فهرس الكتاب
الصفحة 9 من 85

ويجب على على إخواننا الدعاة أن يعلموا أن أغلب المسلمين يجهلون الجزء الأكبر من أحكام العبودية، وأنهم لو علموا وفهموا لأطاعوا ربهم لأنهم يرغبون في حبه وقربه، فهم يحبون لا إله إلا الله ويشهدون أن محمدا رسول الله، ولذلك فإن من الحكمة والفطنة الرأفة بهم والأخذ بأيديهم إلي العلم بأحكام الله، لاسيما في المسائل المتعلقة بتوحيد الإله، دون الحكم عليهم قبل سابق إنذار، أو تكفيرهم وإخراجهم من الملة إلي الخلود في النار.

كما ينبغي أن يُعلم أن الله إذا أخبرنا عن إنسان أنه في النار، فيجب أن ندرك يقينا أن الحجة بلغته وأن الرسالة وصلته، لأن ذلك لازم للعدل الإلهي، فالله لا يعذب أحدا إلا بسابق إنذار، وقد حاول بعض الناس بجهلهم وحبا في نبيهم أن يرد حديث أَنَس بن مالك رضي الله عنه الذي رواه الإمام مسلم بسنده عن النبي صلي الله عليه وسلم أَنَّ رَجُلا قَال يَا رَسُول اللهِ أَيْنَ أَبِي قَال فِي النَّارِ فَلمَّا قَفي دَعَاهُ فَقَال إِنَّ أَبِي وَأَبَاكَ فِي النَّارِ، وكذلك حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أن رَسُول اللهِ صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ قال:

(اسْتَاذَنْتُ رَبِّي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لأُمِّي فَلمْ يَاذَنْ لي وَاسْتَاذَنْتُهُ أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأَذِنَ لي) ، فالحديثان صحيحان وثابتان عن المصطفي صلي الله عليه وسلم، ويدلان بلا لبس أو غموض على أن والد النبي صلي الله عليه وسلم وأمه في النار وأنهما ماتا على الشرك بالله، وهذا يدل يقينا على أن الحجة وصلتهم وأن رسالة التوحيد بلغتهم، وإن كنا لا نعلم كيف وصلتهم أو بلغتهم، ولا يحتاج الأمر إلي تأويل، أو خروج عن الدليل، أو الكذب على رسول الله صلي الله عليه وسلم في أن الله أحيا أباه وأمه فآمنا به ثم ماتا، أو ندعي لأنفسنا أننا نحب أباه وأمه أكثرَ منه صلي الله عليه وسلم.

وقد يسأل سائل ويقول: هل يلزمني لكي أحقق شرط العلم الذي هو من شروط لا إله إلا الله، أن أتعلم كل صغيرة وكبيرة في الدين؟ وأن أترك عملي لأسلك سبيل المتعصبين المتشددين؟ والجواب على ذلك سهل ويسير على من هداه اللطيف الخبير، لم يأمر الإسلام أحدا أن يترك عمله ويتواكل على غيره، ودين الله يسر لا سبيل فيه للمتعصبين والمتشددين، ولكن المطلوب منك أن تسأل المتخصصين عما يظهر لك في حياتك من أحكام، لأنك بقولك لا إله إلا الله عاهدت الله على الالتزام، عاهدته على أن تنفذ أمره إذا علمته، وأن تصدق خبره إذا عرفته، فإن سمعت آية يأمرك الله فيها بفعل معين، فواجب عليك الطاعة لرب العالمين، وإن سمعت آية يخبرك الله فيها عن شيء من الغيبيات، وجب عليك التصديق الذي يبلغ حد اليقين، ولن يستطيع إنسان بمجرد إسلامه أن يتعلم الفقه بكل أحكامه، ولكنه مع كثرة السؤال والاستفسار، يزداد علمه بربه، وتنمو المعرفة في قلبه، ومن زادت معرفته بالله ازدادت هيبته، ونما وقاره وازدادت سكينته.

وشرف لك أيها المسلم أن تتعلم الفقه في الدين، وأن تطلب العلم على أيدي العلماء الراسخين، فقد ثبت عن سيد الأنبياء والمرسلين أنه قال: (مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ وَإِنَّمَا العِلمُ بِالتَّعَلُّمِ) ، ومن حديث أَبِي أُمَامَةَ البَاهِليِّ رضي الله عنه قَال: ذُكِرَ لرَسُول اللهِ صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ رَجُلانِ، أَحَدُهُمَا عَابِدٌ وَالآخَرُ عَالمٌ فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ: (فَضْلُ العَالمِ على العَابِدِ كَفَضْلي على أَدْنَاكُمْ، ثُمَّ قَال رَسُولُ اللهِ صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ وَأَهْل السماوات وَالأَرَضِينَ حتى النَّمْلةَ فِي جُحْرِهَا وَحتى الحُوتَ ليُصَلُّونَ على مُعَلمِ النَّاسِ الخَيْرَ) ، وهو حديث صحيح رواه الترمذي وصححه الشيخ الألباني.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام