وحقيقة الاستشفاع بالشخص: الاستشفاع بدعائه، كما في حديث الأعمى حين علمه الرسول صلّى الله عليه وسلّم أن يقول: (اللهم فشفعه فيّ) أي اقبل دعاءه.
قال ابن تيمية رحمه الله (معنى الاستشفاع بالشخص - في كلام النبي صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه - هو استشفاع بدعائه، وشفاعته ليس هو السؤال بذاته، فإنه لو كان هذا السؤال بذاته لكان سؤال الخلق بالله تعالى أولى من سؤال الله بالخلق) [1] .
أما طلب الشفاعة من غير القادر فهذا عبث، وأما طلبها من الحي الغائب فهذا مرتبط بالحال الثانية وهي طلبها من الميت.
الحال الثانية: طلب الشفاعة من الميت: فهذه محرمة باطلة، ولا يوجد نص عن أي نبي من الأنبياء أنه أمر بالاستشفاع به بعد موته [2] .
ومخاطبة الميت - أيا كان نبياً أو ولياً - وطلب الشفاعة منه لا تجوز، قال ابن تيمية رحمه الله: (إن دعاءهم - أي الأنبياء والصالحين -، وطلب الشفاعة منهم في هذه الحال - أي بعد موتهم - يفضي إلى الشرك بهم، ففيه هذه المفسدة، فلو قدر أن فيه مصلحة لكانت هذه المفسدة راجحة، فكيف ولا مصلحة فيه) [3] .
وطلب الدعاء والشفاعة من الموتى، والغائبين هو أصل الشرك، وهذه هي صورة اتخاذ المشركين شفعاء من دون الله، كما قال تعالى: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} [الأنعام: 94] ، وقال: وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ
(1) قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة ص248.
(2) انظر: الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لابن تيمية 5/74.
(3) قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة ص51.