فالعروة الوثقي هي عرة الإسلام وكلمة التوحيد، والمسلم بقوله لا إله إلا الله قد عهد عهدا على نفسه وعقد في قلبه عقدا، أنه سيسلم لربه، ولن يطيع أحدا في معصيته، ولن يتحاكم إلا إلي شرعه.
وقد بين رسول الله صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ أن الكفر بما يعبد من دون الله، شرط من شروط لا إله إلا الله، فقد روي الإمام مسلم رحمه الله من حديث أبي مَالكٍ الأَشْجَعِيُّ عَنْ أَبِيهِ أنه قَال: سَمِعْتُ رَسُول اللهِ صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ يَقُولُ: مَنْ قَال لا إِلهَ إِلا اللهُ وَكَفَرَ بِمَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللهِ حَرُمَ مَالُهُ وَدَمُهُ وَحِسَابُهُ على اللهِ.
ومن أوليات الكفر بما يعبد من دون الله، ألا توالي أعداء الله وأعداء المؤمنين الذين يبغضون دين المسلمين، ويسارعون في إيذائهم ومعاونة أعدائهم كما قال تعالى: (لا يَتَّخِذْ المُؤْمِنُونَ الكَافِرِينَ أَوْليَاءَ مِنْ دُونِ المُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَل ذَلكَ فَليْسَ مِنْ اللهِ فِي شَيْءٍ إِلا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمْ اللهُ نَفْسَهُ وَإلي اللهِ المَصِيرُ) .
لما أراد رسول الله فتح مكة وعزم على ذلك أمر أصحابه بكتمان الأمر حتى لا تعلم قريش، فسرب حاطب بن أبي بلتعة الخبر إليهم رغبة في أن تكون له يد عندهم، وروي البخاري من حديث على رَضِي الله عَنْه أنه قال: بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ أَنَا وَالزُّبَيْرَ بنَ العوام وَالمِقْدَادَ بنَ الأسود فَقَال: انْطَلقُوا حتى تَاتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ - وهي مكان في الطريق بين مكة والمدينة - فَإِنَّ بِهَا ظَعِينَةً - والظعينة المرأة الراكبة- مَعَهَا كِتَابٌ فَخُذُوه مِنْهَا، قَال على رضي الله عنه: فَانْطَلقْنَا تَعَادَي بِنَا خَيْلُنَا حتى أَتَيْنَا الرَّوْضَةَ، فَإِذَا نَحْنُ بِالظَّعِينَةِ، قُلنَا لهَا: أَخْرِجِي الكِتَابَ، قَالتْ: مَا مَعِي كِتَابٌ، فَقُلنَا: لتُخْرِجِنَّ الكِتَابَ أَوْ لنُلقِيَنَّ الثِّيَابَ، قَال: فَأَخْرَجَتْهُ مِنْ عِقَاصِهَا، فَأَتَيْنَا بِهِ رَسُول اللهِ صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ، فَإِذَا فِيهِ مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلتَعَةَ إلي نَاسٍ بِمَكَّةَ مِنَ المُشْرِكِينَ، يُخْبِرُهُمْ بِبَعْضِ أَمْرِ رَسُول اللهِ صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ، فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ: يَا حَاطِبُ مَا هَذَا؟
قَال: يَا رَسُول اللهِ لا تَعْجَل على، إِنِّي كُنْتُ امْرَأً مُلصَقًا فِي قُرَيْشٍ، يَقُولُ: كُنْتُ حَليفًا وَلمْ أَكُنْ مِنْ أَنْفُسِهَا، وَكَانَ مَنْ مَعَكَ مِنَ المُهَاجِرِينَ مَنْ لهُمْ قَرَابَاتٌ يَحْمُونَ أَهْليهِمْ وَأَمْوَالهُمْ، فَأَحْبَبْتُ إِذْ فَاتَنِي ذَلكَ مِنَ النَّسَبِ فِيهِمْ أَنْ أَتَّخِذَ عِنْدَهُمْ يَدًا يَحْمُونَ قَرَابَتِي، وَلمْ أَفْعَلهُ ارْتِدَادًا عَنْ دِينِي وَلا رِضًا بِالكُفْرِ بَعْدَ الإِسْلامِ، فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ أَمَا إِنَّهُ قَدْ صَدَقَكُمْ، فَقَال عُمَرُ: يَا رَسُول اللهِ دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا المُنَافِقِ، فَقَال: إِنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا وَمَا يُدْرِيكَ لعَل اللهَ اطَّلعَ على مَنْ شَهِدَ بَدْرًا فَقَال اعْمَلُوا مَا شئتمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لكُمْ فَأَنْزَل اللهُ عز وجل: (يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْليَاءَ تُلقُونَ إِليْهِمْ بِالمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنْ الحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُول وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِليْهِمْ بِالمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلنتُمْ وَمَنْ يَفْعَلهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَل سَوَاءَ السَّبِيل) الممتحنة/1.
ويقول تعالى: (يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَالُونَكُمْ خَبَالا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتْ البَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لكُمْ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ) .
فالله عز وجل نهي عباده المؤمنين عن اتخاذ المنافقين بطانة يطلعونهم على سرائرهم وما يضمرونه لأعدائهم، والمنافقون بجهدهم وطاقتهم لا يألون المؤمنين خبالا أي يسعون في مخالفتهم وما يضرهم بكل ممكن وبما يستطيعون من المكر والخديعة ويودّون ما يعنت المؤمنين ويحرجهم ويشق عليهم وقوله تعالى: