المعيَّن.
وغلط في هذا طائفتان:
إحداهما: رأت أن المعيَّن لا يُكفَّر أبداً، فأغلقت باب الردة بدعوى صعوبة التطبيق على المعين لعدم وجود شرط من شروط التكفير، أو لوجود مانع من موانعه، كما سبقت الإشارة إلى شيء من ذلك عندما يقول المرجئة إنه لا يكفر إلا المكذّب بقلبه فقط. ومعنى ذلك أننا لا نستطيع أن نحكم على أحد بالكفر بعينه لأي قول أو فعل من الأفعال
ـ مهما كان ناقضاً للإسلام ـ لأنه قد يكون مؤمناً لوجود التصديق في قلبه.
والأخرى: قالت إذا وجد الحكم العام على فعل من الأعمال بأنه كفر، دخل فيه جميع الأفراد ممن وقع منهم هذا الفعل المكفِّر وكَفَروا بأعيانهم، دون النظر إلى حال كل فرد على حدة، من حيث توفر شروط التكفير وانتفاء موانعه.
أما أهل السنة فإنهم لم يقولوا إن المعيَّن لا يكفر أبداً، كما أنهم لم يوقعوا التكفير على كل من فعل المكفِّر دون النظر إلى عوارض الأهلية.
ولو نظرنا إلى فعل السلف رحمهم الله تعالى لوجدنا أنهم كثيراً ما يطلقون التكفير في بعض الأفعال والبدع والمقالات ونحوها، وحينما يطبقونها على محلها بتكفير المعيَّن يشدّدون في التطبيق؛ لأن من وقع منه ذلك قد يكون جاهلاً، أو متأولاً تأويل سائغاً [1] ، أو حديث عهدٍ بالإسلام، أو غير ذلك من الأمور التي تمنع من الحكم بتكفيره ...
والإمام أحمد وغيره أطلقوا أن التجهم وتعطيل الصفات أو القول بخلق القرآن أو إنكار رؤية الله أو القدر كفر، لكنهم لم يكفّروا الأعيان إلا قليلاً ممن ثبت كفرهم بتوفر الشروط وانتفاء الموانع، ومن ثم أقيمت عليهم أحكام الردة من القتل وغيره ....
ومما سبق ـ ونحن نعرض لقضية الحكم بغير ما أنزل الله ـ يمكن أن
(1) سبق بيان المراد بالتأويل السائغ عند الكلام على عذر التأويل.