قُلْتُ: لَمْ أَرَ شَيْئًا، فَقَالَا لِي: لَمْ تَفْعَلِي، ارْجِعِي إِلَى بِلَادِكَ وَلَا تَكْفُرِي. فَأَبَيْتُ، فَقَالَا: اذْهَبِي إِلَى ذَلِكَ التَّنُّورِ فَبُولِي فِيهِ. فَذَهَبْتُ، فَاقْشَعْرَرْتُ وَخِفْتُ. ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَيْهِمَا، فَقُلْتُ: قَدْ فَعَلْتُ، فَقَالَا: فَمَا رَأَيْتِ؟ فَقُلْتُ: لَمْ أَرَ شَيْئًا، فَقَالَا: كَذَبْتِ لَمْ تَفْعَلِي، ارْجِعِي إِلَى بِلَادِكَ وَلَا تَكْفُرِي، فَإِنَّكِ عَلَى رَأْسِ أَمْرِكِ. فَأَبَيْتُ، فَقَالَا: اذْهَبِي إِلَى ذَلِكَ التَّنُّورِ فَبُولِي فِيهِ. فَذَهَبْتُ إِلَيْهِ فَبُلْتُ فِيهِ، فَرَأَيْتُ فَارِسًا مُتَقَنِّعًا بِحَدِيدٍ خَرَجَ مِنِّي حَتَّى ذَهَبَ فِي السَّمَاءِ وَغَابَ عَنِّي حَتَّى مَا أُرَاهُ، فَجِئْتُهُمَا فَقُلْتُ: قَدْ فَعَلْتُ، فَقَالَا: مَا رَأَيْتِ؟ فَقُلْتُ: فَارِسًا مُتَقَنِّعًا خَرَجَ مِنِّي فَذَهَبَ فِي السَّمَاءِ حَتَّى مَا أُرَاهُ، فَقَالَا: صَدَقْتِ، ذَلِكَ إِيمَانُكِ خَرَجَ مِنْكِ اذْهَبِي. فَقُلْتُ لِلْمَرْأَةِ: وَاللَّهِ مَا أَعْلَمُ شَيْئًا وَمَا قَالَا لِي شَيْئًا، فَقَالَتْ: بَلَى، لَنْ تُرِيدِي شَيْئًا إِلَّا كَانَ، خُذِي هَذَا الْقَمْحَ فَابْذُرِي، فَبَذَرْتُ، فَقُلْتُ: أطْلِعِي، فَأَطْلَعَتْ، وَقُلْتُ: أَحْقِلِي، فَأَحْقَلَتْ، ثُمَّ قُلْتُ: أَفْرِكِي. فَأَفْرَكَتْ، ثُمَّ قُلْتُ: أَيْبِسِي، فَأَيْبَسَتْ، ثُمَّ قُلْتُ: أَطْحِنِي. فَأَطْحَنَتْ، ثُمَّ قُلْتُ: أَخْبِزِي، فَأَخْبَزَتْ. فَلَمَّا رَأَيْتُ أَنِّيَ لَا أُرِيدُ شَيْئًا إِلَّا كَانَ سُقِطَ فِي يَدِي وَنَدِمْتُ وَاللَّهِ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، وَاللَّهِ مَا فَعَلْتُ شَيْئًا قَطُّ وَلَا أفْعَلُهُ أَبَدًا" [1] "
قَالَ أَهْلُ هَذِهِ الْمَقَالَةِ بِمَا وَصَفْنَا وَاعْتَلُّوا بِمَا ذَكَرْنَا، وَقَالُوا: لَوْلَا أَنَّ السَّاحِرَ يَقْدِرُ عَلَى فِعْلِ مَا ادَّعَى أَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى فِعْلِهِ مَا قَدَرَ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ، قَالُوا: وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ يَتَعَلَّمُونَ مِنَ الْمَلَكَيْنِ مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ، وَذَلِكَ لَوْ كَانَ عَلَى غَيْرِ الْحَقِيقَةِ، وَكَانَ عَلَى وَجْهِ التَّخْيِيلِ وَالْحُسْبَانِ، لَمْ يَكُنْ تَفْرِيقًا عَلَى صِحَّةٍ، وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ يُفَرِّقُونَ عَلَى صِحَّةٍ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلِ السِّحْرُ أَخْذٌ بِالْعَيْنِ .." [2] "
ولا يقال: إن سحر الرسول - صلى الله عليه وسلم - يوجب له لبساً في النبوة والرسالة؛ لأن أثر السحر لم يتجاوز ظاهر الجسم الشريف، فلم يصل إلى القلب والعقل. فهو كسائر الأمراض التي قد تعرض له، والتشريع محفوظ بحفظ الله تعالى، قال الله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9] .
(1) - وإسناده صحيح
(2) - تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (2/ 352) صحيح مرسل