الفصل الخامس
بيان الفتن والأضرار الكبيرة التي حدثت في الأمة
بسبب التوسع في التكفير
إن المتتبع للتاريخ الإسلامي منذ صدر الإسلام إلى يومنا هذا يجد أن الخطأ في مسألة التكفير والتوسع في تكفير المعين حدث في هذه الأمة في وقت مبكر، وأنه قد حصل بسبب الخطأ في هذه المسألة فتن كثيرة، وأحداث جسام، تكررت في أزمان متعددة، وبعض هذه الفتن استمر عقوداً من السنين، وأحدث في الأمة أضراراً كثيرة وكبيرة يحزن المسلم ويعتصر قلبه ألماً عند سماعه لتلك الأحداث والفتن في تاريخ المسلمين.
ففتنة التكفير من أوائل الفتن التي حدثت في هذه الأمة [1] ، ويكفي دلالة على تقدم حدوثها في هذه الأمة أنها حصلت في عهد الخلفاء الراشدين، وذلك في عهد الخليفة الراشد علي بن أبي طالب ر، حين برز الخوارج بعد حادثة التحكيم في وقعة صِفِّين بين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان ـ رضي الله عنهم ـ وكفّروا كلَّ من شارك في هذا التحكيم، بل إنهم كفروا كل َّ من لم يكن على طريقتهم من الصحابة والتابعين، ثم تطور أمرهم إلى أنهم يكفرون المسلم بمجرد وقوعه في أي كبيرة من كبائر الذنوب؛ لأنهم ـ بسبب جهلهم المركب ـ أخطأوا في فهم نصوص الوعيد، بل إنهم طبقوا بعض النصوص الواردة في الكفار على عصاة المسلمين، قال عبد الله بن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنهما ـ عن الخوارج: «إنهم انطلقوا إلى آياتٍ نزلت في الكفار فجعلوها
(1) قال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى 3/ 279: «وأول بدعة حدثت في الإسلام بدعة الخوارج والشيعة، حدثتا في أثناء خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، فعاقب الطائفتين .. » ، وينظر: الملل والنحل 1/ 155.