مِنْ أَبْصَارِهِمْ ... ) (النور: 30) , (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ .. ) (النور 31) والأمثلةُ كثيرةٌ في القرآن.
إذن: الرسول عليه الصلاة والسلام لا يعلم الغيبَ إلاَّ ما أَطْلَعه الله، ولا يَمْلكُ لنفسه ضرّاً ولا نفعاً، بل ولا لغيره أيضاً؛ (قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا) (الجن 21) , (قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا) (الجن 22) لو أراد الله بي شيئاً ما أجارني أحدٌ منه ولن أجدَ من دونه مُلتحداً.
ويعتقدون أن الرسول عليه الصلاة والسلام بَشَرٌ ليس له من شئون الربوبية شيء، ولا يعلم الغيبَ إلا ما أطلعه] الله [عليه، حتى إنه عليه الصلاة والسلام يُسْأل أحياناً عن شيءً من الأحكام الشرعية، فيتوقف حتى يأتيه الوحي، حتى إنه أحياناً يُصْدرُ القولَ، فيأتيه الاستثناءُ من عند الله عز وجل؛ فقد سُئلَ عليه الصلاة والسلام عن الشهادة: هل تُكَفَّرُ كلَّ شيء؟ فقال: (نعم) . ثم قال (أين السَّائلُ؟) فقال (إلاَّ الدَّيْنَ؛ أَخْبرني بذلكَ جبريلُ آنفاً) [1] , أحياناً يجَتْهَدُ عليه الصلاة والسلام ولكن يأتيه الوحيُ من الله عز وجل بأن الخيرَ في كذا وكذا خلافَ ما اجتهد فيه صلى الله عليه وسلم. [2]
إذن: الرسول عليه الصلاة والسلام عبد عابد لله عز وجل وليس له من شئون الربوبية شيء، هذا هو قول أهل السنة والجماعة في رسول الله صلى الله عليه وسلم.
يعتقد أهل السنة والجماعة أيضاً: أن الرسول الله صلى الله عليه وسلم بَشَرٌ تَجُوزُ عليه كُلُّ الخصائص البشرية والجسدية: فينامُ، ويأكلُ، وَيشربُ، وَيمرضُ، وَيتألَّمُ، وَيحْزَنُ، ويَرضىَ، وَيغضب - عليه الصلاة والسلام -، ويَموتُ كما يموتُ الناس (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ) (الزمر 30 - 31) , (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ
(1) - أخرجه مسلم في صحيحة (كتاب الإمارة، باب من قتل في سبيل الله كفرت خطاياه إلا الدين، رقم 1885) من حديث أبي قتادة - رضي الله عنه -، ونص جواب النبي صلى الله عليه وسلم (نعم، أنت صابرٌ محتسبٌ، مقبلٌ غير مدبرٍ) ، ثم قال ( ... إلا الدينْ، فإن جبريل عليه السلام قال لي ذلك) .
(2) - كما وقع في قصة أسارى بدر , ونزول قوله تعالى (مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ ... ) (الأنفال 67) , والقصة بطولها في صحيح مسلم (كتاب الجهاد والسير, باب الإمداد بالملائكة في غزوة بدر وإباحة الغنائم رقم 6763) وانظر مقدمتي لشرح الحديث القدسي (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي) لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.