احتجوا على ذلك بجمع القران، وبتوحيده في مصحف واحد و بالتأليف، وببناء دور العلم وغير ذلك مما هو وسائل لا غايات! فهناك فرق بين الشيء الذي يكون وسيلةً إلى غاية محمودة مثبتةٍ شرعاً لكنها لا تتحقق إلا بفعل هذه الوسيلة؛ فهذه الوسيلة طبعاً تتجدد بتجدد الزمن وتختلف باختلاف العصور، ها هو قوله عز وجل (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ... ) (الانفال 60) و إعدادُ القوة على عهده عليه الصلاة والسلام غير إعداد القوة في زمننا هذا، فإذا ما أحدثنا عملاً معيناً نتوصل به إلى إعداد القوة فان هذه بدعةُ وسيلةٍ وليستْ بدعةُ غايةٍ يُتقرب بها إلى الله، ولكنها بدعةُ وسيلةٍ، ومن القواعد المقررة عند أهل العلم أن للوسائل أحكام المقاصد وبهذا أن ما تلجْلجَ به مبتدع الحوادث في دين الله باستدلالهم بمثل هذه القضايا انه ليس لهم فيها دليل أبداً؛ لان كل ما حصل فهو وسائل لغايات محمودة.
فجمع القرآن من تصنيف وما أشبه ذلك كله وسائل لغايات هي مشروعة في نفسها، فيجب على الإنسان أن يفرق بين الغاية والوسيلة، فما قصد لذاته فقد تم تشريعه من عند الرسول عليه الصلاة والسلام بما أوحاه الله إليه من الكتاب العظيم ومن السنة المطهرة، ولدينا ولله الحمد آية نتلوها في كتاب الله، وهي قوله تعالى ( ... الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ... ) (المائدة 3) , فلو كان من المحدثات ما يكمل به الدين لكانت قد شُرعتْ وبُينتْ وبُلغتْ وحُفظتْ، ولكن ليس فيها شيء يكون فيه كمال الدين، بل نقص في دين الله [1]
قد يقول بعض الناس: إننا نجد في هذه الحوادث [2] عاطفة دينيةً ورقةً قلبية واجتماعاً عليها.
فنقول: إن الله تعالى اخبر عن الشيطان انه قال (ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ ... ) (الاعراف 17) , يُزَينها الشيطان في قلب الإنسان ليصده عما خُلِق له، عن عبادة الله التي شرع، فترضخ النفس بواسطة تسلُّط الشيطان على المرءِ حتى يصده
(1) - قال الشيخ رحمه الله في مجموع الفتاوى 5/ 246 (إذا تقرر ذلك عندك أيها المسلم , فاعلم أن كل ابتدع شريعة في دين الله ولو بقصد حسن فإن بدعته هذه مع كونها ضلالة تعتبر طعناً في دين الله عزوجل , وتعتبر تكذيباً لله تعالى في قوله(الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) (المائدة 3) لأن المبتدع الذي ابتدع في شريعة الله تعالى وليست في دين الله تعالى كأنه يقول بلسان الحال: إن الدين لم يكمل , لأنه قد بقي عليه هذه الشريعة التي ابتدعها يتقرب بها إلى الله عزوجل).
(2) - في المطبوع بعدها زيادة كلمة (نجد) .