عنوان الفتوى : أحكام النظر وغائلته وما يجني على صاحبه
يا شيخنا قد أجبتموني على سؤالي في الفتوى رقم 75237+61311 بس أنا لم أفد شيئا وأنا أرجو منكم أن تفتوني فتوى بالتفصيل وبشكل واضح حتى أستطيع أن أبين لهم، ورغم أني حاولت كل المحاولات التي ذكرتها في الفتاوى السابقة وأرجو منكم أن تساعدوني في هذه الورطة. وجزاكم الله خيرا.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنشكرك على تواصلك معنا ومتابعتك واهتمامك، فمراجعة المعالج والمتابعة معه من أهم أسباب العلاج، ونسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياك من المتواصين بالحق والمتواصين بالصبر، ونسأله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يطهرك وأهل بيتك من المعاصي والفواحش ما ظهر منها وما بطن، وأن يباعد بينكم وبين خطاياكم كما باعد يبن المشرق والمغرب، وأن يكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان، إنه جوادٌ كريم.
وأما في الجواب عما سألت عنه فنفيدك أن النظر للمحرمات في التلفاز وغيرها محرم شرعا، فلا يجوز إطلاق النظر إلى الصور العارية والأفلام الجنسية، فإنه لا فرق في الحرمة بين رؤية العورات مباشرة أو رؤيتها في التلفاز لأن الأثر المترتب في كل الأحوال واحد، وهو حصول الفتنة وانظر الفتاوى ذات الأرقام التالية:1256، 3605، 6617، 59061، 3605، 1256، 68717، 54801
وأما العلاج فنجمله في نقاط:
1- الدعاء لك ولأهلك والفرار واللجوء إلى الله تعالى الهادي وملجأ المضطرين وغياث الملهوفين ومجير المستجيرين والمفرج الكروب والمصرف والمقلب القلوب ليصرف القلوب للطاعة، فادع بالدعاء المأثور: اللهم طهر قلبي من النفاق، وعملي من الرياء، ولساني من الكذب، وعيني من الخيانة، فانك تعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور. وادع للأهل أيضا بذلك وحضهم على الدعاء، وقدموا قبل الدعاء ما يعين على الاستجابة من اسم الله الأعظم ودعاء يونس، ففي مسند أحمد وسنن الترمذي والمستدرك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: دعوة ذي النون إذ دعا وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فإنه لم يدع بها مسلم ربه في شيء قط إلا استجاب له. والحديث صححه الحاكم ووافقه الذهبي والألباني.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كنت جالسا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجل قائم يصلي فلما ركع وسجد تشهد ودعا، فقال في دعائه: اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت المنان بديع السموات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم إني أسألك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه أتدرون بم دعا؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: والذي نفسي بيده لقد دعا الله باسمه العظيم الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى. رواه النسائي والإمام أحمد.
وفي الحديث أنه صلى الله عليه وسلم قال: إني لأعلم كلمة لا يقولها مكروب إلا فرج الله عنه: كلمة أخي يونس عليه السلام، لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين. والحديث رواه الترمذي من حديث سعد بن أبي وقاص. وفي سنن أبي داود وسنن ابن ماجه من حديث أسماء بنت عميس قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أعلمك كلمات تقولينهن عند الكرب أو في الكرب: الله، الله ربي لا أشرك به شيئا.
وروى أحمد وغيره عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أصاب أحدا قط هم ولا حزن فقال: اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك، ناصيتي بيدك ماض في حكمك عدل في قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو علمته أحدا من خلقك، أو أنزلته في كتابك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي، إلا أذهب الله همه وحزنه وأبدله مكانه فرجا. قال: فقيل: يا رسول، ألا نتعلمها؟ فقال: بلى، ينبغي لمن سمعها أن يتعلمها
ومن أهم ما يدعى به الدعاء المأثور في صحيح مسلم: اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى.
والدعاء الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم للرجل الذي قال له: يا رسول الله علمني دعاء أنتفع به، قال: قل: اللهم إني أعوذ بك من شر سمعي وبصري وقلبي ومنيي -يعني فرجه-. رواه أحمد وأصحاب السنن وصححه الألباني.
وفي الحديث عن أبي أمامة: أن فتى شابا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ائذن لي بالزنا فأقبل القوم عليه فزجروه وقالوا: مه مه، فقال: ادنه فدنا منه قريبا، قال: فجلس، قال: أتحبه لأمك؟ قال: لا والله جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم، قال: أفتحبه لابنتك؟ قال: لا والله يا رسول الله جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لبناتهم، قال: أفتحبه لأختك؟ قال: لا والله جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لأخواتهم، قال: أفتحبه لعمتك؟ قال: لا والله جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لعماتهم، قال: أفتحبه لخالتك؟ قال: لا والله جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لخالاتهم، قال: فوضع يده عليه وقال: اللهم اغفر ذنبه، وطهر قلبه، وحصن فرجه، فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء. رواه أحمد وغيره، وقال شعيب الأرناؤوط: إسناده صحيح، رجاله ثقات رجال الصحيح.
2-التبصير بفوائد غض النظر وبخطر إطلاق البصر للمحرمات، فالنظر للحرام سببٌ للشقاء والأمراض النفسية؛ فإن الإنسان يرى ما لا يصبر عليه ولا يقدر عليه كذلك، ومن هنا تتجلى عظمة هذه الشريعة التي أمرت بغض البصر وحفظ الفرج، ورتبت على ذلك طهارة النفوس وصفاء القلوب، قال تعالى: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ {النور:30} وقال تعالى في شأن التعامل مع أكرم نساء وأطهر جيل -جيل الصحابة الأبرار-: وَإذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ {الأحزاب:53}.
فإدمان النظر يجلب المصائب، وقد يوصل إلى عشق الصور الذي يوصل إلى الشرك بالله، إلى غير ذلك من المخاطر الكثيرة، وقد ذكر ابن القيم رحمه الله في كتابه الجواب الكافي كثيرا منها فقال:
أمر الله تعالى نبيه أن يأمر المؤمنين بغض أبصارهم وحفظ فروجهم، وأن يعلمهم أنه مشاهد لأعمالهم مطلع عليها يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، ولما كان مبدأ ذلك من قبل البصر جعل الأمر بغضه مقدما على حفظ الفرج، فإن الحوادث مبدؤها من النظر كما أن معظم النار مبدؤها من مستصغر الشرر، ثم تكون نظرة ثم تكون خطرة ثم خطوة ثم خطيئة. ولهذا قيل: من حفظ هذه الأربعة أحرز دينه: اللحظات والخطرات واللفظات والخطوات. فينبغي للعبد أن يكون بواب نفسه على هذه الأبواب الأربعة ويلازم الرباط على ثغورها فمنها يدخل عليه العدو فيجوس خلال الديار ويتبر ما علوا تتبيرا
وأكثر ما تدخل المعاصي على العبد من هذه الأبواب الأربعة فنذكر في كل واحد منها فصلا يليق به فأما اللحظات فهي رائد الشهوة ورسولها وحفظها أصل حفظ الفرج فمن أطلق نظره أورده موارد الهلاك، وقد قال النبي: يا علي لا تتبع النظرة النظرة فإنما لك الأولى وليست لك الثانية. وفي المسند عنه النظرة سهم مسموم من سهام إبليس فمن غض بصره عن محاسن امرأة أو أمرد لله أورث في قلبه حلاوة العبادة إلى يوم القيامة. هذا معنى الحديث. وقال: غضوا أبصاركم واحفظوا فروجكم. وقال: إياكم والجلوس على الطريق، قالوا: يا رسول الله مجالسنا ما لنا بد منها، قال: فإن كنتم لا بد فاعلين فأعطوا الطريق حقه، قالوا: وما حقه؟ قال: غض البصر وكف الأذى ورد السلام. والنظر أصل عامة الحوادث التي تصيب الإنسان فإن النظرة تولد خطرة ثم تولد الخطرة فكرة ثم تولد الفكرة شهوة ثم تولد الشهوة إرادة ثم تقوى فتصير عزيمة جازمة فيقع الفعل ولا بد ما لم يمنع منه مانع، وفي هذا قيل: الصبر على غض البصر أيسر من الصبر على ألم ما بعده. ولهذا قال الشاعر:
كل الحوادث مبدؤها من النظر * ومعظم النار من مستصغر الشرر
كم نظرة بلغت في قلب صاحبها * كمبلغ السهم بين القوس والوتر
والعبد ما دام ذا طرف يقلبه *في أعين العين موقوف على الخطر
يسر مقلته ما ضر مهجته *لا مرحبا بسرور عاد بالضرر.
ومن آفاته أنه يورث الحسرات والزفرات والحرقات فيرى العبد ما ليس قادرا عليه ولا صابرا عنه وهذا من أعظم العذاب أن ترى ما لا صبر لك عنه ولا عن بعضه ولا قدرة لك عليه. قال الشاعر:
وكنت متى أرسلت طرفك رائدا * لقلبك يوما أتعبتك المناظر
رأيت الذي لا كله أنت قادر * عليه ولا عن بعضه أنت صابر
وهذا البيت يحتاج إلي شرح ومراده أنك ترى ما لا تصبر عن شيء منه لا تقدر عليه، فإن قوله: لا كله أنت قادر عليه نفي لقدرته على الكل الذي لا ينتفي إلا بنفي القدرة عن كل واحد واحد وكم ممن أرسل لحظاته فما أقلعت إلا وهو يتشحط بينهن قتيلا كما قيل:
يا ناظرا ما أقلعت لحظاته * حتى تشحط بينهن قتيلا
ولي من أبيات:
مل السلامة فاغتدت لحظاته *وقفا على طلل يظن جميلا
ما زال يتبع أثره لحظاته... حتى تشحط بينهن قتيلا
ومن العجب أن لحظة الناظر سهم لا يصل إلى المنظور إليه حتى يتبوأ مكانا من قلب الناظر
ولي من قصيدة:
يا راميا بسهام اللحظ مجتهدا * أنت القتيل بما ترمي فلا تصب
وباعث الطرف يرتاد الشفاء له * احبس رسولك لا يأتيك بالعطب
وأعجب من ذلك أن النظرة تجرح القلب جرحا فيتبعها جرح على جرح ثم لا يمنعه ألم الجراحة من استدعاء تكرارها. ولي أيضا في هذا المعنى:
ما زلت تتبع نظرة في نظرة *في إثر كل مليحة ومليح
وتظن ذاك دواء جرحك وهو في الـ * تحقيق تجريح على تجريح
فذبحت طرفك باللحاظ وبالبكا * فالقلب منك ذبيح أي ذبيح
وقد قيل: إن حبس اللحظات أيسر من دوام الحسرات . اهـ
وأما فوائد غض البصر فهي كثيرة، وقد ذكر ابن القيم رحمه الله في كتابه الجواب الكافي كثيرا منها مع زيادة لبيان مخاطر إطلاق النظر فقال:
وفي غض البصر عدة منافع..
أحدها: أنه امتثال لأمر الله الذي هو غاية سعادة العبد في معاشه ومعاده، وليس للعبد في دنياه وآخرته أنفع من امتثال أوامر ربه تبارك وتعالى، وما سعد من سعد في الدنيا والآخرة إلا بامتثال أوامره، وما شقي من شقي في الدنيا والآخرة إلا بتضييع أوامره.
الثاني: أنه يمنع من وصول أثر السم المسموم الذي لعل فيه هلاكه إلى قلبه.
الثالث: أنه يورث القلب أنسا بالله وجمعه عليه، فإن إطلاق البصر يفرق القلب ويشتته ويبعده من الله، وليس على العبد شيء أضر من إطلاق البصر فإنه يوقع الوحشة بين العبد وبين ربه.
الرابع: أنه يقوي القلب ويفرحه كما أن إطلاق البصر يضعفه ويحزنه.
الخامس: أنه يكسب القلب نورا كما أن إطلاقه يكسبه ظلمة، ولهذا ذكر سبحانه آية النور عقيب الأمر بغض البصر فقال: قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم، ثم قال إثر ذلك: الله نور السموات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح، أي مثل نوره في قلب عبده المؤمن الذي امتثل أوامره واجتنب نواهيه، وإذا استنار القلب أقبلت وفود الخيرات إليه من كل جانب، كما أنه إذا أظلم أقبلت سحائب البلاء والشر عليه من كل مكان، فما شئت من بدعة وضلالة واتباع هوى واجتناب هدى وإعراض عن أسباب السعادة واشتغال بأسباب الشقاوة فإن ذلك إنما يكشفه له النور الذي في القلب، فإذا فقد ذلك النور بقي صاحبه كالأعمى الذي يجوس في حنادس الظلام.
السادس: أنه يورث الفراسة الصادقة التي يميز بها بين المحق والمبطل والصادق والكاذب، وكان شجاع الكرماني يقول: من عمّر ظاهره باتباع السنة وباطنه بدوام المراقبة وغض بصره عن المحارم وكف نفسه عن الشهوات واعتاد أكل الحلال لم تخطئ له فراسة، وكان شجاع هذا لا تخطئ له فراسة. والله سبحانه يجزي العبد على عمله بما هو من جنس عمله ومن ترك شيئا عوضه الله خيرا منه، فإذا غض بصره عن محارم الله عوضه الله بأن يطلق نور بصيرته عوضا عن حبسه بصره لله، ويفتح له باب العلم والإيمان والمعرفة والفراسة الصادقة المصيبة التي إنما تنال ببصيرة القلب، وضد هذا ما وصف الله به اللوطية من العمه الذي هو ضد البصيرة فقال تعالى: لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون، فوصفهم بالسكرة التي هي فساد العقل والعمه الذي هو فساد البصر. فالتعلق بالصور يوجب فساد العقل وعمه البصيرة يسكر القلب، كما قال القائل:
سكران سكر هوى وسكر مدامة *ومتى إفاقة من به سكران
وقال الآخر:
قالوا جننت بمن تهوى فقلت لهم *العشق أعظم مما بالمجانين
العشق لا يستفيق الدهر صاحبه * وإنما يصرع المجنون في الحين
السابع: أنه يورث القلب ثباتا وشجاعة وقوة ويجمع الله له بين سلطان البصيرة والحجة وسلطان القدرة والقوة؛ كما في الأثر: الذي يخالف هواه يفر الشيطان من ظله. ومثل هذا تجده في المتبع هواه من ذل النفس ووضاعتها ومهانتها وخستها وحقارتها وما جعل الله سبحانه فيمن عصاه؛ كما قال الحسن: إنهم وان طقطقت بهم البغال وهملجت بهم البراذين فإن المعصية لا تفارق رقابهم، أبى الله إلا أن يذل من عصاه. وقد جعل الله سبحانه العز قرين طاعته، والذل قرين معصيته، فقال تعالى: ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين. وقال تعالى: وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ {آل عمران:139} والإيمان قول وعمل ظاهر وباطن، وقال تعالى: مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إليه يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ {فاطر: 10} أي من كان يريد العزة فيطلبها بطاعة الله وذكره من الكلم الطيب والعمل الصالح. وفي دعاء القنوت: إنه لا يذل من واليت ولا يعز من عاديت. ومن أطاع الله فقد والاه فيما أطاعه فيه وله من العز بحسب طاعته، ومن عصاه فقد عاداه فيما عصاه فيه وله من الذل بحسب معصيته.
الثامن: أنه يسد على الشيطان مدخله من القلب فإنه يدخل مع النظرة وينفذ معها إلى القلب أسرع من نفوذ الهوى في المكان الخالي فيمثل له صورة المنظور إليه ويزينها ويجعلها صنما يعكف عليه القلب ثم يعده ويمنيه ويوقد على القلب نار الشهوة ويلقي عليه حطب المعاصي التي لم يكن يتوصل إليها بدون تلك الصورة فيصير القلب في اللهب، فمن ذلك اللهب تلك الأنفاس التي يجد فيها وهج النار وتلك الزفرات والحرقات، فإن القلب قد أحاطت به النيران بكل جانب فهو في وسطها كالشاة في وسط التنور، لهذا كانت عقوبة أصحاب الشهوات بالصور المحرمة أن جعل لهم في البرزخ تنور من نار وأودعت أرواحهم فيه إلى حشر أجسادهم؛ كما أراها الله لنبيه في المنام في الحديث المتفق على صحته.
التاسع: أنه يفرغ القلب للفكرة في مصالحه والاشتغال بها، وإطلاق البصر يشتت عليه ذلك ويحول عليه بينه وبينها فتنفرط عليه أموره ويقع في اتباع هواه وفي الغفلة عن ذكر ربه، قال تعالى: ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا. وإطلاق النظر يوجب هذه الأمور الثلاثة بحسبه.
العاشر: أن بين العين والقلب منفذا وطريقا يوجب انتقال أحدهما عن الآخر، وأن يصلح بصلاحه ويفسد بفساده، فإذا فسد القلب فسد النظر، وإذا فسد النظر فسد القلب. وكذلك في جانب الصلاح فإذا خربت العين وفسدت خرب القلب وفسد وصار كالمزبلة التي هي محل النجاسات والقاذورات والأوساخ فلا يصلح لسكنى معرفة الله ومحبته والإنابة إليه والأنس به والسرور بقربه فيه، وإنما يسكن فيه أضداد ذلك. اهـ
وقال ابن القيم رحمه الله في روضة المحبين في خطورة نظر الحرام:
إطلاق البصر يوجب استحكام الغفلة عن الله والدار الآخرة ويوقع في سكرة العشق، كما قال الله تعالى عن عشاق الصور: لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ الحجر/72.
فالنظرة كأس من خمر، والعشق هو سكر ذلك الشراب، وسكر العشق أعظم من سكر الخمر؛ فإن سكران الخمر يفيق، وسكران العشق قلما يفيق إلا وهو في عسكر الأموات.اهـ
وقال رحمه الله في روصة المحبين:
الباب السادس في أحكام النظر وغائلته وما يجني على صاحبه: قال الله تعالى: قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون* وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن.... الآية، فلما كان غض البصر أصلا لحفظ الفرج بدأ بذكره، ولما كان تحريمه تحريم الوسائل فيباح للمصلحة الراجحة ويحرم إذا خيف منه الفساد ولم يعارضه مصلحة أرجح من تلك المفسدة لم يأمر سبحانه بغضه مطلقا بل أمر بالغض منه
وأما حفظ الفرج فواجب بكل حال لا يباح إلا بحقه فلذلك عم الأمر بحفظه.
وقد جعل الله سبحانه العين مرآة القلب، فإذا غض العبد بصره غض القلب شهوته وإرادته، وإذا أطلق بصره أطلق القلب شهوته. وفي الصحيح أن الفضل بن عباس رضي الله عنهما كان رديف رسول الله يوم النحر من مزدلفة إلى منى فمرت ظعن يجرين فطفق الفضل ينظر إليهن فحول رسول الله رأسه إلى الشق الآخر. وهذا منع وإنكار بالفعل فلو كان النظر جائزا لأقره عليه. وفي الصحيح عنه أنه قال: إن الله عز وجل كتب على ابن آدم حظه من الزنى أدرك ذلك لا محالة فالعين تزني وزناها النظر واللسان يزني وزناه النطق والرجل تزني وزناها الخطى واليد تزني وزناها البطش والقلب يهوى ويتمنى والفرج يصدق ذلك أو يكذبه. فبدأ بزنى العين لأنه أصل زنى اليد والرجل والقلب والفرج، ونبه بزنى اللسان بالكلام على زنى الفم بالقبل وجعل الفرج مصدقا لذلك إن حقق الفعل أو مكذبا له إن لم يحققه. وهذا الحديث من أبين الأشياء على أن العين تعصي بالنظر أن ذلك زناها، ففيه رد على من أباح النظر مطلقا. وثبت عنه أنه قال: يا علي لا تتبع النظرة النظرة فإن لك الأولى وليست لك الثانية
ووقعت مسألة ما تقول السادة العلماء في رجل نظر إلى امرأة نظرة فعلق حبها بقلبه واشتد عليه الأمر فقالت له نفسه: هذا كله من أول نظرة فلو أعدت النظر إليها لرأيتها دون ما في نفسك فسلوت عنها فهل يجوز له تعمد النظر ثانيا لهذا المعنى؟
فكان الجواب الحمد لله لا يجوز هذا لعشرة أوجه..
أحدها: أن الله سبحانه أمر بغض البصر ولم يجعل شفاء القلب فيما حرمه على العبد.
الثاني: أن النبي سئل عن نظر الفجأة وقد علم أنه يؤثر في القلب فأمر بمداواته بصرف البصر لا بتكرار النظر.
الثالث: أنه صرح بأن الأولى له وليست له الثانية، ومحال أن يكون داؤه مما له ودواؤه فيما ليس له.
الرابع: أن الظاهر قوة الأمر بالنظرة الثانية لا تناقضه والتجربة شاهدة به، والظاهر أن الأمر كما رآه أول مرة فلا تحسن المخاطرة بالإعادة.
الخامس: أنه ربما رأى ما هو فوق الذي في نفسه فزاد عذابه.
السادس: أن إبليس عند قصده للنظرة الثانية يقوم في ركائبه فيزين له ما ليس بحسن لتتم البلية.
السابع: أنه لا يعان على بليته إذا أعرض عن امتثال أوامر الشرع وتداوى بما حرمه عليه بل هو جدير أن تتخلف عنه المعونة.
الثامن: أن النظرة الأولى سهم مسموم من سهام إبليس، ومعلوم أن الثانية أشد سما فكيف يتداوى من السم بالسم؟!
التاسع: أن صاحب هذا المقام في مقام معاملة الحق عز وجل في ترك محبوب كما زعم وهو يريد بالنظرة الثانية أن يتبين حال المنظور إليه، فإن لم يكن مرضيا تركه فإذاً يكون تركه لأنه لا يلائم غرضه لا لله تعالى، فأين معاملة الله سبحانه بترك المحبوب لأجله.
العاشر: يتبين بضرب مثل مطابق للحال وهو أنك إذا ركبت فرسا جديدا فمالت بك إلى درب ضيق لا ينفذ ولا يمكنها تستدير فيه للخروج فإذا همت بالدخول فيه فاكبحها لئلا تدخل فإذا دخلت خطوة أو خطوتين فصح بها وردها إلى وراء عاجلا قبل أن يتمكن دخولها فإن رددتها إلى ورائها سهل الأمر وإن توانيت حتى ولجت وسقتها داخلا ثم قمت تجذبها بذنبها عسر عليك أو تعذر خروجها، فهل يقول عاقل: إن طريق تخليصها سوقها إلى داخل فكذلك النظرة إذا أثرت في القلب فإن عجل الحازم وحسم المادة من أولها سهل علاجه، وإن كرر النظر ونقب عن محاسن الصورة ونقلها إلى قلب فارغ فنقشها فيه تمكنت المحبة وكلما تواصلت النظرات كانت كالماء يسقي الشجرة فلا تزال شجرة الحب تنمى حتى يفسد القلب ويعرض عن الفكر فيما أمر به فيخرج بصاحبه إلى المحن ويوجب ارتكاب المحظورات والفتن ويلقي القلب في التلف والسبب في هذا أن الناظر التذت عينه بأول نظرة فطلبت المعاودة كأكل الطعام اللذيذ إذا تناول منه لقمة، ولو أنه غض أولا لاستراح قلبه وسلم. وتأمل قول النبي: النظرة سهم مسموم من سهام إبليس، فإن السهم شأنه أن يسري في القلب فيعمل فيه عمل السم الذي يسقاه المسموم فإن بادر استفرغه وإلا قتله ولا بد.
قال المروذي قلت لأحمد: الرجل ينظر إلى المملوكة؟ قال: أخاف عليه الفتنة كم نظرة قد ألقت في قلب صاحبها البلابل. وقال ابن عباس: الشيطان من الرجل في ثلاثة في نظره وقلبه وذكره، وهو من المرأة في ثلاثة في بصرها وقلبها وعجزها. اهـ
كما ننصحك بالجد والسعي العملي واستخدام ما تيسر من الوسائل المشروعة في هداية أهلك وعدم اليأس منهم، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي: لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم.
ويمكن أن تستعين عليهم باستزارة من له خبرة في الدعوة حتى يكلمهم، ووفر في البيت ما استطعت من النشرات والكتب والأشرطة المؤثرة فإنها نافعة بإذن الله.
واعلم أن من أنفع وأولى ما يجب الاعتناء به في علاج الانحرافات التركيز على تقوية الإيمان، وإصلاح القلوب، وإتقان الصلاة، والحرص على تقوية صلة النفوس بالله تعالى، والإكثار من الحديث عن الأسباب المعينة على خشية الله تعالى، والرغبة في ما عنده واستشعار مراقبته، والإكثار من الحديث عن الآخرة والقبر والجنة والنار والترغيب في ذكر الله تعالى، وتعليم الأحكام الشرعية، فقد روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: إنما نزل أول ما نزل منه سورة من المفصل فيها ذكر الجنة والنار، حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام، ولو نزل أول شيء لا تشربوا الخمر لقالوا: لا ندع الخمر أبدا، ولو نزل لاتزنوا لقالوا: لا ندع الزنا أبدا....
وفي الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم قال: ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب.
وقال تعالى: إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ {العنكبوت:45} وفي الحديث: وآمركم بذكر الله عز وجل كثيرا، وإن مثل ذلك كمثل رجل طلبه العدو سراعا في أثره، فأتى حصنا حصينا فتحصن فيه، وإن العبد أحصن ما يكون من الشيطان إذا كان في ذكر الله عز وجل. رواه أحمد والترمذي والحاكم، وصححه الألباني.
وقد دل الحديث على أن العلم بأحوال القبور والآخرة يقمع الشهوات والأهواء، وذلك حيث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا، وما تلذذتم بالنساء على الفرش، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله. رواه أحمد والترمذي وابن ماجه والحاكم، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي والألباني.
ولذا حض أهل العلم على مصاحبة أهل الخير ومخالطتهم ومجالستهم، والبعد عن رفقاء السوء واستدلوا لذلك بحديث مسلم في من قتل مائة نفس حيث أمره العالم بالانتقال من أرضه إلى أرض بها أناس صالحون ليعبد الله معهم فقال له: انطلق إلى أرض كذا وكذا، فإن بها أناسا يعبدون الله فاعبد الله معهم، ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء. وبحديث أبي داود: الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل. وبحديث أحمد: لا تصاحب إلا مؤمنا.
فابذل من وقتك ومالك وطاقتك في هداية الأهل وحاول شغل طاقاتهم وأوقات فراغهم بوضع برنامج رباني لكم، يشمل حفظ الأذكار اليومية المأثورة وبعض سور القرآن المرغب في حفظها، وتعلم بعض الآداب النبوية في الحياة اليومية، وتعلم الأحكام الشرعية، ومطالعة كتب الترغيب والسيرة وقصص الأنبياء وأعلام السلف،
وحاول أن تستعين ببعض الشباب الطيبين في عدم إعطاء وقت فراغ للوالد ليجلس أمام القنوات أو ينفرد بنفسه وأن بجلس أغلب وقته مع جلساء صالحين ليجروه للخير، فقد روى الشيخان عن أبي موسى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: مثل الجليس الصالح والسوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحا طيبة. ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد ريحا خبيثة.
وقال صلى الله عليه وسلم: المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل. رواه أبو داود والترمذي
فبرمج معهم جلسات عشاء لمجموعة قليلة من كبار الحي أو كبار أقاربكم حيث يتعشون ليلة هنا وأخرى هناك وليحضر معهم أحيانا إمام الحي وبعض المسنين الطيبين، ورغبوهم في أهمية الرياضة وفوائدها لكبار السن واشغلوهم بزيارة المرضى والمستشفيات والتعازي وزيارة المقابر والمشارح لعلهم يتذكرون الموت ويتعظون بما يرونه، وليكن خلال تلك اللقاءات إلقاء كلمات عابرة ترقق القلوب وتنشط للطاعات وتصرف عن الإدمان على المعاصي ولكنه يتعين أن يكون ذلك كله بحكمة ورفق وعدم تعنيف ولا جرح للمشاعر، فقد قال الله تعالى: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ {النحل:125}، وقال لموسى وهارون في شأن فرعون: فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى {طه:44}.
وقد حرص الرسول صلى الله عليه وسلم على هداية أبي طالب ودعائه للإسلام، فقال كما في حديث مسلم: يا عم قل: لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله.
وحبذا لو أمكن أن تسافروا ببعضهم لعمرة في وقت لا زحام فيه وفي الطريق وجلسات الاستراحة وفي مكان الضيافة تلقى كلمات يحرض فيها على التوبة والاستقامة وتشغل في السيارة بعض الاشرطة القرآنية وبعض المحاضرات المفيدة وركزوا على القرآن وقصص التائبين، فالقصص تزيل الملل ويذكر عبرها ما يصعب التصريح به، وأما القرآن فهو زاد الداعي ووسيلته المجربة النفع للإنذار والهداية؛ لقول الله تعالى: قُلْ إِنَّمَا أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ{الأنبياء:45}، ولقوله تعالى: قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي{سبأ:50}، ولقوله تعالى: وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً {الفرقان:52
وركزوا في الحديث والقصص عن فوائد التقوى والاستقامة والأعمال الصالحة وأنها سبب سعادة الدارين وقضاء الحاجات، فالإيمان والعمل الصالح هو مصدر عز الأمة وفلاحها ونصرها، وأمنها والدفع عنها والتمكين لها، ومحبة الله لها، وفتح أبواب البركات والحياة الطيبة، إلى غير ذلك من الوعود الصادقة المهمة، كما قال الله تعالى: قَدْ أَفْلَحَ المُؤْمِنُونَ {المؤمنون:1}، وقال الله تعالى: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ{المنافقون:8}، وقال تعالى: وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ{الروم:47}، وقال الله تعالى: الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ{الأنعام:82}، وقال تعالى: وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ {النور:55}، وقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا {مريم:96}، وقال الله تعالى: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ القُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ {الأعراف:96}، وقال الله تعالى: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ {النحل:97}. وقال: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً {الطلاق:4}. وقال: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ {الطلاق:2، 3}. وقال: وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {البقرة:189}. وقال الله تعالى: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ {البقرة: 45}
ومن أحسن ما يسلى به التذكير بما ينعم الله تعالى به على المؤمن في الجنة من الحور العين، وأنه كلما ارتفعت درجته كلما زاد نعيمه، وإن أحظى الناس بالظفر بالحور العين في الجنة هو أشدهم عفة في الدنيا. وما أحسن ما قاله ابن القيم في نونيته:
وأعفهم في هذه الدنيا هو الـ * أقوى هناك لزهده في الفاني
فاجمع قواك لما هناك وغمض الـ * عينين واصبر ساعة لزمان
ما هاهنا والله ما يسوى قلا * مة ظفر واحدة تُرى بجنان
إلا النقار وسيء الأخلاق * مع عيب ومع نقصان
هم وغم دائم لا ينتهي * حتى الطلاق وبالفراق الثاني
والله قد جعل النساء عوانيا * شرعا فأضحى البعل وهو العاني
لا تؤثر الأدنى على الأعلى فإن * تفعل رجعت بذلة وهوان
واشربوا زمزم وتمنوا على الله تحقيق طموحاتكم وهداية الأهالي، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ماء زمزم لما شرب له. رواه أحمد وابن ماجه والحاكم، وصححه الألباني.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: زمزم طعام طعم، وشفاء سقم. رواه ابن أبي شيبة والبزار، وصححه الألباني في الترغيب. وفي الحديث أيضاً: خير ماء على وجه الأرض ماء زمزم، فيه طعام الطعم، وشفاء السقم. رواه الطبراني وابن حبان، قال المنذري: رواة الطبراني ثقات، وحسنه الألباني.
وحاولوا تسليتهم عن التمثيل المنحرف والأغاني المحرمة ووسائل الترفيه المصحوبة بالحرام بفتح بعض القنوات التي تأتي ببعض التمثيل الهادف الذي يسعى لنشر الفضيلة والترويج لها، وإنشاد الأناشيد الهادفة والترفيه المباح الذي سلم من المحاذير الشرعية كالموسيقى وتصوير النساء العاريات ونشر الأفكار الباطلة التي غرسها أهل الباطل
ومن أحسن ما يحكى في التحايل لهداية الأقارب ما ذكر ابن كثير في البداية والنهاية أنه قال ابن إسحاق: لما رجع الأنصار الذين بايعوا رسول الله ليلة العقبة الثانية إلى المدينة أظهروا الإسلام بها وفي قومهم بقايا من شيوخ لهم على دينهم من الشرك منهم عمرو بن الجموح بن زيد بن حرام بن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة، وكان ابنه معاذ بن عمرو ممن شهد العقبة، وكان عمرو بن الجموح من سادات بني سلمة وأشرافهم، وكان قد اتخذ صنما من خشب في داره يقال له مناة كما كانت الأشراف يصنعون يتخذه إلها يعظمه ويطهره، فلما أسلم فتيان بني سلمة ابنه معاذ ومعاذ بن جبل كانوا يدلجون بالليل على صنم عمرو ذلك فيحملونه فيطرحونه في بعض حفر بني سلمة وفيها عذر الناس منكسا على رأسه، فإذا أصبح عمرو قال: ويلكم من عدا على إلهنا هذه الليلة! ثم يغدو يلتمسه حتى إذا وجده غسله وطيبه وطهره ثم قال أما والله لو أعلم من فعل بك هذا لأخزينه، فإذا أمسى ونام عمرو عدوا عليه ففعلوا مثل ذلك، فيغدوا فيجده في مثل ما كان فيه من الأذى فيغسله ويطيبه ويطهره، ثم يعدون عليه إذا أمسى فيفعلون به مثل ذلك، فلما أكثروا عليه استخرجه من حيث ألقوه يوما فغسله وطهره وطيبه ثم جاء بسيفه فعلقه عليه ثم قال له: إني والله ما أعلم من يصنع بك ما أرى فإن كان فيك خير فامتنع هذا السيف معك، فلما أمسى ونام عمرو عدوا عليه فأخذوا السيف من عنقه ثم أخذوا كلبا ميتا فقرنوه به بحبل ثم ألقوه في بئر من آبار بني سلمة فيها عذر من عذر الناس، وغدا عمرو بن الجموح فلم يجده في مكانه الذي كان به فخرج يتبعه حتى إذا وجده في تلك البئر منكسا مقرونا بكلب ميت، فلما رآه أبصر شأنه وكلمه من أسلم من قومه فأسلم برحمة الله وحسن إسلامه، فقال حين أسلم وعرف من الله ما عرف وهو يذكر صنمه ذلك وما أبصر من أمره ويشكر الله الذي أنقذه مما كان فيه من العمى والضلالة ويقول:
والله لو كنت إلها لم تكن * أنت وكلب وسط بئر في قرن
أف لملقاك إلها مستدن * الآن فتشناك عن سوء الغبن
الحمد لله العلي ذي المنن * الواهب الرزاق ديان الدين
هو الذي أنقذني من قبل أن * أكون في ظلمة قبر مرتهن اهـ
هذا.. ونوصيك بحمل نفسك على حب الوالد والبر به، فقد أمر الله بالإحسان إلى الوالدين، فقال: وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً {البقرة:83}، وقد حض النبي صلى الله عليه وسلم على إرضائهما، فقال: رضى الرب في رضى الوالدين، وسخط الرب في سخط الوالدين. رواه الترمذي والحاكم، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي والألباني.
ويمكن أن ترغبه في الزواج بزوجة جديدة لتسليه عن التعلق بنظر صور الفاجرات، ويدل لذلك ما في حديث الصحيحين: من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء. وفي الحديث: من رزقه الله امرأة صالحة فقد أعانه على شطر دينه فليتق الله في الشطر الثاني. رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي.
وقد وعد الله تعالى من تزوج رغبة في العفة بالإعانة والغنى، فقال تعالى: وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ {النور:32}، وفي الحديث: ثلاثة حق على الله عونهم: المجاهد في سبيل الله، والمكاتب يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف. رواه الترمذي والنسائي وأحمد وابن ماجة والحاكم وصححه ووافقه الذهبي
و نَمّ في نفسك وفي أهلك مراقبة الله تعالى والاستحياء منه في السر والعلن، فهو القائل جل جلاله: وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ {الحديد:4}، فلا يليق بالعبد أن يقابل نعم ربه عليه بأن يعصيه وربه ناظر إليه مراقب لحركاته وسكناته. وقد سئل الجنيد: بم يستعان على غض البصر؟ قال: بعلمك أن نظر الله أسبق من نظرك إليه.
وقال الحارث المحاسبي: المراقبة: علم القلب بقرب الرب، كلما قويت المعرفة بالله قوي الحياء من قربه ونظره.
وحاول أن تبعث رسالة عبر الحوال للوالد من رقم لا يعرفه، ووضح له فيها أن تتابع النظر إلى القنوات الهابطة قد يؤدي بصاحبها إلى الوقوع في الحرام، بل إلى تقليد ما يراه،
فالبداية النظر والنهاية الوقوع في المحظور كما قال ابن القيم في الجواب الكافي:
والنظر أصل عامة الحوادث التي تصيب الإنسان، فإن النظرة تولد الخطرة، ثم تولد الخطرة فكرة، ثم تولد الفكرة شهوة، ثم تولد الشهوة إرادة، ثم تقوى فتصير عزيمة جازمة، فيقع الفعل ولا بد، ما لم يمنع مانع، ولهذا قيل: الصبر على غض البصر أيسر من الصبر على ألم ما بعده. اهـ
وفي تتابع النظر إلى تلك المواقع الفاسدة مضار أخرى من جوانب متعددة، ومنها: موت الإحساس ؛ لأن " كثرة المساس تفقد الإحساس " – كما يقولون – فلن يعود هذا الأمر منكراً – بعد فترة – وستتعود على النظر، وهو علامة على موت القلب وفقدان الحس الشرعي تجاه المعصية.
والله أعلم.