كذلك - أيضا- يعظمون الرسول عليه الصلاة والسلام حق التعظيم ويرون انه اعظم الناس قدرا عند الله عز وجل.
لكن مع ذلك لا يُنْزِلُونه فوق منزلتهِ التي أَنزلهُ الله، ويقولون: إنه عبد الله، بل أَعْبدُ الناس لله عز وجل حتى إنه يقوم حتى تَتَوَرّمَ قدماه، فيقال: كيف ذلك وقد غَفَرَ لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فيقول (أَفَلا أَحِبُّ أن أكونَ عبداً شكورا) [1] .
من يحقق العبادة كتحقيق الرسول عليه الصلاة والسلام؟! ولهذا قال (إِنِّي والله أخْشاكمْ لله و أعْلمُكمْ بما أتقي) [2] . فهو بلا شك أعظم العابدين عبادة و أشدهم تحقيقا لها صلى الله عليه وسلم، ولهذا حين تحدث عن البصل و الكراثِ قال المسلمون: حرمت. قال (أيها الناس! إنه ليسَ لي تحريم ما أحل الله) [3]
انظروا إلى هذا الأدب مع الله عزوجل! هكذا العبودية , ولهذا هم يقولون: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم , عَبْد من عبدا الله , وهو أكمل الناس في عبوديته لله.
(1) - متفق عليه. رواه البخاري في صحيحه (كتاب التهجد، باب قيام النبي صلى الله عليه وسلم الليل، رقم 1130) ، ومسلم في صحيحه (كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، باب إكثار الأعمال والاجتهاد في العبادة رقم،2819) عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه، فقلت له: لم تصنه ذلك يا رسول الله وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟! قال (أفلا أكون عبدا شكورا؟!) .
(2) - متفق عليه. رواه البخاري في صحيحه (كتاب النكاح، باب الترغيب في النكاح، رقم 5063) ومسلم في صحيحه (باب الاستحباب في النكاح لمن تاقب نفسه إليه ووجد المؤنة، رقم 1401) من حديث انس رضي الله عنه، وهاك نصه: (جاء ثلاثة رهط إلى البيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عباده النبي صلى الله عليه وسلم، فلما اخبروا، كأنهم تقالوها، وقالوا: وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم؟! قد غفر له ما تقدم من ذنبه ما تأخر: قال أحدهم: أما أنا فأصلي الليل أبدا. وقال آخر وأنا أصوم الدهر ولا أفطر. وقال الآخر: وأنا اعتزل النساء ولا أتزوج أبدا. فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم فقال(أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟! أما والله! إني لأخشاكم الله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، ولأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني) .
فائدة: قال الحافظ العسقلاني في فتح الباري (9/ 105) في قوله صلى الله عليه وسلم (فمن رغب عن سنتي فليس مني) المراد بالسنة .. الطريقة، لا التي تقابل الفرض. والمراد: من ترك طريقتي وأخذ بطريقة غيري فليس مني، ولمح بذلك إلى طريق الرهبانية؛ فإنهم الذين ابتدعوا التشديد كما وصفهم الله تعالى، وقد عابهم بأنهم ما وفوا بما التزموا. وطريقة النبي صلى الله عليه وسلم الحنيفيه السمحة؛ فيفطر ليتقوى على الصوم، وينام ليتقوى على القيام، ويتزوج لكسره الشهوة و إعفاف النفس وتكثير النسل).
(3) - أخرجه مسلم في الصحيح (كتاب المساجد، باب نهي من أكل ثوما أو بصلا أو كراتا أو نحوها، رقم 565) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.