يقول كعب: فَوَاللهِ مَا أَنْعَمَ اللهُ على مِنْ نِعْمَةٍ قَطُّ، بَعْدَ أَنْ هَدَانِي للإِسْلامِ أَعْظَمَ فِي نَفْسِي مِنْ صِدْقِي لرَسُول اللهِ صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ، أَنْ لا أَكُونَ كَذَبْتُهُ، فَأَهْلكَ كَمَا هَلكَ الذِينَ كَذَبُوا، فَإِنَّ اللهَ قَال للذِينَ كَذَبُوا حِينَ أَنْزَل الوَحْيَ شَرَّ مَا قَال لأَحَدٍ فَقَال تَبَارَكَ وَتعالي: (يَعْتَذِرُونَ إِليْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِليْهِمْ قُل لا تَعْتَذِرُوا لنْ نُؤْمِنَ لكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ وَسَيَرَي اللهُ عَمَلكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلي عَالمِ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ سَيَحْلفُونَ بِاللهِ لكُمْ إِذَا انقَلبْتُمْ إِليْهِمْ لتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَاوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ يَحْلفُونَ لكُمْ لتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللهَ لا يَرضي عَنْ القَوْمِ الفَاسِقِينَ) .
فعليك بالصدق ولو أنه أحرقك بنار الوعيد - وابغ رضا المولي فأغبى الورى من أسخط المولي وأرضي العبيد
الصدق عز فلا تعدل عن الصدق: واحذر من الكذب المذموم في الخلق
من لازم الصدق هابته الورى وعلا: فالزمه دأبا تفز بالعز والسبق.
دع الكذب حيث تري أنه ينفعك فإنه يضرك، وعليك بالصدق حيث تري أنه يضرك فإنه ينفعك، روي أبو داود وحسنه الشيخ الألباني أن أم عبد الله بن عامر قالت لولدها: تعالى أعطيك، تعني أعطيك حلوي، فَقَال لهَا رَسُولُ اللهِ صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ وَمَا أَرَدْتِ أَنْ تُعْطِيهِ قَالتْ أُعْطِيهِ تَمْرًا فَقَال لهَا رَسُولُ اللهِ صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ أَمَا إِنَّكِ لوْ لمْ تُعْطِهِ شَيْئًا كُتِبَتْ عَليْكِ كِذْبَةٌ.
ومن علامات الصدق الخوف من الله والزهد في الحياة، فالصادق في يقينه يخاف أن يأكل من حرام ويتحمل الفقر والمشقة ليحيا في سلام، وإن أتي ذنبا فإنه لا ينام، حتى يرجع إلي ربه، حتى يتوب من ذنبه، قال ابن جرير الطبري: رأيت رجلا من خراسان ينادي ويقول: يا معشر الحجاج يا أهل مكة من الحاضر والباد، فقدت كيسا فيه ألف دينار فمن رده إلي جزاه الله خيرا وأعتقه من النار، وله الأجر والثواب يوم الحساب.
فقام إليه شيخ كبير من أهل مكة فقال له: يا خراساني بلدنا حالتها شديدة، وأيام الحج معدودة، ومواسمه محدودة، وأبواب الكسب مسدودة، فلعل هذا المال يقع في يد مؤمن فقير وشيخ كبير، يطمع في عهد عليك، لو رد المال إليك، تمنحه شيئا شيئا يسيرا، ومالا حلالا.
قال الخراساني: فما مقدار حلوانه؟ كم يريد، قال الشيخ الكبير: يريد العشر مائة دينار عشر الألف، فلم يرض الخرساني وقال: لا أفعل ولكني أفوض أمره إلي الله، ونشكوه إليه يوم نلقاه، وهو حسبنا ونعم الوكيل، قال ابن جرير الطبري، فوقع في نفسي أن الشيخ الكبير رجل فقير، قد وجد كيس الدنانير ويطمع في جزء يسير، فتبعته حتى عاد إلي منزله، فكان كما ظننت، سمعته ينادي على امرأته ويقول: يا لبابة، فقالت له: لبيك أبا غياث.
قال: وجدت صاحب الدنانير ينادي عليه، ولا يريد أن يجعل لواجده شيئا، فقلت له: أعطنا منه مائة دينار، فأبي وفوض أمره إلي الله، ماذا أفعل يا لبابة؟ لا بد لي من رده، إني أخاف من ربي، وأخاف أن يضاعف ذنبي.
فقالت له زوجته: يا رجل نحن نقاسي الفقر معك منذ خمسين سنة، ولك أربع بنات وأختان وأنا وأمي، وأنت تاسعنا، لا شاة لنا ولا مرعي، خذ المال كله، أشبعنا منه فإننا جوعي وأكسنا به فأنت بحالنا أوعي، ولعل الله عز وجل يغنيك بعد ذلك، فتعطيه المال بعد إطعامك لعيالك، أو يقضي الله دينك يوم يكون الملك للمالك.