أنصابًا، وسموها بأسمائهم ففعلوا فلم تعبد، حتى إذا هلك أولئك وتنسخ العلم عبدت. (1)
لهذا كان تحذير النبي - عليه الصلاة والسلام - شديدًا من مجاورة الحد في مدحه، حيث قال: (لا تطرونى كما أطرت النصارى عيسى بن مريم، فإنما أنا عبده، فقولوا: عبد الله ورسوله) . (2) .
ومن ذلك ما ورد في الصحيحين عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مرضه الذي لم يقم منه:"لعن الله اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد"قالت: لولا ذلك أبرز قبره، غير أنه خشى أو خشى أن يتخذ مسجدًا" (3) ."
وللغلو المنهى عنه مظهران عند الصاوى، الأول: الغلو في النبي، ويتمثل بما يصفه به من أوصاف تخرج به عن حدود البشر.
الثاني: غلو في الصالحين، ويتمثل بما يشرعه في حقهم من التبرك بذواتهم، وإباحة التعلق بأذيالهم والاستغاثة بهم.
أما ما يتعلق في حق النبي - عليه الصلاة والسلام - من حكاية قصة خلقه من نور الذات العلية بلا واسطة - تعالى الله عن ذلك - كما هو مشهور من أقوال المتصوفة (4) فبطلانها أظهر من أن يستدل له؛ إذ فيه مخالفة صريحة لما هو معلوم عن قصة خلق الإنسان الأول: آدم - عليه السلام - كما وردت في كثير من الآيات الكريمة، قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ} [الحجر: 28] .
(1) أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب التفسير - باب قوله تعالى: {وَدًّا وَلَا سُوَاعًا} ، رقم الحديث: 4920.
(2) أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب الأنبياء - باب قوله تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ} ، رقم الحديث 3445.
(3) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز - باب ما جاء في قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبى بكر وعمر رضي الله عنهما، برقم: 390.
(4) انظر: مجموع الأوراد والأدعية والاستغاثات للبكرى.