فهرس الكتاب
الصفحة 77 من 85

نفي عبادة ما سوي الله، أو الكفر بما يعبد من دون الله، وإثبات عبادة الله وحده، وهذه حقيقة التوحيد التي جاءت بها رسالة السماء، ودعت إليها الرسل والأنبياء، فالعروة الوثقي هي كلمة التوحيد، وسميت كلمة التوحيد بالعروة الوثقي، لأن العاقل إذا شهد بها عن فهم دقيق وإيمان عميق، لا يرضي بغير الله معبودا حتى لو مشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظمه أو عصبه، وما يصده ذلك عن توحيد الله عز وجل، كما روي البخاري من حديث خَبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ - رضي الله عنه - قَال: (شَكَوْنَا إلي رَسُول اللهِ وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لهُ فِي ظِل الكَعْبَةِ، قُلنَا لهُ: أَلا تَسْتَنْصِرُ لنَا؟ أَلا تَدْعُو اللهَ لنَا؟ قَال: كَانَ الرَّجُلُ فِيمَنْ قَبْلكُمْ يُحْفَرُلهُ فِي الأَرْضِ فَيُجْعَلُ فِيهِ، فَيُجَاءُ بِالمِنْشَارِ فَيُوضَعُ على رَاسِهِ، فَيُشَقُّ بِاثْنَتَيْنِ وَمَا يَصُدُّهُ ذَلكَ عَنْ دِينِهِ، وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الحَدِيدِ مَا دُونَ لحْمِهِ مِنْ عَظْمٍ أَوْ عَصَبٍ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلكَ عَنْ دِينِهِ وَاللهِ ليُتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرَ حتى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إلي حَضْرَمَوْتَ لا يَخَافُ إِلا اللهَ، أَوْ الذِّئْبَ على غَنَمِهِ وَلكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ.

والعروة في اللغة هي ما يشد به الثوب وغيره، بحيث يتداخل بعضها في بعض دخولا لا ينفصم ولا ينفك إلا بفصم طرفه، فإذا انفصمت منه عروة انفصم جميعه، والمرء إذا شهد ألا إله إلا الله فقد عقد العقدة العظمي والعروة الوثقي لكلمة التوحيد، التي لا انفصام لها إلا بالشرك بالله أو عدم الكفر بما يعبد من دون الله، وقد فسر النبي صلي الله عليه وسلم العروة الوثقي بالتوحيد الذي هو عمود الإسلام في تعبيره رؤيا عبد الله بن سلام، ففي الصحيح عَنْ خَرَشَةَ ابْنِ الحُرِّ أنه قَال: كُنْتُ جَالسًا فِي حَلقَةٍ فِي مَسْجِدِ المَدِينَةِ وَفِيهَا شَيْخٌ حَسَنُ الهَيْئَةِ وَهُوَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلامٍ، فَجَعَل يُحَدِّثُهُمْ حَدِيثًا حَسَنًا، فَلمَّا قَامَ، قَال القَوْمُ:

مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إلي رَجُلٍ مِنْ أَهْل الجَنَّةِ فَليَنْظُرْ إلي هَذَا الرجل، فَقُلتُ: وَاللهِ لأَتْبَعَنَّهُ فَلأَعْلمَنَّ مَكَانَ بَيْتِهِ، فَتَبِعْتُهُ فَانْطَلقَ حتى كَادَ أَنْ يَخْرُجَ مِنَ المَدِينَةِ، ثُمَّ دَخَل مَنْزِلهُ فَاسْتَاذَنْتُ عَليْهِ فَأَذِنَ لي، فَقَال: مَا حَاجَتُكَ يَا ابْنَ أَخِي، فَقُلتُ لهُ: سَمِعْتُ القَوْمَ يَقُولُونَ لكَ لمَّا قُمْتَ: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إلي رَجُلٍ مِنْ أَهْل الجَنَّةِ فَليَنْظُرْ إلي هَذَا، فَأَعْجَبَنِي أَنْ أَكُونَ مَعَكَ، قَال: اللهُ أَعْلمُ بِأَهْل الجَنَّةِ، وَسَأُحَدِّثُكَ مِمَّ قَالُوا ذَاكَ إِنِّي بَيْنَمَا أَنَا نَائِمٌ إِذْ أَتَانِي رَجُلٌ فَقَال لي: قُمْ، فَأَخَذَ بِيَدِي، فَانْطَلقْتُ مَعَهُ، فَإِذَا أَنَا بِجَوَادَّ عَنْ شمالي، الجواد الطريق، قَال: فَأَخَذْتُ لآخُذَ فِيهَا، فَقَال لي: لا تَاخُذْ فِيهَا فَإِنَّهَا طُرُقُ أَصْحَابِ الشِّمَال، قَال: فَإِذَا جَوَادُّ مَنْهَجٌ على يَمِينِي يعني أنه رأي عن يمينه طرقا مستقيمة، فَقَال لي: خُذْ هَاهُنَا، أي سر في هذا الطريق، يقول عبد الله بن سلام: فَأتي بِي جَبَلا، فَقَال ليَ: اصْعَدْ، قَال: فَجَعَلتُ إِذَا أَرَدْتُ أَنْ أَصْعدَ خَرَرْتُ على اسْتِي ? وقعت على مقعدتي -، حتى فَعَلتُ ذَلكَ مِرَارًا، ثُمَّ انْطَلقَ بِي حتى أتي بِي عَمُودًا رَاسُهُ فِي السَّمَاءِ وَأَسْفَلُهُ فِي الأَرْضِ، فِي أَعْلاهُ حَلقَةٌ، فَقَال ليَ: اصْعَدْ فَوْقَ هَذَا ? العمود -، قُلتُ: كَيْفَ أَصْعَدُ هَذَا وَرَاسُهُ فِي السَّمَاءِ؟، قَال: فَأَخَذَ بِيَدِي فَزَجَل بِي ? أي دفعني ورماني والزجل بالشيء هو الرمي به، يقول عبد الله بن سلام: فَإِذَا أَنَا مُتَعَلقٌ بِالحَلقَةِ، ثُمَّ ضَرَبَ العَمُودَ فَخَرَّ، وَبَقِيتُ مُتَعَلقًا بِالحَلقَةِ حتى أَصْبَحْتُ.

قَال عبد الله بن سلام: فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ فَقَصَصْتُهَا عَليْهِ، فَقَال: أَمَّا الطُّرُقُ التِي رَأَيْتَ عَنْ يَسَارِكَ فَهِيَ طُرُقُ أَصْحَابِ الشِّمَال، وَأَمَّا الطُّرُقُ التِي رَأَيْتَ عَنْ يَمِينِكَ فَهِيَ طُرُقُ أَصْحَابِ اليَمِينِ، وَأَمَّا الجَبَلُ ? الذي كنت تحاول صعوده فكنت تقع ولم تستطع - فَهُوَ مَنْزِلُ الشُّهَدَاءِ، وَلنْ تَنَالهُ، فلن تموت شهيدا - وَأَمَّا العَمُودُ ? الذي رَاسُهُ فِي السَّمَاءِ وَأَسْفَلُهُ فِي الأَرْضِ - فَهُوَ عَمُودُ الإِسْلامِ - وَأَمَّا العُرْوَةُ ? أو الحلقة التي في أعلاه - فَهِيَ عُرْوَةُ الإِسْلامِ وَلنْ تَزَال مُتَمَسِّكًا بِهَا حتى تَمُوتَ.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام