فهرس الكتاب
الصفحة 10 من 85

وروي عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أنه قال: تعلموا العلم فإن تعلمه لله خشية، وطلبه عبادة، ومذاكرته تسبيح، والبحث عنه جهاد، وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة، وبذله لأهله قربة، لأنه معالم الحلال والحرام، ومنار السبيل لأهل الجنة، وهو الأنيس في الوحشة، والصاحب في الغربة، والمحدث في الخلوة، والدليل على السراء والضراء، وهو السلاح على الأعداء، وزينة الأخلاء، يرفع الله به أقواما فيجعلهم في الخير قادة، وأئمة تُقْتَص آثارهم، ويقتدي بأ فعالهم، وينتهي إلي رأيهم، ترغب الملائكة في خلتهم وبأجنحتها تمسحهم، ويستغفر لهم كل رطب ويابس، وحيتان البحر وهوامه، وسباع البر وأنعامه، لأن العلم حياة القلوب من الجهل، ومصابيح الأبصار من الظلم، يبلغ العبد بالعلم منازل الأخيار، والدرجات العلى في الدنيا والآخرة، به توصل الأرحام، وبه يعرف الحلال من الحرام، وهو إمام العمل والعمل تابعه، يلهم الله العلم للسعداء، ويحرم منه الأشقياء.

وقال وهب: العلم يتشعب منه عدة خصال، الشرف وإن كان صاحبه دنيا، والقرب وإن كان صاحبه قصيا، والغني وإن كان فقيرا والنبل، وإن كان حقيرا، والمهابة وإن كان وضيعا، والسلامة وإن كان سفيها.

وقد كان سلفنا الصالح، يصنفون الناس في العلم إلي ثلاثة أنواع: عالم رباني، ومتعلم على سبيل النجاة، وهمج رعاع يتبعون كل ناعق، يميلون مع كل ريح، لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يدركوا بركة الفهم، العلم خير من المال، العلم يحرسك وأنت تحرس المال، العلم يكسب العالم الطاعة في حياته، وجميل الذكري بعد وفاته، مات خزان الأموال وهم أحياء، والعلماء باقون ما بقي الدهر، أعيانهم مفقودة، وآثارهم موجودة، وأمثالهم في القلوب محمودة، يموت العلم بموت حامليه، ولا تخلو الأرض من قائم لله بحجة، لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل، أولئك هم الأقلون بين الناس عددا، الأعظمون عند الله قدرا، حفظوا الله فحفظهم ونصروا الله فنصرهم وشكروه فشكرهم وذكروه فذكرهم أولئك هم أولياء الله المتقون وحزبه الغالبون الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.

وخلاصة شرط العلم، الشرط الأول من شروط لا إله إلا الله، دوام السؤال، عن كل ما يمر به الإنسان من أفعال، هل فعلها رسول الله صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ أو أمر بها أو أقرها، وما هو الدليل على ذلك؟ اسأل في ذلك عالما فقيها، ولا تسأل أحمقا سفيها، يدعي العلم والفهم، فينبغي عليك أن تقصد من الفقهاء من اشتهر بالديانة، وعرف بالستر والأمانة، فقد ثبت عن نبينا صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ أنه قال: (إن من أشراط الساعة أن يلتمس العلم عن الأصاغر) (البركة مع الأكابر) .

وقال عبد الله بن مسعود: (لا يزال الناس بخير ما أخذوا العلم عن أكابرهم فإذا أخذوه من أصاغرهم وشرارهم هلكوا) فاسمع من العالم التقي وانتبه لجوابه وانظر في خطابه، ولا تفتن بمن يأتيك بكلام غريب، بعيد عن سنة الحبيب، فيأتيك بالتأويل والتعطيل أو التحريف والتبديل، تحت ستار الأقيسة العقلية أو الأصول الكلامية أو المواجيد الذوقية وخرافات الصوفية، أو قد يقول لك هذا علم لدني قوي، ويفتيك بكلام عجيب فقل له العلم اللدني في اتباع سنة الحبيب صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ، فإن علمت الحكم ونور الله بصيرتك بالفهم فاستجب لله كما أمر المؤمنين الموحدين فقال: (يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا للهِ وَللرَّسُول إِذَا دَعَاكُمْ لمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ المَرْءِ وَقَلبِهِ وَأَنَّهُ إِليْهِ تُحْشَرُونَ) .

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام