا ويستضيئوا بنوره، وإنما همهم الوشاية به إلى الخليفة، روى فلان كذا وروى فلان كذا، إن من حق الأعمش ومن حق سالم ومن حق ثوبان ومن حق شريك أن يرووا ما سمعوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يذهبوا به على وجهه السليم فإن النبي صلى الله عليه وسلم حين قال هذا الحديث لم يقصد به ولم يكن معنى الحديث الخروج على الحاكم المسلم الذي يحكم بالشريعة إذا أخطأ أو قصر، فإنه صلى الله عليه وسلم قال كما في الحديث الصحيح حديث عبادة: {وعلى أن لا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله تعالى فيه برهان}.

إذاً فالأمر معلق بأن يرى المؤمنون الكفر البواح الصراح، الذي لا لبس فيه ولا خفاء ولا مناورة فيه ولا مداورة، وهذا معنى قوله عليه الصلاة والسلام: {استقيموا لقريش ما استقاموا لكم فإذا زاغوا عن الحق} أي: انحرفوا عنه وتركوا قصد السبيل إلى الكفر البواح الذي عندكم من الله تعالى فيه برهان، ولكن بعض هؤلاء يسمعون الحديث ويسمعون الأخبار ويسمعون الروايات؛ وإنما همهم منها أن ينقلوا إلى غيرهم وأن يتشفوا من خصومهم، هذا جانب.

الجانب الثاني: ما جبل عليه علماء السلف الصالح كما يظهر في سلوك أسلوب شريك بن عبد الله رضي الله عنه من الصدق والوضوح والصراحة والشجاعة والصبر في ذات الله تعالى، حتى ولو كان في ذلك حتفهم وعطبهم وهلاكهم، فإن شريكاً كان يرى لمعان السيوف ويسمع القعقعة ويسمع أصوات الجند، وبين يديه أعداد متطاولة من الجند ربما لا يدرك البصر مداهم، كل واحد منهم منتظر أن يؤذن له حتى يخطف رأس شريك، وأمامه الخليفة وقد غضب وأحمرت أوداجه وأحمرت عيناه وأرغى وأزبد وزمجر، وكاد أن يفقد صوابه، ومع ذلك ظل شريك محتفظاً برباطة جأشه وقوة قلبه وصبره، حتى دافع عن الأعمش رحمه الله تعالى في مجلس الخليفة وذب عن عرضه لتذب عنه النار يوم القيامة.

ثم إن في ذلك دليلاً على ما تحلى به أولئك الخلفاء في الزمن السابق من التحري والدقة والصبر وحسن الظن، فإن المهدي في المرة الأولى لما قال له شريك: لماذا تستحل دمي برؤيا قد تكون حقاً أو باطلاً، وبمعبر قد يكون أصاب أو أخطأ؟

رجع إلى الحق وأذعن له ولم يمس شريكاً بشيء، وفي المرة الثانية لما حلف له شريك صدقه وكذب الراوي فيما روى أنه أخذ عنه، ثم طلب منه بعد ذلك أن يقسم قسماً صريحاً، فلما أصر لم يتسرع في قتله ولا إيذائه ولا إنـزال العقوبة به، لأنه يدري أنه عالم له مكانته وله فضله وأن الأمة لا تعز ولا تعلو ولا تنتصر ولا تقوى ولا تجتمع كلمتها إلا على إعزاز العلماء وإكرامهم، وحفظهم وحفظ مكانتهم وحفظ هيبتهم وعدم المساس بهم، فإن كل أمم الأرض قاطبة منذ فجر التاريخ تعتز بأكابرها وسادتها وأهل العلم فيها، وتفخر بهم وتطلق أسماءهم على معالمها، وتسمي أولادها بأسمائهم، وتذكرهم بالذكر الحسن، وتدرس كتبهم وتحفظ علمهم، لأن الأمة التي ليس لها ماضٍ ليس لها حاضر ولا مستقبل.

مثل القوم نسوا تاريخهم     كلقيط عيّ في الناس انتساباً<

ماهان مع الحجاج

القصة الثالثة: أرسل الحجاج وهو من هو في بطشه وظلمه وعدوانه، كان والياً معروفاً في العراق، فأرسل إلى رجل يقال له: ماهان -أبي صالح المسبح- وكان رجلاً فاضلاً ديناً عالماً، فقال له الحجاج: إنه بلغني عندك دين وعلم وصلاح، وإنني أحببت أن تلي القضاء، فقال: أنا! قال: أنت، قال: كيف ألي القضاء وأنا لا أستطيع أن أعد من واحد إلى عشرة؟

قال: أنت تتباله عليَّ -يعني: تدعي البله في مجلسي- وتكلم عليه الحجاج وسبه، وقال: أنت مراءٍ، فغضب ماهان من كلام الحجاج وسبه، وخرج من عنده إلى النهر وكان قريباً فقال بأعلى صوته -والناس يسمعون ويرون-: اللهم إن كنت مرائياً فأغرقني، ثم وقع في النهر، فوقف على النهر قائماً وحفظه الله تعالى فلم يغرق حتى خرج يمشي إلى ضفة النهر، فجاءوا به إلى الحجاج، فأمر الحجاج بصلبه، فصلب على باب داره وهو مصر على ذلك، فكان الناس يحيطون به، وفي مثل هذا الموقف رأى هذا الرجل الفاضل بعض التابعين وبعض العلماء والفضلاء ينظرون إليه ويشاهدونه، فقال لواحد منهم: أنت تنظر إلي وتقف مع النظارة! لا تفعل، فإني أخشى أن ينـزل عليك سخط الله، اذهب عني.

فانظر إلى هذا الرجل كيف ثبت على موقفه، وكيف أصر على موقفه، ورفض أن يعمل عند هذا الحاكم الظالم المتغطرس الحجاج بن يوسف، الذي ملأ الدنيا ضجيجاً وصراخاً وسفك دماء المؤمنين بغير حق على ما هو معروف من سيرته وتاريخه، حتى قام عليه من قام من القراء المعروفين على ما هو معروف تفصيله في التاريخ، المهم أن هذا الرجل أبى أن يلي له عملاً واجتهد في ذلك حتى صلب بسببه، ولم ينس وهو في موقف الصلب أن يقدم هذه النصيحة لبعض الحضور من طلبة العلم: أنت يا طالب العلم ليس هذا موقعك، تأتي تتفرج علينا ما نفعت ولا دفعت ولا أنكرت وأصبحت متفرجاً، لا. إذا كانت المسألة مسألة تفرج فاذهب إلى بيت أبيك وأمك واستخفِ فيه لا ينـزل عليك غضب الله عز وجل.

أحمد الخزاعي مع الواثق

القصة الرابعة: وهي قصة عجيبة:

أحمد بن نصر الخزاعي -هذا من أصحاب الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى وكان رجلاً فاضلاً عالماً بُلِيَ بمسألة القول بخلق القرآن، في عهد المأمون ثم في عهد الواثق وأبى بأن يقول بأن القرآن مخلوق، بل أصر أن القرآن كتاب الله تعالى منـزل غير مخلوق منه بدأ وإليه يعود، فحاولوا معه فأبى، فضربوه فأصر، فسجنوه فاستمر حتى أحضره الواثق بين يديه، وقال له: ما هي حجتك في إثبات أسماء الله تعالى والصفات؟

فذكر له أحاديث وأحاديث وآيات حتى مر على قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إن قلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء}. فقال له الواثق: تثبت هذا الحديث! قال: نعم، قال: أي تثبت أن لله يداً وأصابع! قال: نعم، أثبت ذلك كما أثبته رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له الواثق: وهذا تشبيه وهذا تجسيم وهذا وهذا، فغضب أحمد بن نصر الخزاعي وخرجت منه كلمة شديدة على الخليفة، فقال للخليفة: ما أنت والعلم! كيف تتكلم في مسائل العلم وأنت لا تتقنها، إنما أنت نطفة سكران في رحم قينة، يعني إن أباك كان يشرب الخمر وأمك كانت أمة، قال هذه الكلمة الغليظة للخليفة لأنه تصاغر في عينه لما رأى أنه منابذ للحق معارض للسنة، فغضب عليه الخليفة وأمر بصلبه، فصلب في بعض شوارع بغداد، وكان الإمام أحمد يمر عليه فيترحم عليه ويدعو له؛ ويقول: ذلك رجل هانت عليه نفسه في الله تعالى، ثم يقول الإمام أحمد: هذا رجل قد قضى ما عليه، صلب مصراً على العقيدة الصحيحة التي توارثتها الأمة: أن القرآن كلام الله تعالى ليس بمخلوق.

عطاء بن أبي رباح

القصة الخامسة: عطاء بن أبي رباح إمام أهل مكة وفقيههم وعالمهم ومفتيهم، كان عبداً نوبياً أسود ولكن الله تعالى أعزه بالعلم وكرمه بالطاعة، فسوده أهل مكة عليهم حتى كان الخليفة يأتي فيجده في المسجد يصلي، فيجلس إلى جواره ينتظر السلام ليسأله عن مسألة في المناسك، فإذا سلم عطاء سأله الخليفة فأجابه عطاء جواباً مختصراً ثم قام واستقبل القبلة وقال: الله أكبر، وأعرض عن الخليفة.

حتى قال الخليفة لأولاده: يا أولادي تعلموا العلم، فو الله لا أنسى ذلي بين يدي ذلك العبد الأسود وأنا أسأله عن مسائل العلم. عطاء كان ملء سمع الدنيا وبصرها، وترجمته ترجمة حافلة مشهورة مشهودة، كان يوماً من الأيام يصلي في بيت الله الحرام، وكان هناك رجل من الحجاج قد نام، فجاءت الريح فدفعت ثوبه فظهرت منطقته، وهو الحزام الذي يتمنطق به وكان به ماله، فعدا عليه بعض اللصوص وأخذوه، فاستيقظ هذا الرجل فلم يجد أحداً، ثم تلفت فلم ير إلا عطاء قائماً يصلي، فجاء إليه وأمسك بتلابيبه وهزه هزاً عنيفاً، فقال له: يا كذا ياكذا أخذت مالي فلما ظفرت بك ووجدتك فزعت إلى الصلاة، يعني: ظن أن عطاء هو الذي أخذ هذا المال. فقال عطاء: هل علم بهذا أحد؟

قال: لا، إلا أنت.

قال: هلم معي، كم في منطقك من المال؟ قال: مائتا دينار، قال: تعال أعطيك إياها ولا يعلم بذلك أحد، لأن عطاء قد خشي عليه أن يبطش الناس به حينما أذل عالمهم وإمامهم وفقيههم ومفتيهم، فذهب به عطاء إلى بيته وأعطاه مائتي دينار وقال له: اذهب في حال سبيلك، فلما رآه الناس سألوه عن الخبر فأخبرهم فقالوا: أتدري من هذا قال: لا، قالوا: هذا عطاء بن أبي رباح سيد من سادات التابعين، وإمام فقيه حجة ثبت.

فتعجب! وجاء إليه يعتذر إليه فقال: خذ المال، فقال: هيهات، أما المال فقد وهبه الله لك، وأما الحل فأنت مني في حل، فانظر إلى هذا الإمام كاد أن يبتلى بقضية، وكان من الممكن أن تُرَتَّب -لو وجدت مثل هذه المسألة- بعض الأجهزة المتخصصة في التشويه والتشهير، لرتبت منها قضية خطيرة وقالت ونشرت في الصحف وبالخط العريض: عطاء بن أبي رباح يقبض عليه متلبساً بتهمة كذا وكذا، سرقة الحجيج.

ولكان هذا مادة لعدد من التعليقات الإذاعية والإعلامية، بل وربما عُملت أشياء كثيرة من أجل تضليل الناس عن حقيقة هذا الخبر وهذا الأمر، وتشويه صورة هذا الإمام العالم الجليل، ولكن الأمر انتهى عند ذلك الحد، فانظر كيف تحمل عطاء رضي الله عنه ذلك الأمر، وعفا عن هذا الرجل، وأنهى هذه القضية؛ لأنه كان يعمل لله تعالى لا للناس، فليس يضره أن يتكلم الناس فيه ولا أن يعيبوه ولا أن يتهموه بما هو منه براء: إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً [الإنسان:9]. وانظر إلى الناس كيف وقفوا إلى صف عطاء رضي الله عنه، وعرفوا هذا الرجل بحقيقته وطلبوا منه أن يذهب إليه ويتحلل منه ما دام الأمر ممكناً.

وانظر كيف انتهت القضية عند هذا الحد، وأصبح الناس يتندرون بهذه القصة، ويعرفون كم كان مبلغ هذا الرجل من الخطأ وكم كان هذا الرجل بعيداً عن العلم والمعرفة، إذ من هو الذي يجهل عطاء بن أبي رباح وهل يخفى القمر، كلا!

عراك بن مالك مع يزيد بن عبد الملك

القصة السادسة: يزيد بن عبد الملك خليفة أموي، فقد نفى يزيد بن عبد الملك رجلاً إلى جزيرة اسمها دهلك، وكان هذا الرجل اسمه عراك بن مالك، وهو رجل صالح ديِّن خيِّر؛ ولكن لم يعجب الخليفة في هديه وطريقته وعلمه، فغضب منه وكرهه وأبعده وأقصاه، وطالما حصل مثل هذا وغادر المؤمنون ديارهم وبلادهم وأخرجوا منها بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله، وطالما أوذوا في سبيل الله عز وجل فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصر الله عز وجل، فنفاه إلى تلك الجزيرة -جزيرة دهلك- وكان عمر بن عبد العزيز من قبله قد نفا رجلاً آخر إلى تلك الجزيرة.

ولكن البون شاسع فياترى من هو الرجل الذي نفاه عمر بن عبد العزيز؟

هل نفى عمر رجلاً لصلاحه أو لتقواه أو لورعه أو لفتواه أو لمجاهرته بمسائل العلم؟ كلا، وإنما نفى عمر بن عبد العزيز شاعراً خليعاً يقال له الأحوص إلى تلك الجزيرة، ففي عهد عمر بن عبد العزيز -رحمه الله تعالى ورضي الله عنه- كان النفي والإبعاد والطرد يكون للشعراء المجان، شعراء الفجور والحداثة والخلاعة والدنيا، ويكون التقريب والإعزاز والإكرام لأهل العلم، وأهل الورع وأهل التقوى وأهل الزهد وأهل العبادة، ولذلك نفى عمر الأحوص إلى دهلك.

أما يزيد بن عبد الملك فقد نفى عراك بن مالك، والطريف في الأمر أن أهل دهلك كانوا يدعون لـيزيد بن عبد الملك، ويقولون: جزاك الله عنا خيراً يا يزيد فقد أحضرت إلينا رجلاً علّم أولادنا القرآن والسنة والحديث، وكان عمر بن عبد العزيز من قبلك نفى إلينا رجلاً علم أولادنا الشعر والشر، فانظر: مصائب قوم عند قوم فوائد.

سفيان الثوري مع أبي جعفر المنصور

القصة السابعة: دخل سفيان الثوري على أبي جعفر المنصورسفيان الثوري رجل معروف تاريخه كله تاريخ صبر ومصابرة، وبلاء وجهاد، وإيذاء في سبيل الله وصبر واحتساب- دخل مرة على الخليفة أبي جعفر فضرب سفيان البساط برجله بقوة، ثم تقدم وجلس فقال له الحجَّاب: كيف تجلس قبل أن يأذن لك أمير المؤمنين، فقال: إني لا أحتاج إلى إذن أحد، ثم تكلم على أمير المؤمنين ونصحه بقوة وشدة.

فقال الحراس والحجاب للخليفة: يا أمير المؤمنين إن ترك مثل هذا يكون سبباً في الجراءة عليك وعلى سلطانك وقد يمرغ سمعة الدولة ويعرضها للخطر، فلو قتلته "فتبسم الخليفة" وتبسم سفيان، قال الخليفة: إنه سيقول لكم قولاً عظيماً، ما تقول في هؤلاء يا سفيان؟ قال: هؤلاء يا أمير المؤمنين والله الذي لا إله غيره شر من بطانة فرعون، فإن بطانة فرعون قالوا له: قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ [الأعراف:111] يعني من الإرجاء والتأخير: وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ [الشعراء:36] أما هؤلاء فهم طلبوا قتلي سريعاً، فتبسم الخليفة وقال له: قم سليماً معافى، وأخرجه ولم يتعرض له، وإن كان سفيان قضى بقية حياته كلها مختفياً متوارياً، بل مات ودفن وهو مختفٍ متوارٍ رحمه الله ورضي عنه وأرضاه.

أحد القراء الصالحين مع العبيديين

القصة الثامنة: في عهد الفاطميين العبيديين الذين حكموا مصر وحكموا بعض بلاد الشام وحكموا بلاد المغرب جزءاً من الزمان، وهم كانوا يدعون أنهم من أولاد فاطمة رضي الله عنها ونسبهم ليس بصحيح كما حقق ذلك السيوطي وغيره، المهم أن بعض هؤلاء الفاطميين من غلاة الرافضة ادعى الألوهية، وكان الحاكم يدعي الألوهية حتى قال له الشاعر أبياته المشهورة:

ما شئت لا ما شاءت الأقدار     فاحكم فأنت الواحد القهار

وكأنما أنت النبي محمد     وكأنما أنصارك الأنصار

فألهه من ألهه من عباد الدنيا وعباد المال وطلاب المناصب وطلاب الشهوات، الذين لا يمانعون أن ينالوا ذلك كله ولو أراقوا ماء وجوههم، ولو تمرغوا في الوحل ولو تدربوا على الذل؛ بل ولو ذبحوا إيمانهم، على هذا فإنه لا مانع لديهم.

ادعى هذا الحاكم أنه الإله الرب المدبر، فكان من صنع الله تعالى أن هذا الحاكم ظهر للناس في وقت الصيف، وقد كثر الذباب وقد كان من حوله يبعدون عنه الذباب فيبتعد ثم يعود مرة أخرى، فيبعدونه فيبتعد ثم يعود والناس قد طال عجبهم من تسلط الذباب عليه، وكان في المجلس قارئ حسن الصوت بالقرآن الكريم، خاشع ديِّن صدوق داعية مضحٍّ فاستعاذ بالله من الشيطان الرجيم، ثم قال: يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ * مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ [الحج:73-74] فصاح الناس كلهم الله أكبر الله أكبر! وكأنما تنـزلت تلك الآية في تلك اللحظة، وانجفلوا عن الحاكم حتى سقط عن كرسيه فخاف من القتل فهرب، ثم أضمر شراً لهذا الرجل، وصار يتألفه شيئاً فشيئاً حتى اقترب منه، فقال: إن عندي رسالة أحب أن أرسلك بها إلى فلان، فأخذ الرجل هذه الرسالة وركب البحر فدبر الحاكم مؤامرة لإغراق هذا الرجل، فلما كان في ثبج البحر، وتلاطمت الأمواج، وأظلم الليل، سارع الربان إلى هذا الرجل، فأخذه وألقاه في البحر فأغرقه، ثم واصل طريقه، ومات هذا الرجل، ولما مات رؤي في المنام -رآه رجل في المنام- فسلم عليه، وقال له: والله ما قصر معي ربان السفينة، لقد أوقفني على باب الجنة.

إنه موقف سهل يسير لم يزد هذا الرجل على أن قرأ آية من كتاب الله تعالى، ولكن التوقيت والمناسبة والظروف جعلت هذه الآية تفعل فعلها، فآمن الناس وأدركوا أنه يجب أن يرفضوا هذا المتأله، الذي قال لهم كما قال فرعون الأول: مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي [القصص:38] فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى [النازعات:24] فقالوا: الله أكبر، وقاموا حتى كادوا أن يقتلوا هذا الحاكم، ولو أنهم كانوا أكثر شجاعة وأكثر قوة وأكثر تضحية لكان في هذا الموقف البسيط الشرارة التي تحرق عرش العبيديين المتألهين، الذين حاربوا القرآن وحاربوا السنة وأحرقوا صحيح البخاري وقتلوا العلماء وقضوا على أهل السنة في ديارهم ونشروا البدعة حيث حلوا وأين أقاموا.

الوقفه الثانية: المحن الكبار: وإذا ذكرت المحن الكبار فمن يست

أولاً: ذكر الإمام أبو العرب التميمي في كتابه الموسوم بكتاب: المحن، أن الإمام شريك بن عبد الله القاضي دخل على المهدي الخليفة العباسي مسلِّماً، فقال له: السلام عليك يا أمير المؤمنين، فنظر إليه المهدي ولم يرد السلام، فأعادها شَرِيك مرة أخرى، فما رد عليه السلام، فقال له مرة ثالثة: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، فقال المهدي: عليَّ بالنطع، عليَّ بالسيف، عليَّ بالجلاد، قال القاضي شريك: ولم يا أمير المؤمنين؟ قال: إني رأيت في المنام البارحة أنك تطأ بساطي وأنت عني معرض، فأتيت بالعابر الذي يفسر الأحلام فسألته فقال: إن هذا الرجل يقبل عليك بظاهره وقلبه مع أعدائك، فأريد أن أقتلك وأنتصف منك، فتبسم شريك بن عبد الله وقال: والله يا أمير المؤمنين ما رؤياك برؤيا إبراهيم الخليل عليه السلام، ولا معبرك بمعبر يوسف عليه السلام، أفبرؤيا مثل هذه أو تعبير كهذا تراق دماء المؤمنين بغير حق، فلما سمع المهدي هذا الكلام سري عنه وزال ما في قلبه، واعتذر إلى هذا الرجل وقال له: اخرج من مجلسي، فخرج منه وهو يقول لمن حوله: أفرأيتم أعجب من هذا الرجل، يريد أن يقتل امرأً مؤمناً برؤياً رآها.

إنها مثلٌ من محنة خفيفة ألمت أو كادت أن تلم بهذا القاضي المعروف، وفي ذلك عبر وأسوة تدل على أن هناك من الناس من شأنهم وديدنهم دائماً وأبداً الوقيعة والنكاية والتشهير ومحاولة إيقاع خصومهم بأي سبب، وبأي وسيلة، ولعل عابر الرؤيا كان من هذا الصنف، فأراد أن يستغل الرؤيا للإيقاع بخصم من خصومه، وهو شريك بن عبد الله القاضي، كما تدل على أن الحكمة والمنطق السليم من أهم الأسباب في النجاة من مثل هذا الأمر، وهذه الرؤيا والقصة تذكرنا أيضاً بقصة أخرى.

ذكر الإمام الذهبي رحمه الله في ترجمة شريك بن عبد الله في ميزان الاعتدال: أن شريكاً هذا أتى به رجل من الرجال إلى مجلس الخليفة العباسي، وذلك أن رجلاً يقال له أبو أمية أمسك بـشريك وأدخله على المهدي، وقال له: إن هذا الرجل يعني: شريك بن عبد الله القاضي حدثني عن الأعمش عن سالم عن ثوبان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: { استقيموا لقريش ما استقاموا لكم} يعني لحكام قريش، لأن الحكام كانوا من قريش: {فإذا زاغوا عن الحق فضعوا سيوفكم على عواتقكم ثم أبيدوا خضراءهم} يعني نابذوهم وقاتلوهم، فقال الرجل للخليفة: إن شريكاً حدثني هذا الحديث، وهذا الحديث فيه تحريض على الخلفاء في ذلك الوقت وأمر بقتالهم إذا زاعوا عن الحق، وانحرفوا عنه وتركوا قصد السبيل وحادوا عن المنهج النبوي النبيل.

فقال المهدي لـشريك: أفأنت حدثته بهذا الحديث؟

قال شريك: لا يا أمير المؤمنين كذب والله ما حدثته، قال ذلك الرجل -وهو أبو أمية-: يا أمير المؤمنين عليَّ الحج إلى بيت الله تعالى ماشياً وكل ما في ذمتي صدقة لله تعالى إن لم يكن حدثني بهذا الحديث، فقال لـشريك: ما تقول أنت، قال: يا أمير المؤمنين وأنا عليَّ مثل الذي عليه إن كنت حدثته، فقال الخليفة: صدق، وزال ما في قلبه، فقال ذلك الرجل: يا أمير المؤمنين إنه يقول عليَّ مثل الذي عليك يعني عليَّ ثياب مثل الذي على أبي أمية، وليس يقصد أنه في ذمتي أن أحج إلى البيت الحرام ماشياً ولا أن أتصدق بمالي، فاطلب منه أن يحلف كما حلفت، فقال: صدق، احلف يا شريك مثلما حلف هذا الرجل، قال: لا والله لا أحلف بل ما جاءك هو الصحيح، أنا حدثته بهذا الحديث، فغضب الخليفة وقام يسب الأعمش لأنه روى هذا الحديث عن الأعمش، وكان الأعمش قد مات -رحمه الله- وقتها، فقال الخليفة يسب الأعمش: والله لو أعلم قبر هذا السكران لأحرقته، وصفه بأنه سكران وأنه يشرب الخمر، لأن الأعمش كان يتأول في بعض ألوان النبيذ الذي يتأول فيه أهل العراق، وليس من الخمر المسكر ولكنه من النبيذ الذي يسمونه هم بالمنَصَّف، فقال: والله لو أعلم قبره لأحرقته، قال: لا، يا أمير المؤمنين، والله ما كان يهودياً، بل كان رجلاً صالحاً.

الآن انظر كيف تحول شريك من موقف الدفاع إلى موقف الهجوم، وبدأ يدافع عن هذا الرجل الفاضل الأعمش وهو إمام معروف مشهور؛ في وجه الخليفة، ويقول: ما كان يهودياً حتى تحرق قبره، وما أحرقت قبور اليهود، فلماذا يكون اعتداؤك وبلاؤك وعذابك للمؤمنين والأخيار والعلماء ورواة حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فقال: ما كان يهودياً كان رجلاً صالحاً، قال الخليفة: زنديق، قال شريك: لا، ولا هو بزنديق إن سيما الزنديق معروفة، فالزنديق يشرب الخمر، ولا يحضر الصلاة مع الجماعة، ويلعب مع القيان، يعني لو أراد أن يقولها صريحة لقال: المتهم أنت وليس هو، لأنك تشرب الخمر وتسهر مع القيان ولا تؤدي الصلاة مع الجماعة، فغضب الخليفة وهَمَّ به وقال: والله لأقتلنك، قال: إذاً تلقى الله تعالى بمهجة نفس قتلتها بغير حق، فقال: أخرجوه، فأخرجوه ثم تناوله الحراس يخرقون ثيابه وقلنسوته بالسهام، وخرج هذا الرجل من عند الخليفة سالماً.

وفي هذه القصة أيضاً عبرة، أولئك الرواة الذين يسمعون الحديث؛ وليس همهم أن يرووا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أن يتلقوا العلم ولا أن يستفيدوا ويستضيئوا بنوره، وإنما همهم الوشاية به إلى الخليفة، روى فلان كذا وروى فلان كذا، إن من حق الأعمش ومن حق سالم ومن حق ثوبان ومن حق شريك أن يرووا ما سمعوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يذهبوا به على وجهه السليم فإن النبي صلى الله عليه وسلم حين قال هذا الحديث لم يقصد به ولم يكن معنى الحديث الخروج على الحاكم المسلم الذي يحكم بالشريعة إذا أخطأ أو قصر، فإنه صلى الله عليه وسلم قال كما في الحديث الصحيح حديث عبادة: {وعلى أن لا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله تعالى فيه برهان}.

إذاً فالأمر معلق بأن يرى المؤمنون الكفر البواح الصراح، الذي لا لبس فيه ولا خفاء ولا مناورة فيه ولا مداورة، وهذا معنى قوله عليه الصلاة والسلام: {استقيموا لقريش ما استقاموا لكم فإذا زاغوا عن الحق} أي: انحرفوا عنه وتركوا قصد السبيل إلى الكفر البواح الذي عندكم من الله تعالى فيه برهان، ولكن بعض هؤلاء يسمعون الحديث ويسمعون الأخبار ويسمعون الروايات؛ وإنما همهم منها أن ينقلوا إلى غيرهم وأن يتشفوا من خصومهم، هذا جانب.

الجانب الثاني: ما جبل عليه علماء السلف الصالح كما يظهر في سلوك أسلوب شريك بن عبد الله رضي الله عنه من الصدق والوضوح والصراحة والشجاعة والصبر في ذات الله تعالى، حتى ولو كان في ذلك حتفهم وعطبهم وهلاكهم، فإن شريكاً كان يرى لمعان السيوف ويسمع القعقعة ويسمع أصوات الجند، وبين يديه أعداد متطاولة من الجند ربما لا يدرك البصر مداهم، كل واحد منهم منتظر أن يؤذن له حتى يخطف رأس شريك، وأمامه الخليفة وقد غضب وأحمرت أوداجه وأحمرت عيناه وأرغى وأزبد وزمجر، وكاد أن يفقد صوابه، ومع ذلك ظل شريك محتفظاً برباطة جأشه وقوة قلبه وصبره، حتى دافع عن الأعمش رحمه الله تعالى في مجلس الخليفة وذب عن عرضه لتذب عنه النار يوم القيامة.

ثم إن في ذلك دليلاً على ما تحلى به أولئك الخلفاء في الزمن السابق من التحري والدقة والصبر وحسن الظن، فإن المهدي في المرة الأولى لما قال له شريك: لماذا تستحل دمي برؤيا قد تكون حقاً أو باطلاً، وبمعبر قد يكون أصاب أو أخطأ؟

رجع إلى الحق وأذعن له ولم يمس شريكاً بشيء، وفي المرة الثانية لما حلف له شريك صدقه وكذب الراوي فيما روى أنه أخذ عنه، ثم طلب منه بعد ذلك أن يقسم قسماً صريحاً، فلما أصر لم يتسرع في قتله ولا إيذائه ولا إنـزال العقوبة به، لأنه يدري أنه عالم له مكانته وله فضله وأن الأمة لا تعز ولا تعلو ولا تنتصر ولا تقوى ولا تجتمع كلمتها إلا على إعزاز العلماء وإكرامهم، وحفظهم وحفظ مكانتهم وحفظ هيبتهم وعدم المساس بهم، فإن كل أمم الأرض قاطبة منذ فجر التاريخ تعتز بأكابرها وسادتها وأهل العلم فيها، وتفخر بهم وتطلق أسماءهم على معالمها، وتسمي أولادها بأسمائهم، وتذكرهم بالذكر الحسن، وتدرس كتبهم وتحفظ علمهم، لأن الأمة التي ليس لها ماضٍ ليس لها حاضر ولا مستقبل.

مثل القوم نسوا تاريخهم     كلقيط عيّ في الناس انتساباً<

القصة الثالثة: أرسل الحجاج وهو من هو في بطشه وظلمه وعدوانه، كان والياً معروفاً في العراق، فأرسل إلى رجل يقال له: ماهان -أبي صالح المسبح- وكان رجلاً فاضلاً ديناً عالماً، فقال له الحجاج: إنه بلغني عندك دين وعلم وصلاح، وإنني أحببت أن تلي القضاء، فقال: أنا! قال: أنت، قال: كيف ألي القضاء وأنا لا أستطيع أن أعد من واحد إلى عشرة؟

قال: أنت تتباله عليَّ -يعني: تدعي البله في مجلسي- وتكلم عليه الحجاج وسبه، وقال: أنت مراءٍ، فغضب ماهان من كلام الحجاج وسبه، وخرج من عنده إلى النهر وكان قريباً فقال بأعلى صوته -والناس يسمعون ويرون-: اللهم إن كنت مرائياً فأغرقني، ثم وقع في النهر، فوقف على النهر قائماً وحفظه الله تعالى فلم يغرق حتى خرج يمشي إلى ضفة النهر، فجاءوا به إلى الحجاج، فأمر الحجاج بصلبه، فصلب على باب داره وهو مصر على ذلك، فكان الناس يحيطون به، وفي مثل هذا الموقف رأى هذا الرجل الفاضل بعض التابعين وبعض العلماء والفضلاء ينظرون إليه ويشاهدونه، فقال لواحد منهم: أنت تنظر إلي وتقف مع النظارة! لا تفعل، فإني أخشى أن ينـزل عليك سخط الله، اذهب عني.

فانظر إلى هذا الرجل كيف ثبت على موقفه، وكيف أصر على موقفه، ورفض أن يعمل عند هذا الحاكم الظالم المتغطرس الحجاج بن يوسف، الذي ملأ الدنيا ضجيجاً وصراخاً وسفك دماء المؤمنين بغير حق على ما هو معروف من سيرته وتاريخه، حتى قام عليه من قام من القراء المعروفين على ما هو معروف تفصيله في التاريخ، المهم أن هذا الرجل أبى أن يلي له عملاً واجتهد في ذلك حتى صلب بسببه، ولم ينس وهو في موقف الصلب أن يقدم هذه النصيحة لبعض الحضور من طلبة العلم: أنت يا طالب العلم ليس هذا موقعك، تأتي تتفرج علينا ما نفعت ولا دفعت ولا أنكرت وأصبحت متفرجاً، لا. إذا كانت المسألة مسألة تفرج فاذهب إلى بيت أبيك وأمك واستخفِ فيه لا ينـزل عليك غضب الله عز وجل.

القصة الرابعة: وهي قصة عجيبة:

أحمد بن نصر الخزاعي -هذا من أصحاب الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى وكان رجلاً فاضلاً عالماً بُلِيَ بمسألة القول بخلق القرآن، في عهد المأمون ثم في عهد الواثق وأبى بأن يقول بأن القرآن مخلوق، بل أصر أن القرآن كتاب الله تعالى منـزل غير مخلوق منه بدأ وإليه يعود، فحاولوا معه فأبى، فضربوه فأصر، فسجنوه فاستمر حتى أحضره الواثق بين يديه، وقال له: ما هي حجتك في إثبات أسماء الله تعالى والصفات؟

فذكر له أحاديث وأحاديث وآيات حتى مر على قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إن قلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء}. فقال له الواثق: تثبت هذا الحديث! قال: نعم، قال: أي تثبت أن لله يداً وأصابع! قال: نعم، أثبت ذلك كما أثبته رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له الواثق: وهذا تشبيه وهذا تجسيم وهذا وهذا، فغضب أحمد بن نصر الخزاعي وخرجت منه كلمة شديدة على الخليفة، فقال للخليفة: ما أنت والعلم! كيف تتكلم في مسائل العلم وأنت لا تتقنها، إنما أنت نطفة سكران في رحم قينة، يعني إن أباك كان يشرب الخمر وأمك كانت أمة، قال هذه الكلمة الغليظة للخليفة لأنه تصاغر في عينه لما رأى أنه منابذ للحق معارض للسنة، فغضب عليه الخليفة وأمر بصلبه، فصلب في بعض شوارع بغداد، وكان الإمام أحمد يمر عليه فيترحم عليه ويدعو له؛ ويقول: ذلك رجل هانت عليه نفسه في الله تعالى، ثم يقول الإمام أحمد: هذا رجل قد قضى ما عليه، صلب مصراً على العقيدة الصحيحة التي توارثتها الأمة: أن القرآن كلام الله تعالى ليس بمخلوق.

القصة الخامسة: عطاء بن أبي رباح إمام أهل مكة وفقيههم وعالمهم ومفتيهم، كان عبداً نوبياً أسود ولكن الله تعالى أعزه بالعلم وكرمه بالطاعة، فسوده أهل مكة عليهم حتى كان الخليفة يأتي فيجده في المسجد يصلي، فيجلس إلى جواره ينتظر السلام ليسأله عن مسألة في المناسك، فإذا سلم عطاء سأله الخليفة فأجابه عطاء جواباً مختصراً ثم قام واستقبل القبلة وقال: الله أكبر، وأعرض عن الخليفة.

حتى قال الخليفة لأولاده: يا أولادي تعلموا العلم، فو الله لا أنسى ذلي بين يدي ذلك العبد الأسود وأنا أسأله عن مسائل العلم. عطاء كان ملء سمع الدنيا وبصرها، وترجمته ترجمة حافلة مشهورة مشهودة، كان يوماً من الأيام يصلي في بيت الله الحرام، وكان هناك رجل من الحجاج قد نام، فجاءت الريح فدفعت ثوبه فظهرت منطقته، وهو الحزام الذي يتمنطق به وكان به ماله، فعدا عليه بعض اللصوص وأخذوه، فاستيقظ هذا الرجل فلم يجد أحداً، ثم تلفت فلم ير إلا عطاء قائماً يصلي، فجاء إليه وأمسك بتلابيبه وهزه هزاً عنيفاً، فقال له: يا كذا ياكذا أخذت مالي فلما ظفرت بك ووجدتك فزعت إلى الصلاة، يعني: ظن أن عطاء هو الذي أخذ هذا المال. فقال عطاء: هل علم بهذا أحد؟

قال: لا، إلا أنت.

قال: هلم معي، كم في منطقك من المال؟ قال: مائتا دينار، قال: تعال أعطيك إياها ولا يعلم بذلك أحد، لأن عطاء قد خشي عليه أن يبطش الناس به حينما أذل عالمهم وإمامهم وفقيههم ومفتيهم، فذهب به عطاء إلى بيته وأعطاه مائتي دينار وقال له: اذهب في حال سبيلك، فلما رآه الناس سألوه عن الخبر فأخبرهم فقالوا: أتدري من هذا قال: لا، قالوا: هذا عطاء بن أبي رباح سيد من سادات التابعين، وإمام فقيه حجة ثبت.

فتعجب! وجاء إليه يعتذر إليه فقال: خذ المال، فقال: هيهات، أما المال فقد وهبه الله لك، وأما الحل فأنت مني في حل، فانظر إلى هذا الإمام كاد أن يبتلى بقضية، وكان من الممكن أن تُرَتَّب -لو وجدت مثل هذه المسألة- بعض الأجهزة المتخصصة في التشويه والتشهير، لرتبت منها قضية خطيرة وقالت ونشرت في الصحف وبالخط العريض: عطاء بن أبي رباح يقبض عليه متلبساً بتهمة كذا وكذا، سرقة الحجيج.

ولكان هذا مادة لعدد من التعليقات الإذاعية والإعلامية، بل وربما عُملت أشياء كثيرة من أجل تضليل الناس عن حقيقة هذا الخبر وهذا الأمر، وتشويه صورة هذا الإمام العالم الجليل، ولكن الأمر انتهى عند ذلك الحد، فانظر كيف تحمل عطاء رضي الله عنه ذلك الأمر، وعفا عن هذا الرجل، وأنهى هذه القضية؛ لأنه كان يعمل لله تعالى لا للناس، فليس يضره أن يتكلم الناس فيه ولا أن يعيبوه ولا أن يتهموه بما هو منه براء: إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً [الإنسان:9]. وانظر إلى الناس كيف وقفوا إلى صف عطاء رضي الله عنه، وعرفوا هذا الرجل بحقيقته وطلبوا منه أن يذهب إليه ويتحلل منه ما دام الأمر ممكناً.

وانظر كيف انتهت القضية عند هذا الحد، وأصبح الناس يتندرون بهذه القصة، ويعرفون كم كان مبلغ هذا الرجل من الخطأ وكم كان هذا الرجل بعيداً عن العلم والمعرفة، إذ من هو الذي يجهل عطاء بن أبي رباح وهل يخفى القمر، كلا!

القصة السادسة: يزيد بن عبد الملك خليفة أموي، فقد نفى يزيد بن عبد الملك رجلاً إلى جزيرة اسمها دهلك، وكان هذا الرجل اسمه عراك بن مالك، وهو رجل صالح ديِّن خيِّر؛ ولكن لم يعجب الخليفة في هديه وطريقته وعلمه، فغضب منه وكرهه وأبعده وأقصاه، وطالما حصل مثل هذا وغادر المؤمنون ديارهم وبلادهم وأخرجوا منها بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله، وطالما أوذوا في سبيل الله عز وجل فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصر الله عز وجل، فنفاه إلى تلك الجزيرة -جزيرة دهلك- وكان عمر بن عبد العزيز من قبله قد نفا رجلاً آخر إلى تلك الجزيرة.

ولكن البون شاسع فياترى من هو الرجل الذي نفاه عمر بن عبد العزيز؟

هل نفى عمر رجلاً لصلاحه أو لتقواه أو لورعه أو لفتواه أو لمجاهرته بمسائل العلم؟ كلا، وإنما نفى عمر بن عبد العزيز شاعراً خليعاً يقال له الأحوص إلى تلك الجزيرة، ففي عهد عمر بن عبد العزيز -رحمه الله تعالى ورضي الله عنه- كان النفي والإبعاد والطرد يكون للشعراء المجان، شعراء الفجور والحداثة والخلاعة والدنيا، ويكون التقريب والإعزاز والإكرام لأهل العلم، وأهل الورع وأهل التقوى وأهل الزهد وأهل العبادة، ولذلك نفى عمر الأحوص إلى دهلك.

أما يزيد بن عبد الملك فقد نفى عراك بن مالك، والطريف في الأمر أن أهل دهلك كانوا يدعون لـيزيد بن عبد الملك، ويقولون: جزاك الله عنا خيراً يا يزيد فقد أحضرت إلينا رجلاً علّم أولادنا القرآن والسنة والحديث، وكان عمر بن عبد العزيز من قبلك نفى إلينا رجلاً علم أولادنا الشعر والشر، فانظر: مصائب قوم عند قوم فوائد.


استمع المزيد من الشيخ سلمان العودة - عنوان الحلقة اسٌتمع
أحاديث موضوعة متداولة 5164 استماع
حديث الهجرة 5036 استماع
تلك الرسل 4157 استماع
الصومال الجريح 4148 استماع
مصير المترفين 4126 استماع
تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة 4055 استماع
وقفات مع سورة ق 3984 استماع
مقياس الربح والخسارة 3932 استماع
نظرة في مستقبل الدعوة الإسلامية 3874 استماع
العالم الشرعي بين الواقع والمثال 3836 استماع