فهرس الكتاب
الصفحة 48 من 85

فمنها محبة الله عز وجل وهي أصل المحاب المحمودة في قلوب العبيد، وأصل الإيمان بالله والتوحيد، وأصل دعوة الرسل من أولهم الي آخرهم، وقد ثبت عند البخاري عن أَنَسِ عن النبي - أنه: (لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حتى أَكُونَ أَحَبَّ إِليْهِ مِنْ وَلدِهِ وَوَالدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) وفي صحيح البخاري عن عَبْدَ اللهِ بْنَ هِشَامٍ قَال: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - وَهوَ آخِذٌ بِيَدِ عُمَر بْنِ الخَطَّابِ فَقَال لهُ عُمَرُ: يَا رَسُول اللهِ لأَنْتَ أَحَبُّ إِليَّ مِنْ كُل شَيْءٍ إِلا مِنْ نَفْسِي، فَقَال النَّبِيُّ: لا وَالذِي نَفْسِي بِيَدِهِ - لا تؤمن - حتى أَكُونَ أَحَبَّ إِليْكَ مِنْ نَفْسِكَ، فَقَال لهُ عُمَرُ: فَإِنَّهُ الآنَ وَاللهِ لأَنْتَ أَحَبُّ إِليَّ مِنْ نَفْسِي فَقَال النَّبِيُّ: الآنَ يَا عُمَرُ) فإذا كان هذا شأن محبة الرسول فما ظنك بمحبة مرسله سبحانه وتعالي.

ومن المحبة المحمودة النافعة التي أمر بها الشرع المحبة في الله، فمحبة الرسول هي من محبة الله، وكل حب في الله فهو حب لله، فالمؤمنون يحبون لله ويبغضون لله، كما ثبت عند البخاري من حديث أَنَسِ عَنِ النَّبِيِّ - أنه قَال:

(ثَلاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاوَةَ الإيمان أَنْ يَكُونَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِليْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا وَأَنْ يُحِبَّ المَرْءَ لا يُحِبُّهُ إِلا للهِ وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ) وفي سنن أبي داود 4681 وصححه الشيخ الألباني أن رَسُول اللهِ صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ قَال: (مَنْ أَحَبَّ للهِ وَأَبْغَضَ للهِ وَأَعْطَي للهِ وَمَنَعَ للهِ فَقَدِ اسْتَكْمَل الإيمان) ، وعند البخاري 660 من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ - قَال: (سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ فِي ظِلهِ يَوْمَ لا ظِل إِلا ظِلُّهُ، وذكر منهم رَجُلانِ تَحَابَّا فِي اللهِ اجْتَمَعَا عَليْهِ وَتَفَرَّقَا عَليْه) .

ومن المحبة المحمودة أيضا محبة ما يعين على طاعة الله تعالى واجتناب معصيته وهي أيضا تابعة لمحبة الله، فمحبة ما يحبه الله من تمام محبة الله، وكذلك محبة كلامه وأسمائه وصفاته روي البخاري عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالكٍ رَضِي الله عَنْه أنه قال: (كَانَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ يَؤُمُّهُمْ فِي مَسْجِدِ قُبَاءٍ وَكَانَ كُلمَا افْتَتَحَ سُورَةً يَقْرَأُ بِهَا لهُمْ فِي الصَّلاةِ، افْتَتَحَ بِقُل هُوَ اللهُ أَحَدٌ حتى يَفْرُغَ مِنْهَا، ثُمَّ يَقْرَأُ سُورَةً أخرى مَعَهَا، وَكَانَ يَصْنَعُ ذَلكَ فِي كُل رَكْعَةٍ فَكَلمَهُ أَصْحَابُهُ، فَقَالُوا: إِنَّكَ تَفْتَتِحُ بِهَذِهِ السُّورَةِ ثُمَّ لا تَرَي أَنَّهَا تُجْزِئُكَ حتى تَقْرَأَ بِأخرى فَإِمَّا تَقْرَأُ بِهَا وَإِمَّا أَنْ تَدَعَهَا وَتَقْرَأَ بِأخرى، فَقَال: مَا أَنَا بِتَارِكِهَا إِنْ أَحْبَبْتُمْ أَنْ أَؤُمَّكُمْ بِذَلكَ فَعَلتُ وَإِنْ كَرِهْتُمْ تَرَكْتُكُمْ، وَكَانُوا يَرَوْنَ أَنَّهُ مِنْ أَفْضَلهِمْ وَكَرِهُوا أَنْ يَؤُمَّهُمْ غَيْرُهُ، فَلمَّا أَتَاهُمُ النَّبِيُّ - أَخْبَرُوهُ الخَبَرَ فَقَال: يَا فُلانُ مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَفْعَل مَا يَامُرُكَ بِهِ أَصْحَابُكَ وَمَا يَحْمِلُكَ على لُزُومِ هَذِهِ السُّورَةِ فِي كُل رَكْعَةٍ؟ فَقَال: إِنِّي أُحِبُّهَا، فَقَال: حُبُّكَ إِيَّاهَا أَدْخَلكَ الجَنَّةَ) .

واحذر عبد الله من المحبة الضارة المذمومة التي تجلب لصاحبها الشقاءَ والحرمان، وقد تصل عقوبتها إلي العذاب في النيران، فمنها المحبة مع الله وهي أصل الشرك، كمحبة الطواغيت والأنداد وتعظيمهم كتعظيم الله ومحبتهم كمحبة الله، كما قال تعالى في وصف حالهم: {وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ وَالذِين آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا للهِ وَلوْ يَرَي الذِينَ ظَلمُوا إِذْ يَرَوْنَ العَذَابَ أَنَّ القُوَّةَ للهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللهَ شَدِيدُ العَذَابِ} .

وأصل الشرك الذي لا يغفره الله هو الشرك في هذه المحبة فإن المشركين لم يزعموا أن آلهتهم وأوثانهم شاركت الله في خلق السماوات والأرض، وإنما كان شركهم من جهة حبهم لها مع الله، فوالوا عليها وعادوا عليها، وعظموها تألهوها وقالوا: هم وسيلتنا إليه، وشفعاؤنا لديه، هذه آلهة صغار تقربنا إلي الإله الأعظم.

ومن المحبة المذمومة محبة ما يبغضه الله تعالى وهي تابعة للمحبة مع الله، روي البخاري عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنْه أنه قَال: (بَعَثَ النَّبِيُّ - خَيْلا قِبَل نَجْدٍ فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ يُقَالُ لهُ ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ، فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام