حَدَّثَنَـا أَحْمَدُ بْنُ دَاوُدَ بْنِ مُوسَى ، حَدَّثَنَـا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ الْجَوَّازُ ، حَدَّثَنَـا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ ، أَنَّ عَبْدًا لِقَوْمٍ أَغْنِيَاءَ قَطَعَ أُذُنَ عَبْدٍ لِقَوْمٍ فُقَرَاءَ فَلَمْ يَجْعَلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ بَيْنَهُمَا قِصَاصًا حَدَّثَنَـا يَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ ، حَدَّثَنَـا بَكْرُ بْنُ خَلَفٍ ، حَدَّثَنَـا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ ، حَدَّثَنَـا أَبِي ثُمَّ ذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ ، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ : إِنَّ عَبْدًا لِقَوْمٍ فُقَرَاءَ قَطَعَ أُذُنَ عَبْدٍ لِقَوْمٍ أَغْنِيَاءَ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مَوْضِعٌ مِنَ الْفِقْهِ يَجِبُ أَنْ يُوقَفَ عَلَيْهِ ، وَهُوَ مَا يَخْتَلِفُ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيهِ مِنْ جِنَايَاتِ الْعَبِيدِ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ . فَكَانَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ تَقُولُ : لَا قَوَدَ بَيْنَهُمْ فِي ذَلِكَ ، مِنْهُمْ : أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ ، وَمِنْ قَوْلِهِمْ : إِنَّ الْقِصَاصَ بَيْنَهُمْ فِي الْأَنْفُسِ . وَطَائِفَةٌ تُوجِبُ الْقَوَدَ بَيْنَهُمْ فِي ذَلِكَ كَمَا تُوجِبُهُ بَيْنَ الْأَحْرَارِ فِيهِ . وَيَحْتَجُّ مَنْ ذَهَبَ إِلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَهْلِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ لِقَوْلِهِمْ ذَلِكَ بِحَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ الَّذِي قَدْ رُوِّينَاهُ ، وَيَحْتَجُّونَ لِقَوْلِهِمْ بِإِيجَابِ الْقِصَاصِ بَيْنَهُمْ فِي الْأَنْفُسِ كَمَا يُوجِبُهُ بَيْنَ الْأَحْرَارِ فِيهَا
بِمَا حَدَّثَنَـا ابْنُ أَبِي دَاوُدَ ، حَدَّثَنَـا مُسَدَّدُ بْنُ مُسَرْهَدٍ ، حَدَّثَنَـا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنِ الْحَسَنِ ، عَنْ قَيْسِ بْنِ عَبَّادٍ قَالَ : انْطَلَقْتُ أَنَا وَالْأَشْتَرُ ، إِلَى عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فَقُلْنَا : هَلْ عَهِدَ إِلَيْكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ عَهْدًا لَمْ يَعْهَدْهُ إِلَى النَّاسِ ؟ قَالَ : لَا ، إِلَّا مَا فِي كِتَابِهِ هَذَا ، فَأَخْرَجَ كِتَابًا مِنْ قِرَابِ سَيْفِهِ ، فَإِذَا فِيهِ : الْمُؤْمِنُونَ تَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ ، وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ ، وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ ، لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ ، وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ ، وَمَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا فَعَلَى نَفْسِهِ ، وَمَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا ، أَوْ آوَى مُحْدِثًا ، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ فَكَانَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إِخْبَارُ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ بِتَكَافُؤِ دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ ، وَإِخْبَارُهُ أَنَّهُ يَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ وَهُوَ الْعَبْدُ ، وَفِي ذَلِكَ مَا قَدْ دَلَّ أَنَّ دِمَاءَ الْعَبِيدِ تُكَافِئُ دِمَاءَ الْأَحْرَارِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ , وَفِي ذَلِكَ وُجُوبَ الْقَوَدِ بَيْنَ الْعَبِيدِ وَالْأَحْرَارِ ، فَفِيمَا بَيْنَهُمْ أَوْجَبُ . وَكَانَ تَصْحِيحُ هَذَا الْحَدِيثِ وَحَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ الَّذِي ذَكَرْنَا أَوْلَى بِأَهْلِ الْعِلْمِ فِيمَا يَحْمِلُونَ أَحَادِيثَ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مِنْ تَصْحِيحِهَا ، وَيَكُونُ مَا يُوجِبُهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِلَى الْوَجْهِ الَّذِي أُرِيدَ بِهِ مِنْ غَيْرِ رَفْعٍ مِنْهُمْ بَعْضًا بِبَعْضٍ ، فَوَجَبَ بِذَلِكَ قَوْلُ مَنْ ذَهَبَ فِي الْعَبِيدِ إِلَى الْقِصَاصِ بَيْنَهُمْ فِي الْأَنْفُسِ ، وَإِلَى تَرْكِهِ بَيْنَهُمْ فِيمَا دُونَهَا ، وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَنَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ عَلَى أَنَّ الْأَنْفُسِ لَمْ يَرِدْ فِيهَا الرُّجُوعُ إِلَى الْقِيَمِ ، وَجُعِلَتْ مُكَافِئَةً بَعْضُهَا لِبَعْضٍ ، وَعَلَى أَنَّ مَا دُونَ الْأَنْفُسِ رُدَّ إِلَى الْمُسَاوَاةِ ، وَإِلَى تَكَافُؤِ الْقِيَمِ فِيهِ مِنْ ذَوِي الْقِيَمِ وَهُوَ الْعَبِيدُ ، فَكَانَتِ الْقِيَمُ غَيْرَ مُدْرَكٍ حَقَائِقُهَا ، بَلْ إِلَى مَا يُرْجَعُ مِنْهَا إِلَى الْحَزْرِ وَالظَّنِّ الَّذِي لَا حَقِيقَةَ مَعَهُ ، وَالَّذِي قَدْ يَقَعُ فِيهِ الِاخْتِلَافُ بَيْنَ الْمُقَوِّمِينَ لَهُ ، فَيُقَوِّمُهُ بَعْضُهُمْ بِشَيْءٍ ، وَيُقَوِّمُهُ غَيْرُهُ مِنْهُمْ بِخِلَافِهِ . وَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ رُفِعَ الْقِصَاصُ بَيْنَ الْعَبِيدِ فِيمَا دُونَ الْأَنْفُسِ ، فَإِذَا ارْتَفَعَ عَنْهُمْ فِي ذَلِكَ كَانَ ارْتِفَاعُهُ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْأَحْرَارِ أَوْلَى ، وَمَا سِوَى ذَلِكَ مِمَّا لَا يُرَادُ فِيهِ رُجُوعٌ إِلَى قِيمَةٍ ، إِنَّمَا يُرَادُ فِيهِ أَخْذُ النَّفْسِ بِالنَّفْسِ ، تَسْتَوِي فِيهِ أَنْفَسُ الْأَحْرَارِ وَأَنْفُسُ الْعَبِيدِ ، فَيَكُونُ الْقِصَاصُ فِي ذَلِكَ بَيْنَهُمْ جَمِيعًا لَا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ . فَقَالَ قَائِلٌ : وَجَدْتُمْ هَذَا الْقَوْلَ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِمَّنْ هُوَ أَعْلَى مِمَّنْ ذَكَرْتُمْ مِنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ ؟ قِيلَ لَهُ : قَدْ وَجَدْنَا ذَلِكَ عَمَّنْ تَقَدَّمَهُمْ وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ
كَمَا حَدَّثَنَـا سُلَيْمَانُ بْنُ شُعَيْبٍ الْكَيْسَانِيُّ ، حَدَّثَنَـا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زِيَادٍ ، حَدَّثَنَـا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ الْحُرِّ ، عَنِ الْحَكَمِ : أَنَّ الْعَبْدَ لَا يُقَادُ مِنَ الْعَبْدِ فِي الْجِرَاحِ الْعَمْدِ ، وَلَا فِي الْخَطَأِ ، فَعَقْلُ الْمَجْرُوحِ عَلَى قَدْرِ ثَمَنِهِ عَلَى أَهْلِ الْجَارِحِ ، حَتَّى يُخَيَّرَ مَوْلَى الْجَارِحِ ، فَإِنْ شَاءَ فَدَى عَبْدَهُ ، وَإِنْ شَاءَ سَلَّمَهُ بِرُمَّتِهِ فَذَكَرَ ذَلِكَ الْحَكَمُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ ، وَالشَّعْبِيِّ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ . وَذَلِكَ أَنَّهُ جَعَلَهُ مَالًا ، فَدَلَّ ذَلِكَ أَنَّ مَذْهَبَ عَبْدِ اللَّهِ كَانَ أَنَّ مَا دُونَ النَّفْسِ مِنَ الْعَبِيدِ يُرَدُّ إِلَى الْمَالِ الَّذِي يُرَادُ فِيهِ التَّكَافُؤُ فِي الْقِيَمِ ، وَأَنَّهُمْ فِي الْأَنْفُسِ كَمَنْ سِوَاهُمْ مِنَ الْأَحْرَارِ ، وَلَا يُرْجَعُ فِي ذَلِكَ إِلَى قِيمَةٍ ، وَلَا إِلَى مَا سِوَاهَا . فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : فَإِبْرَاهِيمُ وَالشَّعْبِيُّ لَمْ يَلْقَيَا عَبْدَ اللَّهِ ؟ كَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ : أَنَّ إِبْرَاهِيمَ قَدْ رُوِّينَا عَنْهُ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا أَنَّهُ قَـالَ لِلْأَعْمَشِ لَمَّا قَـالَ لَهُ : إِذَا حَدَّثْتَنِي فَأَسْنِدْ ، فَقَـالَ لَهُ : إِذَا قُلْتُ : قَالَ عَبْدُ اللَّهِ ، فَلَمْ أَقُلْ ذَلِكَ حَتَّى حَدَّثَنِيهِ جَمَاعَةٌ عَنْهُ ، وَإِذَا قُلْتُ : حَدَّثَنِـي فُلَانٌ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ، فَهُوَ الَّذِي حَدَّثَنِـي ، فَأَخْبَرَ إِبْرَاهِيمُ بِذَلِكَ بِأَنَّ مَا لَا يَذْكُرُ فِيهِ مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَبْدِ اللَّهِ أَقْوَى مِمَّا يَذْكُرُهُ عَنْ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ
حَدَّثَنَـا مَالِكُ بْنُ يَحْيَى الْهَمْدَانِيُّ ، حَدَّثَنَـا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ ، أَخْبَرَنَـا الْجُرَيْرِيُّ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ أَبِي الْعَلَاءِ ، عَنْ أَخِيهِ مُطَرِّفٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مُرْنِي بِصِيَامٍ . قَالَ : صُمْ يَوْمًا وَلَكَ تِسْعَةٌ . قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنِّي أَجِدُ قُوَّةً فَزِدْنِي قَالَ : صُمْ يَوْمَيْنِ وَلَكَ ثَمَانِيَةُ أَيَّامٍ قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنِّي أَجِدُ قُوَّةً ، قَالَ : صُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَكَ سَبْعَةُ أَيَّامٍ ، فَمَا زَالَ يَحُطُّ بِهِ إِلَى أَنْ قَالَ : إِنَّ أَفْضَلَ الصَّوْمِ صَوْمُ دَاوُدَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ : صَوْمُ يَوْمٍ وَإِفْطَارُ يَوْمٍ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ : فَمَا أَصْعَبَهُ ، لَيْتَنِي كُنْتُ قَبِلْتُ مَا أَمَرَنِي بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ
حَدَّثَنَـا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ ، حَدَّثَنَـا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ ، حَدَّثَنَـا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ ، عَنْ شُعَيْبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَقَالَ : صُمْ يَوْمًا وَلَكَ عَشْرَةُ أَيَّامٍ قَالَ : زِدْنِي قَالَ : صُمْ يَوْمَيْنِ وَلَكَ تِسْعَةُ أَيَّامٍ قَالَ : زِدْنِي فَإِنَّ بِي قُوَّةً ، قَالَ : صُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَكَ ثَمَانِيَةُ أَيَّامٍ قَـالَ ثَابِتٌ : فَحَدَّثْتُ بِذَلِكَ مُطَرِّفًا فَقَالَ : مَا أُرَاهُ إِلَّا زَادَ فِي الْعَمَلِ ، وَتَنَقَّصَ مِنَ الْأَجْرِ وَحَدَّثَنَـا عَلِيُّ بْنُ شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَـا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ ، حَدَّثَنَـا حَمَّادٌ ، ثُمَّ ذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ : أَنَّهُ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ جَعَلِ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فِي صَوْمِ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ عَشْرَةَ أَيَّامٍ ، بِمَعْنَى ثَوَابَ صِيَامِ عَشْرَةَ أَيَّامٍ ، ثُمَّ جَعَلَهُ بِالْيَوْمِ الَّذِي زَادَهُ إِيَّاهُ تِسْعَةَ أَيَّامٍ بِمَعْنَى ثَوَابَ صِيَامِ تِسْعَةِ أَيَّامٍ وَبِالْيَوْمِ الَّذِي زَادَهُ إِيَّاهُ بَعْدَ ذَلِكَ ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ بِمَعْنَى ثَوَابِ صِيَامِ ثَمَانِيَةِ أَيَّامٍ . فَقَالَ قَائِلٌ : فَكَيْفَ يَكُونُ هَذَا هَكَذَا ، وَمَنْ كَثُرَ عَمَلُهُ أَوْلَى بِالثَّوَابِ مِمَّنْ قَلَّ عَمَلُهُ ، لِأَنَّ كُلَّ يَوْمٍ مِنْ تِلْكِ الْأَيَّامِ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ وَيَسْتَحِقُّ صَائِمُهُ ثَوَابَهُ ، فَكَيْفَ يَكُونُ ثَوَابُهُ فِي صَوْمِ يَوْمَيْنِ دُونَ ثَوَابِهِ فِي صَوْمِ يَوْمٍ ، وَيَكُونُ ثَوَابُهُ فِي صَوْمِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ دُونَ ثَوَابِهِ فِي صِيَامِ يَوْمَيْنِ ؟ فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ : أَنَّ الْيَوْمَ الْأَوَّلَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَمَرَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو بِصِيَامِهِ لِمَا يَكُونُ فِي صِيَامِهِ مِنَ الْجَزَاءِ ، وَهُوَ عَشْرَةُ أَمْثَالِهَا ، وَيَكُونُ فِي ذَلِكَ الْقُوَّةُ عَلَى الصَّلَاةِ ، وَعَلَى قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ ، وَعَلَى مَا سِوَاهُمَا مِنَ الْأَعْمَالِ الَّتِي يُتَقَرَّبُ بِهَا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مِمَّا بَعْضُهَا أَفْضَلُ مِنَ الصِّيَامِ ، كَمَثْلِ مَا رُوِّينَا فِيمَا تَقَدَّمَ مِنَّا فِي كِتَابِنَا هَذَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ ، أَنَّهُ كَانَ لَا يَصُومُ ، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ ، فَقَالَ : إِنِّي إِذَا صُمْتُ ضَعُفْتُ عَنِ الْقُرْآنِ ، هَكَذَا فِي حَدِيثِ غَيْرِهِمْ عَنْهُ : ضَعُفْتُ عَنِ الصَّلَاةِ وَالْقُرْآنِ ، وَالصَّلَاةُ عَلَى مَا فِي حَدِيثِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الصِّيَامِ ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو بِالصِّيَامِ الَّذِي بِهِ مَعَهَا قُوَّتُهُ الَّتِي يَتَّصِلُ بِهَا إِلَى هَذِهِ الْأَعْمَالِ ، وَيَقْوَى بِهَا عَلَيْهَا ، فَلَمَّا قَالَ لَهُ : زِدْنِي ، زَادَهُ يَوْمًا ، يَكُونُ ذَلِكَ الْيَوْمُ مَعَ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ صِيَامَ يَوْمَيْنِ ، وَيَكُونُ بِذَلِكَ مِنَ الضَّعْفِ أَكْثَرَ مِمَّا يَكُونُ عَلَيْهِ بِصِيَامِ الْوَاحِدِ ، فَيُنْقِصُ بِذَلِكَ حَقَّهُ مِنَ الْأَشْيَاءِ الَّتِي بَعْضُهَا أَفْضَلُ مِنَ الصِّيَامِ ، فَرَدَّ ثَوَابَهُ عَلَى الْيَوْمَيْنِ اللَّذَيْنِ يَصُومُهُمَا مَعَ تَقْصِيرِهِ عَنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ إِلَى دُونَ ثَوَابِهِ فِي صِيَامِهِ الْيَوْمَ الَّذِي مَعَهُ فِي صِيَامِهِ إِيَّاهُ إِدْرَاكُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ ، وَكَذَلِكَ أَيْضًا رَدَّهُ فِي صِيَامِ الثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ إِلَى مَا رَدَّهُ إِلَيْهِ مِنَ الثَّوَابِ فِي صِيَامِهَا مِمَّا هُوَ أَقَلُّ مِنَ الثَّوَابِ عَلَى صِيَامِ الْيَوْمَيْنِ لِهَذَا الْمَعْنَى ، وَمَنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَانَ مِنْ جَوَابِ مُطَرِّفٍ لِثَابِتٍ مَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ عَنْهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ هُوَ لِذَلِكَ الْمَعْنَى
حَدَّثَنَـا يُونُسُ ، وَعِيسَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْغَافِقِيُّ قَالَا : حَدَّثَنَـا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ ، عَنْ عَمْرٍو وَهُوَ ابْنُ دِينَارٍ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَوْسٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : أَحَبُّ الصِّيَامِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى صِيَامُ دَاوُدَ ، كَانَ يَصُومُ يَوْمًا ، وَيُفْطِرُ يَوْمًا حَدَّثَنَـا بَكْرُ بْنُ إِدْرِيسَ ، حَدَّثَنَـا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسَ ، وَحَدَّثَنَـا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ ، حَدَّثَنَـا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ قَالَا : حَدَّثَنَـا شُعْبَةُ ، عَنْ زِيَادِ بْنِ الْفَيَّاضِ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عِيَاضٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو ، يُحَدِّثُ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ
حَدَّثَنَـا بَكَّارُ بْنُ قُتَيْبَةَ ، وَعَلِيُّ بْنُ شَيْبَةَ قَالَا : حَدَّثَنَـا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ ، حَدَّثَنَـا ابْنُ جُرَيْجٍ ، أَخْبَرَنِـي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ ، أَنَّ عَمْرَو بْنَ أَوْسٍ ، أَخْبَرَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، قَالَ : أَحَبُّ الصِّيَامِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ صِيَامُ دَاوُدَ ، كَانَ يَصُومُ نِصْفَ الدَّهْرِ فَقَالَ قَائِلٌ : فَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ صَوْمَ دَاوُدَ كَانَ أَحَبَّ الصِّيَامِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَفِيهِ الزِّيَادَةُ عَلَى الصِّيَامِ الْمَذْكُورِ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا الْبَابِ فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ : أَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَ مَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَبَيْنَ مَا فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رُوِّينَاهُ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ ، لِأَنَّ الَّذِي فِي الْحَدِيثِ إِنَّمَا هُوَ إِخْبَارٌ عَنْ صَوْمِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَهُوَ وَمَنْ سِوَاهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ مَحْمُولٌ عَنْهُمْ فِي صِيَامِهِمْ مَا لَيْسَ بِمَحْمُولٍ عَمَّنْ سِوَاهُمْ ، أَلَا تَرَى إِلَى مَا رَوَوْا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِي مُوَاصَلَتِهِ الصِّيَامَ بَعْدَ نَهْيِهِ النَّاسَ عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ ، وَبَيَانِهِ لَهُمْ أَنَّهُ فِي ذَلِكَ بِخِلَافِهِمْ ، وَأَنَّهُ يُطْعَمُ وَيُسْقَى ، وَلَيْسُوا كَذَلِكَ ؟
كَمَا حَدَّثَنَـا يُونُسُ ، أَخْبَرَنَـا ابْنُ وَهْبٍ ، وَكَمَا حَدَّثَنَـا الْمُزَنِيُّ ، حَدَّثَنَـا الشَّافِعِيُّ ، قَـالَ يُونُسُ : إِنَّ مَالِكًا أَخْبَرَهُ ، وَقَالَ الْمُزَنِيُّ : أَخْبَرَنَـا مَالِكٌ ، ثُمَّ اجْتَمَعَا فَقَالَا : عَنْ نَافِعٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ نَهَى عَنِ الْوِصَالِ ، فَقِيلَ : إِنَّكَ تُوَاصِلُ ؟ فَقَالَ : لَسْتُ مِثْلَكُمْ ، إِنِّي أُطْعَمُ وَأُسْقَى
وَكَمَا حَدَّثَنَـا الْمُزَنِيُّ ، حَدَّثَنَـا الشَّافِعِيُّ ، أَخْبَرَنَـا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ الثَّقَفِيُّ ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : وَاصَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَوَاصَلُوا ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَقَالَ : لَوْ أَنَّ الشَّهْرَ يُمَدُّ لِي لَوَاصَلْتُ وِصَالًا يَدَعُ الْمُتَعَمِّقُونَ تَعَمُّقَهُمْ ، إِنِّي لَسْتُ مِثْلَكُمْ ، إِنِّي يُطْعِمُنِي رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ وَيَسْقِينِي أَوَلَا تَرَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ قَدْ كَانَ مَحْمُولًا عَنْهُ فِي صِيَامِهِ مِمَّا لَيْسَ مَحْمُولًا عَمَّنْ سِوَاهُ مِنْ أُمَّتِهِ ؟ فَكَانَ يُغْنَى بِذَلِكَ عَنِ الْإِفْطَارِ الَّذِي لَا يُغْنَى غَيْرُهُ مِنْ أُمَّتِهِ عَنْهُ ، وَكَانَ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ يُوَاصِلُ الْوِصَالَ الَّذِي كَانَ يُوَاصِلُهُ مِمَّا هُوَ مُبَاحٌ لَهُ لِلْمَعْنَى الَّذِي مَعَهُ مِمَّا لَيْسَ مَعَ غَيْرِهِ ، فَكَانَ غَيْرُهُ فِي ذَلِكَ مَذْمُومًا ، وَكَانَ هُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ مَحْمُودًا ، فَكَانَ دَاوُدُ ، صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ ، فِي صَوْمِهِ كَذَلِكَ ، وَكَانَ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ حَمِدَ اللَّهُ مِنْهُ صَوْمَهُ الَّذِي كَانَ يَصُومُهُ . وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى أَيْضًا ، وَيُوجِبُ تَفْضِيلَ قَلِيلِ الصِّيَامِ عَلَى كَثِيرِهِ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ مَعَ قَلِيلِهِ الْأَسْبَابُ الْمُتَقَرَّبُ بِهَا إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ
مَا قَدْ حَدَّثَنَـا أَبُو أُمَيَّةَ قَالَ : حَدَّثَنَـا عَلِيُّ بْنُ قَادِمٍ ، حَدَّثَنَـا مِسْعَرُ بْنُ كِدَامٍ ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ ، عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ : قَـالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : أَلَمْ أُنَبَّأْ أَنَّكَ تَصُومُ الدَّهْرَ ، وَتَقُومُ اللَّيْلَ ؟ . قَالَ : قُلْتُ : إِنِّي أَقْوَى ، قَالَ : إِذَا فَعَلْتَ نَفِهَتْ لَكَ النَّفْسُ ، وَهَجَمَتْ لَكَ الْعَيْنُ ، قَالَ : قُلْتُ : إِنِّي أَقْوَى ، قَالَ : صُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ . قَالَ : قُلْتُ : إِنِّي أَقْوَى ، قَالَ : صُمْ صَوْمَ أَخِي دَاوُدَ كَانَ يَصُومُ يَوْمًا ، وَيُفْطِرُ يَوْمًا ، وَلَا يَفِرُّ إِذَا لَاقَى وَمَا قَدْ حَدَّثَنَـا يُونُسُ ، حَدَّثَنَـا أَسَدُ بْنُ مُوسَى ، حَدَّثَنَـا شُعْبَةُ ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا الْعَبَّاسِ ، رَجُلًا مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ ، وَكَانَ شَاعِرًا ، وَكَانَ لَا يُتَّهَمُ فِي الْحَدِيثِ قَالَ : سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو ، ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ أَوَلَا تَرَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ قَدْ أَخْبَرَ عَنْ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ كَانَ مَعَ صِيَامِهِ الصِّيَامُ الْمَذْكُورُ عَنْهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لَا يَفِرُّ إِذَا لَاقَى لِبَقَاءِ قُوَّتِهِ ، وَأَنَّ الصَّوْمَ الَّذِي كَانَ مِنْهُ لَمْ يُخْرِجْهُ عَمَّا كَانَ مِنْهُ مِنَ الْقُوَّةِ عَلَى مِثْلِ هَذَا ، وَأَنَّ مَنْ سِوَاهُ فِي ذَلِكَ لَيْسَ كَهُوَ ، لِمَا دَخَلَ عَلَيْهِ مِنَ الضَّعْفِ فِي بَدَنِهِ الَّذِي يَقْطَعُ عَنْ ذَلِكَ ؟ فَدَلَّ ذَلِكَ أَنَّ الَّذِيَ حَمِدَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ دَاوُدَ مِنْ ذَلِكَ الصِّيَامِ كَانَ لِذَلِكَ الْمَعْنَى ، وَأَنَّ الَّذِي أَحَبَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ، وَاخْتِيَارِهِ لَهُ مِنَ الصِّيَامِ هُوَ الَّذِي لَا يَقْطَعُهُ عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي الْآثَارِ الَّتِي رُوِّينَاهَا عَنْهُ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِي ذَلِكَ . وَقَدْ وَجَدْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَضَّلَ بَعْضَ الْمُفْطِرِينَ عَلَى الصَّائِمِينَ فِي بَعْضِ الْمَوَاطِنِ
حَدَّثَنَـا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ يُونُسَ ، أَخْبَرَنَـا أَبُو مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرُ ، عَنْ عَاصِمٍ ، عَنْ مُوَرِّقٍ الْعِجْلِيِّ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِي سَفَرٍ ، فَنَزَلْنَا فِي يَوْمٍ شَدِيدِ الْحَرِّ ، فَمِنَّا الصَّائِمُ وَمِنَّا الْمُفْطِرُ ، وَأَكْثَرُنَا ظِلَالًا صَاحِبُ الْكِسَاءِ ، وَمِنَّا مَنْ يَتَّقِي الشَّمْسَ بِيَدِهِ ، فَسَقَطَ الصُّوَّامُ , وَقَامَ الْمُفْطِرُونَ فَضَرَبُوا الْأَبْنِيَةَ ، وَسَقَوَا الرِّكَابَ ، فَقَـالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : ذَهَبَ الْمُفْطِرُونَ بِالْأَجْرِ الْيَوْمَ أَلَا تَرَى إِلَى مَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ تَفْضِيلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ الْمُفْطِرِينَ الَّذِينَ قَوَوْا بِإِفْطَارِهِمْ عَلَى الْأَفْعَالِ الَّتِي فَعَلُوهَا مِمَّا قَوَوْا بِهَا عَلَى مَا هُمْ فِيهِ أَنَّهُمْ قَدْ جَعَلُوا بِذَلِكَ الْعَمَلَ مَعَ إِفْطَارِهِمْ أَفْضَلُ مِنَ الصِّيَامِ الَّذِي عَجَزَ عَنْهُ الصَّائِمُونَ فِي صَوْمِهِمْ . وَفِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ هَذَا كَشْفُ الْمَعَانِي الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِيمَا تَقَدَّمَ مِنَّا فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا الْبَابِ
حَدَّثَنَـا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، حَدَّثَنَـا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْبَزَّازُ الْمَعْرُوفُ بِصَاعِقَةَ ، أَخْبَرَنَـا مُسْلِمٌ الْجَرْمِيُّ ، حَدَّثَنَـا مَخْلَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ ، عَنْ هِشَامٍ ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ حَتَّى يَجْرِيَ فِيهِ الصَّاعَانِ ، فَيَكُونَ لِصَاحِبِهِ الزِّيَادَةُ ، وَعَلَيْهِ النُّقْصَانُ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : فَتَأَمَّلْنَا هَذَا الْحَدِيثَ ، فَكَانَ أَحْسَنَ مَا حَضَرَنَا فِيهِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ أُرِيدَ بِهِ اكْتِيَالُ مُبْتَاعِ الطَّعَامِ بَعْدَ ابْتِيَاعِهِ إِيَّاهُ مِمَّنْ كَانَ بَاعَهُ إِيَّاهُ قَبْلَ ذَلِكَ ، ثُمَّ كَانَ بَيْعُهُ إِيَّاهُ مِنْ مُبْتَاعٍ سِوَاهُ كَيْلًا ، فَكَانَ الْبَيْعُ لَا يَحِلُّ لِذَلِكَ الْمُبْتَاعِ فِي ذَلِكَ الطَّعَامِ حَتَّى يَكْتَالَ مِنْهُ الِاكْتِيَالَ الَّذِي يَجِبُ لَهُ عَلَيْهِ بِحَقِّ الْبَيْعِ الَّذِي بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ مِمَّا قَدْ تَقَدَّمَ اكْتِيَالُ بَائِعِهِ إِيَّاهُ مِنَ الْبَائِعِ الَّذِي كَانَ بَاعَهُ إِيَّاهُ قَبْلَ بَيْعِهِ إِيَّاهُ ذَلِكَ الْبَيْعَ الثَّانِي ، فَيَكُونُ الْبَيْعُ لَا يَحِلُّ لِلْمُبْتَاعِ الثَّانِي فِيمَا قَدِ ابْتَاعَهُ مِنَ الْبَائِعِ الَّذِي كَانَ ابْتَاعَهُ كَيْلًا إِلَّا بَعْدَ أَنْ يَتَقَدَّمَهُ الِاكْتِيَالِانِ بِالصَّاعِ الَّذِي يُكَالُ بِهِ ذَلِكَ الطَّعَامُ . فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : وَلِمَ احْتِيجَ إِلَى ذِكْرِ مَا كَانَ بَيْنَ الْبَائِعِ وَبَائِعِهِ فِي هَذَا الطَّعَامِ ، وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الطَّعَامُ قَدْ صَارَ إِلَيْهِ بِمَا لَا اكْتِيَالَ لَهُ فِيهِ ، مِنْ وَاهِبٍ لَهُ ذَلِكَ الطَّعَامَ ، أَوْ مُتَصَدِّقٍ عَلَيْهِ بِهِ ؟ فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ : أَنَّ الْقَوْمَ كَانُوا تُجَّارًا يَبْتَاعُونَ وَيَبِيعُونَ ، فَخُوطِبُوا فِي ذَلِكَ بِمَا خُوطِبُوا بِهِ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ إِيجَازًا مِنَ الْمُخَاطِبِ لَهُمْ بِهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، لِأَنَّهُمْ عَلِمُوا بِذَلِكَ الْحُكْمَ فِي بَيْعَيْنِ يُوجِبُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا اكْتِيَالًا غَيْرَ الِاكْتِيَالِ الَّذِي يُوجِبُ الْبَيْعُ الْآخَرُ مِنْ ذَيْنِكَ الْبَيْعَيْنِ ، وَلَوْ خَاطَبَهُمْ بِذَلِكَ فِي الْبَيْعِ الْآخَرِ مِنْ ذَيْنِكَ الْبَيْعَيْنِ لَمَا عَلِمُوا بِذَلِكَ حُكْمَ الْبَيْعِ الْأَوَّلِ مِنْهُمَا ، وَقَدْ زَادَهُمْ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مَعْنًى حَسَنًا مِمَّا يَحْتَاجُ الْفُقَهَاءُ إِلَيْهِ فِي هَذَا الْمَعْنَى ، وَهُوَ أَنَّ الزِّيَادَةَ الَّتِي تَكُونُ فِي الْكَيْلِ الثَّانِي عَلَى الْكَيْلِ الْأَوَّلِ تَكُونُ لِلْبَائِعِ ، وَلَا يَمْنَعُهُ مِنْ ذَلِكَ دُخُولُهُمَا فِيمَا كِيلَ لَهُ بِالِاكْتِيَالِ الْأَوَّلِ . وَفِي ذَلِكَ مَا قَدْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَا يَجْرِي بَيْنَ النَّاسِ مِمَّا يَسْتَعْمِلُونَ فِيهِ الْكَيْلَ قَدْ يَقَعُ فِيهِ بَيْنَهُمُ اخْتِلَافٌ ، وَيَزِيدُ بَعْضُهُمْ فِيهِ عَلَى بَعْضٍ ، وَيُنْقِصُ بَعْضُهُمْ عَمَّا كَانَ غَيْرُهُمْ يَتَجَاوَزُ بِهِ فِيهِ ، وَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ مِنِ اسْتِعْمَالِهِ إِذْ كَانَ رَأْيًا كَمَا تُسْتَعْمَلُ الْآرَاءُ فِي الْحَوَادِثِ فِي أُمُورِ الدِّينِ مِمَّا لَا تَوْقِيفَ فِيهَا ، وَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ وُقُوعُ الِاخْتِلَافِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِيهَا ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ
حَدَّثَنَـا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمُرَادِيُّ ، حَدَّثَنَـا أَسَدُ بْنُ مُوسَى ، حَدَّثَنَـا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ : أَخْبَرَنِـي أَبُو الزُّبَيْرِ ، أَنَّهُ سَمِعَ طَاوُسًا ، وَعِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ ، يُخْبِرَانِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، أَنَّ ضُبَاعَةَ بِنْتَ الزُّبَيْرِ ، قَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ حِينَ قَالَتْ لَهُ : إِنِّي امْرَأَةٌ ثَقِيلَةٌ ، وَإِنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ ، فَكَيْفَ تَأْمُرُنِي أُهِلُّ ؟ قَـالَ أَهِلِّي ، وَاشْتَرِطِي أَنَّ مَحِلِّي حَيْثُ تَحْبِسُنِي فَأَدْرَكَتِ الْحَجَّ وَحَدَّثَنَـا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ زَيْدٍ ، حَدَّثَنَـا عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِي ، حَدَّثَنَـا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ ، أَخْبَرَنَـا ابْنُ جُرَيْجٍ ، أَخْبَرَنِـي أَبُو الزُّبَيْرِ ، أَنَّهُ سَمِعَ طَاوُسًا ، وَعِكْرِمَةَ ، يُخْبِرَانِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ
وَحَدَّثَنَـا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ ، حَدَّثَنَـا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ ، حَدَّثَنَـا رَبَاحُ بْنُ أَبِي مَعْرُوفٍ ، عَنْ عَطَاءٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ قَـالَ لِضُبَاعَةَ : حُجِّي وَاشْتَرِطِي أَنَّ مَحِلِّي حَيْثُ تَحْبِسُنِي
وَحَدَّثَنَـا فَهْدُ بْنَ سُلَيْمَانَ ، حَدَّثَنَـا عَارِمٌ أَبُو النُّعْمَانِ ، حَدَّثَنَـا ثَابِتُ بْنُ يَزِيدَ ، حَدَّثَنَـا هِلَالٌ يَعْنِي ابْنَ خَبَّابٍ قَالَ : سَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ عَنِ الرَّجُلِ يَحُجُّ ، أَيَشْتَرِطُ ؟ قَالَ : الشَّرْطُ بَيْنَ النَّاسِ . قَالَ : فَحَدَّثَنِي عِكْرِمَةُ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : أَنَّ ضُبَاعَةَ بِنْتَ الزُّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَتَتْ إِلَى النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَحُجَّ ، فَكَيْفَ أَقُولُ ؟ قَالَ : قُولِي : لَبَّيْكَ ، وَمَحِلِّي مِنَ الْأَرْضِ حَيْثُ تَحْبِسُنِي ، فَإِنَّ لَكِ عَلَى ذَلِكَ مَا اسْتَثْنَيْتِ
حَدَّثَنَـا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ يُونُسَ ، حَدَّثَنَـا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ الْهَمْدَانِيُّ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ عَلَى ضُبَاعَةَ بِنْتِ الزُّبَيْرِ يَعُودُهَا . قَالَ : لَعَلَّكِ أَرَدْتِ الْحَجَّ . فَقَالَتْ : إِنِّي وَجِعَةٌ . قَالَ : حُجِّي وَاشْتَرِطِي ، قُولِي : اللَّهُمَّ حِلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي وَحَدَّثَنَـا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ زَيْدٍ ، حَدَّثَنَـا عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِي ، حَدَّثَنَـا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، حَدَّثَنَـا مَعْمَرٌ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَائِشَةَ ، مِثْلَهُ
وَحَدَّثَنَـا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ ، حَدَّثَنَـا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، أَخْبَرَنَـا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، أَخْبَرَنَـا مَعْمَرٌ ، عَنْ هِشَامٌ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ ضُبَاعَةَ بِنْتِ الزُّبَيْرِ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهَا وَهِيَ تَشْتَكِي ، فَذَكَرَتْ لَهُ الْحَجَّ . فَقَالَ : حُجِّي وَاشْتَرِطِي ، وَقُولِي : اللَّهُمَّ حِلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي فَاخْتَلَفَ مَعْمَرٌ ، وَالثَّوْرِيُّ عَلَى هِشَامٍ فِي إِسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنَ اخْتِلَافِهِمَا عَنْهُ فِيهِ . وَحَدَّثَنَـا نَصْرُ بْنُ مَرْزُوقٍ ، حَدَّثَنَـا الْخَصِيبُ ، حَدَّثَنَـا عُمَرُ بْنُ عَلِيٍّ الْمُقَدَّمِيُّ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي ذُؤَيْبٍ الْأَسْلَمِيِّ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، قَالَ لِضُبَاعَةَ . ثُمَّ ذَكَرَ الْحَدِيثَ مِثْلَ مَا فِي حَدِيثِ مَعْمَرٍ وَالثَّوْرِيِّ اللَّذَيْنِ ذَكَرْنَا سِوَاهُ مِنْ رُوَاةِ هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، وَاضْطَرَبَ عَلَيْنَا بِذَلِكَ حَدِيثُ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ هَذَا
وَحَدَّثَنَـا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ ، حَدَّثَنَـا عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ ، حَدَّثَنَـا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، حَدَّثَنَـا مَعْمَرٌ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ عُرْوَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ دَخَلَ عَلَى ضُبَاعَةَ بِنْتِ الزُّبَيْرِ فَقَالَتْ : إِنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ ، وَأَنَا شَاكِيَةٌ . فَقَالَ : حُجِّي ، وَاشْتَرِطِي أَنْ تَحِلِّي حَيْثُ تَحْتَبِسِينَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : وَلَمْ نَجِدْ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ عُرْوَةَ إِلَّا مَا قَدْ رُوِّينَاهُ عَنْهُ مِمَّا لَا اضْطِرَابَ فِيهِ . ثُمَّ رَجَعْنَا إِلَى هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ حَدِيثِ هِشَامٍ
فَوَجَدْنَا الرَّبِيعَ بْنَ سُلَيْمَانَ الْمُرَادِيَّ قَدْ حَدَّثَنَـا قَـالَ : حَدَّثَنَـا أَسَدٌ ، حَدَّثَنَـا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ ضُبَاعَةَ بِنْتِ الزُّبَيْرِ ، قَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ ، وَمَا أُرَانِي أَسْتَطِيعُ ؟ قَالَ : حُجِّي وَاشْتَرِطِي ، وَقُولِي : اللَّهُمَّ حِلِّي حَيْثُ تَحْتَبِسْنِي قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : هَكَذَا حَدَّثَنَـاهُ الرَّبِيعُ ، عَنْ أَسَدٍ ، عَنْ حَمَّادٍ ، عَنْ هِشَامٍ
وَحَدَّثَنَـا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ ، حَدَّثَنَـا حَجَّاجٌ ، حَدَّثَنَـا أَبُو سَلَمَةَ ، حَدَّثَنَـا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، أَنَّ ضُبَاعَةَ ، قَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَا أُرَانِي إِلَّا وَجِعَةً ، وَمَا أُرَانِي أَسْتَطِيعُ الْحَجَّ ؟ قَالَ : حُجِّي وَاشْتَرِطِي ، قُولِي : اللَّهُمَّ حِلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي فَخَالَفَ الْحَجَّاجُ أَسَدًا ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنِ اخْتِلَافِهِمَا عَنْهُ فِيهِ
وَحَدَّثَنَـا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي دَاوُدَ ، حَدَّثَنَـا يُوسُفُ بْنُ عَدِيٍّ ، حَدَّثَنَـا الْقَاسِمُ بْنُ مَالِكٍ الْمُزَنِيُّ ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ حَكِيمٍ قَالَ : حَدَّثَنِـي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ ، عَنْ جَدَّتِهِ ، قَالَتْ : دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ عَلَى ضُبَاعَةَ فَقَـالَ مَا مَنَعَكَ يَا عَمَّةُ مِنَ الْحَجِّ ؟ قَالَتْ : إِنِّي سَقِيمَةٌ ، وَأَخَافُ الْحَبْسَ . فَقَالَ : اخْرُجِي ، وَاشْتَرِطِي أَنَّ مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي وَهَذِهِ الْآثَارُ هِيَ الَّتِي وَجَدْنَاهَا فِي قِصَّةِ ضُبَاعَةَ فِي الِاشْتِرَاطِ فِي الْحَجِّ ، وَمِنْهَا مَا لَمْ يَقَعْ فِيهِ الِاضْطِرَابُ الَّذِي ذَكَرْنَا فِيهَا مَا تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ . فَنَظَرْنَا : هَلْ نَجِدُ مَا يَدْفَعُ ذَلِكَ فَوَجَدْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِي حَدِيثِ الْحَجَّاجِ بْنِ عَمْرٍو الْأَسْلَمِيِّ الَّذِي قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنَّا فِي كِتَابِنَا هَذَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، أَنَّهُ قَالَ : مَنْ كُسِرَ أَوْ عُرِجَ ، فَقَدْ حَلَّ ، وَعَلَيْهِ حِجَّةٌ أُخْرَى وَذَكَرَ عِكْرِمَةُ هَذَا الْحَدِيثَ ، وَذَكَرْنَا مَعَ ذَلِكَ مِنِ اخْتِيَارِ قَوْلِهِ فَقَدْ حَلَّ ، مَا ذَكَرْنَاهُ فِيهِ ، وَأَنَّهُ بِمَعْنَى : فَقَدْ حَلَّ لَهُ أَنْ يَحِلَّ ، وَكَانَ ذَلِكَ عَنْ غَيْرِ وُقُوفٍ مِنَّا عَلَى ذَلِكَ التَّأْوِيلِ بِرِوَايَةٍ تُوجِبُهُ وَتَمْنَعُ أَنْ يُتَأَوَّلَ عَلَى غَيْرِهِ ، ثُمَّ بَانَ لَنَا بَعْدَ ذَلِكَ لَمَّا وَقَفْنَا عَلَى حَدِيثِ ضُبَاعَةَ هَذَا ، أَنَّ الْأَوْلَى فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ أَنْ يَكُونَ خُرُوجًا مِنَ الْإِحْرَامِ الَّذِي حَدَثَتْ عَلَى صَاحِبِهِ فِيهِ تِلْكَ الْحَادِثَةُ الَّتِي تَمْنَعُهُ مِنَ النُّفُوذِ فِي حَجِّهِ . وَعَقَلْنَا بِذَلِكَ إِذْ لَمْ يَأْمُرِ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِيهِ ، وَلَا فِي حَدِيثِ ضُبَاعَةَ بِهَدْي كَانَ يُؤْمَرُ الْمَحْصُورُ بِالْهَدْيِ الَّذِي يَحِلُّ بِهِ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ الْحُكْمُ فِي الْبَدْءِ ، ثُمَّ جَعَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْحُكْمَ فِيمَنْ حُبِسَ عَنِ الْحَجِّ بِالْإِحْصَارِ الَّذِي يَحْبِسُهُ عَنْهُ مِنَ الْعَجْزِ فِي بَدَنِهِ ، وَمِمَّا سِوَى ذَلِكَ مِنَ الْعَدُوِّ الَّذِي يَصُدُّهُ عَنْهُ أَنَّ عَلَيْهِ الْهَدْيَ ، وَأَنَّهُ لَا يَحِلُّ إِلَّا بِنَحْرِ ذَلِكَ الْهَدْيِ ، لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : {{ وَأَتَمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْي مَحِلَّهُ }} ، فَكَانَتْ هَذِهِ آيَةً مُحْكَمَةً . وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَعَ تَصْدِيقِهِ الْحَجَّاجَ بْنَ عَمْرٍو ، وَمَا قَدْ ذَكَرْنَا تَصْدِيقَهُ إِيَّاهُ عَلَيْهِ
مَا قَدْ حَدَّثَنَـا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ ، حَدَّثَنَـا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ ، عَنِ الْأَعْمَشِ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ عَلْقَمَةَ : {{ وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ }} قَالَ : إِذَا أُحْصِرَ الرَّجُلُ ، بَعَثَ بِالْهَدْيِ {{ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مَنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ }} فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ، فَإِنْ عَجِلَ فَحَلَقَ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ الْهَدْي مَحِلَّهُ ، فَعَلَيْهِ فِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ : صِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ، أَوْ تَصَدُّقٌ عَلَى سِتَّةِ مَسَاكِينَ ، كُلُّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ ، وَالنُّسُكُ شَاةٌ ، فَإِذَا أَمِنْ مِمَّا كَانَ بِهِ {{ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ }} ، فَإِنْ مَضَى فِي وَجْهِهِ ذَلِكَ ، فَعَلَيْهِ حِجَّةٌ ، وَإِنَّ أَخَّرَ الْعُمْرَةَ إِلَى قَابِلٍ ، فَعَلَيْهِ حِجَّةٌ وَعُمْرَةٌ {{ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ }} آخِرُهَا يَوْمُ عَرَفَةَ . {{ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ }} قَـالَ إِبْرَاهِيمُ : فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فَقَالَ : هَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَعَقَدَ ثَلَاثِينَ
وَمَا قَدْ حَدَّثَنَـا أَبُو شُرَيْحٍ مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ يَحْيَى ، وَابْنُ أَبِي مَرْيَمَ قَالَا : حَدَّثَنَـا الْفِرْيَابِيُّ ، حَدَّثَنَـا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ ، عَنِ الْأَعْمَشِ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ عَلْقَمَةَ : {{ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ }} قَالَ : مَنْ حَبْسٍ أَوْ مِنْ مَرَضٍ قَـالَ إِبْرَاهِيمُ : فَحَدَّثْتُ بِهِ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ . فَقَالَ : هَكَذَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ . فَعَقَلْنَا بِذَلِكَ أَنَّ قَوْلَ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي تَصْدِيقِهِ الْحَجَّاجَ بْنَ عَمْرٍو فِي الْحِلِّ بِلَا هَدْي عِنْدَ الْكَسْرِ وَالْعَرَجِ ، وَكَانَ ذَلِكَ وَالْحُكْمُ كَانَ فِي الْبَدْءِ ، عَلَى مَا فِي ذَلِكَ الْحَدِيثِ ، وَأَنَّ قَوْلَهُ الَّذِي ذَكَرَهُ عَنْهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ مِنَ الْمَنْعِ مِنَ الْإِحْلَالِ مَعَ الْكَسْرِ وَالْعَرَجِ حَتَّى يَنْحَرَ الْهَدْيَ عَلَى مَا فِي الْآيَةِ الَّتِي تَلَوْنَا أَنَّ ذَلِكَ الْحُكْمَ الَّذِي عَادَ الْأَمْرُ إِلَيْهِ فِي هَذِهِ الْحَادِثَةِ ، وَأَنَّ حَدِيثَ ضُبَاعَةَ عَلَى مِثْلِ مَا كَانَ عَلَيْهِ حَدِيثُ الْحَجَّاجِ بْنِ عَمْرٍو ، وَأَنَّ النَّسْخَ قَدْ لَحِقَهَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ ، وَرُدَّ الْحُكْمُ إِلَى مَا فِيهَا ، وَيُمْنَعُ الْمُحْصَرُ بِالْكَسْرِ أَوِ الْعَرَجِ ، أَوْ بِمَا سِوَى ذَلِكَ أَنْ يَحِلَّ مِنْ إِحْرَامِهِ حَتَّى يُنْحَرَ عَنْهُ الْهَدْي . وَقَدْ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يُنْكِرُ الِاشْتِرَاطَ فِي الْحَجِّ ، وَيَقُولُ : حَسْبُكُمْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ ، يَعْنِي فِي الْمُحْصَرِ الْمُتَأَخِّرِ ، وَحُكْمُهَا فِي الْآيَةِ الَّتِي تَلَوْنَا . وَرَوَى عَنْهُ بَعْضُهُمْ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ لَمْ يَشْتَرِطْ فِي حَجِّهِ
كَمَا حَدَّثَنَـا يُونُسُ ، أَخْبَرَنَـا ابْنُ وَهْبٍ ، أَخْبَرَنِـي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، عَنْ سَالِمٍ قَالَ : كَانَ ابْنُ عُمَرَ يُنْكِرُ الِاشْتِرَاطَ فِي الْحَجِّ ، وَيَقُولُ : حَسْبُكُمْ سُنَّةُ نَبِيِّكُمْ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : إِنْ حُبِسَ أَحَدُكُمْ طَافَ بِالْبَيْتِ ، وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ، ثُمَّ حَلَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى يَحُجَّ عَامًا قَابِلًا ، وَيُهْدِي أَوْ يَصُومُ
وَكَمَا حَدَّثَنَـا عُبَيْدُ بْنُ رِجَالٍ ، حَدَّثَنَـا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ ، حَدَّثَنَـا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، أَخْبَرَنَـا مَعْمَرٌ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ سَالِمٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ الِاشْتِرَاطَ فِي الْحَجِّ ، وَيَقُولُ : أَمَا حَسْبُكُمْ سُنَّةُ نَبِيِّكُمْ أَنَّهُ لَمْ يَشْتَرِطْ ، فَإِذَا حَبَسَ أَحَدَكُمْ حَابِسٌ ، فَإِذَا وَصَلَ إِلَى الْبَيْتِ ، طَافَ بِالْبَيْتِ ، وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ، ثُمَّ يَحْلِقُ أَوْ يُقَصِّرُ ، ثُمَّ يَحِلُّ ، وَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ : قَالَ لَنَا عُبَيْدُ بْنُ رِجَالٍ : قَالَ أَحْمَدُ : هَذِهِ الْكَلِمَةُ : إِنَّهُ لَمْ يَشْتَرِطْ ، لَيْسَ يَقُولُهَا أَحَدٌ غَيْرُ مَعْمَرٍ ، فَهَذَا ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ مَا ذَكَرْنَا ، وَمُحَالٌ أَنْ يَكُونَ أَنْكَرَ ذَلِكَ إِلَّا بَعْدَ أَنْ بَلَغَهُ عَمَّنْ كَانَ يُحَدِّثُهُ مِمَّنْ ذَكَرْنَا أَوْ مِمَّنْ سِوَاهُمْ ، وَمُحَالٌ أَنْ يَكُونَ مَعَ وَرَعِهِ وَعِلْمِهِ يَدْفَعُ شَيْئًا يُرْوَى لَهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ إِلَّا بِمَا يَجِبُ لَهُ دَفْعُهُ بِهِ مِنْ نَسْخٍ لَهُ ، أَوْ بِمَا سِوَى ذَلِكَ . فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : فَإِنَّ ابْنَ عُمَرَ وَإِنْ كَانَ قَدْ دَفَعَ ذَلِكَ ، فَإِنَّ غَيْرَهُ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ قَدْ أَطْلَقَهُ ، وَأَمَرَ بِالْعَمَلِ بِهِ ؟
فَذَكَرَ مَا قَدْ حَدَّثَنَـا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ ، حَدَّثَنَـا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ ، حَدَّثَنَـا حَمَّادٌ ، أَخْبَرَنَـا أَيُّوبُ ، وَهِشَامٌ ، وَحَبِيبٌ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ كَانَ وَاقِفًا بِعَرَفَةَ ، إِذْ جَاءَ رَجُلٌ فَقَـالَ لَهُ عُثْمَانُ : أَمَا اشْتَرَطْتَ ؟ أَوْ هَلَّا اشْتَرَطْتَ ؟ فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ : إِنَّ هَذَا حَدِيثٌ مُنْقَطِعُ الْإِسْنَادِ ، لَا يَحْتَجُّ أَهْلُ الْحَدِيثِ بِمِثْلِهِ . فَقَالَ : قَدْ رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ فِي ذَلِكَ
فَذَكَرَ مَا قَدْ حَدَّثَنَـا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو ، حَدَّثَنَـا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ ، عَنْ هِشَامٍ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ : أَمَرَتْنِي عَائِشَةُ أَنْ أَشْتَرِطَ إِذَا حَجَجْتُ ، وَأَقُولُ : اللَّهُمَّ الْحَجَّ أَرَدْتُ ، وَإِلَيْهِ عَمَدْتُ ، فَإِنْ تَيَسَّرَ لِي فَإِنَّهُ الْحَجُّ ، وَإِنْ حُبِسْتُ فَإِنَّهَا عُمْرَةٌ فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ : أَنَّ مَا فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ هَذَا خِلَافُ مَا فِي حَدِيثِهَا عَنْ ضُبَاعَةَ ، لِأَنَّ الَّذِي فِي حَدِيثِهَا فِي قِصَّةِ ضُبَاعَةَ أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ أَمَرَهَا أَنْ تَشْتَرِطَ : أَنَّ مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي . فَذَلِكَ عَلَى إِحْلَالٍ يُخْرَجُ بِهِ مِنَ الْحَجِّ ، لَا إِلَى عُمْرَةٍ ، وَالَّذِي فِي حَدِيثِهَا الَّذِي أَمَرَتْ بِهِ عُرْوَةَ بِمَا أَمَرَتْهُ بِهِ فِيهِ عَلَى خُرُوجٍ مِنْهُ إِنْ حُبِسَ مِنْ حَجٍّ إِلَى عُمْرَةٍ ، وَذَلِكَ مُحْتَمِلٌ أَنْ تَكُونَ تِلْكَ الْعُمْرَةُ هِيَ الْعُمْرَةُ الَّتِي تَجِبُ عَلَى مَنْ يَفُوتُهُ الْحَجُّ حَتَّى يَحِلَّ بِهَا مِنْ ذَلِكَ الْحَجِّ . فَفِي حَدِيثِ عُرْوَةَ هَذَا دَلِيلٌ صَحِيحٌ عَلَى نَسْخِ مَا فِي حَدِيثِ ضُبَاعَةَ الَّذِي ذَكَرْنَا فَقَـالَ هَذَا الْقَائِلُ : فَقَدْ كَانَ النَّاسُ بَعْدَ عَائِشَةَ يَشْتَرِطُونَ
فَذَكَرَ مَا قَدْ حَدَّثَنَـا رَوْحُ بْنُ الْفَرَجِ ، حَدَّثَنَـا يُوسُفُ بْنُ عَدِيٍّ ، حَدَّثَنَـا أَبُو الْأَحْوَصِ ، عَنْ مُغِيرَةَ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ : كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ أَنْ يَشْتَرِطُوا عِنْدَ الْإِحْرَامِ فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ : أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ لَنَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا كَانُوا يَشْتَرِطُونَهُ عِنْدَ ذَلِكَ ، فَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَا فِي حَدِيثِ ضُبَاعَةَ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَا فِي حَدِيثِ عُرْوَةَ مِمَّا أَمَرَتْ فِيهِ عَائِشَةُ بِمَا أَمَرَتْهُ بِهِ فِيهِ . ثُمَّ نَظَرْنَا نَحْنُ فِيمَا كَانُوا يَشْتَرِطُونَ
فَوَجَدْنَا مُحَمَّدَ بْنَ خُزَيْمَةَ قَدْ حَدَّثَنَـا قَالَ : حَدَّثَنَـا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ ، حَدَّثَنَـا أَبُو عَوَانَةَ ، عَنْ مَنْصُورٍ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ : كَانُوا يَشْتَرِطُونَ فِي الْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ ، يَقُولُ : اللَّهُمَّ إِنِّي أَرَدْتُ الْحَجَّ إِنْ تَيَسَّرَ ، وَإِلَّا فَعُمْرَةً إِنْ تَيَسَّرَتْ ، وَإِلَّا فَلَا حَرَجَ عَلَيَّ فَوَقَفْنَا بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ الَّذِي كَانُوا يَشْتَرِطُونَهُ أَرَادَ بِهِ الْإِخْلَاصَ عَلَى مَا فِي حَدِيثِ عُرْوَةَ الَّذِي أَمَرَتْهُ فِيهِ عَائِشَةُ بِمَا أَمَرَتْهُ بِهِ فِي ذَلِكَ ، وَفِي ذَلِكَ تَوْكِيدُ نَسْخِ حَدِيثِ ضُبَاعَةَ . فَقَالَ هَذَا الْقَائِلُ : فَإِنَّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ : وَإِلَّا فَلَا حَرَجَ عَلَيَّ . فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ : أَنَّ قَوْلَهُمْ كَانَ : وَإِلَّا فَلَا حَرَجَ عَلَيَّ ، لَمْ يُفَسِّرْ لَنَا فِيهِ الَّذِينَ يَصِيرُونَ إِلَيْهِ حَتَّى لَا يَكُونَ عَلَيْهِمْ فِيهِ حَرَجٌ ، وَوَجْهُهُ عِنْدَنَا ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ ، أَنَّهُمْ أَرَادُوا بِقَوْلِهِمْ : لَا حَرَجَ ، أَيْ : لَا حَرَجَ عَلَيَّ فِي إِنْ لَمْ آتِ بِمَا أَحْرَمْتُ بِهِ عَلَى مَا يُوجِبُهُ إِحْرَامِي بِهِ عَلَيَّ ، فَلَا حَرَجَ عَلَيَّ فِي ذَلِكَ ، لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِاخْتِيَارِي ، وَإِنَّمَا هُوَ مِمَّا دَعَتْنِي الضَّرُورَةُ إِلَيْهِ . ثُمَّ نَظَرْنَا فِيمَا عَلَيْهِ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ فِي هَذَا الْبَابِ مِنْ أَهْلِ الْحَرَمَيْنِ ، وَمَنْ أَهْلِ الْأَمْصَارِ سِوَاهُمْ ، مِمَّنْ تَدُورُ عَلَيْهِمُ الْفُتْيَا ، كَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ ، وَكَمَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ ، وَكَالشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِ ، فِيمَنْ سِوَاهُمْ مِنْ أَمْثَالِهِمْ ، فَوَجَدْنَاهُمْ جَمِيعًا عَلَى خِلَافِ مَا فِي حَدِيثِ ضُبَاعَةَ ، فَكَانَ خِلَافُهُمْ لِذَلِكَ حُجَّةً فِي دَفْعِهِ إِجْمَاعًا ، وَاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَجْمَعُ أُمَّةَ نَبِيِّهِ عَلَى ضَلَالَةٍ ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ
حَدَّثَنَـا بَكَّارُ بْنُ قُتَيْبَةَ ، حَدَّثَنَـا أَبُو عَاصِمٍ ، حَدَّثَنَـا ابْنُ عَجْلَانَ ، عَنِ الْمَقْبُرِيِّ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ الزُّرَقِيِّ ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ صَلَّى بِهِمْ وَعَلَى عُنُقِهِ أُمَامَةُ بِنْتُ أَبِي الْعَاصِ ، فَإِذَا رَكَعَ وَضَعَهَا ، وَإِذَا قَامَ حَمَلَهَا وَحَدَّثَنَـا أَبُو أُمَيَّةَ ، حَدَّثَنَـا أَبُو عَاصِمٍ ، عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ ، حَدَّثَنَـا عَامِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ ، وَسَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيُّ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ الزُّرَقِيِّ ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، مِثْلَهُ وَحَدَّثَنَـا أَبُو أُمَيَّةَ ، حَدَّثَنَـا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ الْقَطَوَانِيُّ ، حَدَّثَنَـا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ ، حَدَّثَنِـي مُحَمَّدُ بْنُ عَجْلَانَ ، أَخْبَرَنِـي عَامِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ ، وَسَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيُّ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ الزُّرَقِيِّ ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، مِثْلَهُ وَحَدَّثَنَـا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ الرَّقِّيُّ ، حَدَّثَنَـا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، أَخْبَرَنِـي عَامِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ ، أَنَّ عَمْرَو بْنَ سُلَيْمٍ الزُّرَقِيَّ ، أَخْبَرَهُ : أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا قَتَادَةَ ، يَقُولُ : كَانَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ
وَحَدَّثَنَـا يُونُسُ ، أَخْبَرَنَـا ابْنُ وَهْبٍ ، أَنَّ مَالِكًا ، حَدَّثَهُ ، عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ الزُّرَقِيِّ ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي وَهُوَ حَامِلٌ أُمَامَةَ بِنْتَ زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، وَلِأَبِي الْعَاصِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ ، فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَهَا ، وَإِذَا قَامَ حَمَلَهَا
وَحَدَّثَنَـا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ ، حَدَّثَنَـا أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ ، حَدَّثَنَـا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ ، حَدَّثَنَـا الْمَقْبُرِيُّ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ الزُّرَقِيِّ قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا قَتَادَةَ ، يَقُولُ : بَيْنَا نَحْنُ جُلُوسٌ فِي الْمَسْجِدِ نَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ ، فَخَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَعَلَى عَاتِقِهِ ابْنَةُ ابْنَتِهِ أُمَامَةُ بِنْتُ أَبِي الْعَاصِ ، وَأُمُّهَا زَيْنَبُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، يَحْمِلُهَا عَلَى عَاتِقِهِ ، فَكَبَّرَ وَهِيَ عَلَى عَاتِقِهِ ، حَتَّى قَضَى صَلَاتَهُ وَهُوَ يَفْعَلُ بِهَا ذَلِكَ
وَحَدَّثَنَـا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي دَاوُدَ ، حَدَّثَنَـا مُسَدَّدٌ ، حَدَّثَنَـا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي عَتَّابٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ الزُّرَقِيُّ ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ ، أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ يَحْمِلُ أُمَامَةَ أَوْ أُمَيَّةَ بِنْتَ أَبِي الْعَاصِ بِنْتَ ابْنَتِهِ ، وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي ، يَحْمِلُهَا إِذَا قَامَ ، وَيَضَعُهَا إِذَا رَكَعَ ، حَتَّى فَرَغَ فَقَالَ قَائِلٌ : قَدْ جَاءَ هَذَا الْمَذْكُورُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مِنْ فَعْلِهِ إِيَّاهُ فِي صَلَاتِهِ حَتَّى فَرَغَ مِنْهَا بِهَذِهِ الْأَسَانِيدِ الصِّحَاحِ الْمَقْبُولَةِ ، فَمِنْ أَيْنَ تَمْنَعُونَ مِثْلَ ذَلِكَ وَتَنْهَوْنَ عَنْهُ ؟ فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ : أَنَّهُ قَدْ كَانَتْ أَشْيَاءَ فَعَلَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِي صَلَاتِهِ ، لَا اخْتِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ لَا يَصْلُحُ لِلنَّاسِ فِعْلُهَا فِي صَلَاتِهِمْ ، فَمِنْ ذَلِكَ مَدُّهُ يَدَهُ لِأَخْذِ الْعُنْقُودِ الَّذِي رَآهُ مِنَ الْجَنَّةِ وَهُوَ يُصَلِّي
كَمَا حَدَّثَنَـا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى ، أَخْبَرَنَـا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ ، أَنَّ مَالِكًا ، حَدَّثَهُ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ ، أَنَّهُ قَالَ : خُسِفَتِ الشَّمْسُ ، فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، ثُمَّ ذَكَرَ صَلَاةَ الْكُسُوفِ ، وَكَيْفَ صَلَّاهَا ، ثُمَّ ذَكَرَ فِي حَدِيثِهِ قَالَ : قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، رَأَيْنَاكَ تَنَاوَلْتَ شَيْئًا فِي مَقَامِكَ هَذَا ، ثُمَّ رَأَيْنَاكَ تَكَعْكَعْتَ ؟ فَقَالَ : إِنِّي رَأَيْتُ الْجَنَّةَ ، أَوْ أُرِيتُ الْجَنَّةَ ، فَتَنَاوَلْتُ مِنْهَا عُنْقُودًا ، وَلَوْ أَخَذْتُهُ لَأَكَلْتُمْ مِنْهُ مَا بَقِيَتِ الدُّنْيَا وَلَا اخْتِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِلْمُصَلِّي أَنْ يَفْعَلَ مِثْلَ هَذَا فِي صَلَاتِهِ . وَمِنْ ذَلِكَ مَا كَانَ مِنْهُ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِي إِبْلِيسَ وَهُوَ يُصَلِّي
كَمَا قَدْ حَدَّثَنَـا بَحْرُ بْنُ نَصْرٍ ، حَدَّثَنَـا ابْنُ وَهْبٍ ، حَدَّثَنِـي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ يَزِيدَ ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ : قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، فَسَمِعْنَاهُ وَهُوَ يَقُولُ : أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ ، ثُمَّ قَالَ : أَلْعَنُكَ بِلَعْنَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ثَلَاثًا . ثُمَّ بَسَطَ يَدَهُ كَأَنَّهُ يَتَنَاوَلُ شَيْئًا ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنَ الصَّلَاةِ قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، سَمِعْنَاكَ تَقُولُ فِي الصَّلَاةِ شَيْئًا لَمْ نَسْمَعْكَ تَقُولُهُ قَبْلَ ذَلِكَ ، وَرَأَيْنَاكَ بَسَطْتَ يَدَكَ فَقَالَ : إِنَّ عَدُوَّ اللَّهِ إِبْلِيسَ جَاءَ بِشِهَابٍ مِنْ نَارٍ لِيَجْعَلَهُ فِي وَجْهِي ، فَقُلْتُ : أَعُوذُ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْكَ ، فَلَمْ يَسْتَأْخِرْ ، فَقُلْتُ : أَلْعَنُكَ بِلَعْنَةِ اللَّهِ التَّامَّةِ ، فَلَمْ يَسْتَأْخِرْ ، ثُمَّ قُلْتُ ، فَلَمْ يَسْتَأْخِرْ ، ثُمَّ أَرَدْتُ أَخْذَهُ ، وَلَوْلَا دَعْوَةُ أَخِينَا سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ لَأَصْبَحَ مُوثَقًا يَلْعَبُ بِهِ وِلْدَانُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَلَا اخْتِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِلْمُصَلِّي أَنْ يَفْعَلَ مِثْلَ هَذَا فِي صَلَاتِهِ ، فَعَقَلْنَا بِذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ مِنَ الْأَقْوَالِ ، وَمِنَ الْأَفْعَالِ قَدْ كَانَتْ مُبَاحَةً فِي الصَّلَوَاتِ فِي الْأَوْقَاتِ الَّتِي فَعَلَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِي صَلَاتِهِ الَّتِي كَانَ فَعَلَ ذَلِكَ فِيهَا ، ثُمَّ نُسِخَتْ بَعْدَ ذَلِكَ ، فَعَادَتْ أَحْكَامُ الصَّلَوَاتِ إِلَى مَا أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَيْهِ مِنْهَا ، لِأَنَّهُمْ لَا يُجْمِعُونَ عَلَى خِلَافِ مَا فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ إِلَّا بَعْدَ ثُبُوتِ نَسْخِ ذَلِكَ ، وَرَدُّ الْأُمُورِ إِلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ مِمَّا يُخَالِفُهُ ، لِأَنَّهُمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ مَأْمُونُونَ عَلَى مَا فَعَلُوا ، كَمَا كَانُوا مَأْمُونِينَ عَلَى مَا رَوَوْا . قَالَ قَائِلٌ : فَهَلْ تَرَوْنَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ دَلِيلًا مِنْ أَقْوَالِهِ عَلَى مَا ذَكَرْتُمْ ؟ كَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ :
أَنَّ فَهْدَ بْنَ سُلَيْمَانَ قَدْ حَدَّثَنَـا قَـالَ : حَدَّثَنَـا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْأَصْبَهَانِيِّ ، أَخْبَرَنَـا شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنِ الْأَعْمَشِ ، عَنِ الْمُسَيِّبِ بْنِ رَافِعٍ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ : دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ الْمَسْجِدَ ، فَرَأَى قَوْمًا يُصَلُّونَ وَقَدْ رَفَعُوا أَيْدِيَهُمْ ، فَقَالَ : مَا لِي أَرَاكُمْ تَرْفَعُونَ أَيْدِيَكُمْ كَأَنَّهَا أَذْنَابُ خَيْلٍ شُمْسٍ ، اسْكُنُوا فِي الصَّلَاةِ فَكَانَ مَا فِي الْحَدِيثِ مِمَّا أَمَرَهُمْ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ دَلِيلًا عَلَى أَضْدَادِ مَا رُوِّينَا قَبْلَهُ مِنَ الْآثَارِ الْأُوَلِ ، لِأَنَّ السُّكُونَ الْمَأْمُورَ بِهِ فِيهِ ضِدُّ الْحَرَكَاتِ الْمَفْعُولَاتِ فِي الْآثَارِ الْأُوَلِ . فَإِنْ قَالَ : فَهَلْ دَلِيلٌ يَدُلُّ عَلَى النَّسْخِ لِذَلِكَ أَبْيَنُ مِنْ هَذَا ؟ فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ :
أَنَّ الْحُسَيْنَ بْنَ نَصْرٍ قَدْ حَدَّثَنَـا قَـالَ ، سَمِعْتُ يَزِيدَ بْنَ هَارُونَ ، . وَأَنَّ عَلِيَّ بْنَ شَيْبَةَ قَدْ حَدَّثَنَـا قَـالَ ، حَدَّثَنَـا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ، ثُمَّ اجْتَمَعَا فَقَـالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا : أَخْبَرَنَـا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ شُبَيْلٍ ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ : كُنَّا نَتَكَلَّمُ فِي الصَّلَاةِ حَتَّى نَزَلَتْ : {{ حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ }} ، فَأُمِرْنَا بِالسُّكُوتِ وَكَانَ الْقُنُوتُ هُوَ الْخُشُوعَ وَالْإِقْبَالَ عَلَى مَا فِيهِ الْقَانِتُ ، غَيْرَ مُتَشَاغِلٍ عَنْهُ بِغَيْرِهِ مِنْ فَعْلٍ وَمِنْ قَوْلٍ . فَفِيمَا ذَكَرْنَا مَا قَدْ دَلَّ عَلَى نَسْخِ مَا وَصَفْنَا مِمَّا هُوَ مِنْ أَضْدَادِ ذَلِكَ ، وَدَلِيلٌ عَلَى مَا كَانَ مِنْ أَضْدَادِ ذَلِكَ كَانَ فِي حَالِ تِلْكَ الْأَشْيَاءِ مُبَاحَةً فِيهَا ، ثُمَّ حُظِرَتْ بَعْدَهَا ، وَجَرَى الْعَمَلُ عَلَى مَا جَرَى عَلَيْهِ مِمَّا يُخَالِفُهَا وَيُوَافِقُ مَا بَيَّنَّا رِوَايَتَهُ ، وَلَمْ يَكُنِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَجْمَعُ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ عَلَى ضَلَالٍ ، وَفِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ هَذَا الْبَابِ كِفَايَةٌ ، وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ
حَدَّثَنَـا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ ، وَأَبُو أُمَيَّةَ قَالَا : حَدَّثَنَـا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ وَاللَّفْظُ لِإِبْرَاهِيمَ بْنِ مَرْزُوقٍ ، حَدَّثَنَـا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ ، حَدَّثَنِـي طَارِقُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، قَالَ : سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ كَعْبٍ - وَأَبُوهُ كَعْبٌ أَحَدُ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَدَّثَنِـي أَبُو أُمَامَةَ وَهُوَ مُسْنِدٌ ظَهْرَهُ إِلَى هَذِهِ السَّارِيَةِ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ ، مَسْجِدِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، قَالَ : كُنْتُ أَنَا وَأَبُوكَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ وأَخُوكَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ قُعُودًا عِنْدَ هَذِهِ السَّارِيَةِ ، وَنَحْنُ نَذْكُرُ الرَّجُلَ يَحْلِفُ عَلَى مَالِ الرَّجُلِ ، فَيَقْتَطِعُهُ بِيَمِينِهِ كَاذِبًا ، فَقَـالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : أَيُّمَا رَجُلٍ حَلَفَ بِمَالٍ كَاذِبًا ، فَاقْتَطَعَهُ بِيَمِينِهِ ، فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ الْجَنَّةُ ، وَوَجَبَتْ لَهُ النَّارُ فَقَـالَ أَخُوكَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا ؟ قَالَ : فَقَلَبَ مِسْوَاكًا بَيْنَ أُصْبُعَيْهِ وَقَالَ : وَإِنْ كَانَ سِوَاكًا مِنْ أَرَاكٍ ، وَإِنْ كَانَ عُودًا مِنْ أَرَاكٍ
وَحَدَّثَنَـا الْمُزَنِيُّ ، حَدَّثَنَـا الشَّافِعِيُّ ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، عَنْ مَعْبَدٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبٍ ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، قَالَ : مَنِ اقْتَطَعَ حَقَّ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ ، حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ ، وَأَوْجَبَ لَهُ النَّارَ . قَالُوا : وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا ؟ قَالَ : وَإِنْ كَانَ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ ، قَالَهَا ثَلَاثًا
وَحَدَّثَنَـا الْمُزَنِيُّ ، حَدَّثَنَـا الشَّافِعِيُّ ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ ، حَدَّثَنَـا جَامِعٌ ، وَعَبْدُ الْمَلِكِ ، سَمِعَا أَبَا وَائِلٍ ، يُحَدِّثُ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ يَقُولُ : مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ لِيَقْتَطِعَ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ ، لَقِيَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ ، ثُمَّ قَرَأَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : {{ إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا }} الْآيَةَ
وَحَدَّثَنَـا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ جَنَّادٍ ، حَدَّثَنَـا سَهْلُ بْنُ بَكَّارٍ ، حَدَّثَنَـا يَزِيدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، حَدَّثَنَـا حُمَيْدُ بْنُ هِلَالٍ ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، قَالَ : مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ لِيَقْتَطِعَ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ ، لَقِيَ اللَّهَ تَعَالَى وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ
وَحَدَّثَنَـا فَهْدٌ ، حَدَّثَنَـا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ الرِّيَاحِيُّ أَبُو حَفْصٍ ، حَدَّثَنَـا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ ، حَدَّثَنَـا رَوْحُ بْنُ الْقَاسِمِ ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَطَاءِ بْنِ أَبِي الْخُوَارِ ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ جُرَيْجٍ ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ الْبَرْصَاءِ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَهُوَ يَمْشِي بَيْنَ نَمِرَتَيْنِ مِنَ الْحِجَازِ : مَنْ أَخَذَ شَيْئًا مِنْ مَالِ أَخِيهِ بِيَمِينٍ فَاجِرَةٍ ، فَلْيَتَبَوَّأْ بَيْتًا فِي النَّارِ
وَحَدَّثَنَـا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ ، حَدَّثَنَـا إِبْرَاهِيمُ بْنُ بَشَّارٍ ، حَدَّثَنَـا سُفْيَانُ ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ ، عَنِ ابْنِ أَبِي الْخُوَارِ ، قَالَ : سَمِعْتُ الْحَارِثَ بْنَ مَالِكِ بْنِ الْبَرْصَاءِ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، قَالَ : - وَلَمْ يَذْكُرْ فِي حَدِيثِهِ عُبَيْدَ بْنَ جُرَيْجٍ - : مَنِ اقْتَطَعَ مِنْ مَالِ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينٍ كَاذِبَةٍ لَقِيَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ فَفِي هَذِهِ الْآثَارِ اقْتِطَاعُ الرَّجُلِ بِيَمِينِهِ كَاذِبًا مَالَ أَخِيهِ . فَسَأَلَ سَائِلٌ عَنْ ذَلِكَ الِاقْتِطَاعِ ، مَا هُوَ ؟ فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ : أَنَّ الِاقْتِطَاعَ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ ، هُوَ أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا غَصَبَ رَجُلًا شَيْئًا ، كَانَ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ أَنْ يُطَالِبَ بِهِ غَاصِبَهُ إِيَّاهُ ، وَكَانَ عَلَى غَاصِبِهِ إِحْضَارُهُ إِيَّاهُ ، وَكَانَ عَلَى الْحَاكِمِ أَنْ لَا يُحِيلَ بَيْنَ الْمُدَّعِي وَبَيْنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَتَّى يُعِينَهُ عَلَى الَّذِي يَدَّعِي عَلَيْهِ وَيُحْلِفُهُ ، وَإِذَا حَلَفَ لَهُ عَلَيْهِ خَلَّى الْحَاكِمُ بَيْنَ الْمَطْلُوبِ وَبَيْنَ ذَلِكَ الشَّيْءِ الَّذِي حَلَفَ عَلَيْهِ حَتَّى يَتَصَرَّفَ فِيهِ كَيْفَ شَاءَ ، فَيَكُونُ بِذَلِكَ مُقْتَطِعًا . وَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ لِلطَّلَبِ عَلَى مَا ادَّعَاهُ عَلَيْهِ فِيهِ كَانَ مَوْضِعًا يَخْتَلِفُ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيهِ ، غَيْرَ أَنَّ فِي إِجْمَاعِهِمْ عَلَى النُّكُولِ عَنِ الْيَمِينِ عَلَيْهِ مَا قَدْ دَلَّ أَنَّهُ قَدْ وَجَبَتْ بِذَلِكَ حُجَّةٌ لِمُدَّعِيهِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ . فَطَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ تَقُولُ : هِيَ الْقَضَاءُ لَهُ بِهِ حَتَّى يَسْتَحِقَّهُ الْمَقْضِيُّ لَهُ عَلَى الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ بِذَلِكَ ، وَمِمَّنْ كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ ، وَالثَّوْرِيُّ ، وَمَنْ كَانَ يَذْهَبُ إِلَى قَوْلِهِمَا . وَطَائِفَةٌ تَقُولُ : هِيَ وُجُوبُ الْحَلِفِ لِلْمُدَّعِي حَتَّى يَسْتَحِقَّهُ بِذَلِكَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ، وَحَتَّى يُقْضَى لَهُ بِهِ عَلَيْهِ ، وَقَدْ كَانَ قَبْلَ نُكُولِ الْمَطْلُوبِ عَنِ الْيَمِينِ لَا يَسْتَحِقُّهُ عَلَيْهِ بِحَلِفِهِ ، وَإِنَّمَا اسْتَحَقَّهُ بِذَلِكَ بَعْدَ نُكُولِ الْمَطْلُوبِ عَنِ الْيَمِينِ عَلَى ذَلِكَ ، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ نُكُولَ الْمَطْلُوبِ عَنِ الْيَمِينِ لِلطَّالِبِ حُجَّةٌ لِلطَّالِبِ كَانَ الْمَعْقُولُ أَنَّ مَنْ قَامَتْ لَهُ حُجَّةٌ لَا يُسْأَلُ مَعَهَا حُجَّةً أُخْرَى ، كَمَا إِذَا أَقَرَّ لَهُ الْمُدَّعِي بِمَا ادَّعَاهُ عَلَيْهِ ، قُضِيَ لَهُ بِهِ عَلَيْهِ ، وَلَمْ يُسْأَلْ إِقَامَةَ حُجَّةٍ عَلَيْهِ سِوَى ذَلِكَ الْإِقْرَارِ ، وَكَمَا إِذَا أَقَامَ عَلَيْهِ بَيِّنَةً فِي الشَّيْءِ الَّذِي ادَّعَاهُ عَلَيْهِ ، قُضِيَ لَهُ بِهِ عَلَيْهِ ، وَلَمْ يُسْأَلْ مَعَ الْبَيِّنَةِ الَّتِي هِيَ لَهُ عَلَيْهِ حُجَّةَ إِقَامَةِ حُجَّةٍ أُخْرَى مَعَهَا عَلَى مَا يَدَّعِيهِ ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ ، وَكَانَ النُّكُولُ عَنِ الْيَمِينِ حُجَّةً لِلْمُدَّعِي عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ، وَجَبَ أَنْ يُقْضَى لَهُ بِحُجَّتِهِ ، وَلَا يُكَلَّفُ إِقَامَةَ حُجَّةٍ أُخْرَى سِوَاهَا . كَمَا لَا يُكَلَّفُ إِقَامَةَ حُجَّةٍ مَعَ الْإِقْرَارِ الَّذِي هُوَ لَهُ حُجَّةٌ ، وَمَعَ الْبَيِّنَةِ الَّتِي هِيَ لَهُ حُجَّةٌ . وَقَدْ وَجَدْنَا عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هَذَا الْمَعْنَى بِعَيْنِهِ .
كَمَا حَدَّثَنَـا عُبَيْدُ بْنُ رِجَالٍ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالَحٍ حَدَّثَنَـا قُدَامَةُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قُدَامَةَ الْمَدِينِيُّ مَوْلَى أَشْجَعَ ، حَدَّثَنَـا مَخْرَمَةُ بْنُ بُكَيْرٍ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ : سَمِعْتُ جَعْفَرَ بْنَ رَبِيعَةَ يَقُولُ : سَمِعْتُ كَعْبَ بْنَ عَلْقَمَةَ يَقُولُ : سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَوْفٍ مِنْ أَهْلِ فِلَسْطِينَ يَقُولُ : أَمَرَتِ امْرَأَةٌ وَلِيدَةً لَهَا أَنْ تَضْطَجِعَ عِنْدَ زَوْجِهَا ، فَحَسِبَ أَنَّهَا جَارِيَتُهُ ، فَوَقَعَ عَلَيْهَا وَهُوَ لَا يَشْعُرُ . فَقَـالَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ : أَحْلِفُوهُ لَمَا شَعَرَ ، فَإِنْ أَبَى أَنْ يَحْلِفَ فَارْجُمُوهُ ، وَإِنْ حَلَفَ فَاجْلِدُوهُ مِائَةَ جَلْدَةٍ ، وَاجْلِدُوا امْرَأَتَهُ مِائَةَ جَلْدَةٍ ، وَاجْلِدُوا الْوَلِيدَةَ الْحَدَّ فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ حَكَمَ عُثْمَانُ لِإِبَائِهِ الْحَلِفَ بِحُكْمِ الْإِقْرَارِ ، وَلَا نَعْلَمُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ خِلَافًا مِنْهُمْ إِيَّاهُ فِي ذَلِكَ ، وَلَا إِنْكَارًا مِنْهُمْ إِيَّاهُ عَلَيْهِ ، وَفِي ذَلِكَ شَدُّ مَا وَصَفْنَا ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ