• 386
  • عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : انْطَلَقَ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفْرَةٍ سَافَرُوهَا ، حَتَّى نَزَلُوا عَلَى حَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ العَرَبِ ، فَاسْتَضَافُوهُمْ فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمْ ، فَلُدِغَ سَيِّدُ ذَلِكَ الحَيِّ ، فَسَعَوْا لَهُ بِكُلِّ شَيْءٍ لاَ يَنْفَعُهُ شَيْءٌ ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ : لَوْ أَتَيْتُمْ هَؤُلاَءِ الرَّهْطَ الَّذِينَ نَزَلُوا ، لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ بَعْضِهِمْ شَيْءٌ ، فَأَتَوْهُمْ ، فَقَالُوا : يَا أَيُّهَا الرَّهْطُ إِنَّ سَيِّدَنَا لُدِغَ ، وَسَعَيْنَا لَهُ بِكُلِّ شَيْءٍ لاَ يَنْفَعُهُ ، فَهَلْ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْكُمْ مِنْ شَيْءٍ ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ : نَعَمْ ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرْقِي ، وَلَكِنْ وَاللَّهِ لَقَدِ اسْتَضَفْنَاكُمْ فَلَمْ تُضَيِّفُونَا ، فَمَا أَنَا بِرَاقٍ لَكُمْ حَتَّى تَجْعَلُوا لَنَا جُعْلًا ، فَصَالَحُوهُمْ عَلَى قَطِيعٍ مِنَ الغَنَمِ ، فَانْطَلَقَ يَتْفِلُ عَلَيْهِ ، وَيَقْرَأُ : الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ فَكَأَنَّمَا نُشِطَ مِنْ عِقَالٍ ، فَانْطَلَقَ يَمْشِي وَمَا بِهِ قَلَبَةٌ ، قَالَ : فَأَوْفَوْهُمْ جُعْلَهُمُ الَّذِي صَالَحُوهُمْ عَلَيْهِ ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ : اقْسِمُوا ، فَقَالَ الَّذِي رَقَى : لاَ تَفْعَلُوا حَتَّى نَأْتِيَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَذْكُرَ لَهُ الَّذِي كَانَ ، فَنَنْظُرَ مَا يَأْمُرُنَا ، فَقَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرُوا لَهُ ، فَقَالَ : " وَمَا يُدْرِيكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ " ، ثُمَّ قَالَ : " قَدْ أَصَبْتُمْ ، اقْسِمُوا ، وَاضْرِبُوا لِي مَعَكُمْ سَهْمًا " فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

    حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ ، عَنْ أَبِي المُتَوَكِّلِ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : انْطَلَقَ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِي سَفْرَةٍ سَافَرُوهَا ، حَتَّى نَزَلُوا عَلَى حَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ العَرَبِ ، فَاسْتَضَافُوهُمْ فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمْ ، فَلُدِغَ سَيِّدُ ذَلِكَ الحَيِّ ، فَسَعَوْا لَهُ بِكُلِّ شَيْءٍ لاَ يَنْفَعُهُ شَيْءٌ ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ : لَوْ أَتَيْتُمْ هَؤُلاَءِ الرَّهْطَ الَّذِينَ نَزَلُوا ، لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ بَعْضِهِمْ شَيْءٌ ، فَأَتَوْهُمْ ، فَقَالُوا : يَا أَيُّهَا الرَّهْطُ إِنَّ سَيِّدَنَا لُدِغَ ، وَسَعَيْنَا لَهُ بِكُلِّ شَيْءٍ لاَ يَنْفَعُهُ ، فَهَلْ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْكُمْ مِنْ شَيْءٍ ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ : نَعَمْ ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرْقِي ، وَلَكِنْ وَاللَّهِ لَقَدِ اسْتَضَفْنَاكُمْ فَلَمْ تُضَيِّفُونَا ، فَمَا أَنَا بِرَاقٍ لَكُمْ حَتَّى تَجْعَلُوا لَنَا جُعْلًا ، فَصَالَحُوهُمْ عَلَى قَطِيعٍ مِنَ الغَنَمِ ، فَانْطَلَقَ يَتْفِلُ عَلَيْهِ ، وَيَقْرَأُ : الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ فَكَأَنَّمَا نُشِطَ مِنْ عِقَالٍ ، فَانْطَلَقَ يَمْشِي وَمَا بِهِ قَلَبَةٌ ، قَالَ : فَأَوْفَوْهُمْ جُعْلَهُمُ الَّذِي صَالَحُوهُمْ عَلَيْهِ ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ : اقْسِمُوا ، فَقَالَ الَّذِي رَقَى : لاَ تَفْعَلُوا حَتَّى نَأْتِيَ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَنَذْكُرَ لَهُ الَّذِي كَانَ ، فَنَنْظُرَ مَا يَأْمُرُنَا ، فَقَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَذَكَرُوا لَهُ ، فَقَالَ : وَمَا يُدْرِيكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ ، ثُمَّ قَالَ : قَدْ أَصَبْتُمْ ، اقْسِمُوا ، وَاضْرِبُوا لِي مَعَكُمْ سَهْمًا فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : وَقَالَ شُعْبَةُ : حَدَّثَنَا أَبُو بِشْرٍ ، سَمِعْتُ أَبَا المُتَوَكِّلِ ، بِهَذَا

    سفرة: السفرة : ما يوضع فيه الطعام للمسافر
    الرهط: الرهط : الجماعة من الرجال دون العشرة
    لأرقي: الرقية : العوذة أو التعويذة التى تقرأ على صاحب الآفة مثل الحمى أو الصرع أو الحسد طلبا لشفائه
    جعلا: الجعل : الأجْرة على الشيء فعْلاً أو قولا أو هو العطاء
    عقال: العقال : الحبل الذي تُربط به الإبل ونحوها
    قلبة: قلبة : ألم وعلة
    جعلهم: الجعل : الأجْرة على الشيء فعْلاً أو قولا أو هو العطاء
    رقى: رقاه : عَوَّذه
    رقية: الرقية : العوذة أو التعويذة التى تقرأ على صاحب الآفة مثل الحمى أو الصرع أو الحسد طلبا لشفائه
    سهما: السهم : النصيب
    وَمَا يُدْرِيكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ ، ثُمَّ قَالَ :
    حديث رقم: 5441 في صحيح البخاري كتاب الطب باب النفث في الرقية
    حديث رقم: 4741 في صحيح البخاري كتاب فضائل القرآن باب فضل فاتحة الكتاب
    حديث رقم: 5428 في صحيح البخاري كتاب الطب باب الرقى بفاتحة الكتاب
    حديث رقم: 4175 في صحيح مسلم كتاب السَّلَامِ بَابُ جَوَازِ أَخْذِ الْأُجْرَةِ عَلَى الرُّقْيَةِ بِالْقُرْآنِ وَالْأَذْكَارِ
    حديث رقم: 4176 في صحيح مسلم كتاب السَّلَامِ بَابُ جَوَازِ أَخْذِ الْأُجْرَةِ عَلَى الرُّقْيَةِ بِالْقُرْآنِ وَالْأَذْكَارِ
    حديث رقم: 3017 في سنن أبي داوود كِتَاب الْبُيُوعِ أَبْوَابُ الْإِجَارَةِ
    حديث رقم: 3456 في سنن أبي داوود كِتَاب الطِّبِّ بَابُ كَيْفَ الرُّقَى
    حديث رقم: 2082 في جامع الترمذي أبواب الطب باب ما جاء في أخذ الأجر على التعويذ
    حديث رقم: 2083 في جامع الترمذي أبواب الطب باب ما جاء في أخذ الأجر على التعويذ
    حديث رقم: 2152 في سنن ابن ماجة كِتَابُ التِّجَارَاتِ بَابُ أَجْرِ الرَّاقِي
    حديث رقم: 10771 في مسند أحمد ابن حنبل مُسْنَدُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ
    حديث رقم: 10858 في مسند أحمد ابن حنبل مُسْنَدُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ
    حديث رقم: 11187 في مسند أحمد ابن حنبل مُسْنَدُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ
    حديث رقم: 11261 في مسند أحمد ابن حنبل مُسْنَدُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ
    حديث رقم: 11589 في مسند أحمد ابن حنبل مُسْنَدُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ
    حديث رقم: 6218 في صحيح ابن حبان كِتَابُ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ كِتَابُ الطِّبِ
    حديث رقم: 6219 في صحيح ابن حبان كِتَابُ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ كِتَابُ الطِّبِ
    حديث رقم: 7288 في السنن الكبرى للنسائي كِتَابُ الطِّبِّ الشَّرْطُ فِي الرُّقْيَةِ
    حديث رقم: 7289 في السنن الكبرى للنسائي كِتَابُ الطِّبِّ الشَّرْطُ فِي الرُّقْيَةِ
    حديث رقم: 7303 في السنن الكبرى للنسائي كِتَابُ الطِّبِّ جَمْعُ الرَّاقِي بُزَاقَهُ لِلتَّفْلِ
    حديث رقم: 8285 في السنن الكبرى للنسائي كِتَابُ الْخَصَائِصِ ذِكْرُ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَمْرُقُ مَارِقَةٌ مِنَ
    حديث رقم: 10439 في السنن الكبرى للنسائي كِتَابُ عَمَلِ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ مَا يَقُولُ عَلَى الْمَلْدُوغِ ، وَذِكْرُ الِاخْتِلَافِ عَلَى أَبِي بِشْرٍ جَعْفَرِ
    حديث رقم: 10440 في السنن الكبرى للنسائي كِتَابُ عَمَلِ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ مَا يَقُولُ عَلَى الْمَلْدُوغِ ، وَذِكْرُ الِاخْتِلَافِ عَلَى أَبِي بِشْرٍ جَعْفَرِ
    حديث رقم: 10441 في السنن الكبرى للنسائي كِتَابُ عَمَلِ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ مَا يَقُولُ عَلَى الْمَلْدُوغِ ، وَذِكْرُ الِاخْتِلَافِ عَلَى أَبِي بِشْرٍ جَعْفَرِ
    حديث رقم: 2011 في المستدرك على الصحيحين كِتَابُ فَضَائِلِ الْقُرْآنِ وَأَمَّا حَدِيثُ شُعْبَةَ
    حديث رقم: 23079 في مصنّف بن أبي شيبة كِتَابُ الطِّبِّ فِي الْأَخْذِ عَلَى الرُّقْيَةِ ، مَنْ رَخَّصَ فِيهَا
    حديث رقم: 10916 في السنن الكبير للبيهقي كِتَابُ الْإِجَارَةِ بَابُ أَخْذِ الْأُجْرَةِ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَالرُّقْيَةِ بِهِ
    حديث رقم: 11340 في السنن الكبير للبيهقي كِتَابُ اللُّقَطَةِ بَابُ الْجُعَالَةِ
    حديث رقم: 571 في المنتقى لابن جارود كِتَابُ الْبُيُوعِ وَالتِّجَارَاتِ بَابٌ فِي التِّجَارَاتِ
    حديث رقم: 2661 في سنن الدارقطني كِتَابُ الْبُيُوعِ
    حديث رقم: 2662 في سنن الدارقطني كِتَابُ الْبُيُوعِ
    حديث رقم: 2663 في سنن الدارقطني كِتَابُ الْبُيُوعِ
    حديث رقم: 3966 في شرح معاني الآثار للطحاوي كِتَابُ الْإِجَارَاتِ بَابُ الِاسْتِئْجَارِ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ هَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ أَمْ لَا ؟ وَمَا قَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ
    حديث رقم: 869 في المنتخب من مسند عبد بن حميد المنتخب من مسند عبد بن حميد مِنْ مُسْنَدِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ
    حديث رقم: 2423 في حلية الأولياء وطبقات الأصفياء حلية الأولياء وطبقات الأصفياء ابْنُ سِيرِينَ

    [2276] قَوْلُهُ عَنْ أَبِي بِشْرٍ هُوَ جَعْفَرُ بْنُأَبِي وَحْشِيَّةَ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ أَكْثَرَ مِنِ اسْمِهِ كَأَبِيهِ اسْمُهُ إِيَاسٌ وَهُوَ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ قَوْلُهُ عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ هُوَ النَّاجِيُّ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي آخِرِ الْبَابِ تَصْرِيحَ أَبِي بِشْرٍ بِالسَّمَاعِ مِنْهُ وَتَابَعَ أَبَا عَوَانَةَ عَلَى هَذَا الْإِسْنَادِ شُعْبَةُ كَمَا فِي آخِرِ الْبَابِ وَهُشَيْمٌ كَمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَخَالَفَهُمُ الْأَعْمَشُ فَرَوَاهُ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي وَحْشِيَّةَ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ جَعَلَ بَدَلَ أَبِي المتَوَكل أَبَا نَضرة أخرجه التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وبن مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِهِ فَأَمَّا التِّرْمِذِيُّ فَقَالَ طَرِيقُ شُعْبَة أصح من طَرِيق الْأَعْمَش وَقَالَ بن مَاجَهْ إِنَّهَا الصَّوَابُ وَرَجَّحَهَا الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْعِلَلِ وَلَمْ يُرَجِّحْ فِي السُّنَنِ شَيْئًا وَكَذَا النَّسَائِيُّ وَالَّذِي يَتَرَجَّحُ فِي نَقْدِي أَنَّ الطَّرِيقَيْنِ مَحْفُوظَانِ لِاشْتِمَالِ طَرِيقِ الْأَعْمَشِ عَلَى زِيَادَاتٍ فِي الْمَتْنِ لَيْسَتْ فِي رِوَايَةِ شُعْبَةَ وَمَنْ تَابَعَهُ فَكَأَنَّهُ كَانَ عِنْدَ أَبِي بِشْرٍ عَنْ شَيْخَيْنِ فَحَدَّثَ بِهِ تَارَةً عَنْ هَذَا وَتَارَةً عَنْ هَذَا وَلم يصب بن الْعَرَبِيِّ فِي دَعْوَاهُ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مُضْطَرِبٌ فَقَدْ رَوَاهُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَيْضًا مَعْبَدُ بْنُ سِيرِينَ كَمَا سَيَأْتِي فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ وَسُلَيْمَانُ بْنُ قَتَّةَ وَهُوَ بِفَتْحِ الْقَافِ وَتَشْدِيدِ الْمُثَنَّاةِ كَمَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ والدَّارَقُطْنِيُّ وَسَأَذْكُرُ مَا فِي رِوَايَاتِهِمْ مِنَ الْفَوَائِدِ قَوْلُهُ انْطَلَقَ نَفَرٌ لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِ أَحَدٍ مِنْهُمْ سِوَى أَبِي سَعِيدٍ وَلَيْسَ فِي سِيَاقِ هَذِهِ الطَّرِيقِ مَا يُشْعِرُ بِأَنَّ السَّفَرَ كَانَ فِي جِهَادٍ لَكِنْ فِي رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَهُمْ وَفِي رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ قَتَّةَ عِنْدَ أَحْمَدَ بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْثًا زَادَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِيهِ بَعَثَ سَرِيَّةً عَلَيْهَا أَبُو سَعِيدٍ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى تَعْيِينِ هَذِهِ السَّرِيَّةِ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْمَغَازِي بَلْ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِذِكْرِهَا أَحَدٌ مِنْهُمْ وَهِيَ وَارِدَةٌ عَلَيْهِمْ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى تَعْيِينِ الْحَيِّ الَّذِينَ نَزَلُوا بِهِمْ مِنْ أَيِّ الْقَبَائِلِ هُمْ قَوْلُهُ فَاسْتَضَافُوهُمْ أَيْ طَلَبُوا مِنْهُمُ الضِّيَافَةَ وَفِي رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ عِنْدَ غَيْرِ التِّرْمِذِيِّ بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثِينَ رَجُلًا فَنَزَلْنَا بِقَوْمٍ لَيْلًا فَسَأَلْنَاهُمُ الْقِرَى فَأَفَادَتْ عَدَدَ السَّرِيَّةِ وَوَقْتَ النُّزُولِ كَمَا أَفَادَتْ رِوَايَةُ الدَّارَقُطْنِيِّ تَعْيِينَ أَمِيرِ السَّرِيَّةِ وَالْقِرَى بِكَسْرِ الْقَافِ مَقْصُورٌ الضِّيَافَةُ قَوْلُهُ فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمْ بِالتَّشْدِيدِ لِلْأَكْثَرِ وَبِكَسْرِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ مُخَفَّفًا قَوْلُهُ فَلُدِغَ بِضَمِّ اللَّامِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ وَاللَّدْغُ بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ اللَّسْعُ وَزْنًا وَمَعْنًى وَأَمَّا اللَّذْعُ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ فَهُوَ الْإِحْرَاقُ الْخَفِيفُ وَاللَّدْغُ الْمَذْكُورُ فِي الْحَدِيثِ هُوَ ضَرْبُ ذَاتِ الْحُمَّةِ مِنْ حَيَّةٍ أَوْ عَقْرَبٍ وَغَيْرِهِمَا وَأَكْثَرُ مَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْعَقْرَبِ وَقَدْ أَفَادَتْ رِوَايَةُ الْأَعْمَشِ تَعْيِينُ الْعَقْرَبِ وَأَمَّا مَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ هُشَيْمٍ عِنْدَ النَّسَائِيِّ أَنَّهُ مُصَابٌ فِي عَقْلِهِ أَوْ لَدِيغٌ فَشَكٌّ مِنْ هُشَيْمٍ وَقَدْ رَوَاهُ الْبَاقُونَ فَلَمْ يَشُكُّوا فِي أَنَّهُ لَدِيغٌ وَلَا سِيَّمَا تَصْرِيحَ الْأَعْمَشِ بِالْعَقْرَبِ وَكَذَلِكَ مَا سَيَأْتِي فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ مِنْ طَرِيقِ مَعْبَدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي سَعِيدَ بِلَفْظِ إِنَّ سَيِّدَ الْحَيِّ سَلِيمٌ وَكَذَا فِي الطِّبّ من حَدِيث بن عَبَّاسٍ أَنَّ سَيِّدَ الْحَيِّ سَلِيمٌ وَالسَّلِيمُ هُوَ اللَّدِيغُ نَعَمْ وَقَعَتْ لِلصَّحَابَةِ قِصَّةٌ أُخْرَى فِي رَجُلٍ مُصَابٍ بِعَقْلِهِ فَقَرَأَ عَلَيْهِ بَعْضُهُمْ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ فَبَرَأَ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ خَارِجَةَ بْنِ الصَّلْتِ عَنْ عَمِّهِ أَنَّهُ مَرَّ بِقَوْمٍ وَعِنْدَهُمْ رَجُلٌ مَجْنُونٌ مُوثَقٌ فِي الْحَدِيدِ فَقَالُوا إِنَّكَ جِئْتَ مِنْ عِنْدِ هَذَا الرَّجُلِ بِخَيْرٍ فَارْقِ لَنَا هَذَا الرَّجُلَ الْحَدِيثَ فَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُمَا قِصَّتَانِ لَكِنَّ الْوَاقِعَ فِي قِصَّةِ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّهُ لَدِيغٌ قَوْلُهُ فَسَعَوْا لَهُ بِكُلِّ شَيْءٍ أَيْ مِمَّا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ أَنْ يُتَدَاوَى بِهِ مِنْ لَدْغَةِ الْعَقْرَبِ كَذَا لِلْأَكْثَرِ مِنَ السَّعْيِ أَيْ طَلَبُوا لَهُ مَا يُدَاوِيهِ وللْكُشْمِيهَنِيِّ فَشَفَوْا بِالْمُعْجَمَةِ وَالْفَاءِ وَعَلَيْهِ شَرْحُ الْخَطَّابِيِّ فَقَالَ مَعْنَاهُ طَلَبُوا الشِّفَاءَ تَقُولُ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي أَيْ أَبْرَأَهُ وَشَفَى لَهُ الطَّبِيبُ أَيْ عَالَجَهُ بِمَا يَشْفِيهِ أَوْ وَصَفَ لَهُ مَا فِيهِ الشِّفَاءُ لَكِنِ ادَّعَى بن التِّينِ أَنَّهَا تَصْحِيفٌ قَوْلُهُ لَوْ أَتَيْتُمْ هَؤُلَاءِ الرَّهْط قَالَ بن التِّينِ قَالَ تَارَةً نَفَرًا وَتَارَةً رَهْطًا وَالنَّفَرُ مَا بَيْنَ الْعَشَرَةِ وَالثَّلَاثَةِ وَالرَّهْطُ مَا دُونَ الْعَشَرَةِ وَقِيلَ يَصِلُ إِلَى الْأَرْبَعِينَ قُلْتُ وَهَذَاالْحَدِيثُ يَدُلُّ لَهُ قَوْلُهُ فَأَتَوْهُمْ فِي رِوَايَةِ مَعْبَدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّ الَّذِي جَاءَ فِي هَذِهِ الرِّسَالَةِ جَارِيَةٌ مِنْهُمْ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مَعَهَا غَيْرُهَا زَادَ الْبَزَّارُ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ فَقَالُوا لَهُمْ قَدْ بَلَغَنَا أَنَّ صَاحِبَكُمْ جَاءَ بِالنُّورِ وَالشِّفَاءِ قَالُوا نَعَمْ قَوْلُهُ وَسَعَيْنَا فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ وَشَفَيْنَا بِالْمُعْجَمَةِ وَالْفَاءِ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِيهَا قَوْلُهُ فَهَلْ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْكُمْ مِنْ شَيْءٍ زَادَ أَبُو دَاوُدَ فِي رِوَايَتِهِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ يَنْفَعُ صَاحِبَنَا قَوْلُهُ فَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ نَعَمْ وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرْقِي بِكَسْرِ الْقَافِ وَبَيَّنَ الْأَعْمَشُ أَنَّ الَّذِي قَالَ ذَلِكَ هُوَ أَبُو سَعِيدٍ رَاوِي الْخَبَرِ وَلَفْظُهُ قُلْتُ نَعَمْ أَنَا وَلَكِنْ لَا أَرْقِيهِ حَتَّى تُعْطُونَا غَنَمًا فَأَفَادَ بَيَانَ جِنْسِ الْجُعْلِ وَهُوَ بِضَمِّ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ مَا يُعْطَى عَلَى عَمَلٍ وَقَدِ اسْتَشْكَلَ كَوْنَ الرَّاقِي هُوَ أَبُو سَعِيدٍ رَاوِي الْخَبَرِ مَعَ مَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ مَعْبَدِ بْنِ سِيرِينَ فَقَامَ مَعَهَا رَجُلٌ مَا كُنَّا نَظُنُّهُ يُحْسِنُ رُقْيَةً وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَسَيَأْتِي لِلْمُصَنِّفِ فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ بِلَفْظٍ آخَرَ وَفِيهِ فَلَمَّا رَجَعَ قُلْنَا لَهُ أَكُنْتَ تُحْسِنُ رُقْيَةً فَفِي ذَلِكَ إِشْعَارٌ بِأَنَّهُ غَيْرُهُ وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ أَنْ يُكَنِّيَ الرَّجُلُ عَنْ نَفْسِهِ فَلَعَلَّ أَبَا سَعِيدٍ صَرَّحَ تَارَةً وَكَنَّى أُخْرَى وَلَمْ يَنْفَرِدِ الْأَعْمَشُ بِتَعْيِينِهِ وَقَدْ وَقَعَ أَيْضًا فِي رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ قَتَّةَ بِلَفْظِ فَأَتَيْتُهُ فَرَقَيْتُهُ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ عِنْدَ الْبَزَّارِ فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ أَنَا أَرْقِيهِ وَهُوَ مِمَّا يُقَوِّي رِوَايَةَ الْأَعْمَشِ فَإِنَّ أَبَا سَعِيدٍ أَنْصَارِيٌّ وَأَمَّا حَمْلُ بَعْضِ الشَّارِحِينَ ذَلِكَ عَلَى تَعَدُّدِ الْقِصَّةِ وَأَنَّ أَبَا سَعِيدٍ رَوَى قِصَّتَيْنِ كَانَ فِي إِحْدَاهُمَا رَاقِيًا وَفِي الْأُخْرَى كَانَ الرَّاقِي غَيْرَهُ فَبَعِيدٌ جِدًّا وَلَا سِيَّمَا مَعَ اتِّحَادِ الْمَخْرَجِ وَالسِّيَاقِ وَالسَّبَبِ وَيَكْفِي فِي رَدِّ ذَلِكَ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّعَدُّدِ وَلَا حَامِلَ عَلَيْهِ فَإِنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ مُمْكِنٌ بِدُونِهِ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا قَدَّمْتُهُ مِنْ حَدِيثِ خَارِجَةَ بْنِ الصَّلْتِ عَنْ عَمِّهِ فَإِنَّ السِّيَاقَيْنِ مُخْتَلِفَانِ وَكَذَا السَّبَبُ فَكَانَ الْحَمْلُ علىالتعدد فِيهِ قَرِيبًا قَوْلُهُ فَصَالَحُوهُمْ أَيْ وَافَقُوهُمْ قَوْلُهُ على قطيع من الْغنم قَالَ بن التِّينِ الْقَطِيعُ هُوَ الطَّائِفَةُ مِنَ الْغَنَمِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْقَطِيعَ هُوَ الشَّيْءُ الْمُقْتَطَعُ مِنْ غَنَمٍ كَانَ أَو غَيرهَا وَقد صرح بذلك بن قُرْقُولٍ وَغَيْرُهُ وَزَادَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْغَالِبَ اسْتِعْمَالُهُ فِيمَا بَيْنَ الْعَشَرَةِ وَالْأَرْبَعِينَ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ فَقَالُوا إِنَّا نُعْطِيكُمْ ثَلَاثِينَ شَاةً وَكَذَا ثَبَتَ ذِكْرُ عَدَدِ الشِّيَاهِ فِي رِوَايَةِ مَعْبَدِ بْنِ سِيرِينَ وَهُوَ مُنَاسِبٌ لِعَدَدِ السَّرِيَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْحَدِيثِ وَكَأَنَّهُمُ اعْتَبَرُوا عَدَدَهُمْ فَجَعَلُوا الْجُعْلَ بِإِزَائِهِ قَوْلُهُ فَانْطَلَقَ يَتْفُلُ بِضَمِّ الْفَاءِ وَبِكَسْرِهَا وَهُوَ نَفْخٌ مَعَهُ قَلِيلُ بُزَاقٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْبَحْثُ فِيهِ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الصَّلَاة قَالَ بن أَبِي حَمْزَةَ مَحَلُّ التَّفْلِ فِي الرُّقْيَةِ يَكُونُ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ لِتَحْصِيلِ بَرَكَةِ الْقِرَاءَةِ فِي الْجَوَارِحِ الَّتِي يَمُرُّ عَلَيْهَا الرِّيقُ فَتَحْصُلُ الْبَرَكَةُ فِي الرِّيقِ الَّذِي يَتْفُلُهُ قَوْلُهُ وَيَقْرَأُ الْحَمْدُ لِلَّهِ رب الْعَالمين فِي رِوَايَةِ شُعْبَةَ فَجَعَلَ يَقْرَأُ عَلَيْهَا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَكَذَا فِي حَدِيثِ جَابِرٍ وَفِي رِوَايَةِ الْأَعْمَش فَقَرَأت عَلَيْهِ الْحَمد لله وَيُسْتَفَاد مِنْهُ تَسْمِيَة الْفَاتِحَة الْحَمد وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين وَلَمْ يَذْكُرْ فِي هَذِهِ الطَّرِيقِ عَدَدَ مَا قَرَأَ الْفَاتِحَةَ لَكِنَّهُ بَيَّنَهُ فِي رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ وَأَنَّهُ سَبْعُ مَرَّاتٍ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَالْحُكْمُ لِلزَّائِدِ قَوْلُهُ فَكَأَنَّمَا نُشِطَ كَذَا لِلْجَمِيعِ بِضَمِّ النُّونِ وَكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ مِنَ الثُّلَاثِيِّ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَهُوَ لُغَةٌ وَالْمَشْهُورُ نُشِطَ إِذَا عُقِدَ وَأُنْشِطَ إِذَا حُلَّ وَأَصْلُهُ الْأُنْشُوطَةُ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَالْمُعْجَمَةِ بَيْنَهُمَا نُونٌ سَاكِنَةٌ وَهِيَ الْحَبل وَقَالَ بن التِّينِ حَكَى بَعْضُهُمْ أَنَّ مَعْنَى أُنْشِطَ حُلَّ وَمَعْنَى نُشِطَ أُقِيمَ بِسُرْعَةٍ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ رَجُلٌ نَشِيطٌ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى نُشِطَ فَزِعَ وَلَوْ قُرِئَ بِالتَّشْدِيدِ لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ أَيْ حُلَّ شَيْئًا فَشَيْئًا قَوْلُهُ مِنْ عِقَالٍ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا قَافٌ هُوَ الْحَبْلُ الَّذِي يُشَدُّ بِهِ ذِرَاعُ الْبَهِيمَةِ قَوْلُهُ وَمَا بِهِ قَلَبَةٌ بِحَرَكَاتٍ أَيْ عِلَّةٌ وَقِيلَ لِلْعِلَّةِ قَلَبَةٌ لِأَنَّ الَّذِي تُصِيبُهُ يُقْلَبُ مِنْ جَنْبٍ إِلَى جَنْبٍ ليعلم مَوضِع الدَّاء قَالَه بن الْأَعْرَابِيِّ وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِوَقَدْ بَرِئْتُ فَمَا فِي الصَّدْرِ مِنْ قَلَبَهْ وَفِي نُسْخَة الدمياطي بِخَطِّهِ قَالَ بن الْأَعْرَابِيِّ الْقَلَبَةُ دَاءٌ مَأْخُوذٌ مِنَ الْقُلَابِ يَأْخُذُ الْبَعِيرَ فَيَأْلَمُ قَلْبُهُ فَيَمُوتُ مِنْ يَوْمِهِ قَوْلُهُ فَقَالَ بَعْضُهُمْ اقْسِمُوا لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهِ قَوْلُهُ فَقَالَ الَّذِي رَقَى بِفَتْحِ الْقَافِ وَفِي رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ فَلَمَّا قَبَضْنَا الْغَنَمَ عَرَضَ فِي أَنْفُسِنَا مِنْهَا شَيْءٌ وَفِي رِوَايَةِ مَعْبَدِ بْنِ سِيرِينَ فَأَمَرَ لَنَا بِثَلَاثِينَ شَاةً وَسَقَانَا لَبَنًا وَفِي رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ قَتَّةَ فَبُعِثَ إِلَيْنَا بِالشِّيَاهِ وَالنُّزُلِ فَأَكَلْنَا الطَّعَامَ وَأَبَوْا أَنْ يَأْكُلُوا الْغَنَمَ حَتَّى أَتَيْنَا الْمَدِينَةَ وَبَيَّنَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الَّذِي مَنَعَهُمْ مِنْ تَنَاوُلِهَا هُوَ الرَّاقِي وَأَمَّا فِي بَاقِي الرِّوَايَاتِ فَأَبْهَمَهُ قَوْلُهُ فَنَنْطُرُ مَا يَأْمُرُنَا أَيْ فَنَتَّبِعُهُ وَلَمْ يُرِيدُوا أَنَّهُمْ يُخَيَّرُونَ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ وَمَا يُدْرِيكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ قَالَ الدَّاوُدِيُّ مَعْنَاهُ وَمَا أَدْرَاكَ وَقَدْ رُوِيَ كَذَلِكَ وَلَعَلَّهُ هُوَ الْمَحْفُوظُ لِأَنَّ بن عُيَيْنَةَ قَالَ إِذَا قَالَ وَمَا يُدْرِيكَ فَلَمْ يُعْلَمْ وَإِذَا قَالَ وَمَا أَدْرَاكَ فَقَدْ أُعْلِمَ وَتعقبه بن التِّين بِأَن بن عُيَيْنَةَ إِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ فِيمَا وَقَعَ فِي الْقُرْآنِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَوَاخِرِ الصِّيَامِ وَإِلَّا فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي اللُّغَةِ أَيْ فِي نَفْيِ الدِّرَايَةِ وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ هُشَيْمٍ وَمَا أَدْرَاكَ وَنَحْوُهُ فِي رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ وَفِي رِوَايَةِ مَعْبَدِ بْنِ سِيرِينَ وَمَا كَانَ يُدْرِيهِ وَهِيَ كَلِمَةٌ تُقَالُ عِنْدَ التَّعَجُّبِ مِنَ الشَّيْءِ وَتُسْتَعْمَلُ فِي تَعْظِيمِ الشَّيْءِ أَيْضًا وَهُوَ لَائِقٌ هُنَا زَادَ شُعْبَةُ فِي رِوَايَتِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ مِنْهُ نَهْيًا أَيْ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ وَزَادَ سُلَيْمَانُ بْنُ قَتَّةَ فِي رِوَايَتِهِ بَعْدَ قَوْلِهِ وَمَا يُدْرِيكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ قُلْتُ أُلْقِيَ فِي رُوعِي وللدَّارَقُطْنِيِّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ شَيْءٌ أُلْقِيَ فِي رُوعِي وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ عِلْمٌ مُتَقَدِّمٌ بِمَشْرُوعِيَّةِ الرُّقَى بِالْفَاتِحَةِ وَلِهَذَا قَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ لَمَّا رَجَعَ مَا كُنْتَ تُحْسِنُ رُقْيَةً كَمَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ مَعْبَدِ بْنِ سِيرِينَ قَوْلُهُ ثُمَّ قَالَ قَدْ أَصَبْتُمْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ صَوَّبَ فِعْلَهُمْ فِي الرُّقْيَةِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ ذَلِكَ فِي تَوَقُّفِهِمْ عَنِ التَّصَرُّفِ فِي الْجُعْلِ حَتَّى اسْتَأْذَنُوهُ وَيحْتَمل أَعم من ذَلِك قَوْله وضربوا لِي مَعَكُمْ سَهْمًا أَيِ اجْعَلُوا لِي مِنْهُ نَصِيبًا وَكَأَنَّهُ أَرَادَ الْمُبَالَغَةَ فِي تَأْنِيسِهِمْ كَمَا وَقَعَ لَهُ فِي قِصَّةِ الْحِمَارِ الْوَحْشِيِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ قَوْلُهُ وَقَالَ شُعْبَةُ حَدَّثَنَا أَبُو بِشْرٍ سَمِعْتُ أَبَا الْمُتَوَكِّلِ هَذِهِ الطَّرِيقُ بِهَذِهِ الصِّيغَةِ وَصَلَهَا التِّرْمِذِيُّ وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الطِّبِّ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ لَكِنْ بِالْعَنْعَنَةِ وَهَذَا هُوَ السِّرُّ فِي عَزْوِهِ إِلَى التِّرْمِذِيِّ مَعَ كَوْنِهِ فِي الْبُخَارِيِّ وَغَفَلَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ عَنْ ذَلِكَ فَعَابَ عَلَى مَنْ نَسَبَهُ إِلَى التِّرْمِذِيِّ وَفِي الْحَدِيثِ جَوَازُ الرُّقْيَةِ بِكِتَابِ اللَّهِ وَيَلْتَحِقُ بِهِ مَا كَانَ بِالذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ الْمَأْثُورِ وَكَذَا غَيْرُ الْمَأْثُورِ مِمَّا لَا يُخَالِفُ مَا فِي الْمَأْثُورِ وَأَمَّا الرُّقَى بِمَا سِوَى ذَلِكَ فَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مَا يُثْبِتُهُ وَلَا مَا يَنْفِيهِ وَسَيَأْتِي حُكْمُ ذَلِكَ مَبْسُوطًا فِي كِتَابِ الطِّبِّ وَفِيهِ مَشْرُوعِيَّةُ الضِّيَافَةِ عَلَى أَهْلِ الْبَوَادِي وَالنُّزُولُ عَلَى مِيَاهِ الْعَرَبِ وَطَلَبُ مَا عِنْدَهُمْ عَلَى سَبِيلِ الْقِرَى أَوِ الشِّرَاءِ وَفِيهِ مُقَابَلَةُ مَنِ امْتَنَعَ مِنَ الْمَكْرُمَةِ بِنَظِيرِ صَنِيعِهِ لِمَا صَنَعَهُ الصَّحَابِيُّ مِنَ الِامْتِنَاعِ مِنَ الرُّقْيَةِ فِي مُقَابَلَةِ امْتِنَاعِ أُولَئِكَ مِنْ ضِيَافَتِهِمْ وَهَذِهِ طَرِيقُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أجرا وَلَمْ يَعْتَذِرِ الْخَضِرُ عَنْ ذَلِكَ إِلَّا بِأَمْرٍ خَارِجِيٍّ وَفِيهِ إِمْضَاءُ مَا يَلْتَزِمُهُ الْمَرْءُ عَلَى نَفْسِهِ لِأَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْتَزَمَ أَنْ يَرْقِيَ وَأَنْ يَكُونَ الْجُعْلُ لَهُ وَلِأَصْحَابِهِ وَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْوَفَاءِ بِذَلِكَ وَفِيهِ الِاشْتِرَاكُ فِي الْمَوْهُوبِ إِذَا كَانَ أَصْلُهُ مَعْلُومًا وَجَوَازُ طَلَبِ الْهَدِيَّةِ مِمَّنْ يُعْلَمُ رَغْبَتُهُ فِي ذَلِكَ وَإِجَابَتُهُ إِلَيْهِ وَفِيهِ جَوَازُ قَبْضِ الشَّيْءِ الَّذِي ظَاهِرُهُ الْحِلُّ وَتَرْكِ التَّصَرُّفِ فِيهِ إِذَا عَرَضَتْ فِيهِ شُبْهَةٌ وَفِيهِ الِاجْتِهَادُ عِنْدَ فَقْدِ النَّصِّ وَعَظَمَةُ الْقُرْآنِ فِي صُدُورِ الصَّحَابَةِ خُصُوصًا الْفَاتِحَةَ وَفِيهِ أَنَّ الرِّزْقَ الْمَقْسُومَ لَا يَسْتَطِيعُ مَنْ هُوَ فِي يَدِهِ مَنْعُهُ مِمَّنْ قُسِمَ لَهُ لِأَنَّ أُولَئِكَ مَنَعُوا الضِّيَافَةَ وَكَانَ اللَّهُ قَسَمَ لِلصَّحَابَةِ فِي مَالِهِمْ نَصِيبًا فَمَنَعُوهُمْ فَسَبَّبَ لَهُمْ لَدْغَ الْعَقْرَبِ حَتَّى سِيقَ لَهُمْ مَا قُسِمَ لَهُمْ وَفِيهِ الْحِكْمَةُ الْبَالِغَةُ حَيْثُ اخْتَصَّ بِالْعِقَابِ مَنْ كَانَ رَأْسًا فِي الْمَنْعِ لِأَنَّ مِنْ عَادَةِ النَّاسِ الِائْتِمَارُ بِأَمْرِ كَبِيرِهِمْ فَلَمَّا كَانَ رَأْسَهُمْ فِي الْمَنْعِ اخْتُصَّ بِالْعُقُوبَةِ دُونَهُمْ جَزَاءوِفَاقًا وَكَأَنَّ الْحِكْمَةَ فِيهِ أَيْضًا إِرَادَةُ الْإِجَابَةِ إِلَى مَا يَلْتَمِسُهُ الْمَطْلُوبُ مِنْهُ الشِّفَاءُ وَلَوْ كَثُرَ لِأَنَّ الْمَلْدُوغَ لَوْ كَانَ مِنْ آحَادِ النَّاسِ لَعَلَّهُ لَمْ يَكُنْ يَقْدِرُ عَلَى الْقَدْرِ الْمَطْلُوب مِنْهُم (قَوْلُهُ بَابُ ضَرِيبَةِ الْعَبْدِ) وَتَعَاهُدِ ضَرَائِبِ الْإِمَاءِ الضَّرِيبَةُ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ فَعِيلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ مَا يُقَدِّرُهُ السَّيِّدُ عَلَى عَبْدِهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَضَرَائِبُ جَمْعُهَا وَيُقَالُ لَهَا خَرَاجٌ وَغَلَّةٌ بَالِغِينَ الْمُعْجَمَةِ وَأَجْرٌ وَقَدْ وَقَعَ جَمِيعُ ذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ ثُمَّ أَوْرَدَ الْمُصَنِّفُ فِيهِ حَدِيثَ أَنَسٍ أَنَّ أَبَا طَيْبَةَ حَجَمَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَلَّمَ مَوَالِيهِ فَخَفَّفُوا عَنْهُ مِنْ ضَرِيبَتِهِ وَدَلَالَتُهُ عَلَى التَّرْجَمَةِ ظَاهِرَةٌ فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهَا بَيَانُ حُكْمِ ذَلِكَ وَفِي تَقْرِيرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ دَلَالَةٌ عَلَى الْجَوَازِ وَسَأَذْكُرُ كَمْ كَانَ قَدْرُ الضَّرِيبَةِ بَعْدَ بَاب وَأما ضَرَائِب الْإِمَاء فَيُؤْخَذ مِنْهُ بِطَرِيقِ الْإِلْحَاقِ وَاخْتِصَاصُهَا بِالتَّعَاهُدِ لِكَوْنِهَا مَظِنَّةَ تَطَرُّقِ الْفَسَادِ فِي الْأَغْلَبِ وَإِلَّا فَكَمَا يُخْشَى مِنِ اكْتِسَابِ الْأَمَةِ بِفَرْجِهَا يُخْشَى مِنِ اكْتِسَابِ الْعَبْدِ بِالسَّرِقَةِ مَثَلًا وَلَعَلَّهُ أَشَارَ بِالتَّرْجَمَةِ إِلَى مَا أَخْرَجَهُ هُوَ فِي تَارِيخِهِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُدَ الْأَحْمَرِيِّ قَالَ خَطَبَنَا حُذَيْفَةُ حِينَ قَدِمَ الْمَدَائِنَ فَقَالَ تَعَاهَدُوا ضَرَائِبَ إِمَائِكُمْ وَهُوَ عِنْدَ أَبِي نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ بِلَفْظِ ضَرَائِبَ غِلْمَانِكُمْ وَاسْمُ الْأَحْمَرِيِّ هَذَا مَالِكٌ وَأَوْرَدَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ فِي السُّنَنِ مُطَوَّلًا مِنْ طَرِيقِ شِدَادِ بْنِ الْفُرَاتِ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ شَيْخٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدَائِنِ قَالَ كُنْتُ تَحْتَ مِنْبَرِ حُذَيْفَةَ وَهُوَ يَخْطُبُ وَلِأَبِي دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ مَرْفُوعًا نُهِيَ عَنْ كَسْبِ الْأَمَةِ حَتَّى يُعْلَمَ مِنْ أَيْنَ هُوَ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ ذَلِكَ فِي أَوَاخِرِ الْبُيُوعِ وَقَالَ بن الْمُنِيرِ فِي الْحَاشِيَةِ كَأَنَّهُ أَرَادَ بِالتَّعَاهُدِ التَّفَقُّدَ لِمِقْدَارِ ضَرِيبَةِ الْأَمَةِ لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ ثَقِيلَةً فَتَحْتَاجَ إِلَى التَّكَسُّبِ بِالْفُجُورِ وَدَلَالَتُهُ مِنَ الْحَدِيثِ أَمْرُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِتَخْفِيفِ ضَرِيبَةِ الْحَجَّامِ فَلُزُومُ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْأَمَةِ أَقْعَدُ وَأَوْلَى لأجل الغائلة الْخَاصَّة بهَا قَوْلُهُ بَابُ خَرَاجِ الْحَجَّامِ أَوْرَدَ فِيهِ حَدِيثَ بن عَبَّاسٍ احْتَجَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَعْطَى الْحَجَّامَ أَجْرَهُ وَزَادَبَعْضِ النُّسَخِ مِنْ هُنَيْهَاتِكَ أَيْ أَرَاجِيزِكَ وَالْهَنَةُ يَقَعُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَفِيهِ جَوَازُ إِنْشَاءِ الأراجيز وغيرها من الشعر وسماعها مالم يَكُنْ فِيهِ كَلَامٌ مَذْمُومٌ وَالشِّعْرُ كَلَامٌ حَسَنُهُ حَسَنٌ وَقَبِيحُهُ قَبِيحٌ قَوْلُهُ (فَنَزَلَ يَحْدُو بِالْقَوْمِ) فيه استحباب الحدا في الأسفار لتنشط النُّفُوسِ وَالدَّوَابِّ عَلَى قَطْعِ الطَّرِيقِ وَاشْتِغَالِهَا بِسَمَاعِهِ عَنِ الْإِحْسَاسِ بِأَلَمِ السَّيْرِ قَوْلُهُ (اللَّهُمَّ لَوْلَا أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا) كَذَا الرِّوَايَةُ قَالُوا وَصَوَابُهُ فِي الْوَزْنِ لَاهُمَّ أَوْ تَاللَّهِ أو وَاللَّهِ لَوْلَا أَنْتَ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ فَوَاللَّهِ لَوْلَا اللَّهُ قَوْلُهُ (فَاغْفِرْ فِدَاءً لَكَ مَا اقْتَفَيْنَا) قَالَ الْمَازِرِيُّ هَذِهِ اللَّفْظَةُ مُشْكِلَةٌ فَإِنَّهُ لَا يُقَالُ فَدَى الْبَارِي سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَلَا يُقَالُ لَهُ سُبْحَانَهُ فَدَيْتُكَ لِأَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا يُسْتَعْمَلُ فِي مَكْرُوهٍ يُتَوَقَّعُ حُلُولُهُ بِالشَّخْصِ فَيَخْتَارُ شَخْصٌ آخَرُ أَنْ يَحِلَّ ذَلِكَ بِهِ وَيَفْدِيهِ منه قال ولعل هذا وقع مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ إِلَى حَقِيقَةِ مَعْنَاهُ كَمَا يُقَالُ قَاتَلَهُ اللَّهُ وَلَا يُرَادُ بِذَلِكَ حَقِيقَةَ الدُّعَاءِ عَلَيْهِ وَكَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرِبَتْ يَدَاكَ وَتَرِبَتْ يَمِينُكَ وَوَيْلُ أُمِّهِ وَفِيهِ كُلُّهُ ضَرْبٌ مِنَ الِاسْتِعَارَةِ لِأَنَّ الْفَادِيَ مُبَالِغٌ في طلب رضى الْمُفَدَى حِينَ بَذَلَ نَفْسَهُ عَنْ نَفْسِهِ لِلْمَكْرُوهِ فَكَانَ مُرَادُ الشَّاعِرِ أَنِّي أَبْذُلُ نَفْسِي فِي رِضَاكَ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَإِنَّ الْمَعْنَى وَإِنْ أَمْكَنَ صَرْفُهُ إِلَى جِهَةٍ صَحِيحَةٍ فَإِطْلَاقُ اللَّفْظِ وَاسْتِعَارَتُهُ وَالتَّجَوُّزُ بِهِ يَفْتَقِرُ إِلَى وُرُودِ الشَّرْعِ بِالْإِذْنِ فِيهِ قَالَ وَقَدْ يَكُونُ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فدا لَكَ رَجُلًا يُخَاطِبُهُ وَفَصَلَ بَيْنَ الْكَلَامِ فَكَأَنَّهُ قَالَ فَاغْفِرْ ثُمَّ دَعَا إِلَى رَجُلٍ يُنَبِّهُهُ فقال فدالك ثُمَّ عَادَ إِلَى تَمَامِ الْكَلَامِ الْأَوَّلِ فَقَالَ مَا اقْتَفَيْنَا قَالَ وَهَذَا تَأْوِيلٌ يَصِحُّ مَعَهُ اللَّفْظُ وَالْمَعْنَى لَوْلَا أَنَّ فِيهِ تَعَسُّفًا اضْطَرَّنَا إِلَيْهِ تَصْحِيحُ الْكَلَامِ وَقَدْ يَقَعُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ مِنَ الْفَصْلِ بَيْنَ الْجُمَلِ الْمُعَلَّقِ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ مَا يُسَهِّلُ هَذَا التَّأْوِيلَ قَوْلُهُ (إِذَا صِيحَ بِنَا أَتَيْنَا) هَكَذَا هُوَ فِي نُسَخِ بِلَادِنَا أَتَيْنَا بِالْمُثَنَّاةِ فِي أَوَّلِهِ وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّهُ رُوِيَ بِالْمُثَنَّاةِ وَبِالْمُوَحَّدَةِ فَمَعْنَى الْمُثَنَّاةِ إِذَا صِيحَ بِنَا لِلْقِتَالِ وَنَحْوِهِ مِنَ الْمَكَارِمِ أَتَيْنَا وَمَعْنَى الْمُوَحَّدَةِ أَبَيْنَا الْفِرَارَ وَالِامْتِنَاعَ قَالَ الْقَاضِي رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَوْلُهُ فِدَاءً لَكَ بِالْمَدِّ وَالْقَصْرِ وَالْفَاءُ مَكْسُورَةٌ حَكَاهُ الْأَصْمَعِيُّ وَغَيْرُهُ فَأَمَّا في المصدرفَالْمَدُّ لَا غَيْرَ قَالَ وَحَكَى الْفَرَّاءُ فَدًى لك مفتوح مقصور قال وَرُوِّينَاهُ هُنَا فِدَاءٌ لَكَ بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ أَيْ لَكَ نَفْسِي فِدَاءٌ أَوْ نفسي فداء لك وبالنصب عَلَى الْمَصْدَرِ وَمَعْنَى اقْتَفَيْنَا اكْتَسَبْنَا وَأَصْلُهُ الِاتِّبَاعُ قَوْلُهُ (وَبِالصِّيَاحِ عَوَّلُوا عَلَيْنَا) اسْتَغَاثُوا بِنَا وَاسْتَفْزَعُونَا لِلْقِتَالِ قِيلَ هِيَ مِنَ التَّعْوِيلِ عَلَى الشَّيْءِ وهو الاعتماد عليه وقيل مِنَ الْعَوِيلِ وَهُوَ الصَّوْتُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ هَذَا السَّائِقُ قَالُوا عَامِرٌ قَالَ يَرْحَمُهُ اللَّهُ قَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ وَجَبَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْلَا أَمْتَعْتَنَا بِهِ) مَعْنَى وَجَبَتْ أَيْ ثَبَتَتْ لَهُ الشَّهَادَةُ وَسَيَقَعُ قَرِيبًا وَكَانَ هَذَا مَعْلُومًا عِنْدَهُمْ أَنَّ مَنْ دَعَا لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا الدُّعَاءَ فِي هَذَا الْمَوْطِنِ اسْتُشْهِدَ فَقَالُوا هَلَّا أَمْتَعْتَنَا بِهِ أَيْ وَدِدْنَا أَنَّكَ لَوْ أَخَّرْتَ الدُّعَاءَ لَهُ بِهَذَا إِلَى وَقْتٍ آخَرَ لِنَتَمَتَّعَ بِمُصَاحَبَتِهِ وَرُؤْيَتِهِ مُدَّةً قَوْلُهُ (أَصَابَتْنَا مَخْمَصَةٌ شَدِيدَةٌ) أَيْ جُوعٌ شَدِيدٌ قَوْلُهُ (لَحْمُ حُمُرِ الْإِنْسِيَّةِ) هَكَذَا هُوَ حُمُرِ الْإِنْسِيَّةِ بِإِضَافَةِ حُمُرٍ وَهُوَ مِنْ إِضَافَةِ الْمَوْصُوفِ إِلَى صِفَتِهِ وَسَبَقَ بَيَانُهُ مَرَّاتٍ فَعَلَى هَذَا قَوْلُ الْكُوفِيِّينَ هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَعِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ تَقْدِيرُهُ حُمُرُ الْحَيَوَانَاتِ الْإِنْسِيَّةِ وَأَمَّا الْإِنْسِيَّةُ فَفِيهَا لُغَتَانِ وَرِوَايَتَانِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي عِيَاضٌ وَآخَرُونَ أَشْهَرُهُمَا كَسْرُ الْهَمْزَةِ وَإِسْكَانُ النُّونِ قَالَ الْقَاضِي هَذِهِ رِوَايَةُ أَكْثَرِ الشُّيُوخِ وَالثَّانِيَةُ فَتْحُهُمَا جَمِيعًا وَهُمَا جَمِيعًا نِسْبَةٌ إِلَى الْإِنْسِ وَهُمُ النَّاسُ لِاخْتِلَاطِهَا بِالنَّاسِبِخِلَافِ حُمُرِ الْوَحْشِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَهْرِيقُوهَا وَاكْسِرُوهَا) هَذَا يَدُلُّ عَلَى نَجَاسَةِ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ وَهُوَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا الْحَدِيثِ وَشَرْحُهُ مَعَ بَيَانِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ وَمُخْتَصَرُ الْأَمْرِ بِإِرَاقَتِهِ أَنَّ السَّبَبَ الصَّحِيحَ فِيهِ أَنَّهُ أَمَرَ بِإِرَاقَتِهَا لِأَنَّهَا نَجِسَةٌ مُحَرَّمَةٌ وَالثَّانِي أَنَّهُ نَهَى لِلْحَاجَةِ إِلَيْهَا وَالثَّالِثُ لِأَنَّهَا أَخَذُوهَا قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَهَذَانِ التَّأْوِيلَانِ هُمَا لِأَصْحَابِ مَالِكٍ الْقَائِلِينَ بِإِبَاحَةِ لُحُومِهَا وَالصَّوَابُ مَا قَدَّمْنَاهُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (اكْسِرُوهَا فَقَالَ رَجُلٌ أَوْ يُهْرِيقُوهَا وَيَغْسِلُوهَا قَالَ أَوْ ذَاكَ) فَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اجْتَهَدَ فِي ذَلِكَ فَرَأَى كَسْرَهَا ثُمَّ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ أَوْ أُوحِيَ إِلَيْهِ بِغَسْلِهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ لَهُ لَأَجْرَانِ) هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَمِ النُّسَخِ لَأَجْرَانِ بِالْأَلِفِ وَفِي بَعْضِهَا لَأَجْرَيْنِ بِالْيَاءِ وَهُمَا صَحِيحَانِ لَكِنَّ الثَّانِيَ هُوَ الْأَشْهَرُ الْأَفْصَحُ وَالْأَوَّلُ لُغَةُ أَرْبَعِ قَبَائِلَ من العرب ومنها قوله تعالى إن هذان لساحران وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهَا مَرَّاتٍ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْأَجْرَيْنِ ثَبَتَا لَهُ لِأَنَّهُ جَاهَدَ مُجَاهِدٌ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ فِي شَرْحِهِ فَلَهُ أَجْرٌ بِكَوْنِهِ جَاهِدًا أَيْ مُجْتَهِدًا فِي طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى شَدِيدَ الِاعْتِنَاءِ بِهَا وَلَهُ أَجْرٌ آخَرُ بِكَوْنِهِ مُجَاهِدًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَمَّا قَامَ بِوَصْفَيْنِ كَانَ لَهُ أَجْرَانِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّهُ لَجَاهِدٌ مُجَاهِدٌ) هَكَذَا رَوَاهُ الْجُمْهُورُ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ لَجَاهِدٌ بِكَسْرِ الْهَاءِ وَتَنْوِينِ الدَّالِ مُجَاهِدٌ بِضَمِّ الْمِيمِ وَتَنْوِينِ الدَّالِ أَيْضًا وَفَسَّرُوا لَجَاهِدٌ بِالْجَادِّ فِي عِلْمِهِ وَعَمَلِهِ أَيْ إِنَّهُلَجَادٌّ فِي طَاعَةِ اللَّهِ وَالْمُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَهُوَ الْغَازِي وَقَالَ الْقَاضِي فِيهِ وَجْهٌ آخر أنه جمع اللفظين توكيدا قال بن الْأَنْبَارِيِّ الْعَرَبُ إِذَا بَالَغَتْ فِي تَعْظِيمِ شَيْءٍ اشْتَقَّتْ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ لَفْظًا آخَرَ عَلَى غَيْرِ بِنَائِهِ زِيَادَةً فِي التَّوْكِيدِ وَأَعْرَبُوهُ بِإِعْرَابِهِ فَيَقُولُونَ جَادٌّ مُجِدٌّ وَلَيْلٌ لَائِلٌ وَشِعْرٌ شَاعِرٌ وَنَحْوَ ذَلِكَ قَالَ الْقَاضِي وَرَوَاهُ بَعْضُ رُوَاةِ الْبُخَارِيِّ وَبَعْضُ رُوَاةِ مُسْلِمٍ لَجَاهَدَ بِفَتْحِ الْهَاءِ وَالدَّالِ عَلَى أَنَّهُ فِعْلٌ مَاضٍ مَجَاهِدَ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَنَصْبِ الدَّالِ بِلَا تَنْوِينٍ قَالَ وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّوَابِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (قَلَّ عَرَبِيٌّ مَشَى بِهَا مِثْلَهُ) ضَبَطْنَا هَذِهِ اللَّفْظَةَ هُنَا فِي مُسْلِمٍ بِوَجْهَيْنِ وَذَكَرَهُمَا الْقَاضِي أَيْضًا الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الَّذِي عَلَيْهِ جماهير رواة البخاري ومسلم مشى بها بفتح الميم وَبَعْدَ الشِّينِ يَاءٌ وَهُوَ فِعْلٌ مَاضٍ مِنَ المشى وبها جَارٌّ وَمَجْرُورٌ وَمَعْنَاهُ مَشَى بِالْأَرْضِ أَوْ فِي الْحَرْبِ وَالثَّانِي مُشَابِهًا بِضَمِّ الْمِيمِ وَتَنْوِينِ الْهَاءِ مِنَ الْمُشَابَهَةِ أَيْ مُشَابِهًا لِصِفَاتِ الْكَمَالِ فِي الْقِتَالِ أَوْ غَيْرِهِ مِثْلَهُ وَيَكُونُ مُشَابِهًا مَنْصُوبًا بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ أَيْ رَأَيْتُهُ مُشَابِهًا وَمَعْنَاهُ قَلَّ عَرَبِيٌّ يُشْبِهُهُ فِي جَمِيعِ صِفَاتِ الْكَمَالِ وَضَبَطَهُ بعض رواة البخاري نشأ بها بِالنُّونِ وَالْهَمْزِ أَيْ شَبَّ وَكَبِرَ وَالْهَاءُ عَائِدَةٌ إِلَى الْحَرْبِ أَوِ الْأَرْضِ أَوْ بِلَادِ الْعَرَبِ قَالَ الْقَاضِي هَذِهِ أَوْجُهُ الرِّوَايَاتِ قَوْلُهُ (وَحَدَّثَنِي أبو الطاهر أخبرنا بن وهب أخبرني يونس عن بن شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَنَسَبَهُ غَيْرُ بن وهب فقال بن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ سَلَمَةَ بْنَ الْأَكْوَعِ قَالَ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ نُسَخِ صَحِيحِمُسْلِمٍ وَهُوَ صَحِيحٌ وَهَذَا مِنْ فَضَائِلِ مُسْلِمٍ وَدَقِيقِ نَظَرِهِ وَحُسْنِ خِبْرَتِهِ وَعَظِيمِ إِتْقَانِهِ وَسَبَبُ هَذَا أَنَّ أَبَا دَاوُدَ وَالنَّسَائِيَّ وَغَيْرَهُمَا مِنَ الْأَئِمَّةِ رَوَوْا هَذَا الْحَدِيثَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ عَنِ بن شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ سَلَمَةَ قَالَ أبو دَاوُدُ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ الصَّوَابُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كعب وَأَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ هَذَا هُوَ شَيْخُ أَبِي دَاوُدَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عن بن وَهْبٍ قَالَ الْحُفَّاظُ وَالْوَهْمُ فِي هَذَا مِنَ بن وَهْبٍ فَجَعَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ كَعْبٍ رَاوِيًا عَنْ سَلَمَةَ وَجَعَلَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ رَاوِيًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ وَلَيْسَ هُوَ كَذَلِكَ بَلْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَرْوِيهِ عَنْ سَلَمَةَ وَإِنَّمَا عَبْدُ اللَّهِ وَالِدُهُ فَذُكِرَ فِي نَسَبِهِ لِأَنَّ لَهُ رِوَايَةً فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَاحْتَاطَ مُسْلِمٌ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عنهبَعْضِ النُّسَخِ مِنْ هُنَيْهَاتِكَ أَيْ أَرَاجِيزِكَ وَالْهَنَةُ يَقَعُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَفِيهِ جَوَازُ إِنْشَاءِ الأراجيز وغيرها من الشعر وسماعها مالم يَكُنْ فِيهِ كَلَامٌ مَذْمُومٌ وَالشِّعْرُ كَلَامٌ حَسَنُهُ حَسَنٌ وَقَبِيحُهُ قَبِيحٌ قَوْلُهُ (فَنَزَلَ يَحْدُو بِالْقَوْمِ) فيه استحباب الحدا في الأسفار لتنشط النُّفُوسِ وَالدَّوَابِّ عَلَى قَطْعِ الطَّرِيقِ وَاشْتِغَالِهَا بِسَمَاعِهِ عَنِ الْإِحْسَاسِ بِأَلَمِ السَّيْرِ قَوْلُهُ (اللَّهُمَّ لَوْلَا أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا) كَذَا الرِّوَايَةُ قَالُوا وَصَوَابُهُ فِي الْوَزْنِ لَاهُمَّ أَوْ تَاللَّهِ أو وَاللَّهِ لَوْلَا أَنْتَ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ فَوَاللَّهِ لَوْلَا اللَّهُ قَوْلُهُ (فَاغْفِرْ فِدَاءً لَكَ مَا اقْتَفَيْنَا) قَالَ الْمَازِرِيُّ هَذِهِ اللَّفْظَةُ مُشْكِلَةٌ فَإِنَّهُ لَا يُقَالُ فَدَى الْبَارِي سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَلَا يُقَالُ لَهُ سُبْحَانَهُ فَدَيْتُكَ لِأَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا يُسْتَعْمَلُ فِي مَكْرُوهٍ يُتَوَقَّعُ حُلُولُهُ بِالشَّخْصِ فَيَخْتَارُ شَخْصٌ آخَرُ أَنْ يَحِلَّ ذَلِكَ بِهِ وَيَفْدِيهِ منه قال ولعل هذا وقع مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ إِلَى حَقِيقَةِ مَعْنَاهُ كَمَا يُقَالُ قَاتَلَهُ اللَّهُ وَلَا يُرَادُ بِذَلِكَ حَقِيقَةَ الدُّعَاءِ عَلَيْهِ وَكَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرِبَتْ يَدَاكَ وَتَرِبَتْ يَمِينُكَ وَوَيْلُ أُمِّهِ وَفِيهِ كُلُّهُ ضَرْبٌ مِنَ الِاسْتِعَارَةِ لِأَنَّ الْفَادِيَ مُبَالِغٌ في طلب رضى الْمُفَدَى حِينَ بَذَلَ نَفْسَهُ عَنْ نَفْسِهِ لِلْمَكْرُوهِ فَكَانَ مُرَادُ الشَّاعِرِ أَنِّي أَبْذُلُ نَفْسِي فِي رِضَاكَ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَإِنَّ الْمَعْنَى وَإِنْ أَمْكَنَ صَرْفُهُ إِلَى جِهَةٍ صَحِيحَةٍ فَإِطْلَاقُ اللَّفْظِ وَاسْتِعَارَتُهُ وَالتَّجَوُّزُ بِهِ يَفْتَقِرُ إِلَى وُرُودِ الشَّرْعِ بِالْإِذْنِ فِيهِ قَالَ وَقَدْ يَكُونُ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فدا لَكَ رَجُلًا يُخَاطِبُهُ وَفَصَلَ بَيْنَ الْكَلَامِ فَكَأَنَّهُ قَالَ فَاغْفِرْ ثُمَّ دَعَا إِلَى رَجُلٍ يُنَبِّهُهُ فقال فدالك ثُمَّ عَادَ إِلَى تَمَامِ الْكَلَامِ الْأَوَّلِ فَقَالَ مَا اقْتَفَيْنَا قَالَ وَهَذَا تَأْوِيلٌ يَصِحُّ مَعَهُ اللَّفْظُ وَالْمَعْنَى لَوْلَا أَنَّ فِيهِ تَعَسُّفًا اضْطَرَّنَا إِلَيْهِ تَصْحِيحُ الْكَلَامِ وَقَدْ يَقَعُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ مِنَ الْفَصْلِ بَيْنَ الْجُمَلِ الْمُعَلَّقِ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ مَا يُسَهِّلُ هَذَا التَّأْوِيلَ قَوْلُهُ (إِذَا صِيحَ بِنَا أَتَيْنَا) هَكَذَا هُوَ فِي نُسَخِ بِلَادِنَا أَتَيْنَا بِالْمُثَنَّاةِ فِي أَوَّلِهِ وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّهُ رُوِيَ بِالْمُثَنَّاةِ وَبِالْمُوَحَّدَةِ فَمَعْنَى الْمُثَنَّاةِ إِذَا صِيحَ بِنَا لِلْقِتَالِ وَنَحْوِهِ مِنَ الْمَكَارِمِ أَتَيْنَا وَمَعْنَى الْمُوَحَّدَةِ أَبَيْنَا الْفِرَارَ وَالِامْتِنَاعَ قَالَ الْقَاضِي رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَوْلُهُ فِدَاءً لَكَ بِالْمَدِّ وَالْقَصْرِ وَالْفَاءُ مَكْسُورَةٌ حَكَاهُ الْأَصْمَعِيُّ وَغَيْرُهُ فَأَمَّا في المصدرفَالْمَدُّ لَا غَيْرَ قَالَ وَحَكَى الْفَرَّاءُ فَدًى لك مفتوح مقصور قال وَرُوِّينَاهُ هُنَا فِدَاءٌ لَكَ بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ أَيْ لَكَ نَفْسِي فِدَاءٌ أَوْ نفسي فداء لك وبالنصب عَلَى الْمَصْدَرِ وَمَعْنَى اقْتَفَيْنَا اكْتَسَبْنَا وَأَصْلُهُ الِاتِّبَاعُ قَوْلُهُ (وَبِالصِّيَاحِ عَوَّلُوا عَلَيْنَا) اسْتَغَاثُوا بِنَا وَاسْتَفْزَعُونَا لِلْقِتَالِ قِيلَ هِيَ مِنَ التَّعْوِيلِ عَلَى الشَّيْءِ وهو الاعتماد عليه وقيل مِنَ الْعَوِيلِ وَهُوَ الصَّوْتُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ هَذَا السَّائِقُ قَالُوا عَامِرٌ قَالَ يَرْحَمُهُ اللَّهُ قَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ وَجَبَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْلَا أَمْتَعْتَنَا بِهِ) مَعْنَى وَجَبَتْ أَيْ ثَبَتَتْ لَهُ الشَّهَادَةُ وَسَيَقَعُ قَرِيبًا وَكَانَ هَذَا مَعْلُومًا عِنْدَهُمْ أَنَّ مَنْ دَعَا لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا الدُّعَاءَ فِي هَذَا الْمَوْطِنِ اسْتُشْهِدَ فَقَالُوا هَلَّا أَمْتَعْتَنَا بِهِ أَيْ وَدِدْنَا أَنَّكَ لَوْ أَخَّرْتَ الدُّعَاءَ لَهُ بِهَذَا إِلَى وَقْتٍ آخَرَ لِنَتَمَتَّعَ بِمُصَاحَبَتِهِ وَرُؤْيَتِهِ مُدَّةً قَوْلُهُ (أَصَابَتْنَا مَخْمَصَةٌ شَدِيدَةٌ) أَيْ جُوعٌ شَدِيدٌ قَوْلُهُ (لَحْمُ حُمُرِ الْإِنْسِيَّةِ) هَكَذَا هُوَ حُمُرِ الْإِنْسِيَّةِ بِإِضَافَةِ حُمُرٍ وَهُوَ مِنْ إِضَافَةِ الْمَوْصُوفِ إِلَى صِفَتِهِ وَسَبَقَ بَيَانُهُ مَرَّاتٍ فَعَلَى هَذَا قَوْلُ الْكُوفِيِّينَ هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَعِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ تَقْدِيرُهُ حُمُرُ الْحَيَوَانَاتِ الْإِنْسِيَّةِ وَأَمَّا الْإِنْسِيَّةُ فَفِيهَا لُغَتَانِ وَرِوَايَتَانِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي عِيَاضٌ وَآخَرُونَ أَشْهَرُهُمَا كَسْرُ الْهَمْزَةِ وَإِسْكَانُ النُّونِ قَالَ الْقَاضِي هَذِهِ رِوَايَةُ أَكْثَرِ الشُّيُوخِ وَالثَّانِيَةُ فَتْحُهُمَا جَمِيعًا وَهُمَا جَمِيعًا نِسْبَةٌ إِلَى الْإِنْسِ وَهُمُ النَّاسُ لِاخْتِلَاطِهَا بِالنَّاسِبِخِلَافِ حُمُرِ الْوَحْشِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَهْرِيقُوهَا وَاكْسِرُوهَا) هَذَا يَدُلُّ عَلَى نَجَاسَةِ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ وَهُوَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا الْحَدِيثِ وَشَرْحُهُ مَعَ بَيَانِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ وَمُخْتَصَرُ الْأَمْرِ بِإِرَاقَتِهِ أَنَّ السَّبَبَ الصَّحِيحَ فِيهِ أَنَّهُ أَمَرَ بِإِرَاقَتِهَا لِأَنَّهَا نَجِسَةٌ مُحَرَّمَةٌ وَالثَّانِي أَنَّهُ نَهَى لِلْحَاجَةِ إِلَيْهَا وَالثَّالِثُ لِأَنَّهَا أَخَذُوهَا قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَهَذَانِ التَّأْوِيلَانِ هُمَا لِأَصْحَابِ مَالِكٍ الْقَائِلِينَ بِإِبَاحَةِ لُحُومِهَا وَالصَّوَابُ مَا قَدَّمْنَاهُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (اكْسِرُوهَا فَقَالَ رَجُلٌ أَوْ يُهْرِيقُوهَا وَيَغْسِلُوهَا قَالَ أَوْ ذَاكَ) فَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اجْتَهَدَ فِي ذَلِكَ فَرَأَى كَسْرَهَا ثُمَّ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ أَوْ أُوحِيَ إِلَيْهِ بِغَسْلِهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ لَهُ لَأَجْرَانِ) هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَمِ النُّسَخِ لَأَجْرَانِ بِالْأَلِفِ وَفِي بَعْضِهَا لَأَجْرَيْنِ بِالْيَاءِ وَهُمَا صَحِيحَانِ لَكِنَّ الثَّانِيَ هُوَ الْأَشْهَرُ الْأَفْصَحُ وَالْأَوَّلُ لُغَةُ أَرْبَعِ قَبَائِلَ من العرب ومنها قوله تعالى إن هذان لساحران وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهَا مَرَّاتٍ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْأَجْرَيْنِ ثَبَتَا لَهُ لِأَنَّهُ جَاهَدَ مُجَاهِدٌ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ فِي شَرْحِهِ فَلَهُ أَجْرٌ بِكَوْنِهِ جَاهِدًا أَيْ مُجْتَهِدًا فِي طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى شَدِيدَ الِاعْتِنَاءِ بِهَا وَلَهُ أَجْرٌ آخَرُ بِكَوْنِهِ مُجَاهِدًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَمَّا قَامَ بِوَصْفَيْنِ كَانَ لَهُ أَجْرَانِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّهُ لَجَاهِدٌ مُجَاهِدٌ) هَكَذَا رَوَاهُ الْجُمْهُورُ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ لَجَاهِدٌ بِكَسْرِ الْهَاءِ وَتَنْوِينِ الدَّالِ مُجَاهِدٌ بِضَمِّ الْمِيمِ وَتَنْوِينِ الدَّالِ أَيْضًا وَفَسَّرُوا لَجَاهِدٌ بِالْجَادِّ فِي عِلْمِهِ وَعَمَلِهِ أَيْ إِنَّهُلَجَادٌّ فِي طَاعَةِ اللَّهِ وَالْمُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَهُوَ الْغَازِي وَقَالَ الْقَاضِي فِيهِ وَجْهٌ آخر أنه جمع اللفظين توكيدا قال بن الْأَنْبَارِيِّ الْعَرَبُ إِذَا بَالَغَتْ فِي تَعْظِيمِ شَيْءٍ اشْتَقَّتْ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ لَفْظًا آخَرَ عَلَى غَيْرِ بِنَائِهِ زِيَادَةً فِي التَّوْكِيدِ وَأَعْرَبُوهُ بِإِعْرَابِهِ فَيَقُولُونَ جَادٌّ مُجِدٌّ وَلَيْلٌ لَائِلٌ وَشِعْرٌ شَاعِرٌ وَنَحْوَ ذَلِكَ قَالَ الْقَاضِي وَرَوَاهُ بَعْضُ رُوَاةِ الْبُخَارِيِّ وَبَعْضُ رُوَاةِ مُسْلِمٍ لَجَاهَدَ بِفَتْحِ الْهَاءِ وَالدَّالِ عَلَى أَنَّهُ فِعْلٌ مَاضٍ مَجَاهِدَ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَنَصْبِ الدَّالِ بِلَا تَنْوِينٍ قَالَ وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّوَابِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (قَلَّ عَرَبِيٌّ مَشَى بِهَا مِثْلَهُ) ضَبَطْنَا هَذِهِ اللَّفْظَةَ هُنَا فِي مُسْلِمٍ بِوَجْهَيْنِ وَذَكَرَهُمَا الْقَاضِي أَيْضًا الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الَّذِي عَلَيْهِ جماهير رواة البخاري ومسلم مشى بها بفتح الميم وَبَعْدَ الشِّينِ يَاءٌ وَهُوَ فِعْلٌ مَاضٍ مِنَ المشى وبها جَارٌّ وَمَجْرُورٌ وَمَعْنَاهُ مَشَى بِالْأَرْضِ أَوْ فِي الْحَرْبِ وَالثَّانِي مُشَابِهًا بِضَمِّ الْمِيمِ وَتَنْوِينِ الْهَاءِ مِنَ الْمُشَابَهَةِ أَيْ مُشَابِهًا لِصِفَاتِ الْكَمَالِ فِي الْقِتَالِ أَوْ غَيْرِهِ مِثْلَهُ وَيَكُونُ مُشَابِهًا مَنْصُوبًا بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ أَيْ رَأَيْتُهُ مُشَابِهًا وَمَعْنَاهُ قَلَّ عَرَبِيٌّ يُشْبِهُهُ فِي جَمِيعِ صِفَاتِ الْكَمَالِ وَضَبَطَهُ بعض رواة البخاري نشأ بها بِالنُّونِ وَالْهَمْزِ أَيْ شَبَّ وَكَبِرَ وَالْهَاءُ عَائِدَةٌ إِلَى الْحَرْبِ أَوِ الْأَرْضِ أَوْ بِلَادِ الْعَرَبِ قَالَ الْقَاضِي هَذِهِ أَوْجُهُ الرِّوَايَاتِ قَوْلُهُ (وَحَدَّثَنِي أبو الطاهر أخبرنا بن وهب أخبرني يونس عن بن شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَنَسَبَهُ غَيْرُ بن وهب فقال بن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ سَلَمَةَ بْنَ الْأَكْوَعِ قَالَ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ نُسَخِ صَحِيحِمُسْلِمٍ وَهُوَ صَحِيحٌ وَهَذَا مِنْ فَضَائِلِ مُسْلِمٍ وَدَقِيقِ نَظَرِهِ وَحُسْنِ خِبْرَتِهِ وَعَظِيمِ إِتْقَانِهِ وَسَبَبُ هَذَا أَنَّ أَبَا دَاوُدَ وَالنَّسَائِيَّ وَغَيْرَهُمَا مِنَ الْأَئِمَّةِ رَوَوْا هَذَا الْحَدِيثَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ عَنِ بن شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ سَلَمَةَ قَالَ أبو دَاوُدُ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ الصَّوَابُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كعب وَأَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ هَذَا هُوَ شَيْخُ أَبِي دَاوُدَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عن بن وَهْبٍ قَالَ الْحُفَّاظُ وَالْوَهْمُ فِي هَذَا مِنَ بن وَهْبٍ فَجَعَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ كَعْبٍ رَاوِيًا عَنْ سَلَمَةَ وَجَعَلَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ رَاوِيًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ وَلَيْسَ هُوَ كَذَلِكَ بَلْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَرْوِيهِ عَنْ سَلَمَةَ وَإِنَّمَا عَبْدُ اللَّهِ وَالِدُهُ فَذُكِرَ فِي نَسَبِهِ لِأَنَّ لَهُ رِوَايَةً فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَاحْتَاطَ مُسْلِمٌ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عنهبَعْضِ النُّسَخِ مِنْ هُنَيْهَاتِكَ أَيْ أَرَاجِيزِكَ وَالْهَنَةُ يَقَعُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَفِيهِ جَوَازُ إِنْشَاءِ الأراجيز وغيرها من الشعر وسماعها مالم يَكُنْ فِيهِ كَلَامٌ مَذْمُومٌ وَالشِّعْرُ كَلَامٌ حَسَنُهُ حَسَنٌ وَقَبِيحُهُ قَبِيحٌ قَوْلُهُ (فَنَزَلَ يَحْدُو بِالْقَوْمِ) فيه استحباب الحدا في الأسفار لتنشط النُّفُوسِ وَالدَّوَابِّ عَلَى قَطْعِ الطَّرِيقِ وَاشْتِغَالِهَا بِسَمَاعِهِ عَنِ الْإِحْسَاسِ بِأَلَمِ السَّيْرِ قَوْلُهُ (اللَّهُمَّ لَوْلَا أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا) كَذَا الرِّوَايَةُ قَالُوا وَصَوَابُهُ فِي الْوَزْنِ لَاهُمَّ أَوْ تَاللَّهِ أو وَاللَّهِ لَوْلَا أَنْتَ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ فَوَاللَّهِ لَوْلَا اللَّهُ قَوْلُهُ (فَاغْفِرْ فِدَاءً لَكَ مَا اقْتَفَيْنَا) قَالَ الْمَازِرِيُّ هَذِهِ اللَّفْظَةُ مُشْكِلَةٌ فَإِنَّهُ لَا يُقَالُ فَدَى الْبَارِي سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَلَا يُقَالُ لَهُ سُبْحَانَهُ فَدَيْتُكَ لِأَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا يُسْتَعْمَلُ فِي مَكْرُوهٍ يُتَوَقَّعُ حُلُولُهُ بِالشَّخْصِ فَيَخْتَارُ شَخْصٌ آخَرُ أَنْ يَحِلَّ ذَلِكَ بِهِ وَيَفْدِيهِ منه قال ولعل هذا وقع مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ إِلَى حَقِيقَةِ مَعْنَاهُ كَمَا يُقَالُ قَاتَلَهُ اللَّهُ وَلَا يُرَادُ بِذَلِكَ حَقِيقَةَ الدُّعَاءِ عَلَيْهِ وَكَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرِبَتْ يَدَاكَ وَتَرِبَتْ يَمِينُكَ وَوَيْلُ أُمِّهِ وَفِيهِ كُلُّهُ ضَرْبٌ مِنَ الِاسْتِعَارَةِ لِأَنَّ الْفَادِيَ مُبَالِغٌ في طلب رضى الْمُفَدَى حِينَ بَذَلَ نَفْسَهُ عَنْ نَفْسِهِ لِلْمَكْرُوهِ فَكَانَ مُرَادُ الشَّاعِرِ أَنِّي أَبْذُلُ نَفْسِي فِي رِضَاكَ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَإِنَّ الْمَعْنَى وَإِنْ أَمْكَنَ صَرْفُهُ إِلَى جِهَةٍ صَحِيحَةٍ فَإِطْلَاقُ اللَّفْظِ وَاسْتِعَارَتُهُ وَالتَّجَوُّزُ بِهِ يَفْتَقِرُ إِلَى وُرُودِ الشَّرْعِ بِالْإِذْنِ فِيهِ قَالَ وَقَدْ يَكُونُ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فدا لَكَ رَجُلًا يُخَاطِبُهُ وَفَصَلَ بَيْنَ الْكَلَامِ فَكَأَنَّهُ قَالَ فَاغْفِرْ ثُمَّ دَعَا إِلَى رَجُلٍ يُنَبِّهُهُ فقال فدالك ثُمَّ عَادَ إِلَى تَمَامِ الْكَلَامِ الْأَوَّلِ فَقَالَ مَا اقْتَفَيْنَا قَالَ وَهَذَا تَأْوِيلٌ يَصِحُّ مَعَهُ اللَّفْظُ وَالْمَعْنَى لَوْلَا أَنَّ فِيهِ تَعَسُّفًا اضْطَرَّنَا إِلَيْهِ تَصْحِيحُ الْكَلَامِ وَقَدْ يَقَعُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ مِنَ الْفَصْلِ بَيْنَ الْجُمَلِ الْمُعَلَّقِ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ مَا يُسَهِّلُ هَذَا التَّأْوِيلَ قَوْلُهُ (إِذَا صِيحَ بِنَا أَتَيْنَا) هَكَذَا هُوَ فِي نُسَخِ بِلَادِنَا أَتَيْنَا بِالْمُثَنَّاةِ فِي أَوَّلِهِ وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّهُ رُوِيَ بِالْمُثَنَّاةِ وَبِالْمُوَحَّدَةِ فَمَعْنَى الْمُثَنَّاةِ إِذَا صِيحَ بِنَا لِلْقِتَالِ وَنَحْوِهِ مِنَ الْمَكَارِمِ أَتَيْنَا وَمَعْنَى الْمُوَحَّدَةِ أَبَيْنَا الْفِرَارَ وَالِامْتِنَاعَ قَالَ الْقَاضِي رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَوْلُهُ فِدَاءً لَكَ بِالْمَدِّ وَالْقَصْرِ وَالْفَاءُ مَكْسُورَةٌ حَكَاهُ الْأَصْمَعِيُّ وَغَيْرُهُ فَأَمَّا في المصدرفَالْمَدُّ لَا غَيْرَ قَالَ وَحَكَى الْفَرَّاءُ فَدًى لك مفتوح مقصور قال وَرُوِّينَاهُ هُنَا فِدَاءٌ لَكَ بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ أَيْ لَكَ نَفْسِي فِدَاءٌ أَوْ نفسي فداء لك وبالنصب عَلَى الْمَصْدَرِ وَمَعْنَى اقْتَفَيْنَا اكْتَسَبْنَا وَأَصْلُهُ الِاتِّبَاعُ قَوْلُهُ (وَبِالصِّيَاحِ عَوَّلُوا عَلَيْنَا) اسْتَغَاثُوا بِنَا وَاسْتَفْزَعُونَا لِلْقِتَالِ قِيلَ هِيَ مِنَ التَّعْوِيلِ عَلَى الشَّيْءِ وهو الاعتماد عليه وقيل مِنَ الْعَوِيلِ وَهُوَ الصَّوْتُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ هَذَا السَّائِقُ قَالُوا عَامِرٌ قَالَ يَرْحَمُهُ اللَّهُ قَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ وَجَبَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْلَا أَمْتَعْتَنَا بِهِ) مَعْنَى وَجَبَتْ أَيْ ثَبَتَتْ لَهُ الشَّهَادَةُ وَسَيَقَعُ قَرِيبًا وَكَانَ هَذَا مَعْلُومًا عِنْدَهُمْ أَنَّ مَنْ دَعَا لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا الدُّعَاءَ فِي هَذَا الْمَوْطِنِ اسْتُشْهِدَ فَقَالُوا هَلَّا أَمْتَعْتَنَا بِهِ أَيْ وَدِدْنَا أَنَّكَ لَوْ أَخَّرْتَ الدُّعَاءَ لَهُ بِهَذَا إِلَى وَقْتٍ آخَرَ لِنَتَمَتَّعَ بِمُصَاحَبَتِهِ وَرُؤْيَتِهِ مُدَّةً قَوْلُهُ (أَصَابَتْنَا مَخْمَصَةٌ شَدِيدَةٌ) أَيْ جُوعٌ شَدِيدٌ قَوْلُهُ (لَحْمُ حُمُرِ الْإِنْسِيَّةِ) هَكَذَا هُوَ حُمُرِ الْإِنْسِيَّةِ بِإِضَافَةِ حُمُرٍ وَهُوَ مِنْ إِضَافَةِ الْمَوْصُوفِ إِلَى صِفَتِهِ وَسَبَقَ بَيَانُهُ مَرَّاتٍ فَعَلَى هَذَا قَوْلُ الْكُوفِيِّينَ هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَعِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ تَقْدِيرُهُ حُمُرُ الْحَيَوَانَاتِ الْإِنْسِيَّةِ وَأَمَّا الْإِنْسِيَّةُ فَفِيهَا لُغَتَانِ وَرِوَايَتَانِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي عِيَاضٌ وَآخَرُونَ أَشْهَرُهُمَا كَسْرُ الْهَمْزَةِ وَإِسْكَانُ النُّونِ قَالَ الْقَاضِي هَذِهِ رِوَايَةُ أَكْثَرِ الشُّيُوخِ وَالثَّانِيَةُ فَتْحُهُمَا جَمِيعًا وَهُمَا جَمِيعًا نِسْبَةٌ إِلَى الْإِنْسِ وَهُمُ النَّاسُ لِاخْتِلَاطِهَا بِالنَّاسِبِخِلَافِ حُمُرِ الْوَحْشِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَهْرِيقُوهَا وَاكْسِرُوهَا) هَذَا يَدُلُّ عَلَى نَجَاسَةِ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ وَهُوَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا الْحَدِيثِ وَشَرْحُهُ مَعَ بَيَانِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ وَمُخْتَصَرُ الْأَمْرِ بِإِرَاقَتِهِ أَنَّ السَّبَبَ الصَّحِيحَ فِيهِ أَنَّهُ أَمَرَ بِإِرَاقَتِهَا لِأَنَّهَا نَجِسَةٌ مُحَرَّمَةٌ وَالثَّانِي أَنَّهُ نَهَى لِلْحَاجَةِ إِلَيْهَا وَالثَّالِثُ لِأَنَّهَا أَخَذُوهَا قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَهَذَانِ التَّأْوِيلَانِ هُمَا لِأَصْحَابِ مَالِكٍ الْقَائِلِينَ بِإِبَاحَةِ لُحُومِهَا وَالصَّوَابُ مَا قَدَّمْنَاهُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (اكْسِرُوهَا فَقَالَ رَجُلٌ أَوْ يُهْرِيقُوهَا وَيَغْسِلُوهَا قَالَ أَوْ ذَاكَ) فَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اجْتَهَدَ فِي ذَلِكَ فَرَأَى كَسْرَهَا ثُمَّ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ أَوْ أُوحِيَ إِلَيْهِ بِغَسْلِهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ لَهُ لَأَجْرَانِ) هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَمِ النُّسَخِ لَأَجْرَانِ بِالْأَلِفِ وَفِي بَعْضِهَا لَأَجْرَيْنِ بِالْيَاءِ وَهُمَا صَحِيحَانِ لَكِنَّ الثَّانِيَ هُوَ الْأَشْهَرُ الْأَفْصَحُ وَالْأَوَّلُ لُغَةُ أَرْبَعِ قَبَائِلَ من العرب ومنها قوله تعالى إن هذان لساحران وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهَا مَرَّاتٍ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْأَجْرَيْنِ ثَبَتَا لَهُ لِأَنَّهُ جَاهَدَ مُجَاهِدٌ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ فِي شَرْحِهِ فَلَهُ أَجْرٌ بِكَوْنِهِ جَاهِدًا أَيْ مُجْتَهِدًا فِي طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى شَدِيدَ الِاعْتِنَاءِ بِهَا وَلَهُ أَجْرٌ آخَرُ بِكَوْنِهِ مُجَاهِدًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَمَّا قَامَ بِوَصْفَيْنِ كَانَ لَهُ أَجْرَانِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّهُ لَجَاهِدٌ مُجَاهِدٌ) هَكَذَا رَوَاهُ الْجُمْهُورُ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ لَجَاهِدٌ بِكَسْرِ الْهَاءِ وَتَنْوِينِ الدَّالِ مُجَاهِدٌ بِضَمِّ الْمِيمِ وَتَنْوِينِ الدَّالِ أَيْضًا وَفَسَّرُوا لَجَاهِدٌ بِالْجَادِّ فِي عِلْمِهِ وَعَمَلِهِ أَيْ إِنَّهُلَجَادٌّ فِي طَاعَةِ اللَّهِ وَالْمُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَهُوَ الْغَازِي وَقَالَ الْقَاضِي فِيهِ وَجْهٌ آخر أنه جمع اللفظين توكيدا قال بن الْأَنْبَارِيِّ الْعَرَبُ إِذَا بَالَغَتْ فِي تَعْظِيمِ شَيْءٍ اشْتَقَّتْ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ لَفْظًا آخَرَ عَلَى غَيْرِ بِنَائِهِ زِيَادَةً فِي التَّوْكِيدِ وَأَعْرَبُوهُ بِإِعْرَابِهِ فَيَقُولُونَ جَادٌّ مُجِدٌّ وَلَيْلٌ لَائِلٌ وَشِعْرٌ شَاعِرٌ وَنَحْوَ ذَلِكَ قَالَ الْقَاضِي وَرَوَاهُ بَعْضُ رُوَاةِ الْبُخَارِيِّ وَبَعْضُ رُوَاةِ مُسْلِمٍ لَجَاهَدَ بِفَتْحِ الْهَاءِ وَالدَّالِ عَلَى أَنَّهُ فِعْلٌ مَاضٍ مَجَاهِدَ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَنَصْبِ الدَّالِ بِلَا تَنْوِينٍ قَالَ وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّوَابِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (قَلَّ عَرَبِيٌّ مَشَى بِهَا مِثْلَهُ) ضَبَطْنَا هَذِهِ اللَّفْظَةَ هُنَا فِي مُسْلِمٍ بِوَجْهَيْنِ وَذَكَرَهُمَا الْقَاضِي أَيْضًا الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الَّذِي عَلَيْهِ جماهير رواة البخاري ومسلم مشى بها بفتح الميم وَبَعْدَ الشِّينِ يَاءٌ وَهُوَ فِعْلٌ مَاضٍ مِنَ المشى وبها جَارٌّ وَمَجْرُورٌ وَمَعْنَاهُ مَشَى بِالْأَرْضِ أَوْ فِي الْحَرْبِ وَالثَّانِي مُشَابِهًا بِضَمِّ الْمِيمِ وَتَنْوِينِ الْهَاءِ مِنَ الْمُشَابَهَةِ أَيْ مُشَابِهًا لِصِفَاتِ الْكَمَالِ فِي الْقِتَالِ أَوْ غَيْرِهِ مِثْلَهُ وَيَكُونُ مُشَابِهًا مَنْصُوبًا بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ أَيْ رَأَيْتُهُ مُشَابِهًا وَمَعْنَاهُ قَلَّ عَرَبِيٌّ يُشْبِهُهُ فِي جَمِيعِ صِفَاتِ الْكَمَالِ وَضَبَطَهُ بعض رواة البخاري نشأ بها بِالنُّونِ وَالْهَمْزِ أَيْ شَبَّ وَكَبِرَ وَالْهَاءُ عَائِدَةٌ إِلَى الْحَرْبِ أَوِ الْأَرْضِ أَوْ بِلَادِ الْعَرَبِ قَالَ الْقَاضِي هَذِهِ أَوْجُهُ الرِّوَايَاتِ قَوْلُهُ (وَحَدَّثَنِي أبو الطاهر أخبرنا بن وهب أخبرني يونس عن بن شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَنَسَبَهُ غَيْرُ بن وهب فقال بن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ سَلَمَةَ بْنَ الْأَكْوَعِ قَالَ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ نُسَخِ صَحِيحِمُسْلِمٍ وَهُوَ صَحِيحٌ وَهَذَا مِنْ فَضَائِلِ مُسْلِمٍ وَدَقِيقِ نَظَرِهِ وَحُسْنِ خِبْرَتِهِ وَعَظِيمِ إِتْقَانِهِ وَسَبَبُ هَذَا أَنَّ أَبَا دَاوُدَ وَالنَّسَائِيَّ وَغَيْرَهُمَا مِنَ الْأَئِمَّةِ رَوَوْا هَذَا الْحَدِيثَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ عَنِ بن شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ سَلَمَةَ قَالَ أبو دَاوُدُ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ الصَّوَابُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كعب وَأَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ هَذَا هُوَ شَيْخُ أَبِي دَاوُدَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عن بن وَهْبٍ قَالَ الْحُفَّاظُ وَالْوَهْمُ فِي هَذَا مِنَ بن وَهْبٍ فَجَعَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ كَعْبٍ رَاوِيًا عَنْ سَلَمَةَ وَجَعَلَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ رَاوِيًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ وَلَيْسَ هُوَ كَذَلِكَ بَلْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَرْوِيهِ عَنْ سَلَمَةَ وَإِنَّمَا عَبْدُ اللَّهِ وَالِدُهُ فَذُكِرَ فِي نَسَبِهِ لِأَنَّ لَهُ رِوَايَةً فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَاحْتَاطَ مُسْلِمٌ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عنهبَعْضِ النُّسَخِ مِنْ هُنَيْهَاتِكَ أَيْ أَرَاجِيزِكَ وَالْهَنَةُ يَقَعُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَفِيهِ جَوَازُ إِنْشَاءِ الأراجيز وغيرها من الشعر وسماعها مالم يَكُنْ فِيهِ كَلَامٌ مَذْمُومٌ وَالشِّعْرُ كَلَامٌ حَسَنُهُ حَسَنٌ وَقَبِيحُهُ قَبِيحٌ قَوْلُهُ (فَنَزَلَ يَحْدُو بِالْقَوْمِ) فيه استحباب الحدا في الأسفار لتنشط النُّفُوسِ وَالدَّوَابِّ عَلَى قَطْعِ الطَّرِيقِ وَاشْتِغَالِهَا بِسَمَاعِهِ عَنِ الْإِحْسَاسِ بِأَلَمِ السَّيْرِ قَوْلُهُ (اللَّهُمَّ لَوْلَا أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا) كَذَا الرِّوَايَةُ قَالُوا وَصَوَابُهُ فِي الْوَزْنِ لَاهُمَّ أَوْ تَاللَّهِ أو وَاللَّهِ لَوْلَا أَنْتَ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ فَوَاللَّهِ لَوْلَا اللَّهُ قَوْلُهُ (فَاغْفِرْ فِدَاءً لَكَ مَا اقْتَفَيْنَا) قَالَ الْمَازِرِيُّ هَذِهِ اللَّفْظَةُ مُشْكِلَةٌ فَإِنَّهُ لَا يُقَالُ فَدَى الْبَارِي سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَلَا يُقَالُ لَهُ سُبْحَانَهُ فَدَيْتُكَ لِأَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا يُسْتَعْمَلُ فِي مَكْرُوهٍ يُتَوَقَّعُ حُلُولُهُ بِالشَّخْصِ فَيَخْتَارُ شَخْصٌ آخَرُ أَنْ يَحِلَّ ذَلِكَ بِهِ وَيَفْدِيهِ منه قال ولعل هذا وقع مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ إِلَى حَقِيقَةِ مَعْنَاهُ كَمَا يُقَالُ قَاتَلَهُ اللَّهُ وَلَا يُرَادُ بِذَلِكَ حَقِيقَةَ الدُّعَاءِ عَلَيْهِ وَكَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرِبَتْ يَدَاكَ وَتَرِبَتْ يَمِينُكَ وَوَيْلُ أُمِّهِ وَفِيهِ كُلُّهُ ضَرْبٌ مِنَ الِاسْتِعَارَةِ لِأَنَّ الْفَادِيَ مُبَالِغٌ في طلب رضى الْمُفَدَى حِينَ بَذَلَ نَفْسَهُ عَنْ نَفْسِهِ لِلْمَكْرُوهِ فَكَانَ مُرَادُ الشَّاعِرِ أَنِّي أَبْذُلُ نَفْسِي فِي رِضَاكَ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَإِنَّ الْمَعْنَى وَإِنْ أَمْكَنَ صَرْفُهُ إِلَى جِهَةٍ صَحِيحَةٍ فَإِطْلَاقُ اللَّفْظِ وَاسْتِعَارَتُهُ وَالتَّجَوُّزُ بِهِ يَفْتَقِرُ إِلَى وُرُودِ الشَّرْعِ بِالْإِذْنِ فِيهِ قَالَ وَقَدْ يَكُونُ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فدا لَكَ رَجُلًا يُخَاطِبُهُ وَفَصَلَ بَيْنَ الْكَلَامِ فَكَأَنَّهُ قَالَ فَاغْفِرْ ثُمَّ دَعَا إِلَى رَجُلٍ يُنَبِّهُهُ فقال فدالك ثُمَّ عَادَ إِلَى تَمَامِ الْكَلَامِ الْأَوَّلِ فَقَالَ مَا اقْتَفَيْنَا قَالَ وَهَذَا تَأْوِيلٌ يَصِحُّ مَعَهُ اللَّفْظُ وَالْمَعْنَى لَوْلَا أَنَّ فِيهِ تَعَسُّفًا اضْطَرَّنَا إِلَيْهِ تَصْحِيحُ الْكَلَامِ وَقَدْ يَقَعُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ مِنَ الْفَصْلِ بَيْنَ الْجُمَلِ الْمُعَلَّقِ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ مَا يُسَهِّلُ هَذَا التَّأْوِيلَ قَوْلُهُ (إِذَا صِيحَ بِنَا أَتَيْنَا) هَكَذَا هُوَ فِي نُسَخِ بِلَادِنَا أَتَيْنَا بِالْمُثَنَّاةِ فِي أَوَّلِهِ وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّهُ رُوِيَ بِالْمُثَنَّاةِ وَبِالْمُوَحَّدَةِ فَمَعْنَى الْمُثَنَّاةِ إِذَا صِيحَ بِنَا لِلْقِتَالِ وَنَحْوِهِ مِنَ الْمَكَارِمِ أَتَيْنَا وَمَعْنَى الْمُوَحَّدَةِ أَبَيْنَا الْفِرَارَ وَالِامْتِنَاعَ قَالَ الْقَاضِي رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَوْلُهُ فِدَاءً لَكَ بِالْمَدِّ وَالْقَصْرِ وَالْفَاءُ مَكْسُورَةٌ حَكَاهُ الْأَصْمَعِيُّ وَغَيْرُهُ فَأَمَّا في المصدرفَالْمَدُّ لَا غَيْرَ قَالَ وَحَكَى الْفَرَّاءُ فَدًى لك مفتوح مقصور قال وَرُوِّينَاهُ هُنَا فِدَاءٌ لَكَ بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ أَيْ لَكَ نَفْسِي فِدَاءٌ أَوْ نفسي فداء لك وبالنصب عَلَى الْمَصْدَرِ وَمَعْنَى اقْتَفَيْنَا اكْتَسَبْنَا وَأَصْلُهُ الِاتِّبَاعُ قَوْلُهُ (وَبِالصِّيَاحِ عَوَّلُوا عَلَيْنَا) اسْتَغَاثُوا بِنَا وَاسْتَفْزَعُونَا لِلْقِتَالِ قِيلَ هِيَ مِنَ التَّعْوِيلِ عَلَى الشَّيْءِ وهو الاعتماد عليه وقيل مِنَ الْعَوِيلِ وَهُوَ الصَّوْتُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ هَذَا السَّائِقُ قَالُوا عَامِرٌ قَالَ يَرْحَمُهُ اللَّهُ قَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ وَجَبَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْلَا أَمْتَعْتَنَا بِهِ) مَعْنَى وَجَبَتْ أَيْ ثَبَتَتْ لَهُ الشَّهَادَةُ وَسَيَقَعُ قَرِيبًا وَكَانَ هَذَا مَعْلُومًا عِنْدَهُمْ أَنَّ مَنْ دَعَا لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا الدُّعَاءَ فِي هَذَا الْمَوْطِنِ اسْتُشْهِدَ فَقَالُوا هَلَّا أَمْتَعْتَنَا بِهِ أَيْ وَدِدْنَا أَنَّكَ لَوْ أَخَّرْتَ الدُّعَاءَ لَهُ بِهَذَا إِلَى وَقْتٍ آخَرَ لِنَتَمَتَّعَ بِمُصَاحَبَتِهِ وَرُؤْيَتِهِ مُدَّةً قَوْلُهُ (أَصَابَتْنَا مَخْمَصَةٌ شَدِيدَةٌ) أَيْ جُوعٌ شَدِيدٌ قَوْلُهُ (لَحْمُ حُمُرِ الْإِنْسِيَّةِ) هَكَذَا هُوَ حُمُرِ الْإِنْسِيَّةِ بِإِضَافَةِ حُمُرٍ وَهُوَ مِنْ إِضَافَةِ الْمَوْصُوفِ إِلَى صِفَتِهِ وَسَبَقَ بَيَانُهُ مَرَّاتٍ فَعَلَى هَذَا قَوْلُ الْكُوفِيِّينَ هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَعِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ تَقْدِيرُهُ حُمُرُ الْحَيَوَانَاتِ الْإِنْسِيَّةِ وَأَمَّا الْإِنْسِيَّةُ فَفِيهَا لُغَتَانِ وَرِوَايَتَانِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي عِيَاضٌ وَآخَرُونَ أَشْهَرُهُمَا كَسْرُ الْهَمْزَةِ وَإِسْكَانُ النُّونِ قَالَ الْقَاضِي هَذِهِ رِوَايَةُ أَكْثَرِ الشُّيُوخِ وَالثَّانِيَةُ فَتْحُهُمَا جَمِيعًا وَهُمَا جَمِيعًا نِسْبَةٌ إِلَى الْإِنْسِ وَهُمُ النَّاسُ لِاخْتِلَاطِهَا بِالنَّاسِبِخِلَافِ حُمُرِ الْوَحْشِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَهْرِيقُوهَا وَاكْسِرُوهَا) هَذَا يَدُلُّ عَلَى نَجَاسَةِ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ وَهُوَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا الْحَدِيثِ وَشَرْحُهُ مَعَ بَيَانِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ وَمُخْتَصَرُ الْأَمْرِ بِإِرَاقَتِهِ أَنَّ السَّبَبَ الصَّحِيحَ فِيهِ أَنَّهُ أَمَرَ بِإِرَاقَتِهَا لِأَنَّهَا نَجِسَةٌ مُحَرَّمَةٌ وَالثَّانِي أَنَّهُ نَهَى لِلْحَاجَةِ إِلَيْهَا وَالثَّالِثُ لِأَنَّهَا أَخَذُوهَا قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَهَذَانِ التَّأْوِيلَانِ هُمَا لِأَصْحَابِ مَالِكٍ الْقَائِلِينَ بِإِبَاحَةِ لُحُومِهَا وَالصَّوَابُ مَا قَدَّمْنَاهُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (اكْسِرُوهَا فَقَالَ رَجُلٌ أَوْ يُهْرِيقُوهَا وَيَغْسِلُوهَا قَالَ أَوْ ذَاكَ) فَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اجْتَهَدَ فِي ذَلِكَ فَرَأَى كَسْرَهَا ثُمَّ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ أَوْ أُوحِيَ إِلَيْهِ بِغَسْلِهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ لَهُ لَأَجْرَانِ) هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَمِ النُّسَخِ لَأَجْرَانِ بِالْأَلِفِ وَفِي بَعْضِهَا لَأَجْرَيْنِ بِالْيَاءِ وَهُمَا صَحِيحَانِ لَكِنَّ الثَّانِيَ هُوَ الْأَشْهَرُ الْأَفْصَحُ وَالْأَوَّلُ لُغَةُ أَرْبَعِ قَبَائِلَ من العرب ومنها قوله تعالى إن هذان لساحران وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهَا مَرَّاتٍ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْأَجْرَيْنِ ثَبَتَا لَهُ لِأَنَّهُ جَاهَدَ مُجَاهِدٌ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ فِي شَرْحِهِ فَلَهُ أَجْرٌ بِكَوْنِهِ جَاهِدًا أَيْ مُجْتَهِدًا فِي طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى شَدِيدَ الِاعْتِنَاءِ بِهَا وَلَهُ أَجْرٌ آخَرُ بِكَوْنِهِ مُجَاهِدًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَمَّا قَامَ بِوَصْفَيْنِ كَانَ لَهُ أَجْرَانِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّهُ لَجَاهِدٌ مُجَاهِدٌ) هَكَذَا رَوَاهُ الْجُمْهُورُ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ لَجَاهِدٌ بِكَسْرِ الْهَاءِ وَتَنْوِينِ الدَّالِ مُجَاهِدٌ بِضَمِّ الْمِيمِ وَتَنْوِينِ الدَّالِ أَيْضًا وَفَسَّرُوا لَجَاهِدٌ بِالْجَادِّ فِي عِلْمِهِ وَعَمَلِهِ أَيْ إِنَّهُلَجَادٌّ فِي طَاعَةِ اللَّهِ وَالْمُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَهُوَ الْغَازِي وَقَالَ الْقَاضِي فِيهِ وَجْهٌ آخر أنه جمع اللفظين توكيدا قال بن الْأَنْبَارِيِّ الْعَرَبُ إِذَا بَالَغَتْ فِي تَعْظِيمِ شَيْءٍ اشْتَقَّتْ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ لَفْظًا آخَرَ عَلَى غَيْرِ بِنَائِهِ زِيَادَةً فِي التَّوْكِيدِ وَأَعْرَبُوهُ بِإِعْرَابِهِ فَيَقُولُونَ جَادٌّ مُجِدٌّ وَلَيْلٌ لَائِلٌ وَشِعْرٌ شَاعِرٌ وَنَحْوَ ذَلِكَ قَالَ الْقَاضِي وَرَوَاهُ بَعْضُ رُوَاةِ الْبُخَارِيِّ وَبَعْضُ رُوَاةِ مُسْلِمٍ لَجَاهَدَ بِفَتْحِ الْهَاءِ وَالدَّالِ عَلَى أَنَّهُ فِعْلٌ مَاضٍ مَجَاهِدَ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَنَصْبِ الدَّالِ بِلَا تَنْوِينٍ قَالَ وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّوَابِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (قَلَّ عَرَبِيٌّ مَشَى بِهَا مِثْلَهُ) ضَبَطْنَا هَذِهِ اللَّفْظَةَ هُنَا فِي مُسْلِمٍ بِوَجْهَيْنِ وَذَكَرَهُمَا الْقَاضِي أَيْضًا الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الَّذِي عَلَيْهِ جماهير رواة البخاري ومسلم مشى بها بفتح الميم وَبَعْدَ الشِّينِ يَاءٌ وَهُوَ فِعْلٌ مَاضٍ مِنَ المشى وبها جَارٌّ وَمَجْرُورٌ وَمَعْنَاهُ مَشَى بِالْأَرْضِ أَوْ فِي الْحَرْبِ وَالثَّانِي مُشَابِهًا بِضَمِّ الْمِيمِ وَتَنْوِينِ الْهَاءِ مِنَ الْمُشَابَهَةِ أَيْ مُشَابِهًا لِصِفَاتِ الْكَمَالِ فِي الْقِتَالِ أَوْ غَيْرِهِ مِثْلَهُ وَيَكُونُ مُشَابِهًا مَنْصُوبًا بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ أَيْ رَأَيْتُهُ مُشَابِهًا وَمَعْنَاهُ قَلَّ عَرَبِيٌّ يُشْبِهُهُ فِي جَمِيعِ صِفَاتِ الْكَمَالِ وَضَبَطَهُ بعض رواة البخاري نشأ بها بِالنُّونِ وَالْهَمْزِ أَيْ شَبَّ وَكَبِرَ وَالْهَاءُ عَائِدَةٌ إِلَى الْحَرْبِ أَوِ الْأَرْضِ أَوْ بِلَادِ الْعَرَبِ قَالَ الْقَاضِي هَذِهِ أَوْجُهُ الرِّوَايَاتِ قَوْلُهُ (وَحَدَّثَنِي أبو الطاهر أخبرنا بن وهب أخبرني يونس عن بن شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَنَسَبَهُ غَيْرُ بن وهب فقال بن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ سَلَمَةَ بْنَ الْأَكْوَعِ قَالَ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ نُسَخِ صَحِيحِمُسْلِمٍ وَهُوَ صَحِيحٌ وَهَذَا مِنْ فَضَائِلِ مُسْلِمٍ وَدَقِيقِ نَظَرِهِ وَحُسْنِ خِبْرَتِهِ وَعَظِيمِ إِتْقَانِهِ وَسَبَبُ هَذَا أَنَّ أَبَا دَاوُدَ وَالنَّسَائِيَّ وَغَيْرَهُمَا مِنَ الْأَئِمَّةِ رَوَوْا هَذَا الْحَدِيثَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ عَنِ بن شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ سَلَمَةَ قَالَ أبو دَاوُدُ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ الصَّوَابُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كعب وَأَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ هَذَا هُوَ شَيْخُ أَبِي دَاوُدَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عن بن وَهْبٍ قَالَ الْحُفَّاظُ وَالْوَهْمُ فِي هَذَا مِنَ بن وَهْبٍ فَجَعَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ كَعْبٍ رَاوِيًا عَنْ سَلَمَةَ وَجَعَلَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ رَاوِيًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ وَلَيْسَ هُوَ كَذَلِكَ بَلْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَرْوِيهِ عَنْ سَلَمَةَ وَإِنَّمَا عَبْدُ اللَّهِ وَالِدُهُ فَذُكِرَ فِي نَسَبِهِ لِأَنَّ لَهُ رِوَايَةً فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَاحْتَاطَ مُسْلِمٌ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عنهمِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَلَوْ عَلِمَ كَرَاهِيَةً لَمْ يُعْطِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي الْجَوَازِ وَتَقَدَّمَ فِي الْبُيُوعِ بِلَفْظِ وَلَوْ كَانَ حَرَامًا لَمْ يُعْطِهِ وَعُرِفَ بِهِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْكَرَاهَةِ هُنَا كَرَاهَةُ التَّحْرِيم وَكَأن بن عَبَّاسٍ أَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى الرَّدِّ عَلَى مَنْ قَالَ إِنَّ كَسْبَ الْحَجَّامِ حَرَامٌ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهُ حَلَالٌ وَاحْتَجُّوا بِهَذَا الْحَدِيثِ وَقَالُوا هُوَ كَسْبٌ فِيهِ دَنَاءَةٌ وَلَيْسَ بِمُحَرَّمٍ فَحَمَلُوا الزَّجْرَ عَنْهُ عَلَى التَّنْزِيهِ وَمِنْهُمْ مَنِ ادَّعَى النَّسْخَ وَأَنَّهُ كَانَ حَرَامًا ثُمَّ أُبِيحَ وَجَنَحَ إِلَى ذَلِكَ الطَّحَاوِيُّ وَالنَّسْخُ لَا يَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ وَذَهَبَ أَحْمَدُ وَجَمَاعَةٌ إِلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ فَكَرِهُوا لِلْحُرِّ الِاحْتِرَافَ بِالْحِجَامَةِ وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ الْإِنْفَاقُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْهَا وَيَجُوزُ لَهُ الْإِنْفَاقُ عَلَى الرَّقِيقِ وَالدَّوَابِّ مِنْهَا وَأَبَاحُوهَا لِلْعَبْدِ مُطْلَقًا وَعُمْدَتُهُمْ حَدِيثُ مُحَيِّصَةَ أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ كَسْبِ الْحَجَّامِ فَنَهَاهُ فَذَكَرَ لَهُ الْحَاجَةَ فَقَالَ اعْلِفْهُ نَوَاضِحَكَ أَخْرَجَهُ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ وَذَكَرَ بن الْجَوْزِيِّ أَنَّ أَجْرَ الْحَجَّامِ إِنَّمَا كُرِهَ لِأَنَّهُ مِنَ الْأَشْيَاءِ الَّتِي تَجِبُ لِلْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ إِعَانَةً لَهُ عِنْدَ الِاحْتِيَاجِ لَهُ فَمَا كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَأْخُذَ عَلَى ذَلِكَ أَجْرًا وَجمع بن الْعَرَبِيِّ بَيْنَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَسْبُ الْحَجَّامِ خَبِيثٌ وَبَيْنَ إِعْطَائِهِ الْحَجَّامَ أُجْرَتَهُ بِأَنَّ مَحَلَّ الْجَوَازِ مَا إِذَا كَانَتِ الْأُجْرَةُ عَلَى عَمَلٍ مَعْلُومٍ وَيُحْمَلُ الزَّجْرُ عَلَى مَا إِذَا كَانَ عَلَى عَمَلٍ مَجْهُولٍ وَفِي الْحَدِيثِ إِبَاحَةُ الْحِجَامَةِ وَيَلْتَحِقُ بِهِ مَا يُتَدَاوَى مِنْ إِخْرَاجِ الدَّمِ وَغَيْرِهِ وَسَيَأْتِي مَزِيدٌ لِذَلِكَ فِي كِتَابِ الطِّبِّ وَفِيهِ الْأُجْرَةُ عَلَى الْمُعَالَجَةِ بِالطِّبِّ وَالشَّفَاعَةُ إِلَى أَصْحَابِ الْحُقُوقِ أَنْ يُخَفِّفُوا مِنْهَا وَجَوَازُ مُخَارَجَةِ السَّيِّدِ لِعَبْدِهِ كَأَنْ يَقُولَ لَهُ أَذِنْتُ لَكَ أَنْ تَكْتَسِبَ عَلَى أَنْ تُعْطِيَنِي كُلَّ يَوْمٍ كَذَا وَمَا زَادَ فَهُوَ لَك وَفِيهِ اسْتِعْمَالُ الْعَبْدِ بِغَيْرِ إِذْنِ سَيِّدِهِ الْخَاصِّ إِذَا كَانَ قَدْ تَضَمَّنَ تَمْكِينُهُ مِنَ الْعَمَلِ إِذْنه الْعَام

    باب مَا يُعْطَى فِي الرُّقْيَةِ عَلَى أَحْيَاءِ الْعَرَبِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِوَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَحَقُّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللَّهِ».وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: لاَ يَشْتَرِطُ الْمُعَلِّمُ، إِلاَّ أَنْ يُعْطَى شَيْئًا فَلْيَقْبَلْهُ. وَقَالَ الْحَكَمُ: لَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا كَرِهَ أَجْرَ الْمُعَلِّمِ وَأَعْطَى الْحَسَنُ دَرَاهِمَ عَشَرَةً. وَلَمْ يَرَ ابْنُ سِيرِينَ بِأَجْرِ الْقَسَّامِ بَأْسًا.وَقَالَ: كَانَ يُقَالُ السُّحْتُ الرِّشْوَةُ فِي الْحُكْمِ، وَكَانُوا يُعْطَوْنَ عَلَى الْخَرْصِ.(باب) حكم (ما يُعطى) بضم أوله وفتح ثالثه (في الرقية) بضم الراء وسكون القاف أي العوذة (على أحياء العرب) بفتح الهمزة طائفة مخصوصة (بفاتحة الكتاب) وعورض المؤلّف في قوله على أحياء العرب لأن الحكم لا يختلف باختلاف الأمكنة والأجناس، وأجاب في فتح الباري: بأنه ترجم بالواقع ولم يتعرض لنفي غيره واعترضه في عمدة القاري بأن هذا الجواب غير مقنع لأن القيد شرط إذا انتفى ينتفي المشروط انتهى وقد شطب عليه في الفرع وأصله.(وقال ابن عباس) -رضي الله عنهما- مما وصله في الطب (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أحق ما أخذتم عليه أجرًا كتاب الله)، وبهذا تمسك الجمهور في جواز الأجرة على تعليم القرآن ومنع ذلك الحنفية في التعليم لأنه عبادة والأجر فيها على الله تعالى وأجازوه في الرقى لهذا الخبر. وبقية مبحث ذلك تأتي إن شاء الله تعالى بعون الله في باب التزويج على تعليم القرآن.(وقال الشعبي) عامر بن شراحيل فيما وصله ابن أبي شيبة: (لا يشترط المعلم) على من يعلمه أجرة (إلا أن يعطى شيئًا فليقبله) بالجزم على الأمر وفتح همزة أن والاستثناء منقطع أي لكن الإعطاء بدون الاشتراط جائز فيقبله. قال الكرماني: وفي بعضها إن بكسر الهمزة أي لكن إن يعط شيئًا بدون الشرط فليقبله.(وقال الحكم) بفتحتين ابن عتيبة بفتح المثناة والموحدة مصغر الكندي الكوفي مما وصله البغوي في الجعديات (لم أسمع أحدًا) من الفقهاء (كره أجر المعلم، وأعطى الحسن) البصري (دراهم عشرة) أجرة المعلم وصله ابن سعد في الطبقات، (ولم ير ابن سيرين) محمد (بأجر القسام) بفتح القاف وتشديد المهملة من القسم وهو القاسم (بأسًا) أي إذا كان بغير اشتراط أما مع الاشتراط فكان يكرهه كما أخرجه عنه موصولاً ابن سعد بل روى عنه الكراهة من غير تقييد عبد بن حميد من طريق يحيى بن عتيق عن محمد بن سيرين ولفظه: أنه كان يكره أجور القسام ويقول كان يقال السحت الرشوة على الحكم وأرى هذا حكمًا يؤخذ عليه الأجر.(وقال) ابن سيرين (كان يقال السحت الرشوة في الحكم) بكسر الراء أخرجه ابن جرير بأسانيده عن عمر وعلي وابن مسعود وزيد بن ثابت من قولهم، وأخرجه من وجه آخر مرفوعًا برجال ثقات لكنه مرسل ولفظه: "كل لحم أنبته السحت فالنار أولى به" قيل: يا رسول الله وما السحت؟ قال: "الرشوة في الحكم". (وكانوا يعطون) الأجرة بفتح الطاء (على الخرص) لخارص الثمرة ومناسبة ذكر القسام والخارص الاشتراك في أن كلاًّ منهما يفصل التنازع بين المتخاصمين.
    [ رقم الحديث عند عبدالباقي:2183 ... ورقمه عند البغا: 2276 ]
    - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "انْطَلَقَ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي سَفْرَةٍ سَافَرُوهَا، حَتَّى نَزَلُوا عَلَى حَىٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ فَاسْتَضَافُوهُمْ فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمْ، فَلُدِغَ سَيِّدُ ذَلِكَ الْحَىِّ، فَسَعَوْا لَهُ بِكُلِّ شَىْءٍ، لاَ يَنْفَعُهُ شَىْءٌ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَوْ أَتَيْتُمْ هَؤُلاَءِ الرَّهْطَ الَّذِينَ نَزَلُوا لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ بَعْضِهِمْ شَىْءٌ. فَأَتَوْهُمْ فَقَالُوا: يَا أَيُّهَا الرَّهْطُ إِنَّ سَيِّدَنَا لُدِغَ، وَسَعَيْنَا لَهُ بِكُلِّ شَىْءٍ لاَ يَنْفَعُهُ، فَهَلْ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْكُمْ مِنْ شَىْءٍ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: نَعَمْ وَاللَّهِ، إِنِّي لأَرْقِي، وَلَكِنْ وَاللَّهِ لَقَدِ اسْتَضَفْنَاكُمْ فَلَمْ تُضِيِّفُونَا، فَمَا أَنَا بِرَاقٍ لَكُمْ حَتَّى تَجْعَلُوا لَنَا جُعْلاً. فَصَالَحُوهُمْ عَلَى قَطِيعٍ مِنَ الْغَنَمِ. فَانْطَلَقَ يَتْفِلُ عَلَيْهِ وَيَقْرَأُ: {{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}} فَكَأَنَّمَا نُشِطَ مِنْ عِقَالٍ، فَانْطَلَقَ يَمْشِي وَمَا بِهِ قَلَبَةٌ. قَالَ: فَأَوْفَوْهُمْ جُعْلَهُمُ الَّذِي صَالَحُوهُمْ عَلَيْهِ. فَقَالَ بَعْضُهُمُ: اقْسِمُوا. فَقَالَ الَّذِي رَقَى: لاَ تَفْعَلُوا حَتَّى نَأْتِيَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَنَذْكُرَ لَهُ الَّذِي كَانَ فَنَنْظُرَ مَا يَأْمُرُنَا. فَقَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَذَكَرُوا لَهُ، فَقَالَ: وَمَا يُدْرِيكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ؟ ثُمَّ قَالَ: قَدْ أَصَبْتُمُ، اقْسِمُوا وَاضْرِبُوا لِي مَعَكُمْ سَهْمًا، فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-".وَقَالَ أَبُو عَبْدُ اللهِ وَقَالَ شُعْبَةُ: حَدَّثَنَا أَبُو بِشْرٍ سَمِعْتُ أَبَا الْمُتَوَكِّلِ ... بِهَذَا. [الحديث 2276 - أطرافه في: 5007، 5736، 5749].وبه قال: (حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل السدوسي قال: (حدّثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري (عن أبي بشر) بكسر الموحدة وسكون الشين المعجمة جعفر بن أبي وحشية واسمه إياس (عن أبي المتوكل) عليّ بن داود ويقال ابن دؤاد بضم الدال بعدها واو بهمزة الناجي بالنون والجيم البصري (عن أبي سعيد) سعد بن مالك الخدري (-رضي الله عنه-) أنه (قال: انطلق نفر) هو ما بين الثلاثة إلى العشرة من الرجال، لكن عند ابن ماجة أنهم كانوا ثلاثين وكذا عند الترمذي ولم يسمّ أحد منهم، وفي رواية سليمان بن قية بفتح القاف وتشديد التحتية عند الإمام أحمد،: بعثنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثلاثين رجلاً (من أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في سفرة سافروها) أي في سرية عليها أبو سعيد الخدري كما عند الدارقطني ولم يعينها أحد من أهل المغازي فيما وقف عليه الحافظ ابن حجر (حتى نزلوا) أي ليلاً كما في الترمذي (على حيٍّ من أحياء العرب) قال في الفتح: ولم أقف على تعيين الحيّ الذي نزلوا بهم من أي القبائل هم (فاستضافوهم) أي طلبوا منهم الضيافة (فأبوا أن يضيفوهم) بفتحالضاد المعجمة وتشديد التحتية ويروى يضيفوهم بكسر الضاد والتخفيف (فلدغ) بضم اللام وكسر الدال المهملة لا المعجمة وسها الزركشي وبالغين المعجمة مبنيًّا
    للمفعول أي لسع (سيد ذلك الحي) أي بعقرب كما في الترمذي ولم يسم سيد الحي (فسعوا له بكل شيء) مما جرت العادة أن يتداووا به من لدغة العقرب، وللكشميهني: فشفوا بفتح الشين المعجمة والفاء وسكون الواو أي طلبوا له الشفاء أي عالجوه بما يشفيه وقد زعم السفاقسي أنها تصحيف (لا ينفعه شيء فقال بعضهم) لبعض: (لو أتيتم هؤلاء الرهط الذين نزلوا) عندكم (لعله) وللكشميهني: لعل بإسقاط الهاء (أن يكون عند بعضهم شيء) يداويه (فأتوهم فقالوا: يا أيها الرهط إن سيدنا لدغ وسعينا) وللكشميهني: وشفينا (له بكل شيء لا ينفعه) في رواية معبد بن سيرين أن الذي جاءهم جارية منهم فيحمل على أنه كان معها غيرها (فهل عند أحد منكم من شيء) زاد أبو داود من هذا الوجه: ينفع صاحبنا، وزاد البزار فقالوالهم: قد بلغنا أن صاحبكم جاء بالنور والشفاء. قالوا: نعم (فقال بعضهم) هو أبو سعيد الراوي كما في بعض روايات مسلم (نعم والله أني لأرقى) بفتح الهمزة وكسر القاف (ولكن) بالتخفيف (والله لقد استضفناكم فلم تضيفونا فما أنا براقٍ لكم حتى تجعلوا لنا جعلاً) بضم الجيم وسكون العين ما يعطى على العمل (فصالحوهم) أي وافقوهم (على قطيع من الغنم). وفي رواية النسائي ثلاثون شاة وهو مناسب لعدد السرية كما مرّ فكأنهم اعتبروا عددهم فجعلوا لكل واحد شاة، (فانطلق) الراقي إلى الملدوغ وجعل (يتفل عليه) بفتح المثناة التحتية وسكون الفوقية وكسر الفاء وتضم ينفخ نفخًا معه أدنى بزاق. قال العارف بالله عبد الله بن أبي جمرة في بهجة النفوس: محل التفل في الرقية بعد القراءة لتحصل بركة الريق في الجوارح التي يمرّ عليها فتحصل البركة في الريق الذي يتفله (ويقرأ الحمد لله رب العالمين) الفاتحة إلىآخرها، وفي رواية الأعمش عند سبع مرات، وفي حديث جابر ثلاث مرات والحكم للزائد (فكأنما نشط) بضم النون وكسر الشين المعجمة من الثلاثي المجرد أي حل (من عقال) بكسر العين المهملة وبعدها قاف حبل يشد به ذراع البهيمة، لكن قال الخطابي: إن المشهور أن يقال في الحلّ أنشط بالهمزة وفي العقد نشط، وقال ابن الأثير وكثيرًا ما يجيء في الرواية كأنما نشط من عقال وليس بصحيح يقال: نشطت العقدة إذا عقدتها وأنشطتها إذا حللتها. وفي القاموس كالصحاح والحبل كنصر عقده كنشطه وأنشطه حلّه، ونقل في المصابيح عن الهروي أنه رواه كأنما أنشط من عقال. وعن السفاقسي أنه كذلك في بعض الروايات هاهنا، (فانطلق) الملدوغ حال كونه (يمشي وما به قلبة) بحركات أي علة وسمي بذلك لأن الذي تصيبه يتقلب من جنب إلى جنب ليعلم موضع الداء منه، ونقل عن خط الدمياطي أنه داء مأخوذ من القلاب يأخذ البعير فيشتكي منه قلبه فيموت من يومه. (قال: فأوفوهم جعلهم الذي صالحوهم عليه) وهو الثلاثون شاة (فقال بعضهم: اقسموا فقال الذي رقى) بفتح الراء والقاف (لا تفعلوا) ما ذكرتم من القسمة (حتى نأتي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فنذكر له) بنصب نذكر عطفًا على نأتي المنصوب بأن المضمرة بعد حتى (الذي كان) من أمرنا هذا (فننظر) نصب عطفًا على المنصوب (ما يأمرنا) به فنتبعه وفي رواية الأعمش فلما قبضناالغنم عرض في أنفسنا منها شيء (فقدموا على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) المدينة (فذكروا له) القصة (فقال) عليه الصلاة والسلام للراقي:(وما يدريك أنها) أي الفاتحة (رقية) بضم الراء وإسكان القاف. قال الداودي: معناه وما أدراك؟ قال: ولعله المحفوظ لأن ابن عيينة قال: إذا قيل وما يدريك فلم يدره وما قيل فيه وما أدراك فقد علمه. وأجاب ابن التين: بأن ابن عيينة إنما قال ذلك فيما وقع في القرآن وإلاّ فلا فرق بينهما في اللغة وعند الدارقطني وما علمك أنها رقية قال حق ألقي إليّ في روعي. (ثم قال) عليه الصلاة والسلام (قد أصبتم) في الرقية أو في توقفكم عن التصرف في الجعل حتى استأذنتموني أو أعمّ من ذلك (اقسموا) الجعل بينكم (واضربوا) اجعلوا (لي معكم) منه (سهمًا) أي نصيبًا
    والأمر بالقسمة من باب مكارم الأخلاق وإلاّ فالجميع للراقي وإنما قال اضربوا تطييبًا لقلوبهم ومبالغة في أنه حلال لا شبهة فيه (فضحك رسول الله) ولأبوي ذر والوقت: النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-).(قال أبو عبد الله) البخاري (وقال شعبة) بن الحجاج فيما وصله الترمذي والمؤلّف في الطب لكن بالعنعنة: (حدّثنا أبو بشر) جعفر بن أبي وحشية السابق قال: (سمعت أبا المتوكل) الناجي (بهذا) الحديث السابق، وفائدة ذكره هذا تصريح أبي بشر بالسماع ومتابعة شعبة لأبي عوانة على الإسناد، وقد تابع أبا عوانة أيضًا هشيم كما في مسلم والنسائي وخالفهم الأعمش فرواه عن جعفر بن أبي وحشية عن أبي نضرة عن أبي سعيد فجعل بدل أبي المتوكل أبا نضرة أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجة، وليس الحديث مضطربًا بل الطريقان محفوظان قاله في الفتح وقد سقط قوله قال أبو عبد الله الخ ... في رواية الحموي، وثبت للمستملي والكشميهني.ومباحث هذا الحديث وما يستنبط منه تأتي إن شاء الله تعالى في كتاب الطب، ومطابقته للترجمة واضحة وفيه أن رجاله كلهم مذكورون. بالكنى وهو غريب جدًّا وكلهم بصريون غير أبي عوانة فواسطي، وأخرجه المؤلّف في الطب أيضًا وكذا مسلم، وأخرجه أبو داود فيه وفي البيوع والترمذي فيه وكذا النسائي وابن ماجة في التجارات.

    (بابُُ مَا يُعْطَى فِي الرقَيَّةِ عَلى أحْياءِ الَعرَبِ بِفاتِحَةِ الْكِتابِ)أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان حكم مَا يعْطى فِي الرّقية بِفَاتِحَة الْكتاب، وَلم يبين الحكم اكْتِفَاء بِمَا فِي الحَدِيث على عَادَته فِي ذَلِك. والرقية، بِضَم الرَّاء وَسُكُون الْقَاف وَفتح الْيَاء آخر الْحُرُوف: من رقاه رقيا ورقية ورقيا، فَهُوَ راقٍ: إِذا عوذه، وَصَاحبه رقاه. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: وَقد يُقَال: استرقيته، بِمَعْنى: رقيته. قَالَ: وَعَن الْكسَائي: ارتقيته، بِهَذَا الْمَعْنى، وَقَالَ ابْن درسْتوَيْه: كل كَلَام استشفي بِهِ من وجع أَو خوف أَو شَيْطَان أَو سحر فَهُوَ رقية، وَفِي مُعظم نسخ البُخَارِيّ وأكثرها هَكَذَا: بابُُ مَا يعْطى فِي الرّقية على أَحيَاء الْعَرَب بِفَاتِحَة الْكتاب، وَاعْترض عَلَيْهِ بتقييده بأحياء الْعَرَب بِأَن الحكم لَا يخْتَلف باخْتلَاف الْمحَال وَلَا الْأَمْكِنَة، وَأجَاب بَعضهم بِأَنَّهُ ترْجم بالواقع وَلم يتَعَرَّض لنفي غَيره. قلت: هَذَا الْجَواب غير مقنع لِأَنَّهُ قَيده بأحياء الْعَرَب، والقيد شَرط إِذا انْتَفَى يَنْتَفِي الْمَشْرُوط، وَهَذَا الْقَائِل لم يكتف بِهَذَا الْجَواب الَّذِي لَا يرضى بِهِ حَتَّى قَالَ: والأحياء جمع حَيّ، وَالْمرَاد بِهِ: طَائِفَة مَخْصُوصَة، وَهَذَا الْكَلَام أَيْضا يشْعر بالتقييد، وَالْأَصْل فِي الْبابُُ الْإِطْلَاق، فَافْهَم.وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ عَن النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أحَقُّ مَا أخَذْتُمْ عَلَيْهِ أجْرا كِتابُ اللهمطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِيهِ جَوَاز أَخذ الْأُجْرَة لقِرَاءَة الْقُرْآن وللتعليم أَيْضا وللرقيا بِهِ أَيْضا لعُمُوم اللَّفْظ، وَهُوَ يُفَسر أَيْضا الْإِبْهَام الَّذِي فِي التَّرْجَمَة، فَإِنَّهُ مَا بَين فِيهِ حكم مَا يعْطى فِي الرّقية بِفَاتِحَة الْكتاب، وَهَذَا الَّذِي علقه البُخَارِيّ طرف من حَدِيث وَصله هُوَ فِي كتاب الطِّبّ فِي: بابُُ الشَّرْط فِي الرّقية بقطيع من الْغنم، حَدثنِي سيدان بن مضَارب ... إِلَى آخِره وَفِي آخِره: إِن أَحَق مَا أَخَذْتُم عَلَيْهِ أجرا كتاب الله.وَقد اخْتلف الْعلمَاء فِي أَخذ الْأجر على الرّقية بِالْفَاتِحَةِ، وَفِي أَخذه على التَّعْلِيم، فَأَجَازَهُ عَطاء وَأَبُو قلَابَة، وَهُوَ قَول مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَأبي ثَوْر، وَنَقله الْقُرْطُبِيّ عَن أبي حنيفَة فِي الرّقية، وَهُوَ قَول إِسْحَاق. وَكره الزُّهْرِيّ تَعْلِيم الْقُرْآن بِالْأَجْرِ. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه: لَا يجوز أَن يَأْخُذ الْأجر على تَعْلِيم الْقُرْآن، وَقَالَ الْحَاكِم من أَصْحَابنَا فِي كِتَابه (الْكَافِي) : وَلَا يجوز أَن يسْتَأْجر رجل رجلا أَن يعلم وَلَده الْقُرْآن وَالْفِقْه والفرائض أَو يؤمهم رَمَضَان أَو يُؤذن، وَفِي (خُلَاصَة الْفَتَاوَى) نَاقِلا عَن الأَصْل: لَا يجوز الِاسْتِئْجَار على الطَّاعَات كتعليم الْقُرْآن وَالْفِقْه وَالْأَذَان والتذكير والتدريس وَالْحج والغزو، يَعْنِي: لَا يجب الْأجر، وَعند أهل الْمَدِينَة: يجوز، وَبِه أَخذ الشَّافِعِي ونصير وعصام، وَأَبُو نصر الْفَقِيه وَأَبُو اللَّيْث رَحِمهم الله. وَالْأَصْل الَّذِي بنى عَلَيْهِ حُرْمَة الِاسْتِئْجَار على هَذِه الْأَشْيَاء: أَن كل طَاعَة يخْتَص بهَا الْمُسلم لَا يجوز الِاسْتِئْجَار عَلَيْهَا، لِأَن هَذِه الْأَشْيَاء طَاعَة وقربة تقع على الْعَامِل. قَالَ تَعَالَى: {{وَأَن لَيْسَ للْإنْسَان إلاَّ مَا سعى}} (النَّجْم: 93) . فَلَا يجوز أَخذ الْأُجْرَة من غَيره كَالصَّوْمِ وَالصَّلَاة، وَاحْتَجُّوا على ذَلِك بِأَحَادِيث: مِنْهَا: مَا رَوَاهُ أَحْمد فِي (مُسْنده) : حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم عَن هِشَام الدستوَائي حَدثنِي يحى بن أبي كثير عَن أبي رَاشد الحبراني قَالَ: قَالَ عبد الرَّحْمَن بن شبْل: سَمِعت رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَقُول: إقرأوا الْقُرْآن وَلَا تَأْكُلُوا بِهِ، وَعنهُ: وَلَا تجفوا وَلَا تقلوا فِيهِ وَلَا تَسْتَكْثِرُوا بِهِ، وَرَوَاهُ إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه أَيْضا فِي (مُسْنده) وَابْن أبي شيبَة وَعبد الرَّزَّاق فِي (مصنفيهما) . وَمن طَرِيق عبد الرَّزَّاق رَوَاهُ عبد بن حميد وَأَبُو يعلى الْموصِلِي وَالطَّبَرَانِيّ. وَمِنْهَا: مَا رَوَاهُ الْبَزَّار فِي (مُسْنده) عَن حَمَّاد بن يحيى بن أبي كثير عَن أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن عَن أَبِيه عبد الرَّحْمَن
    ابْن عَوْف مَرْفُوعا نَحوه. وَمِنْهَا: مَا رَوَاهُ ابْن عدي فِي (الْكَامِل) عَن الضَّحَّاك بن نبراس الْبَصْرِيّ عَن يحيى بن أبي كثير عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَحوه. وَمِنْهَا: حَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث الْمُغيرَة بن زِيَاد الْموصِلِي عَن عبَادَة بن نسي عَن الْأسود بن ثَعْلَبَة عَن عبَادَة بن الصَّامِت رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: علَّمتُ نَاسا من أهل الصّفة الْقُرْآن فأهدى إليَّ رجل مِنْهُم قوسا، فَقلت: لَيست بِمَال، وأرمي بهَا فِي سَبِيل الله. فَسَأَلت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن ذَلِك؟ فَقَالَ: إِن أردْت أَن يطوقك الله طوقا من نَار فاقبلها. وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه وَالْحَاكِم فِي (الْمُسْتَدْرك) وَقَالَ: صَحِيح الْإِسْنَاد وَلم يخرجَاهُ. وَأخرجه أَبُو دَاوُد من طَرِيق آخر من حَدِيث جُنَادَة بن أبي أُميَّة عَن عبَادَة بن الصَّامِت، قَالَ: كَانَ النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِذا قدم الرجل مُهَاجرا دَفعه إِلَى رجل منا يُعلمهُ الْقُرْآن، فَدفع إليَّ رجلا كَانَ معي وَكنت أقرئه الْقُرْآن، فَانْصَرَفت يَوْمًا إِلَى أَهلِي فَرَأى أَن عَلَيْهِ حَقًا، فأهدى إِلَيّ قوسا مَا رَأَيْت أَجود مِنْهَا عودا، وَلَا أحسن مِنْهَا عَطاء، فَأتيت رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فاستفتيته، فَقَالَ: جَمْرَة بَين كتفيك تقلدتها أَو تعلقتها. وَأخرجه الْحَاكِم فِي (كتاب الْفَضَائِل) عَن أبي الْمُغيرَة عبد القدوس بن الْحجَّاج عَن بشر بن عبد الله بن يسَار بِهِ سندا ومتنا. وَقَالَ: حَدِيث صَحِيح الأسناد وَلم يخرجَاهُ. وَمِنْهَا: مَا رَوَاهُ ابْن مَاجَه من حَدِيث عَطِيَّة الكلَاعِي عَن أبي بن كَعْب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: علمت رجلا الْقُرْآن فأهدى إليَّ قوسا، فَذكرت ذَلِك للنَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: إِن أَخَذتهَا أخذت قوسا من نَار. قَالَ: فرددتها. وَمِنْهَا: مَا رَوَاهُ عُثْمَان بن سعيد الدَّارمِيّ من حَدِيث أم الدَّرْدَاء عَن أبي الدَّرْدَاء أَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: (من أَخذ قوسا على تَعْلِيم الْقُرْآن قَلّدهُ الله قوسا من نَار) . وَمِنْهَا: مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي (شعب الْإِيمَان) من حَدِيث سُلَيْمَان بن بُرَيْدَة عَن أَبِيه قَالَ: قَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (من قَرَأَ الْقُرْآن يَأْكُل بِهِ النَّاس جَاءَ يَوْم الْقِيَامَة وَوَجهه عَظمَة لَيْسَ عَلَيْهِ لحم) . وَمِنْهَا: مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ من حَدِيث عمرَان بن حُصَيْن يرفعهُ: (اقرأوا الْقُرْآن وسلوا الله بِهِ، فَإِن من بعدكم قوم يقرأون الْقُرْآن يسْأَلُون النَّاس بِهِ) . وَذكر ابْن بطال من حَدِيث حَمَّاد بن سَلمَة عَن أبي جرهم عَن أبي هُرَيْرَة، قلت: (يَا رَسُول الله {{مَا تَقول فِي المعلمين؟ قَالَ}} أجرهم حرَام) وَذكر ابْن الْجَوْزِيّ من حَدِيث ابْن عَبَّاس، مَرْفُوعا: (لَا تستأجروا المعلمين) وَهَذَا غير صَحِيح، وَفِي إِسْنَاده أَحْمد بن عبد الله الْهَرَوِيّ، قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: دجال يضع الحَدِيث، وَوَافَقَهُ صَاحب التَّنْقِيح، وَهَذِه الْأَحَادِيث، وَإِن كَانَ فِي بَعْضهَا مقَال، لَكِنَّهَا يُؤَكد بَعْضهَا بَعْضًا، وَلَا سِيمَا حَدِيث الْقوس، فَإِنَّهُ صَحِيح كَمَا ذكرنَا، وَإِذا تعَارض نصان أَحدهمَا مُبِيح وَالْآخر محرم يدل على النّسخ كَمَا نذكرهُ عَن قريب، وَكَذَلِكَ الْكَلَام فِي حَدِيث أبي سعد الْخُدْرِيّ الَّذِي يَأْتِي عَن قريب، إِن شَاءَ الله تَعَالَى، فِي هَذَا الْبابُُ.وَأجَاب ابْن الْجَوْزِيّ نَاقِلا عَن أَصْحَابه عَن حَدِيث أبي سعيد، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، ثَلَاثَة أجوبة: أَحدهَا: أَن الْقَوْم كَانُوا كفَّارًا فَجَاز أَخذ أَمْوَالهم. وَالثَّانِي: أَن حق الضَّيْف وَاجِب وَلم يضيفوهم. وَالثَّالِث: أَن الرّقية لَيست بقربة مَحْضَة، فَجَاز أَخذ الْأُجْرَة عَلَيْهَا. وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: وَلَا نسلم أَن جَوَاز أَخذ الإجر فِي الرقي يدل على جَوَاز التَّعْلِيم بِالْأَجْرِ، وَقَالَ بعض أَصْحَابنَا: وَمعنى قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إِن أَحَق مَا إخذتم عَلَيْهِ أجرا كتاب الله) ، يَعْنِي: إِذا رقيتم بِهِ، وَحمل بعض من منع أَخذ الْأجر على تَعْلِيم الْقُرْآن الْأجر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور على الثَّوَاب، وَبَعْضهمْ ادعوا أَنه مَنْسُوخ بالأحاديث الْمَذْكُورَة الَّتِي فِيهَا الْوَعيد، وَاعْترض عَلَيْهِ بَعضهم بِأَنَّهُ إِثْبَات النّسخ بالإحتمال، وَهُوَ مَرْدُود. قلت: منع هَذَا بِدَعْوَى الِاحْتِمَال مَرْدُود، وَمن الَّذِي قَالَ هَذَا الحَدِيث يحْتَمل النّسخ، بل الَّذِي ادّعى النّسخ إِنَّمَا قَالَ: هَذَا الحَدِيث يحْتَمل الْإِبَاحَة، وَالْأَحَادِيث الْمَذْكُورَة تمنع الْإِبَاحَة قطعا، والنسخ هُوَ الْحَظْر بعد الْإِبَاحَة، لِأَن الْإِبَاحَة أصل فِي كل شَيْء، فَإِذا طَرَأَ الْحَظْر يدل على النّسخ بِلَا شكّ، وَقَالَ بَعضهم: الْأَحَادِيث الْمَذْكُورَة لَيْسَ فِيهَا مَا تقوم بِهِ الْحجَّة فَلَا تعَارض الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة. قلت: لَا نسلم عدم قيام الْحجَّة فِيهَا. فَإِن حَدِيث الْقوس صَحِيح، وَفِيه الْوَعيد الشَّديد. وَقَالَ الطَّحَاوِيّ: وَيجوز الْأجر على الرقى وَإِن كَانَ يدْخل فِي بعضه الْقُرْآن، لِأَنَّهُ لَيْسَ على النَّاس أَن يرقي بَعضهم بَعْضًا، وَتَعْلِيم النَّاس بَعضهم بَعْضًا الْقُرْآن وَاجِب، لِأَن فِي ذَلِك التَّبْلِيغ عَن الله تَعَالَى، وَقَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) : قَول الطَّحَاوِيّ هَذَا غلط، لِأَن تعلمه لَيْسَ بِفَرْض، فَكيف تَعْلِيمه؟ وَإِنَّمَا الْفَرْض الْمعِين مِنْهُ على كل أحد مَا تقوم بِهِ الصَّلَاة، وَغير ذَلِك فَضِيلَة ونافلة، وَكَذَلِكَ تَعْلِيم النَّاس بَعضهم بَعْضًا، لَيْسَ بِفَرْض مُتَعَيّن عَلَيْهِم، وَإِنَّمَا هُوَ على الْكِفَايَة، وَلَا فرق بَين الْأُجْرَة فِي الرقي وعَلى تَعْلِيم الْقُرْآن، لِأَن ذَلِك كُله مَنْفَعَة. انْتهى. قلت: هَذَا كَلَام صادر بقلة الْأَدَب وَعدم مُرَاعَاة أدب الْبَحْث، سَوَاء كَانَ هَذَا الْكَلَام مِنْهُ أَو هُوَ نَقله
    من غَيره، وَكَيف يَقُول: لِأَن تعلمه لَيْسَ بِفَرْض فَكيف تَعْلِيمه؟ فَإِذا لم يكن تَعْلِيمه وتعلمه فرضا فَلَا يفْرض قِرَاءَة الْقُرْآن فِي الصَّلَاة. وَقد أَمر الله تَعَالَى بِالْقِرَاءَةِ فِيهَا بقوله: (فاقرأوا) فَإِذا أسلم أحد من أهل الْحَرْب أَفلا يفْرض عَلَيْهِ أَن يعلم مِقْدَار مَا تجوز بِهِ صلَاته؟ وَإِذا لم يجد إلاَّ أحدا مِمَّن يقْرَأ الْقُرْآن كُله أَو بعضه، أَفلا يجب عَلَيْهِ أَن يُعلمهُ مِقْدَار مَا تجوز بِهِ الصَّلَاة؟ وَقَوله: وَإِنَّمَا الْفَرْض الْمعِين مِنْهُ مَا تقوم بِهِ الصَّلَاة، يدل على أَن تعلمه فرض عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ لَا يقدر على هَذَا الْمِقْدَار إلاَّ بالتعليم، إِذْ لَا يقدر عَلَيْهِ من ذَاته، فَإِذا كَانَ مَا تقوم بِهِ الصَّلَاة من الْقِرَاءَة فرضا عَلَيْهِ يكون تعلمه هَذَا الْمِقْدَار فرضا عَلَيْهِ، لِأَن مَا يقوم بِهِ الْفَرْض فرض، والتعلم لَا يحصل إلاَّ بالتعليم، فَيكون فرضا على كل حَال، سَوَاء كَانَ على التَّعْيِين أَو على الْكِفَايَة، وَكَيف لَا يكون فرضا وَقد أَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالتبليغ من الله تَعَالَى؟ وَلَو كَانَ آيَة من الْقُرْآن؟ وَأوجب التَّبْلِيغ عَلَيْهِ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: بلغُوا عني وَلَو آيَة من كتاب الله تَعَالَى.وَقَالَ الشَّعْبِيُّ لاَ يَشْتَرِطُ المُعَلِّمُ إلاَّ أنْ يُعُطى شَيْئا فلْيَقْبَلْهُالشّعبِيّ هُوَ عَامر بن شرَاحِيل، وَوصل تَعْلِيقه ابْن أبي شيبَة عَن مَرْوَان بن مُعَاوِيَة عَن عُثْمَان بن الْحَارِث، قَالَ: حَدثنَا وَكِيع حَدثنَا سُفْيَان عَن أَيُّوب بن عَائِذ الطَّائِي عَنهُ، وَقَول الشّعبِيّ هَذَا يدل على أَن أَخذ الْأجر بالاشتراط لَا يجوز فَإِن اعطى من غير شَرط فَإِنَّهُ يجوز أَخذه لِأَنَّهُ إمَّا هبة أَو صَدَقَة، وَلَيْسَ بِأُجْرَة، وأصحابنا الْحَنَفِيَّة قَائِلُونَ بِهَذَا أَيْضا. قَوْله: (إِلَّا أَن يعْطى) ، الِاسْتِثْنَاء فِيهِ مُنْقَطع، مَعْنَاهُ: لَكِن الْإِعْطَاء بِدُونِ الِاشْتِرَاط جَائِز فيقبله، ويروى: إِن، بِكَسْر الْهمزَة أَي: لَكِن إِن يعْطى شَيْئا بِدُونِ الشَّرْط فليقبله، وَإِنَّمَا كتب يعْطى، بِالْألف على قِرَاءَة الْكسَائي: {{من يتقِ ويصبر}} أَو الْألف حصلت من إشباع الفتحة.وَقَالَ الحَكَمُ لَمْ أسْمَعْ أحدا كَرِهَ أجْرَ المُعَلِّمِالحكم، بِفَتْح الْحَاء وَالْكَاف: ابْن عتيبة، وَوصل تَعْلِيقه الْبَغَوِيّ فِي (الجعديات) : حَدثنَا عَليّ بن الْجَعْد عَن شُعْبَة سَأَلت مُعَاوِيَة بن قُرَّة عَن أجر الْمعلم، فَقَالَ: أرى لَهُ أجرا، قَالَ: وَسَأَلت الحكم، فَقَالَ: مَا سَمِعت فَقِيها يكرههُ. انْتهى. قلت: نفي الحكم سَمَاعه من أَخذ كَرَاهَة أجر الْمعلم لَا يسْتَلْزم النَّفْي عَن الْكل، لِأَن النبيي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كره لعبادة بن الصَّامِت حِين أهْدى لَهُ من كَانَ يُعلمهُ قوسا ... الحَدِيث، وَقد مر عَن قريب، وَقَالَ عبد الله بن شَقِيق: يكره أرش الْمعلم، فَإِن أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانُوا يكرهونه ويرونه شَدِيدا، وَقَالَ إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ: كَانُوا يكْرهُونَ أَن يَأْخُذُوا على الغلمان فِي الْكتاب أجرا، وَذهب الزُّهْرِيّ وَإِسْحَاق إِلَى: أَنه لَا يجوز أَخذ الْأجر عَلَيْهِ.وأعْطَى الحَسَنُ دَراهِمَ عَشْرَةًأَي: أعْطى الْحسن الْبَصْرِيّ عشرَة دَرَاهِم أجر الْمعلم، وَوصل تَعْلِيقه مُحَمَّد بن سعد فِي (الطَّبَقَات) من طَرِيق يحيى بن سعيد بن أبي الْحسن، قَالَ: لما حذقت قلت لِعَمِّي: يَا عماه! إِن الْمعلم يُرِيد شَيْئا. قَالَ: مَا كَانُوا يَأْخُذُونَ شَيْئا. ثمَّ قَالَ: أعْطه خَمْسَة دَرَاهِم، فَلم أزل بِهِ حَتَّى قَالَ: أَعْطوهُ عشرَة دَرَاهِم، ورورى ابْن أبي شيبَة: حَدثنَا حَفْص عَن أَشْعَث عَن الْحسن أَنه قَالَ: لَا بَأْس أَن يَأْخُذ على الْكِتَابَة أجرا، وَكره الشَّرْط. انْتهى، وَالْكِتَابَة غير التَّعْلِيم.ولَمْ يَرَ ابنَ سِيرينَ بأجْرِ الْقَسَّامِ بَأْسا. وَقَالَ كانَ يُقالُ السُّحْتُ الرِّشْوَةُ فِي الحُكْمِ وكانُوا يُعْطَوْنَ عَلى الخَرْصِقيل: وَجه ذكر القسام والخارص فِي هَذَا الْبابُُ الِاشْتِرَاك فِي أَن جنسهما وجنس تَعْلِيم الْقُرْآن والرقية وَاحِد. انْتهى. قلت: هَذَا وَجه فِيهِ تعسف، وَيُمكن أَن يُقَال: وَقع هَذَا اسْتِطْرَادًا لَا قصدا، وَابْن سِيرِين هُوَ مُحَمَّد بن سِيرِين، والقسام، بِالْفَتْح وَالتَّشْدِيد، مُبَالغَة قَاسم، وَقَالَ الْكرْمَانِي: القسام جمع الْقَاسِم، فعلى قَوْله: الْقَاف مَضْمُومَة. قلت: السُّحت، بِضَم السِّين وَسُكُون
    الْحَاء الْمُهْمَلَتَيْنِ، وَحكى ضم الْحَاء وَهُوَ شَاذ، وَقد فسره بالرشوة فِي الحكم، وَهُوَ بِتَثْلِيث الرَّاء، وَقيل بِفَتْح الرَّاء الْمصدر، وبالكسر الِاسْم. وَقيل: السُّحت مَا يلْزم الْعَار بِأَكْلِهِ، وَقَالَ ابْن الْأَثِير: الرِّشْوَة الوصلة إِلَى الْحَاجة بالمصانعة وَأَصله من الرشاء الَّذِي يتَوَصَّل بِهِ إِلَى المَاء. وَقَالَ: السُّحت الْحَرَام الَّذِي لَا يحل كَسبه لِأَنَّهُ يسحت الْبركَة أَي يذهبها، واشتقاقه من السُّحت بِالْفَتْح، وَهُوَ الإهلاك والاستئصال. قَوْله: (وَكَانُوا يُعْطون) أَي: الْأُجْرَة، على الْخرص، بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَسُكُون الرَّاء وبالصاد الْمُهْملَة، وَهُوَ الْحِرْز وزنا وَمعنى. وَمضى الْكَلَام فِيهِ فِي الْبيُوع.ثمَّ اعْمَلْ أَن قَول ابْن سِيرِين: فِي أُجْرَة القسام، مُخْتَلف فِيهِ، فروى عبد بن حميد فِي (تَفْسِيره) : من طَرِيق يحيى بن عَتيق عَن مُحَمَّد وَهُوَ ابْن سِيرِين: أَنه كَانَ يكره أجور القسام، وَيَقُول: كَانَ يُقَال: السُّحت الرِّشْوَة على الحكم، وَأرى هَذَا حكما يُؤْخَذ عَلَيْهِ الْأجر، وروى ابْن أبي شيبَة من طَرِيق قَتَادَة، قَالَ: قتل لِابْنِ الْمسيب: مَا ترى فِي كسب القسام؟ فكرهه، وَكَانَ الْحسن يكره كَسبه، وَقَالَ ابْن سِيرِين: إِن لم يكن حسنا فَلَا أَدْرِي مَا هُوَ، وَجَاءَت عَنهُ رِوَايَة جمع بهَا مَا بَين هَذَا الِاخْتِلَاف، قَالَ ابْن سعد: حَدثنَا عَارِم حَدثنَا حَمَّاد عَن يحيى عَن مُحَمَّد هُوَ ابْن سِيرِين، أَنه كَانَ يكره أَن يشارط القسام، فَكَأَنَّهُ كَانَ يكره لَهُ أَخذ الْأُجْرَة على سَبِيل المشارطة وَلَا يكرهها إِذا كَانَت بِغَيْر اشْتِرَاط. وَأما قَول ابْن سِيرِين: السُّحت الرِّشْوَة فِي الحكم، فَأَخذه مِمَّا جَاءَ عَن عمر وَعلي وَابْن مَسْعُود وَزيد بن ثَابت، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، من قَوْلهم فِي تَفْسِير السُّحت: إِنَّه الرِّشْوَة فِي الحكم، أخرجه الطَّبَرِيّ بأسانيده عَنْهُم، وَرَوَاهُ من وَجه آخر مَرْفُوعا بِرِجَال ثِقَات، وَلكنه مُرْسل وَلَفظه: كل جسم أَنْبَتَهُ السُّحت فَالنَّار أولى بِهِ. قيل: يَا رَسُول الله! وَأما السُّحت قَالَ: (الرِّشْوَة فِي الحكم) .
    [ رقم الحديث عند عبدالباقي:2183 ... ورقمه عند البغا:2276 ]
    - (حَدثنَا أَبُو النُّعْمَان قَالَ حَدثنَا أَبُو عوَانَة عَن أبي بشر عَن أبي المتَوَكل عَن أبي سعيد رَضِي الله عَنهُ قَالَ انْطلق نفر من أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي سفرة سافروها حَتَّى نزلُوا على حَيّ من أَحيَاء الْعَرَب فاستضافوهم فَأَبَوا أَن يضيفوهم فلدغ سيد ذَلِك الْحَيّ فسعوا لَهُ بِكُل شَيْء لَا يَنْفَعهُ شَيْء فَقَالَ بَعضهم لَو أتيتم هَؤُلَاءِ الرَّهْط الَّذين نزلُوا لَعَلَّه أَن يكون عِنْد بَعضهم شَيْء فأتوهم فَقَالُوا يَا أَيهَا الرَّهْط إِن سيدنَا لدغ وسعينا لَهُ بِكُل شَيْء لَا يَنْفَعهُ فَهَل عِنْد أحد مِنْكُم من شَيْء فَقَالَ بَعضهم نعم وَالله إِنِّي لأرقي وَلَكِن وَالله لقد استضفناكم فَلم تضيفونا فَمَا أَنا براق لكم حَتَّى تجْعَلُوا لنا جعلا فصالحوهم على قطيع من الْغنم فَانْطَلق يتفل عَلَيْهِ وَيقْرَأ الْحَمد لله رب الْعَالمين فَكَأَنَّمَا نشط من عقال فَانْطَلق يمشي وَمَا بِهِ قلبة قَالَ فأوفوهم جعلهم الَّذِي صالحوهم عَلَيْهِ فَقَالَ بَعضهم اقسموا فَقَالَ الَّذِي رقى لَا تَفعلُوا حَتَّى نأتي النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَنَذْكُر لَهُ الَّذِي كَانَ فَنَنْظُر مَا يَأْمُرنَا فقدموا على رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَذكرُوا لَهُ فَقَالَ وَمَا يدْريك أَنَّهَا رقية ثمَّ قَالَ قد أصبْتُم اقسموا واضربوا لي مَعكُمْ سَهْما فَضَحِك رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله فَانْطَلق يتفل عَلَيْهِ وَيقْرَأ الْحَمد لله رب الْعَالمين وَهُوَ الرّقية بِفَاتِحَة الْكتاب. (ذكر رِجَاله) وهم خَمْسَة الأول أَبُو النُّعْمَان مُحَمَّد بن الْفضل السدُوسِي الثَّانِي أَبُو عوَانَة بِفَتْح الْعين الوضاح بن عبد الله الْيَشْكُرِي الثَّالِث أَبُو بشر بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة هُوَ جَعْفَر بن أبي وحشية وَهُوَ مَشْهُور بكنيته أَكثر من اسْمه وَاسم أَبِيه أَبُو وحشية إِيَاس الرَّابِع أَبُو المتَوَكل واسْمه عَليّ بن دَاوُد بِضَم الدَّال الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْوَاو وَقيل دَاوُد النَّاجِي بالنُّون وَالْجِيم السَّامِي بِالسِّين الْمُهْملَة مَاتَ سنة اثْنَتَيْنِ وَمِائَة الْخَامِس أَبُو سعيد الْخُدْرِيّ واسْمه سعد بن مَالك مَشْهُور باسمه وكنيته
    (ذكر لطائف إِسْنَاده) فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين وَفِيه العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع وَفِيه أَن رجال هَذَا الحَدِيث كلهم مذكورون بالكنى وَهَذَا غَرِيب جدا وَفِيه أَن شَيْخه وَمن بعده كلهم بصريون غير أبي عوَانَة فَإِنَّهُ واسطي وَفِيه عَن أبي بشر عَن أبي المتَوَكل عَن أبي سعيد وَقد ذكر البُخَارِيّ فِي آخر الْبابُُ بتصريح أبي بشر بِالسَّمَاعِ مِنْهُ وتابع أَبُو عوَانَة على هَذَا الْإِسْنَاد شُعْبَة كَمَا فِي آخر الْبابُُ وهشيم كَمَا أخرجه مُسلم وَالنَّسَائِيّ وَخَالفهُم الْأَعْمَش فَرَوَاهُ عَن جَعْفَر بن أبي وحشية عَن أبي نَضرة عَن أبي سعيد جعل بدل أبي المتَوَكل أَبَا نَضرة وَأخرجه التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه من طَرِيقه وَقَالَ التِّرْمِذِيّ طَرِيق شُعْبَة أصح من طَرِيق الْأَعْمَش وَقَالَ ابْن مَاجَه هُوَ الصَّوَاب وَقَالَ ابْن الْعَرَبِيّ فِيهِ اضْطِرَاب وَلَيْسَ بِشَيْء (ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره) أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الطِّبّ عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل وَفِيه عَن بنْدَار عَن غنْدر وَأخرجه مُسلم فِي الطِّبّ عَن بنْدَار وَأبي بكر بن نَافِع عَن غنْدر بِهِ وَعَن يحيى بن يحيى وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ وَفِي الْبيُوع عَن مُسَدّد وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن مُحَمَّد بن الْمثنى وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ وَفِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة عَن بنْدَار بِهِ وَعَن زِيَاد بن أَيُّوب وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي التِّجَارَات عَن أبي كريب وأوله بعثنَا فِي ثَلَاثِينَ رَاكِبًا (ذكر مَعْنَاهُ) قَوْله " انْطلق نفر " النَّفر رَهْط الْإِنْسَان وعشيرته وَهُوَ اسْم جمع يَقع على جمَاعَة الرِّجَال خَاصَّة مَا بَين الثَّلَاثَة إِلَى الْعشْرَة وَلَا وَاحِد لَهُ من لَفظه قَالَ ابْن الْأَثِير وَيجمع على أَنْفَار وَهَذَا يدل على أَنهم مَا كَانُوا أَكثر من الْعشْرَة وَفِي سنَن ابْن مَاجَه بعثنَا فِي ثَلَاثِينَ رَاكِبًا وَفِي رِوَايَة الْأَعْمَش عِنْد التِّرْمِذِيّ بعثنَا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ثَلَاثِينَ رجلا فنزلنا بِقوم لَيْلًا فسألناهم الْقرى أَي الضِّيَافَة وَفِيه عدد السّريَّة وَوقت النُّزُول وَفِي رِوَايَة الدَّارَقُطْنِيّ بعث سَرِيَّة عَلَيْهَا أَبُو سعيد وفيهَا تعْيين أَمِير السّريَّة والسرية طَائِفَة من الْجَيْش يبلغ أقصاها أَرْبَعمِائَة تبْعَث إِلَى الْعَدو وَتجمع على السَّرَايَا قَوْله " حَيّ " اعْلَم أَن طَبَقَات أَنْسَاب الْعَرَب سِتّ الشّعب بِفَتْح الشين وَهُوَ النّسَب الْأَبْعَد كعدنان مثلا وَهُوَ أَبُو الْقَبَائِل الَّذين ينسبون إِلَيْهِ وَيجمع على شعوب والقبيلة وَهِي مَا انقسم بِهِ الشّعب كربيعة وَمُضر والعمارة بِكَسْر الْعين وَهِي مَا انقسم فِيهِ أَنْسَاب الْقَبِيلَة كقريش وكنانة وَيجمع على عمارات وعمائر والبطن وَهِي مَا انقسم فِيهِ أَنْسَاب الْعِمَارَة كبني عبد منَاف وَبني مَخْزُوم وَيجمع على بطُون وأبطن والفخذ وَهِي مَا انقسم فِيهِ أَنْسَاب الْبَطن كبني هَاشم وَبني أُميَّة وَيجمع على أفخاذ والفصيلة بالصَّاد الْمُهْملَة وَهِي مَا انقسم فِيهِ أَنْسَاب الْفَخْذ كبني الْعَبَّاس وَأكْثر مَا يَدُور على الْأَلْسِنَة من الطَّبَقَات الْقَبِيلَة ثمَّ الْبَطن وَرُبمَا عبر عَن كل وَاحِد من الطَّبَقَات السِّت بالحي إِمَّا على الْعُمُوم مثل أَن يُقَال حَيّ من الْعَرَب وَإِمَّا على الْخُصُوص مثل أَن يُقَال حَيّ من بني فلَان وَقَالَ الْهَمدَانِي فِي الْأَنْسَاب الشّعب والحي بِمَعْنى قَوْله " فاستضافوهم " أَي طلبُوا مِنْهُم الضِّيَافَة قَوْله " فَأَبَوا " أَي امْتَنعُوا من أَن يضيفوهم بِالتَّشْدِيدِ من التضييف ويروى بِالتَّخْفِيفِ وَقَالَ ثَعْلَب ضفت الرجل إِذا أنزلت بِهِ وأضفته إِذا أنزلته وَقَالَ ابْن التِّين ضَبطه فِي بعض الْكتب أَن يضيفوهم بِفَتْح الْيَاء وَالْوَجْه ضمهَا قَوْله " فلدغ " على بِنَاء الْمَجْهُول من اللدغ بِالدَّال الْمُهْملَة والغين الْمُعْجَمَة وَهُوَ اللسغ وزنا وَمعنى وَأما اللذغ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة وَالْعين الْمُهْملَة فَهُوَ الإحراق الْخَفِيف واللدغ فِي الحَدِيث ضرب ذَات الْحمة من حَيَّة أَو عقرب وَقد بَين فِي التِّرْمِذِيّ أَنَّهَا عقرب (فَإِن قلت) عِنْد النَّسَائِيّ من رِوَايَة هشيم أَنه مصاب فِي عقله أَو لديغ (قلت) هَذَا شكّ من هشيم وَرَوَاهُ الْبَاقُونَ أَنه لديغ وَلم يشكوا خُصُوصا تَصْرِيح الْأَعْمَش بِأَنَّهُ لديغ من عقرب وَسَيَأْتِي فِي فَضَائِل الْقُرْآن من طَرِيق معبد بن سِيرِين بِلَفْظ أَن سيد الْحَيّ سليم وَكَذَا فِي الطِّبّ من حَدِيث ابْن عَبَّاس أَن سيد الْقَوْم سليم والسليم هُوَ اللديغ قيل لَهُ ذَلِك تفاؤلا بالسلامة وَقيل لاستسلامه بِمَا نزل بِهِ (فَإِن قلت) جَاءَ فِي رِوَايَة أبي دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَالتِّرْمِذِيّ من طَرِيق خَارِجَة بن الصَّلْت عَن عَمه أَنه مر بِقوم وَعِنْدهم رجل مَجْنُون موثق فِي الْحَدِيد فَقَالُوا إِنَّك جِئْت من عِنْد هَذَا الرجل بِخَير فَارق لنا هَذَا الرجل وَفِي لفظ عَن خَارِجَة بن الصَّلْت عَن عَمه يَعْنِي علاقَة بن صحار أَنه رقى مَجْنُونا موثقًا بالحديد بِفَاتِحَة الْكتاب ثَلَاثَة أَيَّام كل يَوْم مرَّتَيْنِ فبرأ فأعطوني مِائَتي شَاة فَأخْبرت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ " خُذْهَا ولعمري من أكل برقية
    بَاطِل فقد أكلت برقية حق " (قلت) هما قضيتان لِأَن الراقي هُنَاكَ أَبُو سعيد وَهنا علاقَة بن صحار وَبَينهمَا اخْتِلَاف كثير قَوْله " جعلا " بِضَم الْجِيم وَهُوَ الْأُجْرَة على الشَّيْء وَيُقَال أَيْضا جعَالَة والجعل بِالْفَتْح مصدر يُقَال جعلت لَك كَذَا جعلا وَجعلا قَوْله " فسعوا لَهُ بِكُل شَيْء " أَي مِمَّا جرت بِهِ الْعَادة أَن يتداوى بِهِ من لدغة الْعَقْرَب وَقَالَ الْخطابِيّ يَعْنِي عالجوا طلبا للشفاء يُقَال سعى لَهُ الطَّبِيب عالجه بِمَا يشفيه أَو وصف لَهُ مَا فِيهِ الشِّفَاء وَفِي رِوَايَة الْكشميهني فشفوا بالشين الْمُعْجَمَة وَالْفَاء وَعَلِيهِ شرح الْخطابِيّ فَقَالَ مَعْنَاهُ طلبُوا لَهُ الشِّفَاء يُقَال شفى الله مريضي إِذا أَبرَأَهُ وشفى لَهُ الطَّبِيب أَي عالجه بِمَا يشفيه أَو وصف لَهُ مَا فِيهِ الشِّفَاء وَادّعى ابْن التِّين أَن هَذَا تَصْحِيف (قلت) الَّذِي قَالَه أقرب قَوْله " لَو أتيتم هَؤُلَاءِ الرَّهْط " قَالَ ابْن التِّين قَالَ تَارَة نَفرا وَتارَة رهطا قَوْله " لَو أتيتم " جَوَاب لَو مَحْذُوف أَو هُوَ لِلتَّمَنِّي قَوْله " فأتوهم " وَفِي رِوَايَة معبد بن سِيرِين أَن الَّذِي جَاءَ فِي الرسلية جَارِيَة مِنْهُم فَيحمل على أَنه كَانَ مَعهَا غَيرهَا قَوْله " وسعينا " وَفِي رِوَايَة الْكشميهني فشفينا من الشِّفَاء كَمَا ذكرنَا عَن قريب قَوْله " فَقَالَ بَعضهم " وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد فَقَالَ رجل من الْقَوْم نعم وَالله إِنِّي لأرقي بِكَسْر الْقَاف وَبَين الْأَعْمَش أَن الَّذِي قَالَ ذَلِك أَبُو سعيد رَاوِي الْخَبَر وَلَفظه قلت نعم أَنا وَلَكِن لَا أرقيه حَتَّى تعطونا غنما (فَإِن قلت) فِي رِوَايَة معبد بن سِيرِين أخرجهَا مُسلم فَقَامَ منا رجل مَا كُنَّا نظنه يحسن رقية وَسَيَأْتِي فِي فَضَائِل الْقُرْآن فَلَمَّا رَجَعَ قُلْنَا لَهُ أَكنت تحسن رقية فَفِي هَذَا مَا يشْعر بِأَنَّهُ غَيره (قلت) لَا مَانع من أَن يكنى الرجل عَن نَفسه وَهُوَ من بابُُ التَّجْرِيد فَلَعَلَّ أَبَا سعيد صرح تَارَة وكنى أُخْرَى وَوَقع فِي حَدِيث جَابر رَوَاهُ الْبَزَّار فَقَالَ رجل من الْأَنْصَار أَنا أرقيه وَأَبُو سعيد أَنْصَارِي وَحمل بعض الشَّارِحين ذَلِك على تعدد الْقِصَّة وَكَانَ أَبُو سعيد روى قصتين كَانَ فِي إِحْدَاهمَا راقيا وَفِي الْأُخْرَى كَانَ غَيره قيل هَذَا بعيد جدا لِاتِّحَاد مخرج الحَدِيث والسياق وَالسَّبَب قَوْله " فصالحوهم " أَي وافقوهم قَوْله " غنم " على قطيع من الْغنم والقطيع طَائِفَة من الْغنم والمواشي وَقَالَ الدَّاودِيّ يَقع على مَا قل وَكثر وَفِي رِوَايَة النَّسَائِيّ ثَلَاثُونَ شَاة قَوْله " يتفل عَلَيْهِ " من تفل بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة من فَوق يتفل بِكَسْر الْفَاء وَضمّهَا تفلا وَهُوَ نفخ مَعَه قَلِيل بصاق وَقَالَ ابْن بطال التفل البصاق وَقيل مَحل التفل فِي الرّقية يكون بعد الْقِرَاءَة لتَحْصِيل بركَة الْقِرَاءَة فِي الْجَوَارِح الَّتِي يمر عَلَيْهَا الرِّيق فَتحصل الْبركَة فِي الرِّيق الَّذِي يتفله قَوْله " وَيقْرَأ الْحَمد لله رب الْعَالمين " وَفِي رِوَايَة شُعْبَة فَجعل يقْرَأ عَلَيْهِ بِفَاتِحَة الْكتاب وَكَذَا فِي حَدِيث جَابر وَفِي رِوَايَة الْأَعْمَش فَقَرَأت عَلَيْهِ وَأَنه سبع مَرَّات وَفِي رِوَايَة جَابر ثَلَاث مَرَّات قَوْله " نشط " بِضَم النُّون وَكسر الشين الْمُعْجَمَة من الثلاثي الْمُجَرّد كَذَا وَقع فِي رِوَايَة الْجَمِيع وَقَالَ الْخطابِيّ وَهُوَ لُغَة وَالْمَشْهُور نشط إِذا عقد وَأنْشط إِذا حل يُقَال نشطته إِذا عقدته وأنشطته إِذا حللته وفكيته وَعند الْهَرَوِيّ فَكَأَنَّمَا نشط من عقال وَقيل مَعْنَاهُ أقيم بِسُرْعَة وَمِنْه يُقَال رجل نشيط والعقال بِكَسْر الْعين الْمُهْملَة وبالقاف هُوَ الْحَبل الَّذِي يشد بِهِ ذِرَاع الْبَهِيمَة قَوْله " يمشي " جملَة وَقعت حَالا قَوْله " قلبة " بالفتحات أَي عِلّة وَقيل لِلْعِلَّةِ قلبة لِأَن الَّذِي تصيبه يتقلب من جنب إِلَى جنب ليعلم مَوضِع الدَّاء وبخط الدمياطي أَنه دَاء مَأْخُوذ من القلاب يَأْخُذ الْبَعِير فيشتكي مِنْهُ قلبه فَيَمُوت من يَوْمه قَالَه ابْن الْأَعرَابِي قَوْله " فَقَالَ الَّذِي رقى " بِفَتْح الْقَاف قَوْله " فَنَنْظُر مَا يَأْمُرنَا " أَي فنتبعه وَلم يُرِيدُوا أَن يكون لَهُم الْخيرَة فِي ذَلِك قَوْله " وَمَا يدْريك أَنَّهَا رقية " قَالَ الدَّاودِيّ مَعْنَاهُ وَمَا أَدْرَاك وَقد روى كَذَلِك وَلَعَلَّه هُوَ الْمَحْفُوظ لِأَن ابْن عُيَيْنَة قَالَ إِذا قَالَ وَمَا يدْريك فَلم يعلم وَإِذا قَالَ وَمَا أَدْرَاك فقد أعلم وَاعْترض بِأَن ابْن عُيَيْنَة إِنَّمَا قَالَ ذَلِك فِيمَا وَقع فِي الْقرَان وَلَا فرق بَينهمَا فِي اللُّغَة أَي فِي نفي الدارية وَوَقع فِي رِوَايَة هشيم وَمَا أَدْرَاك وَفِي رِوَايَة الدَّارَقُطْنِيّ وَمَا علمك أَنَّهَا رقية قَالَ حق ألقِي فِي روعي وَهَذِه الْكَلِمَة أَعنِي وَمَا أَدْرَاك وَمَا يدْريك تسْتَعْمل عِنْد التَّعَجُّب من الشَّيْء وَفِي تَعْظِيمه قَوْله " قد أصبْتُم " أَي فِي الرّقية قَوْله " واضربوا لي سَهْما " أَي اجعلوا لي مِنْهُ نَصِيبا وَكَأَنَّهُ أَرَادَ الْمُبَالغَة فِي تصويبه إيَّاهُم كَمَا وَقع لَهُ فِي قصَّة الْحمار الوحشي وَغير ذَلِك (ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ) فِيهِ جَوَاز الرّقية بِشَيْء من كتاب الله تَعَالَى وَيلْحق بِهِ مَا كَانَ من الدَّعْوَات المأثورة أَو مِمَّا يشابهها وَلَا يجوز بِأَلْفَاظ مِمَّا لَا يعلم مَعْنَاهَا من الْأَلْفَاظ الْغَيْر الْعَرَبيَّة وَفِيه خلاف فَقَالَ الشّعبِيّ وَقَتَادَة وَسَعِيد بن جُبَير وَجَمَاعَة آخَرُونَ يكره الرقي وَالْوَاجِب على الْمُؤمن أَن يتْرك ذَلِك اعتصاما بِاللَّه تَعَالَى وتوكلا عَلَيْهِ وثقة بِهِ وانقطاعا إِلَيْهِ
    وعلما بِأَن الرّقية لَا تَنْفَعهُ وَإِن تَركهَا لَا يضرّهُ إِذْ قد علم الله تَعَالَى أَيَّام الْمَرَض وَأَيَّام الصِّحَّة فَلَو حرص الْخلق على تقليل أَيَّام الْمَرَض وزمن الدَّاء وعَلى تَكْثِير أَيَّام الصِّحَّة مَا قدرُوا على ذَلِك قَالَ الله تَعَالَى {{مَا أصَاب من مُصِيبَة فِي الأَرْض وَلَا فِي أَنفسكُم إِلَّا فِي كتاب من قبل أَن نبرأها}} وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بِحَدِيث عمرَان بن حُصَيْن أخرجه الطَّحَاوِيّ من حَدِيث أبي مجلز قَالَ كَانَ عمرَان بن حُصَيْن ينْهَى عَن الكي فابتلي فَكَانَ يَقُول لقد اكتويت كَيَّة بِنَار فَمَا أبرأتني من إِثْم وَلَا شفتني من سقم وَقَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَالزهْرِيّ وَالثَّوْري وَالْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة وَآخَرُونَ لَا بَأْس بالرقى وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بِحَدِيث الْبابُُ وَغَيره وَفِيه جَوَاز أَخذ الْأُجْرَة وَقد ذَكرْنَاهُ عَن قريب مُسْتَوْفِي وَفِيه أَن سُورَة الْفَاتِحَة فِيهَا شِفَاء وَلِهَذَا من أسمائها الشافية وَفِي التِّرْمِذِيّ من حَدِيث أبي سعيد مَرْفُوعا فَاتِحَة الْكتاب شِفَاء من كل سقم وَلأبي دَاوُد من حَدِيث ابْن مَسْعُود مرض الْحسن أَو الْحُسَيْن فَنزل جِبْرَائِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَأمره أَن يقْرَأ الْفَاتِحَة على إِنَاء من المَاء أَرْبَعِينَ مرّة فَيغسل يَدَيْهِ وَرجلَيْهِ وَرَأسه وَقَالَ ابْن بطال مَوضِع الرّقية مِنْهَا إياك نستعين وَعبارَة الْقُرْطُبِيّ موضعهَا إياك نعْبد وَإِيَّاك نستعين وَالظَّاهِر أَنَّهَا كلهَا رقية لقَوْله وَمَا يدْريك أَنَّهَا رقية وَلم يقل فِيهَا فَيُسْتَحَب قرَاءَتهَا على اللديغ وَالْمَرِيض وَصَاحب العاهة وَفِيه مَشْرُوعِيَّة الضِّيَافَة على أهل الْبَوَادِي وَالنُّزُول على مياه الْعَرَب والطلب مِمَّا عِنْدهم على سَبِيل الْقرى أَو الشرى وَفِيه مُقَابلَة من امْتنع من المكرمة بنظير صَنِيعه كَمَا صنعه الصَّحَابِيّ من الِامْتِنَاع من الرّقية فِي مُقَابلَة امْتنَاع أُولَئِكَ من ضيافتهم وَهَذَا طَريقَة مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام فِي قَوْله لَو شِئْت لاتخذت عَلَيْهِ أجرا وَلم يعْتَذر الْخضر عَلَيْهِ السَّلَام عَن ذَلِك إِلَّا بِأَمْر خَارج عَن ذَلِك وَفِيه الِاشْتِرَاك فِي الْمَوْهُوب إِذا كَانَ أَصله مَعْلُوما وَفِيه جَوَاز قبض الشَّيْء الَّذِي ظَاهره الْحل وَترك التَّصَرُّف فِيهِ إِذا عرضت فِيهِ شُبْهَة وَفِيه عَظمَة الْقُرْآن فِي صُدُور الصَّحَابَة خُصُوصا الْفَاتِحَة وَفِيه أَن الرزق الَّذِي قسم لأحد لَا يفوتهُ وَلَا يَسْتَطِيع من هُوَ فِي يَده مَنعه مِنْهُ وَفِيه الِاجْتِهَاد عِنْد فقد النَّص(قَالَ أَبُو عبد الله وَقَالَ شُعْبَة قَالَ حَدثنَا أَبُو بشر سَمِعت أَبَا المتَوَكل بِهَذَا) أَبُو عبد الله هُوَ البُخَارِيّ وَأَبُو بشر بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة هُوَ جَعْفَر بن أبي وحشية الْمَذْكُور فِي سَنَد الحَدِيث وَأَبُو المتَوَكل عَليّ بن دَاوُد الْمَذْكُور فِيهِ وَوَصله التِّرْمِذِيّ بِهَذِهِ الصِّيغَة وَالْبُخَارِيّ أَيْضا فِي الطِّبّ وَلَكِن وَصله بالعنعنة -

    حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ ـ رضى الله عنه ـ قَالَ انْطَلَقَ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ فِي سَفْرَةٍ سَافَرُوهَا حَتَّى نَزَلُوا عَلَى حَىٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ فَاسْتَضَافُوهُمْ، فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمْ، فَلُدِغَ سَيِّدُ ذَلِكَ الْحَىِّ، فَسَعَوْا لَهُ بِكُلِّ شَىْءٍ لاَ يَنْفَعُهُ شَىْءٌ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لَوْ أَتَيْتُمْ هَؤُلاَءِ الرَّهْطَ الَّذِينَ نَزَلُوا لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ بَعْضِهِمْ شَىْءٌ، فَأَتَوْهُمْ، فَقَالُوا يَا أَيُّهَا الرَّهْطُ، إِنَّ سَيِّدَنَا لُدِغَ، وَسَعَيْنَا لَهُ بِكُلِّ شَىْءٍ لاَ يَنْفَعُهُ، فَهَلْ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْكُمْ مِنْ شَىْءٍ فَقَالَ بَعْضُهُمْ نَعَمْ وَاللَّهِ إِنِّي لأَرْقِي، وَلَكِنْ وَاللَّهِ لَقَدِ اسْتَضَفْنَاكُمْ فَلَمْ تُضِيِّفُونَا، فَمَا أَنَا بِرَاقٍ لَكُمْ حَتَّى تَجْعَلُوا لَنَا جُعْلاً‏.‏ فَصَالَحُوهُمْ عَلَى قَطِيعٍ مِنَ الْغَنَمِ، فَانْطَلَقَ يَتْفِلُ عَلَيْهِ وَيَقْرَأُ ‏{‏الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ‏}‏ فَكَأَنَّمَا نُشِطَ مِنْ عِقَالٍ، فَانْطَلَقَ يَمْشِي وَمَا بِهِ قَلَبَةٌ، قَالَ فَأَوْفَوْهُمْ جُعْلَهُمُ الَّذِي صَالَحُوهُمْ عَلَيْهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمُ اقْسِمُوا‏.‏ فَقَالَ الَّذِي رَقَى لاَ تَفْعَلُوا، حَتَّى نَأْتِيَ النَّبِيَّ ﷺ فَنَذْكُرَ لَهُ الَّذِي كَانَ، فَنَنْظُرَ مَا يَأْمُرُنَا‏.‏ فَقَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَذَكَرُوا لَهُ، فَقَالَ ‏"‏ وَمَا يُدْرِيكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ ـ ثُمَّ قَالَ ـ قَدْ أَصَبْتُمُ اقْسِمُوا وَاضْرِبُوا لِي مَعَكُمْ سَهْمًا ‏"‏‏.‏ فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ‏.‏ وَقَالَ شُعْبَةُ حَدَّثَنَا أَبُو بِشْرٍ سَمِعْتُ أَبَا الْمُتَوَكِّلِ بِهَذَا‏.‏

    Narrated Abu Sa`id:Some of the companions of the Prophet (ﷺ) went on a journey till they reached some of the 'Arab tribes (at night). They asked the latter to treat them as their guests but they refused. The chief of that tribe was then bitten by a snake (or stung by a scorpion) and they tried their best to cure him but in vain. Some of them said (to the others), "Nothing has benefited him, will you go to the people who resided here at night, it may be that some of them might possess something (as treatment)," They went to the group of the companions (of the Prophet (ﷺ) ) and said, "Our chief has been bitten by a snake (or stung by a scorpion) and we have tried everything but he has not benefited. Have you got anything (useful)?" One of them replied, "Yes, by Allah! I can recite a Ruqya, but as you have refused to accept us as your guests, I will not recite the Ruqya for you unless you fix for us some wages for it." They agrees to pay them a flock of sheep. One of them then went and recited (Surat-ul-Fatiha): 'All the praises are for the Lord of the Worlds' and puffed over the chief who became all right as if he was released from a chain, and got up and started walking, showing no signs of sickness. They paid them what they agreed to pay. Some of them (i.e. the companions) then suggested to divide their earnings among themselves, but the one who performed the recitation said, "Do not divide them till we go to the Prophet (ﷺ) and narrate the whole story to him, and wait for his order." So, they went to Allah's Messenger (ﷺ) and narrated the story. Allah's Messenger (ﷺ) asked, "How did you come to know that Suratul- Fatiha was recited as Ruqya?" Then he added, "You have done the right thing. Divide (what you have earned) and assign a share for me as well." The Prophet (ﷺ) smiled thereupon

    Telah menceritakan kepada kami [Abu An-Nu'man] telah menceritakan kepada kami [Abu 'Awanah] dari [Abu Bisyir] dari [Abu Al Mutawakkil] dari [Abu Sa'id radliallahu 'anhu] berkata; Ada rombongan beberapa orang dari sahabat Nabi shallallahu 'alaihi wasallam yang bepergian dalam suatu perjalanan hingga ketika mereka sampai di salah satu perkampungan Arab penduduk setempat mereka meminta agar bersedia menerima mereka sebagai tamu peenduduk tersebut namun penduduk menolak. Kemudian kepala suku kampung tersebut terkena sengatan binatang lalu diusahakan segala sesuatu untuk menyembuhkannya namun belum berhasil. Lalu diantara mereka ada yang berkata: "Coba kalian temui rambongan itu semoga ada diantara mereka yang memiliki sesuatu. Lalu mereka mendatangi rambongan dan berkata: "Wahai rambongan, sesunguhnya kepala suku kami telah digigit binatang dan kami telah mengusahakan pengobatannya namun belum berhasil, apakah ada diantara kalian yang dapat menyembuhkannya?" Maka berkata, seorang dari rambongan: "Ya, demi Allah aku akan mengobati namun demi Allah kemarin kami meminta untuk menjadi tamu kalian namun kalian tidak berkenan maka aku tidak akan menjadi orang yang mengobati kecuali bila kalian memberi upah. Akhirnya mereka sepakat dengan imbalan puluhan ekor kambing. Maka dia berangkat dan membaca Alhamdulillah rabbil 'alamiin (QS Al Fatihah) seakan penyakit lepas dari ikatan tali padahal dia pergi tidak membawa obat apapun. Dia berkata: "Maka mereka membayar upah yang telah mereka sepakati kepadanya. Seorang dari mereka berkata: "Bagilah kambing-kambing itu!" Maka orang yang mengobati berkata: "Jangan kalain bagikan hingga kita temui Nabi shallallahu 'alaihi wasallam lalu kita ceritakan kejadian tersebut kepada Beliau shallallahu 'alaihi wasallam dan kita tunggu apa yang akan Beliau perintahkan kepada kita". Akhirnya rombongan menghadap Rasulullah shallallahu 'alaihi wasallam lalu mereka menceritakan peristiwa tersebut. Beliau berkata: "Kamu tahu dari mana kalau Al Fatihah itu bisa sebagai ruqyah (obat)?" Kemudian Beliau melanjutkan: "Kalian telah melakukan perbuatan yang benar, maka bagilah upah kambing-kambing tersebut dan masukkanlah aku dalam sebagai orang yangmenerima upah tersebut". Maka Rasulullah shallallahu 'alaihi wasallam tertawa. Abu 'Abdullah Al Bukhariy berkata, dan berkata, [Syu'bah] telah menceritakan kepada kami [Abu Bisyir] aku mendengar [Abu Al Mutawakkil] seperti hadits ini

    Ebu Said r.a. şöyle anlatır: Resulullah'ın sahabılerinden bir grup bir sefere katılmışlar ve bir kabilenin yakınında konaklamışlardı. Onlardan, kendilerini misafir etmelerini istediler. Fakat bu arap kabilesi buna yanaşmadı. Bu arada kabilenin reisini bir akrep soktu. Onun için çareler araştırmaya başladılar. Derken (hiçbir çare kalmayınca) sahabılere gelip, "Ey ahali! Reisimizi akrep soktu. Her şeyi denedik ama hiçbir fayda vermedi. Sizin bu konuda yapacak bir şeyiniz var mı?" diye sordu. Bir sahabi, "Evet, vallahi ben rukye yapabilirim (okuyarak tedavi edebilirim). Fakat bizi misafir etmenizi istedik, siz kabul etmediniz. Bundan dolayı ancak belirli bir ücret karşılığında bunu yapabilirim" dedi. Daha sonra bir sürü koyun karşılığında tedavi yapmak üzere anlaştılar. Reisin yanına gittiler. Önce akrebin soktuğu yerin üzerine hafifçe tükürdü, sonra fatiha suresini sonuna kadar okudu. Reis, birden üzerindeki büyük bir yükten kurtulmuş gibi hafifledi ve yürümeye başladı. Onda hastalıktan bir eser kalmayınca: "Üzerinde anlaşmış olduğunuz ücreti bu adama verin" dedi. Daha sonra sahabilerden bazıları, "koyunları paylaştırın" dedi. Tedaviyi yapan kimse, "Hayır, Nebi Sallallahu Aleyhi ve Sellem'e varalım, durumu anlatalım, bakalım ne emreder, o zamana kadar paylaştırmayın" dedi. Olayı Resulullah Sallallahu Aleyhi ve Sellem'e anlatınca, Efendimiz Sallallahu Aleyhi ve Sellem: "Fatiha'nın tedavi için kullanıldığını sen nereden bildin? İsabet etmişsiniz. Koyunları aranızda paylaşın. Bana da bir pay ayırın" buyurdu ve gülümsedi. Tekrar:

    ہم سے ابوالنعمان نے بیان کیا، انہوں نے کہا ہم سے ابوعوانہ نے بیان کیا، ان سے ابوبشر نے بیان کیا، ان سے ابوالمتوکل نے بیان کیا، اور ان سے ابو سعید خدری رضی اللہ عنہ نے بیان کیا کہ نبی کریم صلی اللہ علیہ وسلم کے کچھ صحابہ رضی اللہ عنہم سفر میں تھے۔ دوران سفر میں وہ عرب کے ایک قبیلہ پر اترے۔ صحابہ نے چاہا کہ قبیلہ والے انہیں اپنا مہمان بنا لیں، لیکن انہوں نے مہمانی نہیں کی، بلکہ صاف انکار کر دیا۔ اتفاق سے اسی قبیلہ کے سردار کو سانپ نے ڈس لیا، قبیلہ والوں نے ہر طرح کی کوشش کر ڈالی، لیکن ان کا سردار اچھا نہ ہوا۔ ان کے کسی آدمی نے کہا کہ چلو ان لوگوں سے بھی پوچھیں جو یہاں آ کر اترے ہیں۔ ممکن ہے کوئی دم جھاڑنے کی چیز ان کے پاس ہو۔ چنانچہ قبیلہ والے ان کے پاس آئے اور کہا کہ بھائیو! ہمارے سردار کو سانپ نے ڈس لیا ہے۔ اس کے لیے ہم نے ہر قسم کی کوشش کر ڈالی لیکن کچھ فائدہ نہ ہوا۔ کیا تمہارے پاس کوئی چیز دم کرنے کی ہے؟ ایک صحابی نے کہا کہ قسم اللہ کی میں اسے جھاڑ دوں گا لیکن ہم نے تم سے میزبانی کے لیے کہا تھا اور تم نے اس سے انکار کر دیا۔ اس لیے اب میں بھی اجرت کے بغیر نہیں جھاڑ سکتا، آخر بکریوں کے ایک گلے پر ان کا معاملہ طے ہوا۔ وہ صحابی وہاں گئے اور «الحمد لله رب العالمين» پڑھ پڑھ کر دم کیا۔ ایسا معلوم ہوا جیسے کسی کی رسی کھول دی گئی ہو۔ وہ سردار اٹھ کر چلنے لگا، تکلیف و درد کا نام و نشان بھی باقی نہیں تھا۔ بیان کیا کہ پھر انہوں نے طے شدہ اجرت صحابہ کو ادا کر دی۔ کسی نے کہا کہ اسے تقسیم کر لو، لیکن جنہوں نے جھاڑا تھا، وہ بولے کہ نبی کریم صلی اللہ علیہ وسلم کی خدمت میں حاضر ہو کر پہلے ہم آپ صلی اللہ علیہ وسلم سے اس کا ذکر کر لیں۔ اس کے بعد دیکھیں گے کہ آپ صلی اللہ علیہ وسلم کیا حکم دیتے ہیں۔ چنانچہ سب حضرات رسول اللہ صلی اللہ علیہ وسلم خدمت میں حاضر ہوئے اور آپ صلی اللہ علیہ وسلم سے اس کا ذکر کیا۔ آپ صلی اللہ علیہ وسلم نے فرمایا یہ تم کو کیسے معلوم ہوا کہ سورۃ فاتحہ بھی ایک رقیہ ہے؟ اس کے بعد آپ صلی اللہ علیہ وسلم نے فرمایا کہ تم نے ٹھیک کیا۔ اسے تقسیم کر لو اور ایک میرا حصہ بھی لگاؤ۔ یہ فرما کر رسول اللہ صلی اللہ علیہ وسلم ہنس پڑے۔ شعبہ نے کہا کہ ابوالبشر نے ہم سے بیان کیا، انہوں نے ابوالمتوکل سے ایسا ہی سنا۔

    وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَحَقُّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللهِ وَقَالَ الشَّعْبِيُّ لاَ يَشْتَرِطُ الْمُعَلِّمُ إِلاَّ أَنْ يُعْطَى شَيْئًا فَلْيَقْبَلْهُ وَقَالَ الْحَكَمُ لَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا كَرِهَ أَجْرَ الْمُعَلِّمِ وَأَعْطَى الْحَسَنُ دَرَاهِمَ عَشَرَةً وَلَمْ يَرَ ابْنُ سِيرِينَ بِأَجْرِ الْقَسَّامِ بَأْسًا وَقَالَ كَانَ يُقَالُ السُّحْتُ الرِّشْوَةُ فِي الْحُكْمِ وَكَانُوا يُعْطَوْنَ عَلَى الْخَرْصِ ইবনু ‘আব্বাস (রাঃ) নবী সাল্লাল্লাহু আলাইহি ওয়াসাল্লাম হতে বর্ণনা করেছেন যে, পারিশ্রমিক গ্রহণের ব্যাপারে অধিক হকদার হল আল্লাহর কিতাব। শা’বী (রহ.) বলেন, শিক্ষক কোনরূপ (পারিশ্রমিকের) শর্তারোপ করবে না। তবে (বিনা শর্তে) যদি তাকে কিছু দেয়া হয় তিনি তা গ্রহণ করতে পারেন। হাকাম (রহ.) বলেন, আমি এমন কারো কথা শুনিনি, যিনি (শিক্ষকের পারিশ্রমিক গ্রহণ করাটাকে অপছন্দ মনে করেছেন। হাসান (বাসরী) (রহ.) শিক্ষকের পারিশ্রমিক বাবত) দশ দিরহাম দিয়েছেন। ইবনু সীরীন (রহ.) বণ্টনকারীর পারিশ্রমিক গ্রহণ করাতে কোন দোষ মনে করেননি। তিনি বলেন, বিচারে ঘুষ গ্রহণকে সুহ্ত বলা হয়। লোকেরা অনুমান করার জন্য অনুমানকারীদের পারিশ্রমিক প্রদান করত। ২২৭৬. আবূ সাঈদ (রাযি.) হতে বর্ণিত। তিনি বলেন, নবী সাল্লাল্লাহু আলাইহি ওয়াসাল্লাম -এর একদল সাহাবী কোন এক সফরে যাত্রা করেন। তারা এক আরব গোত্রে পৌঁছে তাদের মেহমান হতে চাইলেন। কিন্তু তারা তাদের মেহমানদারী করতে অস্বীকার করল। সে গোত্রের সরদার বিচ্ছু দ্বারা দংশিত হল। লোকেরা তার (আরোগ্যের) জন্য সব ধরনের চেষ্টা করল। কিন্তু কিছুতেই কোন উপকার হল না। তখন তাদের কেউ বলল, এ কাফেলা যারা এখানে অবতরণ করেছে তাদের কাছে তোমরা গেলে ভাল হত। সম্ভবত, তাদের কারো কাছে কিছু থাকতে পারে। ওরা তাদের নিকট গেল এবং বলল, হে যাত্রীদল! আমাদের সরদারকে বিচ্ছু দংশন করেছে, আমরা সব রকমের চেষ্টা করেছি, কিন্তু কিছুতেই উপকার হচ্ছে না। তোমাদের কারো কাছে কিছু আছে কি? তাদের (সাহাবীদের) একজন বললেন, হ্যাঁ, আল্লাহর কসম আমি ঝাড়-ফুঁক করতে পারি। আমরা তোমাদের মেহমানদারী কামনা করেছিলাম, কিন্তু তোমরা আমাদের জন্য মেহমানদারী করনি। কাজেই আমি তোমাদের ঝাড়-ফুঁক করব না, যে পর্যন্ত না তোমরা আমাদের জন্য পারিশ্রমিক নির্ধারণ কর। তখন তারা এক পাল বকরীর শর্তে তাদের সাথে চুক্তিবদ্ধ হল। তারপর তিনি গিয়ে (الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) ‘‘আলহামদু লিল্লাহি রাব্বিল আলামীন’’ (সূরা ফাতিহা) পড়ে তার উপর ফুঁ দিতে লাগলেন। ফলে সে (এমনভাবে নিরাময় হল) যেন বন্ধন হতে মুক্ত হল এবং সে এমনভাবে চলতে ফিরতে লাগল যেন তার কোন কষ্টই ছিল না। (বর্ণনাকারী বলেন,) তারপর তারা তাদের স্বীকৃত পারিশ্রমিক পুরোপুরি দিয়ে দিল। সাহাবীদের কেউ কেউ বলেন, এগুলো বণ্টন কর। কিন্তু যিনি ঝাড়-ফুঁক করেছিলেন তিনি বললেন এটা করব না, যে পর্যন্ত না আমরা নবী সাল্লাল্লাহু আলাইহি ওয়াসাল্লাম -এর নিকট গিয়ে তাঁকে এই ঘটনা জানাই এবং লক্ষ্য করি তিনি আমাদের কী নির্দেশ দেন। তারা আল্লাহর রাসূল সাল্লাল্লাহু আলাইহি ওয়াসাল্লাম -এর কাছে এসে ঘটনা বর্ণনা করলেন। তিনি [নবী সাল্লাল্লাহু আলাইহি ওয়াসাল্লাম ] বলেন, তুমি কিভাবে জানলে যে, সূরা ফাতিহা একটি দু‘আ? তারপর বলেন, তোমরা ঠিকই করেছ। বণ্টন কর এবং তোমাদের সাথে আমার জন্যও একটা অংশ রাখ। এ বলে নবী সাল্লাল্লাহু আলাইহি ওয়াসাল্লাম হাসলেন। শো’বা (রহ.) বলেন, আমার নিকট আবূ বিশর (রহ.) বর্ণনা করেছেন যে, আমি মুতাওয়াক্কিল (রহ.) হতে এ হাদীস শুনেছি। (৫০০৭, ৫৭৩৬, ৫৭৪৯, মুসলিম ৩৯/২৩, হাঃ ২২০১, আহমাদ ১১৩৯৯) (আধুনিক প্রকাশনীঃ ২১১৫, ইসলামিক ফাউন্ডেশনঃ)

    அபூசயீத் அல்குத்ரீ (ரலி) அவர்கள் கூறியதாவது: நபித்தோழர்களில் சிலர் ஒரு பயணம் மேற்கொண்டார்கள். அவர்கள் பயணம் செய்து (வழியில்) ஓர் அரபுக் குலத்தார் (தங்கியிருந்த இடத்துக்கு) அருகில் தங்கினார்கள். நபித்தோழர்கள் அக்குலத் தாரிடம் விருந்து கேட்டபோது அவர்களுக்கு விருந்தளிக்க அவர்கள் மறுத்து விட்டனர். அச்சயமம் அக்குலத்தாரின் தலைவனை தேள் கொட்டிவிட்டது. அவனுக்காக அவர்கள் எல்லா முயற்சி களையும் செய்துபார்த்தனர்; எந்த முயற்சியும் பலன் அளிக்கவில்லை. அப்போது அவர்களில் சிலர், ‘‘இதோ! இங்கே நமக்கு அருகில் தங்கியிருக்கும் கூட்டத்தாரிடம் நீங்கள் சென்றால், அவர்களிடம் (இதற்கு மருந்து) ஏதேனும் இருக்கலாம்” என்று கூறினர். அவ்வாறே அவர்களும் நபித்தோழர் களிடம் வந்து, ‘‘கூட்டத்தாரே! எங்கள் தலைவரைத் தேள் கொட்டிவிட்டது; அவருக்காக அனைத்து முயற்சிகளையும் செய்தோம்; (எதுவுமே) அவருக்குப் பயன் அளிக்கவில்லை. உங்களில் எவரிடமாவது (மருந்து) ஏதேனும் இருக்கிறதா?” என்று கேட்டனர். அப்போது, நபித்தோழர்களில் ஒருவர், ‘‘ஆம்! அல்லாஹ்வின் மீதாணையாக! நான் ஓதிப்பார்க்கிறேன்; என்றாலும், அல்லாஹ்வின் மீதாணையாக! நாங்கள் உங்களிடம் விருந்து கேட்டு நீங்கள் விருந்து தராததால் எங்களுக்கென்று ஒரு கூலியை நீங்கள் தராமல் ஓதிப்பார்க்க முடியாது” என்றார். அவர்கள் (முப்பது ஆடுகள் கொண்ட) ஓர் ஆட்டு மந்தை அளிப்பதாகப் பேசி ஒப்பந்தம் செய்தனர். நபித்தோழர் ஒருவர், தேள் கொட்டப்பட்டவர்மீது ‘அல்ஹம்து லில்லாஹி ரப்பில் ஆலமீன்...’ என்று ஓதி (இலேசாக) உமிழ்ந்தார். உடனே பாதிக்கப்பட்டவர். கட்டுகளிலிருந்து அவிழ்த்து விடப்பட்டவரைப் போன்று நடக்க ஆரம்பித்தார். வேதனையின் அறிகுறியே அவரிடம் தென்படவில்லை. பிறகு, அவர்கள் பேசிய கூலியை முழுமையாகக் கொடுத்தார்கள். ‘‘இதைப் பங்கு வையுங்கள்” என்று ஒருவர் கேட்டபோது, ‘‘நபி (ஸல்) அவர்களிடம் சென்று நடந்ததைக் கூறி, அவர்கள் என்ன கட்டளையிடுகிறார்கள் என்பதைத் தெரிந்துகொள்ளாமல் அவ்வாறு செய்யக் கூடாது” என்று ஓதிப்பார்த்தவர் கூறினார். நபி (ஸல்) அவர்களிடம் நபித்தோழர்கள் வந்து நடந்ததைக் கூறினார்கள். அப்போது நபி (ஸல்) அவர்கள் ‘‘அது (அல்ஹம்து அத்தியாயம்) ஓதிப்பார்க்கத் தக்கது என்று உமக்கு எப்படித் தெரியும்?” என்று கேட்டுவிட்டு, ‘‘நீங்கள் செய்தது சரிதான்; அந்த ஆடுகளை உங்களுக்கிடையே பங்கிட்டுக்கொள்ளுங்கள்! உங்களுடன் எனக்கும் ஒரு பங்கை ஒதுக்குங்கள்” என்று கூறிவிட்டுச் சிரித்தார்கள். இந்த ஹதீஸ் இரு அறிவிப்பாளர்தொடர்களில் வந்துள்ளது. அத்தியாயம் :