الصفحة 20 من 33

لستُ أقول: انه ما يشهد، ولكنه لم يحقق، وقد نقص من تحقيقه إياه بقدر ما حصل منه مِن مخالفة [1]

إذنْ: طريقةُ أهل السنة والجماعة في حقِّ رسول الله عليه الصلاة والسلام الشهادة له بقلوبهم وألسنتهم و أعمالهم انه رسول الله، كذلك- أيضا - يُحِبونه حب تقدير حباً تابعاً لمحبة الله عز وجل.

وليسوا يحبونه من باب التعبد له بمحبته؛ لان الرسولَ الله عليه الصلاة والسلام يُتعبدُ لله به- أي بشَرْعِه-، ولكنه لا يعبد هو.

فهم يحبون الرسولَ عليه الصلاة والسلام لأنه رسولُ ربِّ العالمين. ومحبتهم له من محبة الله تبارك وتعالى، ولو لا إن الله أرسل محمد بن عبد الله القرشي الهاشمي لكان رجلاً من بني هاشم لا يستحق هذه المرتبة التي استحقها بالرسالة.

إذن: نحن نحبه ونعظمه لأننا نُحِبُّ الله ونُعظمه، فمن أجل انه رسول الله وان الله تبارك وتعالى هدى به الأمة، حينئذٍ نحبه.

فالرسول عليه الصلاة والسلام عند أهل السنة والجماعة محبوب، لانه رسول رب العالمين، ولا شك انه أحق الناس، بل أحق الخلق و أجْدرهم بتحمُّل هذه الرسالة العظيمة عليه الصلاة والسلام.

(1) - فالواجب كمال التسليم للرسول صلى الله عليه وسلم والانقياد لأمره، وتلقي خبره بالقبول والتصديق دون أن نعارضه بخيال باطل نسميه معقولا، أو نحمله شبهة أو شكا، أو نقدم عليه آراء الرجال وزبالة أذهانهم، فنوحده بالتحكيم والتسليم والانتقاد والإذعان كما نوحد المرسل بالعبادة والخضوع والذل والإنابة والتوكل.

فهما توحيدان، لا نجاه للعبد من عذاب الله إلا بهما، توحيد المرسِل، وتوحيد متابعة الرسل، فلا نحاكم إلى غيرة، ولا نرضى إلى بحكم غيره، ولا نوقف تنفيذ أمره وتصديق خبره على عرضه على قول شيخه وإمامه وذوي مذهبه وطائفته ومن يعظمه، فإن أذنوا له نفذه وقبل خبره، وإلا فإن طلب السلامة فوضه إليهم و أعرض عن أمره وخبره، وإلا حرفه عن مواضعه، وسمى تحريفه تأويلا وحملا فقال: نؤوله ونحمله فلأن يلقى العبد ربه بكل ذنب - ما خلا الإشراك بالله - خير له من أن يلقاه بهذه الحال.

بل إذا بلغه الحديث الصحيح يعد نفسه كأنه سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فه يسوغ له أن يؤخر قبوله والعمل به حتى يعرضه على رأي فلان وكلامه ومذهبه؟! بل كان الفرض المبادرة إلى امتثاله من غير التفات إلى سواه ولا يستشكل قوله لمخالفته رأي فلان، بل يستشكل الآراء لقوله، ولا يعارض نصه بقياس، بل نهدر الأقيسة ونتلقى نصوصه ولا نحرف كلامه عن حقيقته لخيال يسميه أصحابه معقولا! نعم، هو مجهول، وعن الصواب معزول! ولا يوقف قبول قوله على موافقة فلان دون فلان، كائنا من كان. أ هـ من (شرح العقيدة الطحاويه) لابن أبي العز الحنفي رحمه الله ص 217 - 218.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام