فهرس الكتاب
الصفحة 47 من 85

فالوحيد الذي اتصف بالكمال والجمال هو رب العزة والجلال، فإذا أضفت إلي ذلك ما كان من إحسانه في ملكه، وإنعامه على خلقه، لم يتخلف عن حبه إلا الجاحدون أصحاب القلوب والخبيثة، والنفوس الخسيسة، فإن الله فطر القلوب على محبة المحسنين إليهم، المتصفين بالكمال لديهم، وإذا كانت هذه فطرة الله التي فطر عليها القلوب، فمن المعلوم أن مقلب القلوب لا أحد أعظم منه إحسانا وجمالا، أو إنعاما وكمالا، فلا شيء أكمل من الله، ولا شيء أجمل من الله، فكل كمال وجمال في المخلوق من آثار صنعته وكمال قدرته وبديع حكمته، سبحانه لا نحصي ثناء عليه هو كما أثني على نفسه، له على خلقه وجنه وإنسه النعمة السابغة، والحجة البالغة، والسطوة الدامغة، فهو المحبوب المحمود على كل ما فعل، وهو المطلوب المقصود عند الإخلاص في العمل، ليس في أفعاله عبث ولا في أوامره سفه، بل أفعاله كلها لا تخرج عن المصلحة والحكمة، والعدل والفضل والرحمة، كلامه صدق، ووعده حق، وعدله ظاهر في سائر الخلق، إن أعطي فبفضله ورحمته، وكرمه ونعمته، وإن منع أو عاقب فبعدله وحكمته:

ما للعباد عليه حق واجب: كلا ولا سعي لديه ضائع

إن عذبوا فبعدله أو نعموا: فبفضله وهو الكريم الواسع

ومن أسمائه الحسني الجميل، روي الإمام مسلم من حديث عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ - قَال: (إِنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمَال) له جمال الذات وجمال الصافات، وجمال الأفعال في سائر المخلوقات، لا تقوى الأبصار في هذه الدار على النظر إلي رب العزة والجلال، فإذا رأوه سبحانه في دار القرار، أنستهم رؤيته ما هم فيه من نعيم جنته، حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهي إليه بصره من خلقه، وفي صحيح البخاري من حديث أبي موسي الأشعري رضي الله عنه أنه قال: (قَامَ فِينَا رَسُولُ اللهِ - بِخَمْسِ كَلمَاتٍ، فَذكر منها: حِجَابُهُ النُّورُ لوْ كَشَفَهُ لأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهي إِليْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلقِه) .

فإذا كان هذا وصف ربك، فوجب أن تفرده بحبك، عند قولك لا إله إلا الله، وأن يكون حبُك لربك أعظمَ من حبك لنفسك و أعظمَ من حبك لمالك وولدك، وأعظم من حبك لأهلكَ وعشيرتك وأعظم من حبك لكل شيء سواه، ولهذا قال الله عز وجل: {قُل إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِليْكُمْ مِنْ اللهِ وَرَسُولهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلهِ فَتَرَبَّصُوا حتى يَاتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لا يَهْدِي القَوْمَ الفَاسِقِينَ} (التوبة/24) فالمؤمنون أشد حبا لربهم، وتعظيما لمعبودهم من كل شيء سواه، وهذا شرط لا إله إلا الله، ومقتضي الإيمان بالله، فإن الإله هو المحبوب المعبود الذي تعبده القلوب بحبها، وتخضع له العبيد عن طوعها، تخافه وترجوه، وفي شدائدها تدعوه، تتوكل عليه وتلجأ إليه، وتطمئن بذكره وتسكن إلي حبه، وذلك ليس إلا لله وحده، ولهذا كانت لا إله إلا الله أصدق الكلام، وأساس الإسلام، ودعوة الرسل الكرام، وهي مسك الختام، لمن أراد أن يدخل الجنة بسلام، كما ورد ذلك عن نبينا عليه الصلاة والسلام: (مَنْ كَانَ آخِرُ كلامِهِ لا إِلهَ إِلا اللهُ دَخَل الجَنَّةَ) ومن أجلها صار حزبها حزب الله، والمنكرون لها أعداء الله، فهي قطب الدين ورحاه، وبها صلاح العبد في دينه ودنياه.

-والمحبة التي هي شرط من شروط لاإله إلا الله أنواع:

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام