فهرس الكتاب
الصفحة 81 من 85

رَسُولُ اللهِ صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ يَعْرِضُهَا عَليْهِ وَيَعُودَانِ بِتِلكَ المَقَالةِ حتى قَال أَبُو طَالبٍ آخِرَ مَا كَلمَهُمْ: هُوَ على مِلةِ عَبْد ِالمُطَّلبِ وَأبي أَنْ يَقُول لا إِلهَ إِلا اللهُ، فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ، أَمَا وَاللهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ لكَ مَا لمْ أُنْهَ عَنْكَ، أسوة بإبراهيم لما استغفر لأبيه المشرك الذي قال له:

{أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلهَتِي يَا إِبْراهِيمُ لئِنْ لمْ تَنتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَليًّا قَال سَلامٌ عَليْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَي أَلا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا} (مريم/48:46) فلما علم الصحابة أن رسول الله سيستغفر لعمه على الرغم من عقيدته الشركية، بدؤوا يستغفرون لآبائهم المشركين الذين ماتوا في الجاهلية، عند ذلك منعهم الله عز وجل وبين لهم أن ذلك لا يجوز في حقهم، وأن إبراهيم ما استغفر لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه بأنه سيشهد ألا إله إلا الله وأن إبراهيم نبي الله، فَلمَّا تَبَيَّنَ لهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ للهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إبراهيم عليه الصلاة والسلام وأنزل الله عز وجل:

مَا كَانَ للنَّبِيِّ وَالذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا للمُشْرِكِينَ وَلوْ كَانُوا أُوْلي قُرْبَي مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الجَحِيمِ وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلمَّا تَبَيَّنَ لهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ للهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَليم وَمَا كَانَ اللهُ ليُضِل قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حتى يُبَيِّنَ لهُمْ مَا يَتَّقُونَ إِنَّ اللهَ بِكُل شَيْءٍ عَليمٌ (التوبة/115:113)

إبراهيم عليه السلام تبرأ من أبيه لما أصر على الشرك بالله وامتنع عن التوحيد، فبعد أن كان والده قريبا حبيبا أصبح بسبب شركه بعيدا غريبا، بل سأل إبراهيم ربه ألا يخزيه فيه يوم يبعثون، يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُون، فقال: {وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُون يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُون إِلا مَنْ أتي اللهَ بِقَلبٍ سَليمٍ} (الشعراء/89:87) ماذا سيحدث لآزر والد إبراهيم يوم القيامة؟

يحوله إلي ضبع من أقذر المخلوقات وساخة ونجاسة فمن حديث أَبِي هُرَيْرَةَ في الصحيح أن النَّبِيِّ صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ قَال: يَلقَي إِبْرَاهِيمُ أَبَاهُ آزَرَ يَوْمَ القِيَامَةِ وَعلى وَجْهِ آزَرَ قَتَرَةٌ وَغَبَرَةٌ فَيَقُولُ لهُ إِبْرَاهِيمُ أَلمْ أَقُل لكَ لا تَعْصِنِي فَيَقُولُ أَبُوهُ فَاليَوْمَ لا أَعْصِيكَ فَيَقُولُ إِبْرَاهِيمُ يَا رَبِّ إِنَّكَ وَعَدْتَنِي أَنْ لا تُخْزِيَنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ فَأَيُّ خِزْيٍ أَخْزَي مِنْ أَبِي الأَبْعَدِ فَيَقُولُ اللهُ تعالى إِنِّي حَرَّمْتُ الجَنَّةَ على الكَافِرِينَ ثُمَّ يُقَالُ يَا إِبْرَاهِيمُ انظر مَا تَحْتَ رِجْليْكَ فَيَنْظُرُ فَإِذَا هُوَ بِذِيخٍ مُلتَطِخٍ فَيُؤْخَذُ بِقَوَائِمِهِ فَيُلقَي فِي النَّارِ.

فيمسخ الله أباه ويُسْخِطُه في صورة قبيحة وريحة منتنة، يحوله ضبعا متلطخا يتمرغ في نتانته، فلا يخزي إبراهيم في أبوته ولا يبقي في النار على صورته، جعله سبحانه مشابها للضبع في قذارته وحماقته، يذكر ابن حجر أن الحكمة في مسخه ضبعا أن الضبع من أحمق الحيوانات وآزر كان من أحمق المخلوقات، فبعد أن ظهرت له الآيات البينات الواضحات على توحيد الله، أصر آزر على الشرك، رفض توحيد الله وأصر على تعظيم من سواه فاستحب الكفر على الإيمان ووقع في الظلم والعصيان.

ولذلك قال تعالى لنبيه وللمؤمنين: {قَدْ كَانَتْ لكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ العَدَاوَةُ وَالبَغْضَاءُ أَبَدًا حتى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ إِلا قَوْل إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ لكَ وَمَا أَمْلكُ لكَ مِنْ اللهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَليْكَ تَوَكَّلنَا وَإِليْكَ أَنَبْنَا وَإِليْكَ المَصِيرُ رَبَّنَا لا تَجْعَلنَا فِتْنَةً للذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ} (الممتحنة/5:4) .

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام