الصفحة 7 من 33

* ونضرب مثلا (الحي) : فان (الحي) من أسماء الله عز وجل، ونثبته اسماً لله، فنقول: من أسماء الله تعالى (الحي) ، وندعو الله به، فنقول (يا حي، يا قيوم) .

ونؤمن بما دل عليه من صفة، سواء كان ذلك تضمناً أو التزاماً، وهي الحياة الكاملة التي تتضمن كل ما يكون من صفات الكمال في الحي من علم، وقدرة، وسمع، وبصر، وكلام، وغير ذلك.

فعلى هذا نقول: إذا كان الاسم من أسماء الله غير متعد فان تحقيق الإيمان به يكون بأمرين:

أحدهما: إثباته اسماً من أسماء الله تعالى.

والثاني: إثبات ما دل عليه من الصفة على وجه الكمال اللائق بالله تبارك وتعالى [1]

أما الصفات فإننا لا نصف الله إلا بما وصف به نفسه [2] سواء ذكر الصفة وحدها بدون إن يتسمى بما دلت عليه، أو كانت هذه الصفة مما دلت عليه أسماؤه، فانه يجب علينا أن نؤمن بهذه الصفة على حقيقتها [3] .

مثال ذلك: اثبت الله تبارك وتعالى لنفسه انه استوى على عرشه [4] وهو يخاطبنا بالقرآن النازل باللسان العربي المبين [5] وكل الناس الذين لهم ذوق في اللغة العربية. يعْلمون معنى (اسْتوى) في اللغة العربية [6]

(1) - قال الشيخ رحمه الله في القواعد المثلى ص 10:

أسماء الله تعالى إن دلت على وصف متعد , تضمنت ثلاثة أمور:

أحدها: ثبوت ذلك الاسم لله عزوجل

الثاني: ثبوت الصفة التي تضمنها لله عزوجل

الثالث: ثبوت حكمها ومقتضاها ...

وإن دلت] أي: أسماء الله تعالى [على وصف غير متعد , تضمنت أمرين:

أحدها: ثبوت ذلك الاسم لله عز وجل

الثاني: ثبوت الصفة تضمنها لله عز وجل.

(2) - أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم أي: بما ورد في الكتاب والسنة

(3) - وما ورد نفيه في - الكتاب والسنة- وجب نفيه مع إثبات كمال ضده , وما لم يرد إثباته ولا نفيه فيهما وجب التوقف في لفظه , فلا يثبت ولا ينفى , لعدم ورود الإثبات والنفي فيه.

(4) - كما في قوله تعالى (إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ) (الأعراف 54) , وقوله تعالى (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) (طه 5) إلى غير ذلك من الآيات

(5) - قال سبحانه (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) (الشعراء 193 - 195) , وقال (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) يوسف 2 , وقال (وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا) (طه 13) , لذلك كان الواجب هو إجراء نصوص القرآن والسنة على ظاهرها دون تحريف , لا سيما نصوص الصفات , حيث لا مجال للرأي فيها , إلا أن يمنع منه بدليل شرعي , وإلا لاختلفت الآراء, وتفرقت الأمة , وكان كثير مما وصف الله به نفسه لا يعلم الأنبياء معناه , يل يقولون كلاماً لا يعقلون معناه! ومعلوم أن هذا قدح في القرآن والأنبياء , إذ كان الله عزوجل أنزل القرآن وأخبر أنه جعله هدى وبيانا للناس , وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم أن يبلغ البلاغ المبين وأن يبين للناس ما نزل إليهم , وأمر بتدبر القرآن وعقله , ومع هذا فأشرف ما فيه - وهو ما أخبر به الرب عن صفاته- لا يعلم أحد معناه! فلا يعقل ولا يتدبر ولا يكون الرسول بين للناس ما نزل إليهم ولا بلغ البلاغ المبين!!

وعلى هذا التقدير فيقول كل ملحدٍ ومبتدع: الحق في نفس الأمر ما علمته برأيي وعقلي , وليس في النصوص ما يناقض ذلك , لأن تلك النصوص مشكلة متشابهة , ولا يعلم أحد معناها , وما لا يعلم أحد معناه لا يجوز أن يستدل به!! فيبقى الكلام سداً لباب الهدى والبيان من جهة الأنبياء , فتحاً لباب من يعارضهم ويقول: إن الهدى والبيان في طريقنا لا في طريق الأنبياء , لأننا نحن نعام ما نقول ونبينه بالأدلة العقلية , والأنبياء لم يعلموا ما يقولون , فضلاً عن أن يبينوا مرادهم!

ثم يقال للمحُرف: هل أنت أعلم بالله ورسوله منه سبحانه؟ فسيقول: لا

ثم يقال له: هل ما أحبر الله به عن نفسه أو أخبر عنه رسول صدق وحق؟ فسيقول: نعم

ثم يقال له: هل تعلم كلاماً أفصح وأبين من كلام الله تعالى أو كلام الرسول صلى الله عليه وسلم؟ فسيقول: لا

ثم يقال له: هل تظن أن الله سبحانه وتعالى أو رسوله صلى الله عليه وسلم أراد أن يعمي الحق على الخلق في هذه النصوص ليستخرجوه بعقولهم؟ فسيقول: لا

فيقال له: إذا كنت تقر بذلك , فلماذا لا يكون عندك الإقدام والشجاعة غي لإثبات ما أثبه الله تعالى لنفسه وأثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم على حقيقته وظاهره اللائق بالله؟!

وكيف يكون عندك الإقدام والشجاعة في نقي حقيقته تلك وصرفه إلى معنىً يخالف ظاهره يغير علم؟

وماذا يضرك إذا أثبت لله تعالى ما أثبته لنفسه في كتابه ـو سنة نبيه على الوجه اللائق به , فأخذت بما جاء في الكتاب والسنة إثباتاً ونفياً؟ أفليس هذا أسلم لك وأقوم لجوابك إذا سئلت يوم القيامة ( .. مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ) (القصص 65) أو ليس صرفك لهذه النصوص عن ظاهرها وتعيين معنىً آخر مخاطرةٌ منك , فلعل المراد يكون -على تقدير جواز صرفها- غير ما صرفتها إليه؟!

انظر (درء تعارض العقل مع النقل) 1/ 116 مع منهاج السنة , والقواعد المثلى ص 33 ,42 - 43

(6) - أصل الاستواءِ في اللغةِ: هو الارتفاعُ والعلو على الشيء ومنه قوله تعالى (فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ) (المؤمنون 28) , وقوله تعالى (وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ) (هود 44)

وذكر العلامة ابن القيم -رحمه الله - في كتابه (الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة) 2 - 126 - 127 مختصره (أن الاستواء في لغة العرب نوعان: مطلقٌ ومقيدٌ: فالمطلق: ما لمُ يَوصل معناه بحرْفٍ مثل(وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى) (القصص 14) وهذا معناه كمُلَ وتَمَّ.

وأما المقيد ثلاثةُ أضرب:

الأول: المقيد بـ (إلى) كقوله تعالى ( ... ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ .. ) (البقرة 29) , واستوى فلانٌ إلى السطح وإلى الغرفة وهذا بمعنى العلو والارتفاع بإجماع السلف.

الثاني: مقيد بـ (على) كقوله تعالى (لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ... ) (الزخرف 13) , وقوله (وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ) (هود 44) , وهذا معناه -أيضاً-: العلو والارتفاع ... , والاعتدال , بإجماع أهل اللغة.

الثالث: المقرون بواو المعية , التي تعدي الفعل إلى المفعول به , نحو: استوى الماءُ والخشبةُ , بمعنى: سواها. أ هـ بتصرف. وانظر تاج العروس للزبيدي 10/ 188 - 189 , و لسان العرب 14/ 414 , وجماع البيان للطبري 1/ 191 - 192 , والجامع لأحكام القرآن للقرطبي 1/ 255 , والتمهيد لابن عبد البر 7/ 131 - 132.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام