فهرس الكتاب
الصفحة 42 من 85

فقال لها يا لبابة: أآكل حراما بعد ست وثمانين سنة بلغها عمري، وأحرق أحشائي بالنار بعد أن صبرت على فقري، وأستوجب غضب الجبار وأنا قريب من قبري، لا والله لا أفعل.

قال ابن جرير الطبري: فانصرفت وأنا في عجب من أمره هو وزوجته، فلما أصبحنا في ساعة من ساعات من النهار، سمعت صاحب الدنانير يقول: يا أهل مكة، يا معاشر الحجاج يا وفد الله من الحاضر والبادي، من وجد كيسا فيه ألف دينار فليرده لي وله الأجر والثواب عند الله.

فقام إليه الشيخ الكبير: وقال يا خراساني قد قلت لك بالأمس ونصحتك، وبلدنا والله قليلة الزرع والضرع، فجد على من وجد المال بشيء حتى لا يخالف الشرع، وقد قلت لك أن تدفع لمن وجده مائة دينار فأبيت، فإن وقع مالك في يد رجل يخاف الله عز وجل، فهلا أعطيتهم عشرة دنانير فقط بدلا من مائة، يكون لهم فها ستر وصيانة وكفاف وأمانة، فقال له الخراساني: لا نفعل، ولكن نحتسب مالنا عند الله، ونشكوه إليه يوم نلقاه وهو حسبنا ونعم الوكيل، ثم افترق الناس وذهبوا، قال ابن جرير الطبري: فلما أصبحنا في ساعة من ساعات من النهار، سمعت صاحب الدنانير ينادي ذلك النداء بعينه ويقول: يا معاشر الحجاج، يا وفد الله من الحاضر والبادي، من وجد كيسا فيه ألف دينار فرده على له الأجر والثواب عند الله.

فقام إليه الشيخ الكبير: فقال له يا خراساني قلت لك أول أمس امنح من وجده مائة دينار فأبيت ثم عشرة فأبيت فهلا منحت من وجده دينارا واحدا، يشتري بنصفه إربة يطلبها، وبالنصف الأخر شاة يحلبها، فيسقي الناس ويكتسب، ويطعم أولاده ويحتسب، قال الخرساني: لا نفعل ولكن نحيله على الله ونشكوه لربه يوم نلقاه، وحسبنا الله ونعم الوكيل فجذبه الشيخ الكبير، وقال له: تعال يا هذا وخذ دنانيرك ودعني أنام الليل، فلم يهنأ لي بال منذ أن وجدت هذا المال.

يقول ابن جرير: فذهب مع صاحب الدنانير وتبعتهما حتى دخل الشيخ منزله فنبش الأرض وأخرج الدنانير وقال خذ مالك، وأسأل الله أن يعفو عني ويرزقني من فضله، فأخذها الخرساني وأراد الخروج، فلما بلغ باب الدار قال: يا شيخ مات أبي رحمه الله وترك لي ثلاثة آلاف دينار، وقال لي: أخرج ثلثها ففرقه على أحق الناس عندك، فربطتها في هذا الكيس حتى أنفقه على من يستحق، وما رأيت منذ خرجت من خراسان إلي ها هنا رجلا أولي بها منك، فخذه بارك الله لك فيه، وجزاك خيرا على أمانتك وصبرك على فقرك، ثم ذهب وترك المال، فقام الشيخ الكبير يبكي ويدعو الله ويقول: رحم الله صاحب المال في قبره وبارك الله في ولده، وأجزل مثوبتهم عنده.، فهذا الرجل ابتلاه الله في إيمانه فصدق فيه فأكرمه الله وأعطاه ونعمه هداه، (الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ وَلقَدْ فَتَنَّا الذِينَ مِنْ قَبْلهِمْ فَليَعْلمَنَّ اللهُ الذِينَ صَدَقُوا وَليَعْلمَنَّ الكَاذِبِينَ) ، سبحانك اللهم وبحمدك أشهد ألا إله إلا أن أستغفرك وأتوب إليك وصلي الله على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين، وسائر أصحابه أجمعين والتابعين لهم بإحسان إلي يوم الدين.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام