فهرس الكتاب
الصفحة 69 من 85

فهي أربعة أنواع من الكفران، وهي ضد أركان الإيمان في الإنسان، كفر الجهل والتكذيب وكفر النفاق وكفر الجحود وكفر العناد والاستكبار.

فقول القلب هو علمه وقبول القلب حصول العلم فيه، فالقلب أساس المعرفة والتمييز ويقوم بإدراك نوعين من العلوم: أولها العلم بالأسماء وحدود الأشياء، وثانيها العلم بمنهج الرسل والأنبياء، فالله عز وجل قد شاء، أن يخرج الإنسان من بطن أمه صفحة بيضاء، لا يعلم شيئا من الأسماء، فيتعلم حدود الأشياء على فترات، ويكتسب المعرفة على مدار الأوقات، كما علم الله آدمَ الأسماء في لحظات، فقال تعالى في حقه: (وَعَلمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلهَا) وقال أيضا في ولده: (وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلمُونَ شَيْئًا وَجَعَل لكُمْ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لعَلكُمْ تَشْكُرُونَ) النحل / 78.

ومن عدل الله وحكمته ومن فضله ورحمته أنه لا يكلف إنسانا في طفولته، ولكن بعد تحصيل القلب للعلم وإدراك المعرفة والفهم، كلف الله بالأحكام الشرعية، ومنهج العبودية، الذي يعود عليه بالصلاح في دنياه، والفلاح في أخراه، فقال تعالى: (فَإِمَّا يَاتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًي فَمَنْ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَي وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ أَعْمَي قَال رَبِّ لمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَي وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا قَال كَذَلكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلكَ اليَوْمَ تُنسَي) طه / 123: 126.

فالقبول بلا إِلهَ إِلا اللهُ يعني أن المسلم سيخضع لله عن حب وتعظيم، وطاعة وتسليم، يسلم نفسه لمعبوده ويعمل في تحقيق مطلوبه، فلو أرسل الله رسالة لعبيده الصادقين في عبادته، بين فيها أحكام شريعته، وأصول طاعته، وبين فيها ماذا نفعل حتى نصل إلي قربه ومحبته، وماذا نترك حني نفوز بجنته، فلو كان العبد صادقا في شهادته أنه لا إِلهَ إِلا اللهُ وأن محمدا رسول الله، لبذل كل ما في استطاعته واجتهد بكل طاقته لكي يطلع على هذه الرسالة ويتمكن من قراءتها ويدقق في مادتها، طالما أن هذه الرسالة فيها النجاة من غضب الله، وفيها القرب من حبه ورضاه، فكلمة التوحيد عقد بينك وبين الله، التزمت به يوم قلت أشهد ألا إِلهَ إِلا اللهُ وأن محمدا رسول الله وهو خير عقد يجب على المسلم أن يوفي فيه بالتزاماته ويؤدي ما عليه من واجباته، لقول الله تعالى في محكم آياته: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (المائدة:1) (وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا) (البقرة: من الآية177) .

وإذا كان كل عقد بين البشر له قواعد وأحكام، وكان كل إنسان قبل أن يوقع على أي عقد يقرأ شروطه بإمعان وإتقان، فحري بالمسلم الصادق في إسلامه، أن يعرف مضمون العقد الذي بينه وبين الله، عندما شهد ألا إله إلا الله، ولذلك أوجب الله علينا السؤال فقال: (فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (النحل: من الآية43) .

فإن أرسل الله إلي الناس رسالته وأدركوا بعقولهم حجته، ثم أعرضوا عنها وتملصوا منها ووقعوا في الجهل بتكذيبهم وإعراضهم، كان كفرهم كفرَ جهلٍ وتكذيب، كما قال سبحانه وتعالي: (وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُل أُمَّةٍ فَوْجًا مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ حتى إِذَا جَاءُوا قَال أَكَذَّبْتُمْ بِآيَاتِي وَلمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلمًا أَمَّاذَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ وَوَقَعَ القَوْلُ عَليْهِمْ بِمَا ظَلمُوا فَهُمْ لا يَنطِقُونَ) النمل /84، وقال جل جلاله: (بَل كَذَّبُوا بِمَا لمْ يُحِيطُوا بِعِلمِهِ وَلمَّا يَاتِهِمْ تَاوِيلُهُ كَذَلكَ كَذَّبَ الذِينَ مِنْ قَبْلهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالمِينَ) يونس / 39.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام