الفصل الرابع
تكفير المعين
من الأمور المعلومة المسلَّمة في عقيدة أهل السنة والجماعة التفريق بين الحكم على الاعتقاد أو القول أو الفعل بأنه كفر أو شرك وبين الحكم على المسلم المعيَّن الذي اعتقد اعتقاداً كفرياً أو فعل أمراً مكفراً أو قال قولاً كفرياً.
فإن الحكم على القول أو الفعل بأنه كفر متعلق ببيان الحكم الشرعي المطلق، أما الحكم على الشخص المعيَّن إذا اعتقد أو قال أو فعل أمراً كفرياً مخرجاً من الملة كأن ينكر أمراً معلوماً من الدين بالضرورة، وكأن يسبّ الله تعالى أو يسبَّ دين الإسلام فإنه لابد عند الحكم عليه من التَّبيُّن عن حال هذا الشخص المعيَّن في ذلك، وذلك بمعرفة هل توفَّرت فيه جميع شروط الحكم عليه بالكفر أم لا؟ وهل انتفت عنه جميع موانع الحكم عليه بالكفر أم لا؟،فإن توفَّرت فيه جميع شروط التكفير، وانتفت عنه جميع موانعه حُكم بكفره، وإن لم يتوفر فيه شرط واحد أو أكثر من شروط الحكم عليه بالكفر، أو وجد لديه مانع أو أكثر من موانع التكفير لم يحكم بكفره [1] .
(1) فمن موانع تكفير من أنكر معلوماً من الدين بالضرورة: الجهل، كأن يكون حديث عهد بإسلام.
ومن موانع تكفير مَنْ سبَّ الله تعالى أو سَبَّ دين الإسلام: أن يكون مكرهاً على ذلك. وهكذا، وسيأتي بيان لهذه الموانع وغيرها إن شاء الله تعالى.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفي المقابل فمن ارتكب أحد المكفّرات السابقة، كأن يسبّ دين الإسلام مثلاً، وكان متعمداً لذلك ليس عن سبق لسان أو نحوه، وكان عالماً أن هذا اللفظ من ألفاظ السب والشتم، وكان غير مكره ـ أي اجتمعت فيه شروط التكفير وانتفت عنه موانعه ـ فإنه يحكم بكفر هذا الشخص المعيَّن، لكن لا يجوز أن يحكم عليه بالكفر إلا أهل العلم ـ كما سيأتي بيان ذلك إن شاء الله تعالى.
وهذا التفصيل الذي يظهر منه الفرق بين الحكم المطلق والحكم على المعين موجود في كثير من الأحكام الشرعية.
فمثلاً: قطع يد السارق جاء حكمه في الشرع عاماً مطلقاً، قال الله تعالى: + ..." [المائدة:38] ، لكن لا يجوز قطع يد سارق معيّن حتى تتوفر فيه جميع شروط القطع وتنتفي عنه جميع موانعه، فلابد أن يكون هذا السارق المعيّن بالغاً عاقلاً، ولابد أن يكون سرق المال من حرزه، ولابد أن يبلغ المال المسروق المقدار الذي تُقطع اليد بسرقته، ولابد أن لا تُوجدشبهة لهذا السارق في هذا المال ونحو ذلك، فإذا توفرت جميع شروط القطع وانتفت موانعه وجب حينئذ الحكم بقطع يد هذا السارق المعيَّن."
وكذلك جاء الحكم بتوريث الولد من والده عاماً مطلقاً، قال تعالى: + ..." [النساء:11] ، لكن لا يجوز توريث ولدٍ معيَّن من والده حتى تتوفر فيه جميع شروط الإرث وتنتفي عنه جميع موانعه، فلابد من التأكد من حياة الولد بعد وفاة الوالد، ولابد أن يكون الولد موافقاً لوالده في الدين، وأن لا يكون قاتلاً لوالده، وأن لا يكون رقيقاً، ونحو ذلك، فإذا توفرت جميع شروط الإرث في هذا الولد المعيَّن وانتفت عنه جميع موانع الإرث حُكم بتوريثه من والده."
وكذلك جاء الحكم العام بوجوب رجم الثيب الزاني، لكن لا يجوز رجم رجل معيَّن إذا زنا وهو ثيب حتى تتوفر فيه جميع شروط الرجم وتنتفي عنه جميع موانعه، فلابد أن يكون عالماً بتحريم الزنا، فقد يكون حديث عهد بإسلام، ولم يَعلم بتحريمه، ولابد أن يكون محصناً، وأن تنتفي الشبهة، ونحو ذلك، فإذا توفرت جميع شروط الرجم في هذا الزاني المعيَّن وانتفت عنه جميع موانعه حكم برجمه.