فهرس الكتاب
الصفحة 82 من 85

فكلمة لا إله إلا الله، تقلب العدو إذا شهد بها إلي حبيب، وتحول القريب إذا كفر بها إلي غريب، لأنها فرقان بين الحق والباطل، ونور يخرج من القلب إلي اللسان يضيئ الأركان في سائر الأبدان.

والرسول صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ يشفع لعمه في الآخرة، ليس في الخروج من النار، ولكن في تخفيف العذاب عنه هتي يكون عذابه أهون أهل النار عند البخاري 6076 فمن حديث النُّعْمَانِ بن بشير رضي الله عنه أن النَّبِيَّ صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ قال: إِنَّ أَهْوَنَ أَهْل النَّارِ عَذَابًا يَوْمَ القِيَامَةِ لرَجُلٌ تُوضَعُ فِي أَخْمَصِ قَدَمَيْهِ جَمْرَةٌ يَغْلي مِنْهَا دِمَاغُهُ.

ويريد بذلك عمه أبو طالب لما ورد من حديث 5740 الحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ عَنْ العَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلبِ أنه قَال: يَا رَسُول اللهِ هَل نَفَعْتَ أَبَا طَالبٍ بِشَيْءٍ فَإِنَّهُ كَانَ يَحُوطُكَ وَيَغْضَبُ لكَ قَال نَعَمْ هُوَ فِي ضَحْضَاحٍ مِنْ نَارٍ، لوْلا أَنَا لكَانَ فِي الدَّرَكِ الأَسْفَل مِنَ النَّارِ.

وكل أمة بعث الله إليها رسولا من نوح إلي محمد يأمرهم بعبادة الله وحده وينهاهم عن عبادة الطاغوت والدليل على ذلك قوله تعالى: (وَلقَدْ بَعَثْنَا فِي كُل أُمَّةٍ رَسُولا أَنْ اُعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَي اللهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَليْهِ الضَّلالةُ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المُكَذِّبِينَ) .

وأصول الطواغيت التي تعبد من دون الله محصورة في أصلين من أبواب الضلال: الأصل الأول عبودية الهوى وما يتعلق به من أصناف الدنيا وأنواع المشتهيات، والأصل الثاني عبودية الشيطان وما يبثه في قلب الإنسان من شبهات.

فالأصل الأول يدخل تحته ما تجاوز به العبد حده وتجاوز به وصفه، كمن عظم نفسه ودعا الناس إلي إطرائه ومدحه حتى يصل به الهوى إلي إدعاء ربوبيته، ودعوتهم لعبوديته، كما فعل فرعون وهامان ومن قبلهما النمرود بن كنعان، كل واحد منهم ألبس نفسه رداء الربوبية ولم يكتس بثوب العبودية، ولم يعلم أنه عبد في ملك سيده مستخلف في أرضه أمين على ملكه، قد ابتلاه فيما أعطاه، وامتحنه فيما خوله واسترعاه، فلم يرد الملك إلي المالك ونسب لنفسه أوصاف الخالق؟ فتكبر على الخلق بنعم الله، وتعالي عليهم بما منحه وأعطاه، لينازع ربه في وصف الربوبية، ويشاركه في العلو والكبرياء، وعظمة الأوصاف والأسماء، فأصبح طاغوتا يستوجب الشقاء والحرمان، ودوام العذاب في النيران، يَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَل في الحديث القدسي:

(الكِبْرِيَاءُ رِدَائِي وَالعَظَمَةُ إِزَارِي، فَمَنْ نَازَعَنِي شَيْئًا مِنْهُمَا أَلقَيْتُهُ فِي جَهَنَّمَ) ، وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الذي رواه الإمام مسلم قَال: (لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ) فإن لم تكن عبدا لربك تعتقد أنك وما خولك وملكك خالصا له خاضعا لأمره، فإنك تطمع إلي تأليه نفسك والخروج عن وصفك، فتدعي لنفسك ما ادعاه فرعون من أوصاف الربوبية.

فرعون بلغت به الوقاحة إلي أن قال: (وَقَال فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لي صَرْحًا لعلى أَبْلُغُ الأَسْبَابَ أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلعَ إلي إِلهِ مُوسَي وَإِنِّي لأَظُنُّهُ كَاذِبًا وَكَذَلكَ زُيِّنَ لفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلهِ وَصُدَّ عَنْ السَّبِيل وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلا فِي تَبَابٍ) ، (وَنَادَي فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَال يَاقَوْمِ أَليْسَ لي مُلكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحتى أَفَلا تُبْصِرُونَ أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ فَلوْلا أُلقِيَ عَليْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ المَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ فَلمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ فَجَعَلنَاهُمْ سَلفًا وَمَثَلا للآخِرِينَ) ، وقد قال تعالى

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام