إذا بان لك أن الكفر يكون بالقول أو الفعل أو الاعتقاد أو الشك، فاعلم أن الكفر إنما يتعلق بالأمر الظاهر، وأما الأمر الخفي فالله وحده الذي يعلمه فلا دخل للفقيه فيه، وعلى هذا فإن الكفر بحسب هذا الاعتبار ينقسم إلى قسمين:
1 -الكفر الظاهر: وهو الكفر الذي ظهر على الجوارح ظهوراً لا شك فيه، وهذا إنما يكون بالقول أو الفعل فقط فهو علته، وهي وصف مناسب لاعتباره لأنها منضبطة، فالحكم يدور معها وجوداً وعدماً، فمتى ما وقع المرء بقول مكفر، أو فعل مكفر، فلا شك أنه يكون ارتكب أمراَ ظاهراً للعيان ومنضبطاً لإيقاع الكفر عليه، ففي الدنيا لا يقام الحد إلا على الأمور الظاهرة، وذلك كالقول أو الفعل كما سبق بيانه.
2 -الكفر الباطن: وهو الكفر الذي يكون في القلب دون الجوارح، فمن اعتقد أمراً كفرياً قام الدليل الشرعي على كفر من اعتقده، أو شك في أمر معلوم من الدين بالضرورة فهو كافر في الآخرة، وإن كان في أحكام الدنيا يعتبر مسلماً في الظاهر، وهو الذي يسمى عند المسلمين بالمنافق أو الزنديق، فإن مثله معدود من جملة المسلمين في أحكام الدنيا، وإن كان في أحكام الآخرة من الخاسرين، وهذا النموذج من الناس لا دخل للفقيه فيه ولا للقاضي ولا للمفتي، وإنما حكمه إلى الله وحده، لأنه لم يظهر عليه شيء ظاهر من قول أو فعل مكفر، يحكم عليه بسبب ذلك بالكفر.