الصفحة 178 من 216

قيل ثانيا: فالمؤمنون به طبقوا الأرض, فهلا اجتمع بهم في بعض الأوقات, أو أرسل إليهم رسولا يعلمهم شيئا من العلم والدين،

وقيل ثالثا: قد كان يمكنه أن يأوي إلى كثير من المواضع التي فيها شيعته كجبال الشام التي كان فيها الرافضة عاصية, وغير ذلك من المواضع العاصية

وقيل رابعا: فإذا هو لا يمكنه أن يذكر شيئا من العلم والدين لأحد لأجل هذا الخوف, لم يكن في وجوه لطف ولا مصلحة, فكان هذا مناقضا لما أثبتوه بخلاف من أرسل من الأنبياء وكذب فإنه بلغ الرسالة وحصل لمن آمن من اللطف والمصلحة ما هو من نعم الله عليه, وهذا المنتظر لم يحصل به لطائفته إلا الانتظار لمن لا يأتي, ودوام الحسرة والألم, ومعاداة العالم, والدعاء الذي لا يستجيبه الله, لأنهم لم يحصل شيء من هذا, ثم إن عمر واحد من المسلمين هذه المرة أمر يعرف كذبه بالعادة المطردة في أمة محمد, فلا يعرف أحد ولد في دين الإسلام وعاش مائة وعشرين سنة, فضلا عن هذا العمر, وقد ثبت في الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال في آخر عمره «أرأيتكم ليلتكم هذه فإنه على رأس مائة منها لا يبقى على وجه الأرض ممن هو اليوم عليها أحد» . (1) فمن كان في ذلك الوقت له سنة ونحوها لم يعش أكثر من مائة سنة قطعا, وإذا كانت الأعمار في ذلك العصر لا تتجاوز هذا الحد, فما بعده من الأعصار أولى بذلك في العادة الغالبة العامة, فإن أعمار بني آدم في الغالب كلما تأخر الزمان قصرت ولم تطل, فإن نوحا عليه السلام لبث

(1) - أخرجه البخاري (116) ومسلم (2537) من حديث ابن عمر

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام