وعلى كل حال فقد كان البخاري رحمه الله يترضى عن معاوية كلما ذكر اسمه، ثم إنه قد ثبت عند البخاري صحبة معاوية رضي الله عنه للرسول صلى الله عليه وسلم، وثبت فقهه أيضاً كما نص عليه ابن عباس، وقد تقدم الحديث .. وكفى بهذا الثناء من حبر الأمة من فضيلة ومنقبة ..
كما وأن البخاري رحمه الله أخرج الحديث الذي دعا فيه النبي صلى الله عليه وسلم لمعاوية بأن يجعله هادياً مهدياً ويهدي به في كتابه التاريخ الكبير كما حكى ذلك شيخنا الألباني رحمه الله انظر: السلسلة الصحيحة (4/ 9691) .
سئل عبد الله بن المبارك، أيهما أفضل: معاوية بن أبي سفيان، أم عمر بن عبد العزيز؟ فقال: و الله إن الغبار الذي دخل في أنف معاوية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل من عمر بألف مرة، صلى معاوية خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: سمع الله لمن حمده، فقال معاوية: ربنا ولك الحمد. فما بعد هذا؟. وفيات الأعيان، لابن خلكان (3/ 33) ، و بلفظ قريب منه عند الآجري في كتابه الشريعة (5/ 2466) .
و أخرج الآجري بسنده إلى الجراح الموصلي قال: سمعت رجلاً يسأل المعافى بن عمران فقال: يا أبا مسعود؛ أين عمر بن عبد العزيز من معاوية بن أبي سفيان؟! فرأيته غضب غضباً شديداً و قال: لا يقاس بأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أحد، معاوية رضي الله عنه كاتبه و صاحبه و صهره و أمينه على وحيه عز وجل. كتاب الشريعة للآجري (5/ 2466 - 2467) شرح السنة لللالكائي، برقم (2785) . بسند صحيح.
وسئل المعافى بن عمران، معاوية أفضل أو عمر بن عبد العزيز؟ فقال: كان معاوية أفضل من ستمائة مثل عمر بن عبد العزيز. السنة للخلال (2/ 435) .
و كذلك أخرج الآجري بسنده إلى أبو أسامة، قيل له: أيهما أفضل معاوية أو عمر بن عبد العزيز؟
فقال: أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقاس بهم أحد. كتاب الشريعة (5/ 2465 - 2466) بسند صحيح، و كذلك أخرج نحوه الخلال في السنة، برقم (666) .
وروى الخلال في السنة بسند صحيح (660) أخبرنا أبو بكر المروذي قال: قلت لأبي عبد الله أيهما أفضل: معاوية أو عمر بن عبد العزيز؟ فقال: معاوية أفضل، لسنا نقيس بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحداً، قال النبي صلى الله عليه وسلم: خير الناس قرني الذي بعثت فيهم.
وعن الأعمش أنه ذكر عنده عمر بن عبد العزيز وعدله، فقال: فكيف لو أدركتم معاوية؟ قالوا: يا أبا محمد يعني في حلمه؟ قال: لا والله بل في عدله. السنة للخلال (1/ 437) .
وعن قتادة قال: لو أصبحتم في مثل عمل معاوية لقال أكثركم هذا المهدي. السنة للخلال (1/ 438) .
وعن مجاهد أنه قال: لو رأيتم معاوية لقلتم هذا المهدي. المصدر نفسه، وأورده ابن كثير في البداية (8/ 137) .
وعن الزهري قال: عمل معاوية بسيرة عمر بن الخطاب سنين لا يخرم منها شيئاً. السنة للخلال (1/ 444) وقال المحقق إسناده صحيح.
وقد أثنى عليه قبيصة بن جابر الأسدي بقوله: ألا أخبركم من صحبت؟ صحبت عمر بن الخطاب فما رأيت رجلاً أفقه فقهاً ولا أحسن مدارسة منه، ثم صحبت طلحة بن عبيد الله، فما رأيت رجلاً أعطى للجزيل من غير مسألة منه؛ ثم صحبت معاوية فما رأيت رجلاً أحب رفيقاً، ولا أشبه سريرة بعلانية منه .. انظر تاريخ الطبري (5/ 337) وأورد هذا الخبر البخاري في التاريخ الكير (7/ 175) .
وقال أيضاً: ما رأيت أحداً أعظم حلماً ولا أكثر سؤدداً ولا أبعد أناة ولا ألين مخرجاً ولا أرحب باعاً بالمعروف من معاوية. البداية والنهاية (8/ 138) .
وإن الجمع الذي بايع معاوية رضي الله عنه بالخلافة خير من الجمع الذي بايع عمر بن عبد العزيز رحمه الله، فقد بايع لمعاوية جم غفير من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي ذلك يقول ابن حزم رحمه الله كما في الفصل (5/ 6) : فبويع الحسن، ثم سلم الأمر إلى معاوية، وفي بقايا الصحابة من هو أفضل منهما بخلاف ممن أنفق قبل الفتح وقاتل، فكلهم أولهم عن آخرهم بايع معاوية ورأى إمامته.