الصفحة 15 من 33

ثم نقول: إن الحديث لا يدل على كل بدعة! بل قال (من سنة في الإسلام) . وما خرج عن شريعة الرسول ليس من الإسلام، بل قد قال (من سنة في الإسلام سنة حسنة) . وبهذا نعرف أنه لا بد أن تكون هذه السنة مما أثبته الإسلام , وإلا ليست سنة في الإسلام , ومن علِم سَبَبَ الحديث الذي ذكرناه عَلِمَ أن المراد بالسنة: المبادرة بالعمل , أو السبق إلى تنفيذ سنة كان أسبق الناس بها , لأن سبب الحديث معلومٌ وهو أن جماعةٌ جاؤا إلى النبي صلى الله عليه وسلم , وكانوا فقراء , فَحَث المسلمين على التصدق عليهم , فأتى رجلٌ من الأنصار بصرةٍ قد أثقلتْ يده فوضعها بين يديه صلى الله عليه وسلم (من سن في الإسلام سنة حسنة فله اجرها واجر من عمل بها) . وبهذا عرفنا المراد أن منْ سنها ليس من شرعها، لكن من عمل بها أولا؛ لانه بذلك (أي بعمله أولا) يكون هو إماما للناس فيها، فيكون قدوة خير وحسنة، فيكون له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة [1] .

ولا يرد على ذلك ما ابْتدعَ من الوسائل الموصلَة إلى الأمور الشرعية؛ فان هذه وان تَلَجْلَجَ بها أهلُ البدع وقعدُوا بها بدعَهم فإنه لا نصيب لهم منها، إلا أن يكون الراقم الماء له نصيب من الحروف بارزة في الماء!

أقول: ان بعض الناس يستدلون على تحسين بدعهم التي ابتدعوها في دين الله والتي يلزم منها ما سبق ذكره بما احدث من الوسائل لغايات محمودة.

(1) - فهنا يكون معنى (السن) : سن العمل تنفيذاً , وليس سنة تشريعاً فصار معنى (من سن في الإسلام سنة حسنة) أي: من عمل بها تنفيذاً لا تشريعاً لأن التشريع ممنوع (كل بدعة ضلالة) .

*وقد أجاب الشيخ رحمه الله عن الحديث بجوابين آخرين كما في مجموع الفتاوى 5/ 252 , لابأس من ذكرهما هنا لإتمام الفائدة , قال رحمه الله (إن من قال(من سن في الإسلام سنة حسنة) هو القائل (كل بدعة ضلالة) ولا يمكن أن يصدر عن الصادق المصدوق قول يكذب قولا آخر , ولا يمكن أن يتناقض كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم أبداً , ولا يمكن أن يرد على معنى واحد مع التناقض أبداً , ومن ظن أن كلام الله تعالى أو كلام رسوله صلى الله عليه وسلم متناقض فليعد النظر , فإن هذا الظن صادر إما عن قصور منه إما عن تقصير. ولا يمكن أن يوجد في كلام الله تعالى أو كلام رسوله صلى الله عليه وسلم تناقض أبداً.

وإذا كان كذلك فبيان عدم مناقضة حديث (كل بدعة ضلالة) لحديث (من سن في الإسلام سنة حسنة) أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول (من سن في الإسلام) والبدع ليست من الإسلام , ويقول (حسنة) والبدعة ليست بحسنة , وفرق بين السن والتبديع.

وهناك جواب لا بأس به: أن معنى (من سن) : من أحيا سنة كانت موجودة فعدمت فأحياها , وعلى هذا يكون (السن) إضافياً نسبياً كما تكون البدعة إضافية نسبية لمن أحيا سُنة بعد أن تركت)

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام