الصفحة 22 من 33

ويؤمنون -أيضاً- بأن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يَعْلم الغيبَ إلا ما أطلعه الله عليه , لا يملكُ لنفسه ضراً ولا نفعاً ولا لغيره , والله تعالى قد أمره أن يُبلغ ذلك إلى الأمة فقال (قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ) (الأنعام 50)

وما هي وظيفته؟ (إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ) (الأحقاف 9) ومنْ زَعم أن الرسولَ عليه الصلاة والسلام يعلمُ شيئاً من الغيب غير ما أطلعه عليه فهو كافر بالله ورسوله , لأنه مكذبٌ لله ورسوله.

فإن الرسول أم أن يقول -وقال [1] - قولا يُتلى إلى يوم القيامة قوله (قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ) (الأنعام 50)

وبمناسبة هذه الآية الكريمة أودُّ أن أقولَ: إن القرآن الكريم أحياناً تُصدَّرُ الأخبارُ فيه بكلمة (قل) وكلُّ شيءً صُدَّرَ بهذه الكلمة معناه: أن الله سبحانه وتعالى اعْتنَى به عنايةً خاصةَ؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام، قد أُمرَ أن يقولَ كلَّ القرآن؛ (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) (المائدة 67) لكن هذا الذي خُصَّ بكلمة (قل) فيه عنايةُ خاصةٌ استحقَّ أن يُصدَّرَ بالأمر بالتبليغ على وجه الخصوص، مثل هذه الآية ومثلها في الأحكام (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا

(1) - في (الأصل) (أن يقول وقال: قال) ، لعل الصواب ما أثبته

وهنا فتوى للجنه الدائمة ضمن مجموع (فتاوي اسلاميه 1/ 134 - 135/جمع المسند) رداً على سوال مخلصه: هل النبي صلى الله عليه وسلم يعلم الغيب؟ فرأيت من تمام الفائدة نقله هنا وإليك نصها: (الأصل في أمور الغيبه اختصاص الله بعلمها؛ قال الله تعالى(وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) (الأنعام 59) , وقال الله تعالى (قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ) (النمل 65) .

لكن الله يُطلع من ارتضى من رسله على شيئ من الغيب؛ قال الله تعالى (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا) (الجن 26 - 27) , وقال الله تعالى (قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ) (الأحقاف 9)

وثبت من حديث طويل من طريق أم العلا أنها قالت: لما توفي عثمان بن مظعون أدرجناه في أثوابه، فدخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: رحمة الله عليك أبا السائب، شهادتي عليك: لقد أكرمك الله عز وجل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (وما يدريك أن الله أكرمه؟) فقلت: لا أدري بأبي أنت أو أمي! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أما هو فقد جاءه اليقين من ربه، وإني لارجوا له الخير، والله! ما أدري - وأنا رسول الله - ما يفعل بي) فقلت: والله! لا أزكي بعده أحدا أبدا).

رواه أحمد والبخاري في كتاب الجنائز من صحيحة وفي رواية له (ما أدرى - وأنا ورسوله الله ما يفعل به) وقد ثبت في أحاديث كثيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أعلمه الله بعواقب بعض أصحابه فبشرهم بالجنه. وفي حديث عمر الخطاب - رضي الله عنه - عند البخاري والمسلم: أن جبريل سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الساعة فقال (ما المسؤول عنها بأعلم من السائل) ثم لم يزد على أن أخبره بأماراتها.

فدل على أنه علم الغيب ما أعلمه الله به دون ما سواه من الغيبيات , وأخبره عند الحاجة. أ. هـ

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام