فهرس الكتاب
الصفحة 60 من 111

الخلاف الذي كان يجمعهم، ومع ذلك -رحمهم الله- كانوا وقافين عند حدود الله إذا بانت لأحدهم سنة، لا يسعه إلا الرجوع إليها، حتى قال في حقهم الإمام شيخ الإسلام كلمة رائقة تنم عن عظم هؤلاء القوم -رحمهم الله- في أصولهم وفروعهم وما كان من منهجهم قال: (إجماعهم حجة قاطعة واختلافهم رحمة واسعة) فأراد بذلك -رحمه الله- الخلاف الذي لا يفصل فيه نص معين، وما سوى ذلك فخلافهم رحمة للأمة.

والشاهد من هذا: أن العالم قد يقع في مخالفة شرعية، ويدين الله تعالى بها، ويدعو إليها وتموت معه، ويلقى الله عليها، ويكون بذلك معذوراً عند الله تعالى، وذلك بسبب بعض المعاذير التي ذكرناها سابقاً، ولذلك كان السلف يتورعون في تكفير المسلم فضلاً عن العالم إذا رفع لهم قول أو فعل مكفر، وقع فيه هذا العالم أو المسلم، فيقولون هذا كفر، أو من قال ذلك فقد كفر، ويعنون بذلك نوع الفعل أو جنسه، دون قائله، وهذا أيضاً ينسحب على من وقع في بدعة، ولذلك يفرق أهل السنة بقولهم فلان صاحب بدعة، أو وقع في البدعة، وبين قولهم فلان مبتدع، فالأول قد يكون معذوراً، وأما الثاني فتكون قد أقيمت عليه الحجة حتى استحق أن تقع البدعة عليه، وبالجملة: فإنه لا يلزم الواقع في ضلالة أن تقع الضلالة عليه، ولما لم يفرق بعض المتأخرين بين الأمرين صار يلعن بعضهم بعضاً ويكفر بعضهم بعضاً، حتى وقع التراشق بينهم تكفيراً وتفسيقاً وتبديعاً، وصار يكون في المسجد أربعة محاريب لا يصلي أحدهم إلا خلف صاحبه أو إمام مذهبه، حتى حدى ذلك ببعضهم ألا يناكح إلا من كان على أصول مذهبه، وإذا صاهر مسلماً ينتمي إلى غير مذهبه، فإنما ذلك يكون إلحاقاً له بأهل الكتاب!، فالله المستعان من هذا الغثاء الذي لا يصدر إلا من الدهماء، ومن رام تفصيل شيء في هذا المقام فليطالع رسالة شيخ الإسلام التي سطرها في هذا المضمار وهي بعنوان: (رفع الملام عن الأئمة الأعلام) . وبالله التوفيق.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام